مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث والثلاثون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثالث والثلاثون
اقرأ أيضا: روايات رومانسية
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثالث والثلاثون
في وقتٍ متأخرٍ من ظهيرة اليوم التالي قامت مريم بالاتصال بشقيقها لمعاتبته على تقاعسه في أداء واجبه كأب أولًا وزوج ثانيًا، بعد أن علمت من كرم أنه اتفق مع يسر على ذهابها إلى الطبيب بصحبةزوجها، وتفاجئها أن يسر ما زالت غافية وهو ذهب في وقتٍ مبكرٍ إلى الشركة لإنهاء بعض الأعمال، استنكر ما قالته وأقسم لها أنه ذهب لعمله ظنًا منه أن يسر ستذهب مع كرم ككل مرة، فنصحته بالحضور والاهتمام قليلًا بزوجته خاصة بعد تحذيرات الطبيب في الزيارة الأخيرة من خطورة ارتفاع ضغط الدم، فما كان منه سوى الانصياع لرغبتها والتفكير بمخاطر حالة الشد والجذب التي تحدث بينهما وتأثيرها المباشر على صحتها، خاصة بعد ملاحظته لإهمالها لصحتها للحد الذي جعلها لا تذهب للاطمئنان على صحة جنينها.
هب مندفعًا إلى الغرفة كالاعصار، ناويًا توبيخها بشدة عما بدر منها، وعن اهمالها لصحتها وجنينها، لكن فور رؤيته لها وهي غافية على السرير في براءةٍ طفوليةٍ، وخصلات شعرها البنية تتناثر على وسعادتها في هيئة كفيلة أن تسقطه في بحور عشقها التي يجاهد ألا يسقط في أعماقها، فكرامته تأبى الرضوخ لسحرها، في حين حدادها على عزيزها في أوجه، اقترب منها على مهلٍ وعيناه مسلطة على تلك النجمة اللامعة القابعة في إصبعها، رغم ما دار حول هذا الارث من أقاويل وروايات وحروب رغم أنها ليست المرأة الأولى التي ارتدته، لكنه أقسم أنه لا يليق إلا بها وكأن النجمة خلقت لترتديها يسر وليعانقها القمر وكأن القدر كتب عليه أن تبقى يسر بين أحضانه طوال العمر، قدره وقدرها فلِمَ الهرب طالما المواجهة آتية لا محالة!
عقد ما بين حاجبيه ونادى عليها بحدةٍ قاصدٍ رسم معالم الجدية على حديثه منذ البداية، فاستيقظت فزعة و قالت وهي تحدق به متعجبة:
"مراد، ماذا هناك؟"
نفض الدثار عنها وقال بعض أن طالعها بغضبٍ:
"يسر انهضي بيننا حديث يتوجب علينا إنهائه الآن"
فركت وجهها في وهنٍ وقالت:
"أي حديث الآن أتركني، ينتابني النعاس كثيرًا"
"هذا ليس نعاسًا يا زوجتي المصون، إنه دوار، أي امرأة حامل تبقى للساعة الثالثة عصرًا بدون تناول الدواء والطعام؟ يسر إن كنتِ تودين التخلص من علاقتنا بتخلصكِ من ابننا ما ذنب عائلتكِ ألا تفكرين كيف ستكون حالتهم إن أصابكِ مكروه؟"
حدقت به لا تصدق ما يتفوه به، وهدرت:
"ماذا تخلصي من ابننا! هل جننت أتتخيل أنني أحاول قتل ابني؟"
نهضت فجأة فأصابها الدوار كادت أن تسقط لكنه حاوط جسدها بذراعيه،وقال معاتبًا:
"لا أتخيل ذلك بل متأكدًا، انتظريني هنا دقائق وسأعود"
مرت عدة دقائق وهي جالسة على السرير كما تركها تلقي بجسدها عليه بوهنٍ، كقطعة من القماش وجهها شاحب، عينيها ذائغتان هرب منهما الحياة، دلف يحمل صينية من الطعام بالاضافة إلى كوبٍ من الحليب بين يديه، ثم جلس بجوارها واضعًا الطعام بينهما وقال وهو يرمقها بغضبٍ:
"هيا لتناولين طعامكِ هذا المسكين ليس له ذنب فيما يحدث"
نفضت يده بعيدًا عنها وقالت:
"لا تتحدث وكأنني أحاول قتل ابني"
"حسنًا لن أتفوه بحرفٍ يكفي أن تتناولين طعامكِ ودوائكِ"
يعلم جيدًا أن ما سيقوله سيحزنها كثيرًا، وليس متأكدًا من نتيجة حديثهما لذا أراد الاطمئنان عليها أولًا، أما هي فكانت تغضب من حديثه وهجومه لكنها سعيدة جدًا باهتمامه، تنظر له وكأنها تتوسل له كي يعاتبها فتوضح له ما تفكر به ويؤرق مضجعها لعلها تنهار فتبكي ويجذبها إلى أحضانه تلك اللحظة التي تنتظرها منذ أشهر، لذا تناولت بعض اللقيمات بصمتٍ ثم دفعت الصينية بعيدًا عنها فقال:
"ماذا هناك،هل انتهيتِ؟"
"نعم"
أطلقت عينيه شرارات لهب ود ولو أحرقتها تلك المتغطرسة وقال:
"يسر انهي طعامكِ وتناولي كوب الحليب، فاض الكيل منكِ ألا تري حالتكِ!"
إنها اللحظة المنتظرة ولن تضيع فرصة التحدث معه فقالت:
"وهل تُعني لكَ حالتي!"
"بالطبع وإلا لِمَ أترك أعمالي وأجلس بجانبكِ أطعمكِ كالطفل الصغير؟"
"تفعل ذلك من أجل طفلكَ "
قرر طعنها بنفس السكين فقال:
"وهل كان ابني موجودًا عندما اعتنيت بكِ بعد وفاة والدكِ، عندما وقفت بجانبكِ، عندما هربت بكِ كي لا يصلك ما يفعله ابن عمكِ؟ أنهي طعامكِ يا يسر لديكِ عائلة ستحزن من أجلكِ"
"وهل أنت من ضمن أفراد هذه العائلة؟ "
"إجابة هذا السؤال لديكِ، ما رأيكِ هل أن فرد من أفراد عائلتكِ؟"
اغرورقت عينيها بالدموع فقالت بصوتٍ مختنق:
"المفترض أنكَ عائلتي بأكملها"
"عجيب أمركِ يا فتاة! يسر أنتِ لأشهر تبكين كرم بشرفة غرفتنا، تبكي وفاة زوجكِ السابق بشرفة غرفة زوجكِ أي النساء أنتِ؟"
ها هي بوابة إزاحة الأثقال من فوق صدرها فُتحت لها ولابد أن تخرج منها مهرولة، نهضت ودارت حول نفس ثم قالت وصدرها يعلو ويهبط من فرط توترها:
"لنتفق بالبداية ليس زوجي، كان خطيبي وما بيننا كان عقد قران"
كاد يقاطعها فتابعت وهي تشير له:
"وأنا لست بخائنة حتى أبكي غيرك بشرفتكَ"
فاض الكيل وتأرجح مشاعرها وأفكارها بات يزعجه فهدر بها:
"يسر لا أعلم هل ما تقومين به جنون أم أنها هرمونات الحمل، زوجة تتوسل لخطيبها السابق وعشق طفولتها كي لا يقتل نفسه، تسامحه، تصرخ عند وفاته، يطلب منها أن تعانقه فتفعل، لأشهر خطابه لا يفارقها، تبتعد عن زوجها شيءٍ فشيءٍ، كيف لا تكون خائنة؟ يسر لقد طلب أن يفارق الحياة وهو يتنفس عطركِ وفعلتِ ذلك أمام عيني"
وضعت يدها على فمها لا تصدق ما يقوله، ثم سألته:
"إذًا أنا خائنة؟"
"وماذا تفعل الخائنة غير ذلك"
تبادلا النظرات لبعض الوقت، نظرت لوم وعتاب على ظلم بين، نظرات حسرة على مشاعر وأشياء لم يُكتب لها الحدوث، نظرات صدمة عندما أدرك صاحبها فداحة ما تفوه به، نظرات استسلام لقدر لن يجمعهما سويًا، نظرات حزن على عشق لن يروى بأساطير العاشقين، قطع سيل نظراتهما كلمات مراد عندما قال:
"يسر أعتذر لقد خانتني كلماتي لم أقصد الخيانة بمعناها بل قصدت............"
قاطعته قائلة:
"أفهم مقصدك، لكن دعني أخبرك عدة أمور من شأنها توفير عليك طريق طويلة من المعاناة والشك"
توجهت صوب الأريكة وجلست ثم طلبت منه الجلوس جانبها، انحنت بجزعها إلى الأمام و قبضت كفي يديها وراحت تفركهما ببعضهما البعض، ثم حدقت بالفراغ من أمامها و استرسلت بالحديث قائلة دون أن تنظر له:
"لننسى كل ما حدث، لننسى كيف ولِمَ تزوجنا، لننسى لِمَ عدنا بعد انفصالنا، ولننسى كيف أصبح يربط بيننا طفل ليس له ذنب بما يحدث، لنتذكر حقيقة واحدة أنتَ فعلت من أجلي ما لم يفعله أحد لذا تستحق التوضيح"
عاتبها قائلًا بعد أن قبض على ذراعها:
"هل لهذا فقط أستحق التوضيح! ماذا عما أشعر به؟"
"لننفض عن قلوبنا غبار مشاعرنا وننظر للحقائق، لا تقاطعني أرجوك، أجاهد كي لا أغمض عيناي وأغفو"
شدد من قبضة يده على ذراعها وقال بلهفة تنم على قلقه:
"يسر أنتِ بخير أنذهب للطبيب؟"
ابتسمت بتهكمٍ، كيف له أن ينعتها بالخائنة ويقلق حيالها هكذا؟أجابته:
"بخير يكفي أن تسمعني"
التفتت له وقالت:
"مراد من مات بين يدي ليس خطيبي الذي تركني قبل زفافنا بأيام، إن بكيت لأجله وسامحته لا يعني أنني أكن له مشاعر كالتي تكنها المرأة لزوجها، من أقرأ كلماته منذ أشهر ليس هذا الرجل الذي نشأت على عشقه، بل رجل توفت شقيقتي الصغرى على يده، يدليه ملوثة بدمائها، نعم هو لم يقتلها عن عمدٍ لكنه قتل ياسين عن عمد دون أن يرف له جفن، ظل يشاهد صرخات أخي بالمحاكم ولم يعترف أنه قاتلها، ظل صامتًا عن الحقيقة في حين قلوبنا تتمزق، استمتع بالحياة والحرية بينما خسر أخي حياته رالدنيا وآخرته، رجل استباح لنفسه أن يظلمني بإرسال تلك الصور إليكَ، أنا سامحته فقط من أجل رهف، من أجل ألا يموت شقيقها، أنا تجرعت مرارة الفقدان لم أرد أن تشعر بما شعرت به"
قاطعها:
"وماذا عن بكاءك لأشهر من أجله"
علمت أن الشك تملك منه فأرادت أن تخلصه من هذا الثقل وقالت:
"أنا لا أبكيه بل أبكي عائلتي"
ارتفع صوت بكاءها وبدا عليه الضجر وتابعت:
"افهمني أخسر اخوتي في قضية شرف، أخسر مكانتي بالمجتمع وأموالنا، أُنفى بشقةٍ أقل حجمًا من غرفتي بمنزل أبي، وأصارع الحياة والصحافة وامرأة مريضة كمنار، يبقى أبي سجينًا على كرسي متحرك أعمل وأتعرض للذل من أجل المال بينما عشق طفولتي ينعم بأموال أبي التي سرقها منه، أتزوج من رجل غريب عني حتى أنقذ سمعة عائلتي، تتدمر رهف وكذلك علاقة أبي وعمي، يعود كرم ويفعل ما فعل ننفصل بعد ما حدث بيننا أحمل بأحشائي طفلًا لم أخطط أنا ووالده انجابه بهذا الوقت، يعترف كرم بقتل ياسمين وينتحر ويحمل أمي ذنب ما حدث والأهم أنني ظلمت ياسين كثيرًا لم يقتل ياسمين لم أصدقه عندما كان يصرخ بهذا مات وهو غاضب مني والآن يأتي كرم ويخبرني أنه القاتل، وترك أخي يموت حماية لمنار، افهمني يا مراد أنا لا أبكي كرم أنا أبكي عائلتي، أتعلم انتهى نسل عائلتنا بموت كرم، خالي لا ينجب لن يصدح اسم عائلتي عاليًا بعد وفاته، أتسائل من أجل من فُقدت ثلاثة أرواح في ريعان شبابهم؟"
كانت تتحدث ودموعها تنهال على وجنتيها هذه هي الكلمات التي كانت تجثم على روحها وتنتظر أن يحادثها فتقولها له وتتخلص منها، كفكفت دمعاتها وقالت بعتابٍ صريحٍ:
" لكن المؤلم أكثر أنني لثلاثة أشهر أنتظرك تأتي إليّ، تمد ذراعيك عارضًا عليّ عناق يزيل ألم السنوات الماضية، يمحو ما فعله كرم، ما خطته منار بروحي، لكنني وجدتكَ تبتعد عني، فقط تتأكد من تناولي للطعام والدواء وذهابي مع خالي للطبيب"
حدقت به تحاول تعاتبه وتابعت:
"مراد ألم تشعر لمرة واحدة أنكَ تود رؤية طفلنا، ألم ينتابك القلق أن تطمئن على صحته، دعك من هذا ألا تريد أن تعلم إن كان صبي أم فتاة؟"
سألها:
"هل علمتِ أنتِ؟"
نهضت بنفاذ صبرٍ وكأنها أيقنت أنها تجاهد من أجل علاقة لم تبدأ بعد؛ فقالت:
"فتاة أم صبي، وهل هذا يفرق إن كان والده لم يشارك والدته مرة واحدة رؤيته أو سماع نبضات قلبه، إن كان والده يظن أن أمه تريد التخلص منه ما فائدة قدومه للحياة؟"
جذبها من ذراعها لتستقر بين يديه وقال وعينيه تغرق ببحر من الغيوم:
"إن كنتِ غاضبة منه هكذا وتحملينه مسؤلية ما حدث لمَ لا يفارق الحزن عينيكِ، لم تبتعدين عني؟"
نفضت ذراعه وابتعدت عنه وصرخت:
"لأنكَ لم تقترب، منذ البداية ومسؤولية علاقتنا تحت تصرفكَ، تركت لكَ القرار فيما يخص قلبي، قلت نتزوج فتزوجنا، قلت زواج صوري فأصبح، قررت أن تجعله حقيقي فسلمت لكَ ولا تنكر ذلك لو أردت لقتلتك ولا تلمس يدك طرف فستاني، شعرت أنكَ ندمت عما فعلت فقلت نتطلق ووافقت، أردت أن نعود فعدت، توددت مني فسمحت لكَ، كنت أرى اللهفة في عينيك كل ليلة فتظاهرت بالنوم حتى نتعانق لبضع دقائق، بكل مرة كنت تواجه كرم كنت أنصفكَ عليه، قل لي يا مراد أليس لهذا دلالة ما؟"
"مجنونة، إن كان هذا تفكيركِ لما تركتيني أتعذب لأشهر؟"
ابتسمت له قائلة:
"لأنكَ تستحق"
"ماذا!؟"
"نعم تستحق هذا وأكثر"
أشارت إلى قلبه وتابعت:
"هذا يتعلق بي، وينبض من أجلي"
ثم وضعت سبابتها على جبينه وقالت:
"وهذا ينسج الشكوك والحكايات، وطالما لم ينتصر أحدهما ستتعذب طوال حياتك وستعذبني معكَ، وأنا امرأة لدي من الهموم ما يكفيني، ولدي طفل لا أريد التخلص منه مطلقًا، لذا ليتعذب كل منا على حده"
التفتت لتذهب معلنة انتهاء حديثهما، فعلم أنها كتبت آخر كلمة بحكايتهما، فتقدم منها مسرعًا وحاوط خصرها بيديه مال بوجهه نحوها وقال وأنفاسه تعانقها محدثة زلزال يعصف بروحها:
"دعينا لا نتعذب، تعذبنا بما يكفي، لنبتسم"
تنهدت وأخيرًا حصلت على ما كانت تحلم به"عناقه" فمالت برأسها أكثر نحو صدره وأطلقت العنان لمشاعرها ويديه للحظات استسلمت لعشقه الجارف وقالت وكأنها لم تقرر الرحيل منذ لحظات:
"لأشهر انتظرت أن ارتمي بين يديكَ وأبكي حتى تجف دموع عيني ثم ابتسم وأخاصم الدموع وأعقد اتفاقية مع السعادة، أسعى من أجلها ولا تفارقني"
أدار جسدها إليه ثم عانق وجهها بيديه، فأزال دمعاتها بأنامله، بينما مثيلاتها تنساب بترويٍ من عينيه، بث حبه وعشقه وخوفه مما تضمره بقلبها إن كان له أو لغيره بنظراته، ضمها إليه بتملكِ وقال:
"أردت أن اطمئن على ابني حلمت باللحظة التي يقول بها الطبيب انها فتاة حتى أنني اخترت اسمها من الآن، نسجت بخيالي حكايات رائعة تجمعنا، لكن قلبك دومًا ما يُشعرني أنني غريب عنكِ، أشعر انني خارج إطار عائلتك"
"طالما تشعر هكذا لن تكون قريب مني مطلقًا"
مال بجبينه ليستند على جبينها وقال:
"لنبدأ من جديد"
فكرت للحظات عندما أدارت وجهها عنه كانت وضعت النهاية حقًا ولتكون النهاية غير متوقعة لابد وأن يتعلم الراوي المراوغة، فقالت:
"لنذهب إلى الطبيب"
ابتسم وكأنها اعطته الدنيا بين يديه و الحقيقة أنها جذبتها من أسفل قدمه، ثم قال:
" لنذهب"
**
نهضت بتكاسلٍ لتفتح الباب عندما سمعت صوت الجرس، لم تعتد بعد على القيام بالمهام المنزلية بعد الاستغناء عن عدد لا بأس به من الخدم، وهل يحتاج المرء من يعاونه في الأعمال المنزلية بمنزل بحجم غرفتين؟، قالت وهي تقترب من الباب:
"جئت، جئت"
جاءها صوت سمية من الخارج:
"هيا يا كسولة"
صدمت رهف من رؤية سمية بصحبة شقيقها فقالت:
"ماما سمية!"
عانقتها سمية بودٍ وقالت بصوتٍ حنون يتخلله البكاء:
"قلبها"
تبادلتا العناق للحظات ثم ألقت التحية على كرم ودعتهما للدخول إل أن يعود والدها من الخارج، لقد ذهب لينهي بعض الأعمال التي رفض الافصاح عنها، ربتت سمية على يدها وقالت:
"كيف حالك بُنيتي؟"
تنهدت براحة مصطنعة وقالت:
"بخير ماذا عساي أن أفعل"
"ابتسمي حبيبتي حتى تبتسم لكِ الحياة"
"هل ستفعل؟"
ابتسمت لها قائلة:
"وإن لم تفعل سأجبرها"
تنهد كرم براحة وقال:
"هيا يا كسولة استجمعي قوتكَ نحتاجكِ بالشركة"
قالت متفهمة:
" أي شركة؟"
" شركة الدالي"
" خسرنا اسهمنا لم يبقى لنا شيء حتى أن أحدهم قام بشراء الشركة البارحة، علمت ذلك بالصدفة"
" اتحدث عن شركتنا أنا وأنتِ ويسر، سنتشارك بشركة جديدة أعمل على تأسيسها، أنتِ ويسر ستشاركان بالاموال التي تركها كرم بالبنك وأنا سأنهي جميع أعمالي ونبدأ من جديد ليدوي صدى صوت عائلة الدالي من الجديد"
حتى وإن كانت على علم بماهية تلك الأموال لكنها ابتسمت فحديثه بمثابة بارقة أمل ويشي بأن الأجمل قادم، قاطع حديثهما جرس الباب فنهض كرم ليستقبل الزائر لحظات وارتفع صوت تأنيبه لأحدهم بينما يدافع الآخر عن نفسه، قالت رهف وهي تنهض بتعجبٍ:
"حمزة!"
دلف كرم إلى غرفة استقبال الضيوف وهو يحاول كبح غضبه بينما يتضرج وجه حمزة بحمرة الخجل بسبب الموقف المحرج الذي وضع نفسه به، قال كرم معاتبًا رهف:
"هل تستقبلين المتطفلين أثناء غيابنا يا ابنة نجيب؟"
نهضت لا تصدق ما يحدث وقالت :
"حمزة ماذا تفعل هنا؟"
"أهاتفك منذ ساعات ولا أستطيع الوصول إليكِ فجئت"
ابتسمت سمية على حالتهما وتصنع كرم الغضب، فهي تثق برهف خاصة أن حمزة زوجها ولا عيب من زيارته لها، وتعلم أن كرم يفعل ذلك لتحريك الأجواء، فرهف بحاجة إلى القليل الحياة والسعادة، فحاولت مجاراة كرم فيما يفعل وقالت:
"صحيح يا رهف هل يأتي حمزة إلى هنا دومًا في غياب نجيب؟"
ارتبكت رهف بينما ندم حمزة على تهوره وود لو فكر لمرة واحدة قبل تهوره، رمقته بنظرات ثاقبة ثم دافعت عن نفسها قائلة:
"لا،لا لم يأتي قبل أن يأخذ موعدًا، كما أن أبي يكون بالمنزل دومًا"
غضب من خوفها المبالغ به وتبريرها لتواجده خاصة عندما ذكرت أمر أخذه موعد قبل حضوره، فقال:
"ماذا هل أنا بحاجة إلى موعد كي أرى زوجتي"
قال كرم:
"طالما هي زوجتكَ، لِمَ تتركها هنا، خذها وخلصنا من بكائها"
عاتبته:
"بكائي وهل أنا أبكي من رصيد دموعكَ أنتَ! "
ابتسمت سمية وقالت:
"وهل جعلتِ للدموع رصيد يا بُنيتي"
"وللصدمات أيضًا، ما بكما وكأنكما تحملاني فوق أكتافكما!"
أدرك حمزة ما يحدث فانضم إليهما وقال لها:
" لن أترككِ لهم من بعد الآن، سأخذكِ إلى منزلي"
ابتسمت بصدمةٍ وقالت غير مصدقة ما يحدث:
" هل أصابكم الجنون وأنتَ لما جئت حقًا"
أجابها كرم هذه المرة:
"جاء لنكتشف ما تفعلان يا لئيمة، فور مجيء ابن عمي سيصلح هذا الدخيل خطأه ويأخذكِ إلى منزله"
صاح حمزة:
" نعم نعم أخطأت ولابد أن أصلح هذا الخطأ"
وظلت رهف فريسة لخطة وضعت ونفذت بمحض الصدفة إلى أن جاء والدها وشارك كرم وسمية وحمزة خطتهم التي انتهت زيارتهم على تحديد الزفاف بنهاية الاسبوع، الأمر كان سهل جدًا خاصة أنه حفل بسيط بدون أي مراسم أو مظاهر احتفال، وإنهاء حمزة من تجهيز المنزل بالفترة الماضية سهل الأمر عليهم، رفضت رهف بالبداية لكن وجود سمية جعلها تقتنع بسهولةٍ، قام حمزة بإخبار صديقه عبر الهاتف عما اتفقوا عليه، بارك له لكنه آثر اخفاء الأمر عن يسر التي كانت تتجهز من أجل الذهاب إلى الطبيب.
في غرفة المعاينة الخاصة بالطبيب المعالج ليسر جلس مراد يتابع بترقبٍ معاينة الطبيب لها، كاد قلبه يتوقف عندما استدعاه الطبيب ليقف بالقرب من زوجته، شعر الطبيب بحالة التوتر القائمة بينهما فأراد أن يساعدهما ويجبرهما على التقارب خاصة بعد ملاحظته لتأثرها الشديد بالمرات السابقة في المعاينة وارتفاع ضغط دمها بشكل ملحوظ، قال وهو يتابع المعاينة عبر جهاز الكشف بالموجات فوق الصوتية:
"عانق أيدي زوجتكَ سأطلعكما على خبرٍ سار الآن"
ابتسمت يسر و فهمت ما يقصد لقد أخبرها المرة السابقة أنه سيطلعها على جنس الجنين في المرة القادمة، وهذا سبب رغبتها في مجيء مراد معها أرادت أن يتشاركا هذا الخبر، وهل تود الفتاة شيء سوى أن يشاركها زوجها في لحظة كتلك، أما مراد توتر وكاد أن يتعرقل في سيره من فرط توتره.
"طالما هذا مولودكما الأول مؤكد لديكما توقعات حول جنسه"
قالها الطبيب ليصيب مراد بالتوت في أكثر جزء به رهبًا، الجزء الذي ينبض من أجل يسر وطفلهما فتطلع بها يحاول قراءة ما يجول بعقلها بنظراتها، لعله يرى العشق بعينيها حتى وإن لم تصارحه به فلم يرى سوى ارتباك لم يعهده بها من قبل، رغم ما يحدث بينهما، رغم توتر علاقتهما، رغم ظروف زيجتهما المختلفة إلا أنه فوجئ بها تمد يدها طالبة معانقة يده فقبض عليها وانحنى ليطبع عليها قبلة كفيلة أن تجعلها تصرخ بحبه، قال الطبيب قاطعًا سيل مشاعرهما عندما لم يحصل على إجابة:
" أيها الأب المرتبك، هل تريد معرفة جنس طفلك الأول؟"
"لا يفرق جنسه بشيء المهم أنه يأتي معافيًا بصحة جيدة، هذا الصغير سيعيد لي شغف الحياة بعد أن فقدته، سيظل له مكانة بقلبي وإن أنجبت عشرة أطفال من بعده ، المهم أن يأتي"
قالت يسر وهي تطلع بمراد بنظراتٍ حائرةٍ تضمر بداخلها الكثير:
"فتاة، يريدها فتاة"
قال الطبيب:
" ابنة أبيها إذًا، ليبارك لكما ربي بها، يسر موقفكِ صعب من الآن، هذا الرجل سيسرق عقل ابنتك"
مازحهما كعادته في لحظة اخبار أي زوجين بجنس طفلهما، لكن صُدم من ارتجاف جسد يسر ودموع مراد التي لم يستطع كبحها؛ فعلم أنه أمام ملحمة عشق ستكللها تلك الصغيرة بقدومها، اقترب مراد من شاشة الجهاز ثم مرر يده عليها بتوترٍ وقال:
" هل هذه ابنتي؟ "
"نعم هنا هذا الجزء الصغير الذي يتحرك، أنظر هذه يدها وهذا الجزء رأسها، صغيرة لكن ستكبر يومًا بعد يوم المهم أن تهتم بصحة والدتها كي لا يرتفع ضغط دمها أكثر "
اغمض عينيه ثم التفت نحو يسر وقال:
" لن أسمح لنسمة الهواء أن تمر بجانبها حتى"
انتهت زيارتهما للطبيب على خير وخرج كل منهما من غرفة الكشف شخص مختلف تمامًا، مراد يرسم بمخيلته الكثير من الأحلام ويسر تفكر كيف ستنفذ ما قررته، هذه الصغيرة ستكون ابنة أبيها حقًا،وما زاد من سعادتهما هو اخبارها بتحديد موعد زفاف رهف.
طلب منها أن تجلس إلى أن يذهب ليحضر الأدوية ويعرضها على الطبيب كي يتأكد من الإرشادات والتعليمات، وافقت وأخيراً ستتنفس بعيدًا عنه قليلًا، غسعادته تؤثر على قرارها بالسلب.
التفتت تطالع من حولها في مرارةٍ ثم خفضت نظراتها إلى الأسفل وقالت ودموعها تنساب بهدوء على وجهها:
"لنستغل هذه اللحظات يا صغيرتي لنبتسم، لنتدلل عليه لن تسنح لنا الفرصة من بعد الآن، لننعم بالحياة بقربه، سأعيش كل ما حرمت منه بهذا الأسبوع، سيكون لزفاف رهف ذكرى سيئة جدًا، والديك سيفترقا بتلك الليلة، ماذا هل حزنتِ؟ لا تحزني أنا أفعل هذا من أجلكِ، مراد لن يتغير لقد تملك منه الشك، وقف كرم بين عشقنا يا صغيرتي أنا لن أعيش مع رجل اتهمني من قبل بالخيانة، لن أجعلك تشهدين على جدالنا المستمر، لن تصبحي طفلة معقدة تستيقظ على صراخ والديها، لكن هذا لا يُعني أنه رجل سيء على العكس والدك أكثر رجل حنون عرفته، سيكون أبًا رائعًا وستكون علاقتكما جميلة كأب وابنته، ستكوني ابنة والدكِ، ستشبهينه، لا تشبهيني أرجوك ليكن قدرك أجمل من قدر أمك يا صغيرة"
مالت بوجهها أكثر وقالت:
" سامحيني أعشقه لكنه لا يثق بي، وطالما الشك بقلبه لن ينبض باسمي مطلقًا"
إلي هنا ينتهي الفصل الثالث والثلاثون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا