مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع عشر من رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الرابع عشر
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الرابع عشر
المواجهة، هي الخطوة الأخيرة المتبقية في تحقيقه، لتكتمل كافة الأركان، ويتم إثبات التهمة على المذنبة الحقيقية، قبل إرسال الأوراق الرسمية إلى الجهة القضائية، للنظر في تلك الدعوى، لهذا في الموعد المتفق عليه، وبعد استدعاء الأطراف المنوطة بالشهادة، انتظر المحقق قدوم كلاً من "حمدية" و"آمنة" من غرفة الاحتجاز للالتقاء بالشهود، وكانت البداية مع المرأة التي التقت بها "حمدية" مصادفة عند البقالة، حيث استدرجتها في الحديث لتخرج منها بمعلوماتٍ عن "خليل" مدعية آنذاك أنها قريبته. تعرفت عليها تلك السيدة على الفور، وهتفت مستخدمة سبابتها في الإشارة نحوها:
-هي دي اللي قابلتها يا سعات الباشا.
تنفست "آمنة" الصعداء، ورفعت بصرها للسماء تشكر المولى سرًا، فدلائل براءتها تظهر تدريجيًا، في حين صرخت "حمدية" ناكرة معرفتها بهذه السيدة:
-إنتي كدابة، هو أنا شوفتك قبل كده؟
أكدت المرأة بشدة، وعيناها تشتعلان في غضبٍ لكذبها الواضح:
-أيوه شوفتيني، واتكلمت معاكي، بأمارة ما قولتيلي إنك معرفة الأستاذ "خليل" من البلد، ووريتك مكان بيته، ده أنا كان ناقصني شوية وأطلع شقتي تقعدي معايا.
التفتت "حمدية" ناظرة نحو المحقق، وأصرت على كذبها بقولها:
-محصلش.
صاحت بها المرأة؛ وكأنها على وشك مهاجمتها:
-إنتي كدابة...
ثم نظرت إلى المحقق، وتابعت باقي جملتها، موجهة أصابع الاتهام نحوها:
-يا بيه هي نفس الست اللي اتكلمت معاها، وأنا مابنساش حد شوفته.
هز رأسه بهدوءٍ، بينما واصلت "حمدية" هتافها المليء بالإنكار:
-دول بيفتروا عليا، أنا واحدة ولادي ماتوا، وراحوا مني، إزاي هـ....
قاطعها المحقق بصرامةٍ:
-مالوش لازمة الكلام ده.
ثم أمر المعاون الجالس إلى جواره بتدوين ما حدث، وأخذ توقيع المرأة على أقوالها، لينتقل بعدها للشاهدة التالية؛ وكانت الجارة "أم دعاء"، والتي بدورها تعرفت أيضًا على "حمدية"، لتؤكد هي الأخرى، وكامل نظراتها عليها:
-أيوه يا باشا، دي الست اللي شوفتها عند "سماح" اللي يرحمها، وقت ما سبت مفتاح الشقة معاها
احتقن وجه "حمدية"، وصرخت مستنكرة اعترافها بعصبيةٍ شديدة:
-هو إنتي جاية ترمي بلاكي عليا؟
قالت الجارة بنبرة متهكمة، ونظراتها الساخطة تتجول عليها:
-أعوذُ بالله، الخِلقة دي سهل الواحد يفتكرها.
سألها المحقق من جديد، لتكون الإجابة قاطعة كذلك:
-يعني مش الست اللي واقفة جمبها؟
وكانت نظراته موجهة نحو "آمنة"، تطلعت إليها الجارة، ونفت عنها التهمة دون تفكيرٍ:
-لأ دي ماشوفتهاش قبل كده...
حملقت مرة أخرى في ملامح "حمدية" المتجهمة بغلٍ، وأضافت مشيرة بإصبعها ناحيتها:
-هي دي يا بيه، وحتى بالأمارة كانت لابسة نقاب، ورافعة البرقع عن وشها.
نفت "حمدية" كلامها بالتمسك بكذبها، فرفعت نبرتها لتصيح في وجهها بحدة:
-أنا ما عمريش لبست نقاب، حرام عليكي، اتقي الله.
هددها المحقق بعد أن بدا صراخها خارجًا عن السيطرة:
-اسكتي أحسنلك.
رفضت الانصياع لأمره، وقالت ببكاءٍ حاولت استدعائه:
-يا بيه دول بيفتروا عليا، أنا غلبانة ومظلومة...
استشاطت نظراتها، واستدارت تحدج شقيقة زوجها بكل ما فيها من كراهية، واتهمتها علنًا:
-"آمنة" هي اللي عملت كده.
شهقت في ارتعابٍ، وقالت برجفةٍ مذعورة:
-والله العظيم ما حصل، أنا عمري ما فكرت أذي حد.
قال المحقق ببساطة:
-الحقيقة معروفة يا ست "آمنة".
هتفت "حمدية" بنزقٍ، وهي تلطم على صدغيها، لتثير التعاطف حولها:
-كلكم موالسين مع بعض عشان تودوني في داهية، إنتو بتكرهوني ليه؟ عايزين تلبسوني حاجة معملتهاش، وعيالي لسه آ...
لم يبدُ المحقق متأثرًا بما تفعله، بل بدا نافرًا منها، لم ينتظر انتهاء نوبة عويلها، وقاطعها بلهجته الرسمية الصارمة:
-فوقي من شغل الجنان ده، إنتي في كارثة.
أبعد نظراته عنها، وأكمل أوامره للجارة:
-امضي على أقوالك.
ردت عليه "أم دعاء" بخنوعٍ:
-حاضر يا باشا،...
ثم دمدمت مضيفة بتبرمٍ وهي تنهض من مكانها لتوقع بجوار المعاون:
-منها لله الظالمة، يتمت البنت، وكانت هاتجيب أجل السُكان كلهم.
صرفها المحقق ليأتي بالشاهدة الأخيرة، والتي حرص أن يستقبلها بنفسه، وبمفردها، ليزيل أي رهبة تعتريها، عندما ترى قاتلة والدتها بالداخل؛ وإن لم تدرك هذا حرفيًا. حدقت "رقية" في وجه كلتيهما بنظراتٍ قلقة متوترة، وجه "حمدية" الغاضب كان باعثًا على الانقباض، بينما تعابير "آمنة" الحزينة كانت تدعو للإشفاق. أجلسها المحقق على حجره، وسألها بصوته الهادئ:
-مين فيهم عمتو اللي زارت ماما يا "رقية"؟
لحظات من الترقب سادت على الجميع، في انتظار سماع قولها الفاصل، وزعت "رقية" أنظارها على الاثنتين، ونطقت أخيرًا بعد صمتٍ قليل:
-دي عمتو!
كان ذراعها يشير نحو "حمدية"، التي انفجرت صارخة بجنونٍ أكبر:
-إنتي بتقولي إيه؟ مين دي اللي عمتو؟ هو أنا شوفتك قبل كده يا بت إنتي؟
كانت على وشك الهجوم عليها، والإطباق على عنقها، لولا تحذير المحقق الصارم الذي أوقفها في اللحظة الأخيرة:
-اهدي كده!
انتحبت ترجوه، بدموع التماسيح التي لم تساعد في تقوية موقفها:
-يا بيه كلهم متفقين مع بعض عليا، عايزين يلبسوني جريمة معملتهاش، عشان يطلعوا المجرمة الحقيقية براءة...
ثم صرخت في وجه "آمنة" بقولها:
-هي دي عمتها، ليه كلكم جايين عليا!
كان صياحها بلا طائل، تجاهلها المحقق، وركز انتباهه مع الطفلة، ليبدأ في سؤالها بهدوءٍ، قاصدًا الاستماع مجددًا لتفاصيل زيارتها المشؤومة:
-ها يا "رقية"، قوليلنا عمتو دي عملت إيه عند ماما؟
..................................................................
في موقف السيارات القريب من بلدته القديمة، صف شاحنته الصغيرة، تلك التي يعمل عليها حاليًا، أمام أحد المخازن، منتظرًا انتهاء العمال من تعبئة كراتين الزيت. تركهم يكملون مهمتهم على مهل، وأحضر لنفسه قهوة زهيدة الثمن من المقهى الموجود في الجهة المقابلة. رشفة تبعها بأخرى، قبل أن يمتزج مذاقها المرير العالق في جوفه، بطعم التبغ الرخيص الذي يدخنه. وقف "شيكاغو" مستندًا بظهره على مقدمة شاحنته الصغيرة، تلك التي يعمل عليها حاليًا، في نقل البضائع، من مكانٍ لآخر. تحركت أنظاره في اتجاه "حمص" الذي خاطبه بتبرمٍ:
-ها يا عمنا؟ خلصت ولا لسه؟ عايزين ننجز في أم الليلة دي، لسه مشوارنا طويل.
قال بنوعٍ من التنمر:
-مكانوش نفسين بنطيرهم في الهواء!
علق عليه بتهكمٍ:
-نفسين، تلاتة، إن شاءالله عشرة، خليك على وضعك، بس ماترجعش تبخ في وداني لما تسمع كلمتين مالهومش لازمة من المعلم "ناجي".
هتف في ضيقٍ، وهو يلقي بعقب سيجارته أسفل قدمه:
-خلاص يا عم "حمص"، أدي السيجارة طفيناها...
ثم سلط أنظاره على البضائع المتراصة فوق بعضها البعض، وتساءل:
-النقلة اتوثقت ولا لسه؟
أجابه "حمص" وهو يفرك كفيه معًا:
-كله تمام وألسطا.
حذره بلهجةٍ أظهرت انزعاجه:
-مش عايزين حاجة تفلت مننا، المرة اللي فاتت لحقنا كراتين الصيني بالعافية.
أوضح له بتعابيره المتجهمة:
-الرك على الحمار اللي ربطهم، مشدش الحبل على الآخر.
تأكد "شيكاغو" من عقد نهايات الحِبال في الخطافات المعدنية البارزة من صندوق شاحنته، ثم رفع رأسه للأعلى، ليلمح شخصًا يشبه في ملامح وجهه "محرز"، أمعن النظر فيه، ليتأكد منه، وتساءل بصوتٍ مسموع مخاطبًا رفيقه:
-هو ده مش المعلم "محرز"؟
نظر "حمص" إلى حيث أشار بعينيه، ورد مؤمنًا عليه:
-أه هو.
وجداه يستقل إحدى حافلات الأجرة ذات الحجم المتوسط، لكز "شيكاغو" رفيقه في كتفه قائلاً له:
-طب تعالى نسلم عليه، بدل ما يكون شافنا ويفتكرنا طنشناه.
-معاك حق.
تحرك الاثنان في اتجاه الحافلة؛ لكن خطواتهما كانت بطيئة نسبيًا، لم يستطيعا اللحاق به، فتوقفا في منتصف المسافة ينظران إلى بعضهما البعض، فقال "شيكاغو" بزفيرٍ لاهث:
-المكروباص طلع، نبقى نشوفه عند الدكان.
سأله "حمص" بنوعٍ من التطفل:
-بس إيه اللي جايبه الموقف ده؟
أجابه بعدم اهتمامٍ:
-تلاقي في مصلحة هنا كان بيخلصها، ما كان قايلنا زمان إن أهل أبوه من هنا...
ثم التفت عائدًا إلى شاحنته وهو يتكلم بجدية:
-طالما مايخصناش مالناش فيه.
رد باقتضابٍ:
-ماشي الكلام.
أمره "شيكاغو" وهو يعطيه حفنة من النقود، قبل أن يستقر في مقعد السائق:
-حاسب القهوجي وحصلني.
على مضض غمغم "حمص":
-طيب.
..............................................................
بعبارات اعتذارٍ متكررة، أبدى الزائر أسفه لتقاعصه في السؤال عن رفيقه طوال الفترة الماضية، بسبب تنقلاته وسفره لأكثر من مكانٍ في وقت قصير، وما إن علم بالكارثة التي حلت على دكانه، حتى هرع إليه يتفقده، والندم يبدو جليًا على قسماته. جلس "ناجي" على المقعد المجاور لفراش "تميم"، وأعاد على مسامعه من جديد بخجلٍ لم يخفه:
-والله ما كنت أعرف خالص، أنا مش عارف أقولك إيه، أنا مقصر معاك جامد يا صاحبي.
تنهد قبل أن يعلق عليه:
-حصل خير.
هتف معترضًا بضيقه الواضح:
-لأ محصلش، لو أعرف بس اللي عمل فيك كده هاجيبه من رقبته، وأرميه عند رجليك.
لمحة من السخرية شابت نبرته وهو يخبره:
-ما احنا عارفينه.
برقت عيناه في اهتمامٍ، وسأله بتلهفٍ:
-مين؟ أكيد حد غريب عن منطقتنا، ومايعرفكش؟ مظبوط؟
بنفس الصوت الهادئ أجابه نافيًا:
-لأ، ده قريب أوي مننا.
صدمه جوابه، وصاح يسأله بتحفزٍ:
-إزاي؟ مين اللي اتجرأ وعمل كده؟
بعد صمتٍ قليل نطق بتعابيرٍ مكفهرة:
-"محرز".
هبط رده على رأسه كالصاعقة، فانتفض واقفًا، ليردد بعدها بعدم تصديقٍ:
-نعم؟ قول كلام غير ده!!!
أشــار له "تميم" بيده ليجلس، وقال بصوتٍ لم يبدُ متأثرًا، رغم الضيق المختلج صدره:
-زي ما سمعت.
ألقى "ناجي" بثقل جسده على المقعد، وظل يدمدم بصوته المذهول:
-مش معقول، ده أنا ممكن أصدق إن أي حد يعمل كده إلا هو، ده إنتو معتبرينه ابن العيلة التاني، حتى الحاج "بدير" بيستشيره في كل كبيرة وصغيرة، ده غير إن تقريبًا كلمته مسموعة عند كل تجار السوق.
انقلبت شفتاه وهو يعقب عليه:
-أهوو ظهر وشه التاني، وأول ما بدأ كان معايا.
هتف في غيظٍ عظيم:
-الله يحرقه، أه لو بس أمسكه بإيدي...
بجهدٍ تحكم في أعصابه، وسأله:
-وعلى كده هربان فين ابن الـ (...) ده؟
ضاقت عينا "تميم" بشدةٍ، قبل أن يجيبه بنوعٍ من السخط:
-وهو أنا لو أعرف هاسيبه مثلاً؟!
قال في حرجٍ:
-طبعًا لأ.
أضــاف "تميم" قائلاً بعد تنهيدة مرهقة:
-مسيره يظهر، والعيون كتير في كل حتة.
رد عليه رفيقه مشددًا عليه:
-اعتبرني من عيونك يا "تميم"، ولو شميت أي خبر عنه هابلغك.
هز رأسه في استحسانٍ وهو يحدثه:
-إن شاءالله.
مكث "ناجي" برفقته لوقتٍ لا بأس به، إلى أن حان موعد ذهابه، تركه مضطرًا، وبقي الأخير بمفرده، شاعرًا بالضجر من وجوده غير المستحب في المشفى، حرك أنظاره في اتجاه الطبيب الذي ولج للغرفة، ليتفقده كعادته يوميًا في مثل هذا التوقيت، سأله بروتينيةٍ، وهو يتفحص جانب جسده الأيمن بدقة:
-إيه الأخبار النهاردة؟
أجابه "تميم" بضجرٍ:
-الحمدلله، أنا كويس.
ثم تطلع إليه متسائلاً بقليلٍ من الصبر المحسوس في نبرته:
-هو أنا هاخرج إمتى يا دكتور؟
مازحه الطبيب بلطفٍ، وهو يواصل فحص جانب جسده الأيسر:
-إنت زهقت مننا ولا إيه؟
أخبره ببساطةٍ ودون مجاملةٍ:
-إن جيت للحق أنا مابحبش أعدة المستشفيات.
ابتسم الطبيب معقبًا عليه:
-ومين بيحبها أصلاً، بس ده ضروري عشان مصلحتك.
بنبرةٍ ملولة تابع إخباره بما يجيش في صدره:
-بس أنا عايز أخرج من هنا، نفسي أرجع أقف على رجلي من تاني، واشتغل زي باقي الناس.
اتجه الطبيب نحو حافة الفراش، مد يده وأمسك بالحامل المعدني المثبت به بعض الأوراق، دقق النظر فيها، ودوّن الجديد من الملحوظات، قبل أن يعاود النظر إليه ليتكلم معه بتفاؤلٍ:
-هانت .. التقارير قدامي بتقول إن التحسن كبير، وده شيء كويس جدًا...
خبا الحماس من صوته عندما قال:
-بس آ...
سأله "تميم" في توجسٍ:
-بس إيه؟
بلع ريقه، ونطق بحذرٍ:
-الموضوع اللي كلمتك فيه قبل كده، عن قدرتك الإنجابية.
أغمض "تميم" عينيه قائلاً بألمٍ لن يشعر به أحد سواه:
-أنا راضي بحكم الله.
حاول الطبيب أن يبث روح الأمل فيه، فأكمل قائلاً:
-ونعم بالله، كل شيء ليه علاج، وأنا نصيحتي ليك إنك تتابع مع دكتور أمراض ذكورة، هايفيدك أكتر، وماتحاولش تضغط على نفسك خلال علاقتك بمراتك، أكيد إنت فاهمني.
بلع غصة مريرة في جوفه، وقال وهو يبتسم بحزن:
-من الناحية دي اطمن يا دكتور، أنا منفصل.
تفاجأ من تصريحه، فاعتذر الطبيب فورًا، وإحساسه بالحرج يغمره:
-أسف مقصدش أتدخل في حياتك، أنا غرضي آ...
قاطعه "تميم" منهيًا الحوار في تلك الجزئية تحديدًا:
-مالوش لازمة الرغي فيه، أنا كده مرتاح...
باعد بينه وبين نظرات الإشفاق الظاهرة على وجهه، ثم حملق في الفراغ مكملاً حديث نفسه بسخرية أشد مرارة:
-وشكلي هافضل واخد أجازة على طول.
.................................................................
كانت الأرضية الخشبية تهتز تحت قدميها، وهي تتحرك بخطواتها المتعجلة، لتهبط الدرج نزولاً للأدوار السفلى، علامات الاستنكار افترشت وجهها، ونظرات الغضب احتلت حدقتاها، كما لو أنها ستطلق الشرر بعد لحظات. التفتت "بثينة" ناظرة إلى ابنتها بتأففٍ، واستطردت تلومها بشدةٍ، بعد أن علمت مصادفة باحتفاظها بمقتنياتها الذهبية في منزل الزوجية السابق:
-بقى ساكتة كل ده يا بت، وسيباهم هناك؟ مش خايفة يتسرقوا؟
ردت عليها "خلود" ببرودٍ:
-ما أنا قافلة عليهم الدولاب.
هتفت بها بحدةٍ، وهي تدفعها بيدها لتخرج من مدخل البناية:
-دولاب إيه ده اللي هايحوش الحرامي عنهم؟ ربنا يستر بقى، مدي يالا في خطوتك.
تكلمت بتبرمٍ، ساحبة ذراعها من أسفل قبضتها:
-ماشي يامه.
واصلت كلتاهما السير المتعجل، إلى أن أشارت "بثينة" بيدها لإحدى عربات الأجرة، لتقلهما للمنزل الذي لم يكن بعيدًا، فقط إن استمرت بالمشي لربما وصلت خلال بضعة دقائق. توقفت السيارة أمام العمارة، فترجلت منها أولاً، وأعطت للسائق أقل من أجرته، وكأنها تمنّ عليه:
-كفاية عليك كده!
رد السائق معترضًا على إنقاص نقوده:
-ده مايرضيش ربنا يا حاجة.
تجاهلت تذمره، وسحبت ابنتها نحو المدخل، ثم أخبرتها بصوتٍ شبه لاهث، جراء المجهود العضلي الذي تبذله:
-صحيح، خالتك كانت قالتلي إن المعدول ابنها احتمال يخرج على أول الأسبوع الجاي.
توقفت "خلود" عن الحركة، وتجمدت محدقة في وجه والدتها التي استقرت في مكانها هي الأخرى، لتهتف الأولى بعدها بسخطٍ عكس نقمها الشديد عليه:
-وأنا المفروض أعمله إيه؟ زفة وفرح، ولا أقف أتحزم وأرقص في وسط الحتة؟!
أشــارت لها أمها لتمضيا قدمًا، وقالت ببرودٍ سمج:
-ماتعمليش حاجة، أنا بأقولك من باب العلم بالشيء.
لم تنكر أن نيران الحقد ما زالت متقدة بداخلها، تكره كل ما له صلة به، وما يذكرها بما خسرته، سنوات متعاقبة من عمرها، انتظارها الطويل لأجل الفوز بحبها، وفي الأخير كان نصيبها الهجر والتعاسة، ونيل لقب (مطلقة). طغى غليلها عليها، فلفت رأسها نحو والدتها، أثناء صعودها، تسألها بخبثٍ:
-صحيح إنتي هاتسيبي مرات ابنك تبرطع على مزاجها؟ أنا بيتي يتخرب وهي تعيش وتتهنى؟
ردت بأنفاسٍ بطيئة، تحمل الوعيد:
-أنا بس أفوق وأروقلها، وهاطلع البلى الأزرق على جتتها.
سألتها بسخطٍ:
-هتعملي إيه يعني فيها؟ وماتنسيش الشقة باسمها!
بالغت والدتها في إظهار نقمها عليها بإسهابها المزعج:
-محظوظة بنت الفقرية، مكانتش تحلم بكده، جوز وشقة والله أعلم إيه تاني.
رددت "خلود" بغيظٍ:
-النحس بس اللي راكبني أنا، لا طولت بلح الشام، ولا عنب اليمن.
قالت "بثينة" من خلفها:
-أنا قلبي حاسس إن معمولك عمل، لازمًا أوديكي عند شيخ يفكه.
قلبت شفتيها، وتساءلت في سخريةٍ:
-ومين بقى اللي عاملهولي؟
ببساطةٍ أجابتها؛ وكأنها تختلق الأعذار لفساد حياتها:
-أكيد واحدة حسداكي على النعمة اللي كنتي فيها، أخدة أجدع شاب في المنطقة، مع الحسب والنسب، و...
كانت يائسة للحد الذي جعلها تصدق مجددًا، أن "فيروزة" هي من تقف وراء فشل زيجتها، توحشت نظراتها، وغلف حدقتاها كراهية مقيتة، لتنطق بعد من بين أسنانها، بزفيرٍ محموم:
-مافيش غيرها!
لم تفهم والدتها هسهستها، وسألتها:
-بتقولي إيه يا "خلود"؟
توقفت أمام باب منزلها، وأخبرتها بصدرٍ ناهج، يعبر عن انفعالها المتصاعد:
-أنا شاكة يامه في بوز الإخص اللي اسمها "فيروزة".
لوت والدتها ثغرها، ونطقت في استياءٍ واضح، بنبرة أقرب للوم:
-هنرجع تاني للسيرة الفقر دي؟ أنا مصدقت إنك فوقتي من أوهامك.
انفجرت تصيح بغضبٍ أدهشها:
-هي يامه اللي استكترت عليا جوزي، وشغلت تفكيره، أكيد عملتله حاجة تسحره بيها، تكرهه فيا، ده كان قرب يبقى زي الخاتم في صوباعي.
كتمت رغبتها في نهرها مؤقتًا، فهي أمام مهمة محددة، لفظت الهواء بقوةٍ، وأشارت لها بعينيها تأمرها:
-خلينا نشوف الحكاية دي بعدين، وافتحي الباب، عايزين ننجز في يومنا.
..............................................
صرف كليهما من الغرفة، ليحظى بقدرٍ من الخصوصية معها، وذلك ليتسنى لها معرفة تفاصيل خطته دون مقاطعة سخيفة من "كاران"، أو تعليق موتر من الطبيب "هاني". كان شاكرًا لمجهوداتهما في دعمها؛ لكنه بحاجة لبث الثقة في نفسها المذبذبة لتقبل بالتعاون معه عن اقتناعٍ تام. تنفس "ماهر" بعمق، ونظر بلا حرجٍ في عينيها، ليستطرد قائلاً بصوت اكتسب طابع الجدية:
-بيتهيألي كده هنعرف نتكلم على راحتنا.
ضغطت على شفتيها، ونظرت بشيء من الارتباك نحوه مع إتمامه لعبارته:
-"فيروزة" أنا عارف إن اللي بأطلبه منك مش سهل، ومعاكي حق ترفضي.
تلجلجت وهي تتهرب منه:
-"ماهر" بيه، أنا متعودش أخذل حد طلب مني حاجة، بس الموضوع ده بالذات صعب أوي عليا.
رجاها بخفوتٍ، وهو يميل بجسده نحو فراشها قليلاً:
-أنا عايزك تسمعيني الأول قبل ما تاخدي قرارك النهائي، وفي كل الأحوال هرجعك مصر تاني.
أومأت برأسها تستحثه على الحديث، بالرغم من الخوف المتسلل إليها:
-اتفضل.
أراح "ماهر" ظهره للخلف، وأردف يشرح لها:
-"آسر" مكانش مجرد صاحب عمري أنا و"وجدي"، ولا حتى كنا بنعتبره المحامي النبغة، ده كان بيدخل بيوتنا، بيقعد وسط أهلنا، بيتكلم مع إخواتنا كأنه واحد مننا، ويمكن لما اتقدملك، كان صعب يترفض، باعتباره الشخص المناسب، اللي فيه كل الإمكانيات المناسبة.
قالت في أسفٍ وألم، وهي مدركة كليًا لتبعات سوء اختيارها:
-معاك حق.
سألها متحققًا:
-تفتكري واحد دماغه داهية زي دي، مش عامل حسابه إزاي يأمن نفسه من الخطر؟!
نظرت له بتوترٍ، فتابع بمنطقيةٍ:
-سهل جدًا يطلع زي الشعرة من العجينة من أي ورطة يتحط فيها، طالما مافيش الدليل اللي نقدر ندينه بيه.
ما أملاه عليها تعتبر افتراضات لا يمكن استبعاد حدوثها، وأضاف عليها بلهجته الجادة:
-كمان مصادرنا الخاصة قالت إنه شغال في حاجات مشبوهة، ده غير تجارة المخدرات، يعني متورط في غسيل أموال، بيدير مواقع ليها علاقة بـ...
لحظة من التردد سيطرت عليه قبل أن يوضح لها:
-بالدعارة.
اشتعل وجهها في حمرةٍ غاضبة لتصريحه الأخير، ورمشت بعينيها في حرجٍ أكبر، عادت لتركز انتباهها معه وهو يختتم حواره قائلاً:
-فمتستبعديش يعمل أي حاجة عشان يجبرك تكوني معاه، وتنفذي كل أوامره.
نكست رأسها في خزيٍ، وأخبرته بعد لحظة من الاستغراق في التفكير:
-للأسف هو عمل كده.
تقلصت تعابيره متسائلاً:
-إزاي؟ طلب منك حاجة معينة؟
قبل أن تتراجع عن رأيها، تسلحت بشجاعتها لتطلعه على الحقيقة، وقالت بلعثمةٍ خفيفة:
-هو .. فبرك فيديوهات ليا، وبيهددني بيها...
اختنق صوتها، وظهرت به لمحة من العصبية حينما تابعت مؤكدة، وعيناها تلمعان بعبراتٍ حبيسة:
-بس أقسم بالله مش أنا اللي موجودة فيها.
لم يشكك في أقوالها، وطمأنها بهدوءٍ:
-سهل نثبت تزييفها، وبالعكس ندينه كمان بيها، ما هو التكنولوجيا زي ما فيها الجانب الإيجابي فيها برضوه الجانب الوحش.
تشعبت روحها المستنزفة بقدرٍ من إحساس الارتياح، وسألته بلهفةٍ:
-بجد يا "ماهر" بيه؟
رد دون جدالٍ:
-أيوه طبعًا، وأكتر من كده كمان، هنسجنه، كل بس اللي عايزه منك، تمثلي دورك كويس.
سرت عدوى الارتجاف في بدنها، وانتشرت في كامل أوصالها. بلعت ريقها في حلقها الجاف، ونظرت إليه قائلة:
-بس أنا خايفة.
بتمهلٍ خاطبها:
-طبيعي تخافي، لكن أنا واثق إنك هتنجحي.
لم تكن متيقنة من نجاحها، شعرت بمزيدٍ من الخوف يزحف إليها، انتبهت له مجددًا عندما أكمل:
-في جزء يخصنا هنقوم بيه، من تأمينك، وزرع أجهزة تنصت عالية الدقة في المكان، وجزء تاني عليكي.
انزوى ما بين حاجبيها وهي تسأله:
-إيه هو؟
جاءها جوابه واضحًا، ومباشرًا:
-اعتراف شفهي منه بجرايمه.
احتجت باستهجانٍ كبير:
-حضرتك بتطلب مني المستحيل...
ثم توقفت لهنيهةٍ عن الكلام، قبل أن تضيف، وهي تشير بيدها:
-ده حاول يقتلني عشان بوظتله جهاز، إزاي هقدر أخليه يعترف ببساطة إنه آ...
بملامحٍ جادة قاطع استرسالها:
-بالحيلة يا "فيروزة"، أومال احنا قولنا هتدعي إنك فاقدة الذاكرة ليه؟ ودي مهمتك تستخدمي مهارتك كزوجة جميلة في استدراجه.
حملقت فيه مطولاً بعينين تائهتين، ما لم يعلمه الضابط "ماهر" أو غيره، أن "آسر" أبعد ما يكون عن التأثر بمفاتنها الأنثوية، إن أرادت حقًا استغلالها في إثارته، وسلب عقله، فهي من وجهة نظره منقوصة الإغراء، لا تصلح إلا للسخرية والازدراء!
.........................................................
توسدت أحضانها، مستشعرة الدفء الأمومي النابع منها، بعد أن عشش الحزن قلبها وملأه بالهموم الثقيلة، فمنذ إطلاق سراحها، تبدلت أحوالها للأفضل قليلاً، وأصبحت في حالة من الغبطة والانتشاء، رغم قساوة الحقائق المفجعة، إلا أن براءة والدتها عنت لها الكثير. أبعدت "آمنة" رأس ابنتها عن صدرها، ونظرت لها بحنوٍ، قبل أن تقول لها:
-مش كفاية بقى كده يا "همسة"؟
ارتمت مجددًا في أحضانها، وقالت بابتسامةِ رضا:
-عايزة أشبع منك يا ماما، إنتي مش متخيلة الأيام دي عدت عليا إزاي.
تنهيدة معبأة بأوجاعٍ كبيرة تحررت من صدرها، لتقول بعدها:
-الحمدلله، ربنا أظهر الحق، واتنصفت في النهاية، مع إن قلبي موجوع على ولاد أخويا.
اعتدلت "همسة" في جلستها، وحدقت في والدتها بنظراتٍ منزعجة وهي تردد:
-ربنا ما يسامحها، هي اللي عملت فيهم كده، قلبها الإسود خلاها تيجي على الكل، وتأذي الأقرب ليها.
تساءلت "آمنة" في توترٍ، وعيناها تفتشان عن الطفلة:
-أومال فين "رقية"؟ أنا مش سمعالها حس.
ابتسمت وهي تخبرها:
-موجودة عند الحاج "بدير".
حل الضيق على ملامحها، وهتفت في إنكارٍ حرج:
-يادي العيبة، كمان مشيلينه هم البت؟
ردت موضحة الأمر لها:
-لا بالعكس يا ماما، ده بيعاملها ولا كأنها حفيدته.
همّت بالنهوض، وقالت في عزمٍ:
-طب تعالي نروح نجيبها، وبعد كده نطلع على أبوها، ميعاد زيارته جه.
هزت رأسها هاتفة:
-ماشي.
تساءلت "آمنة" وهي تتجه نحو غرفة نومها بقلبٍ ظل مشغولاً على قطعة منها:
-مافيش جديد برضوه عن "فيروزة"؟
ضمت شفتيها في أسفٍ، قبل أن تنطق نافية:
-لأ يا ماما.
رفعت والدتها رأسها للسماء، لتتضرع للمولى في رجاءٍ كبير، وذاك الهاجس مازال يزعجها:
-استرها يا رب عليها.
..................................................................
راقبه من مسافة شبه آمنة، تحول دون رؤيته له؛ لكنه ضجر من الانتظار والترقب، كان يريد الصعود إليها، فما معه من أموال قد نفذ، وباتت هي مصدره المتاح للإتيان بما ينقص عليه. استغرق "محرز" في أفكاره اللئيمة، إلى أن وصل لفكرة داهية، حتمًا ستكون لها مفعول السحر، في إعطائه الغطاء الجيد، لذا بمجهودٍ بسيط، وحيلة مستهلكة، ادعى بالكذب قيام ذاك الشاب المرابط أمام بناية "بثينة" بالتربص بالفتيات، يعاكسهن جيئة وذهابًا، بكلماتٍ خادشة للحياء، فاستثار حمية الرجــال، والتفوا حوله يتجادلون معه، مما منحه فرصة ذهبية للتسلل إلى الداخل. قفز الدرجات علوًا ليصل إلى طابقها، ودق الباب منتظرًا فتحها له، لم يجد أي استجابة منها، فاختلج وجهه تعابير الغضب، ولعنها بألفاظٍ نابية، قبل أن يتوعدها:
-وربنا ما هاسيبك، مش بعد العز اللي دوقتيه على إيديي تطنشيني دلوقتي.
توارى في بقعة معتمة بالطابق العلوي عندما سمع وقع أقدام آتية من الأسفل، رفع رأسه يراقب القادم بحذرٍ شديد، تقوست شفتاه ببسمة شبه فرحة، وقد لمح "بثينة" تدس المفتاح في القفل، منتظرة أمام عتبة منزلها مع ابنتها، همهم لنفسه في نشوةٍ:
-ده أنا حظي من السما.
بمجرد أن قامت بفتحه، حتى وثب في خفةٍ، وتبعهما سريعًا، ليلحق بهما قبل أن تقوما بغلقه. شهقت "خلود" في فزعٍ، عندما شعرت بيدٍ تجذبها من حجاب رأسها، انتزعه عنها، ودفعها للأمام ليتمكن من وصد الباب ورائه، جحظت بعينيها في ارتعابٍ عند رؤيته، وزاد اتساع بؤبؤيها مع إشهاره لمديته الحادة، شُل تفكيرها لحظيًا من أثر المفاجأة، وقبل أن تفكر في الهروب قبض عليها بذراعه، لفه حول عنقها، ولامس بطرف المطواة الحاد جلد عنقها. قاومته "خلود" برجفةٍ عظيمة، ثم صرخت مستغيثة بوالدتها:
-الحقيني يامه!
عادت "بثينة" إلى ابنتها، وهي تحمل في يدها حقيبة يدها المعبأة بالمشغولات الذهبية، تفاجأت هي الأخرى بوجوده في صالة منزلها، ارتخت أناملها عن الحقيبة، وظهرت أمارات الرعب على ملامحها، كانت على وشك الصراخ، لولا أن حذرها مهددًا بلهجةٍ صارمة:
-لو فتحتي بؤك، هادبح بنتك قصادك.
تحولت أنظارها المذعورة نحو "خلود"، لم يكن بالمازح، وطرف ذاك النصل الحاد يغرز في عنق ابنتها. كتمت بظهر كفها فمها، لتؤمئ بعدها برأسها كتعبيرٍ عن طاعتها التامة له. تحرك "محرز" في اتجاهها، ساحبًا معه ابنتها الأسيرة، مُخاطبًا إياها بلومٍ:
-مش قولتلك هاجيلك تاني، افتكرتيني بهزر معاكي؟
هزت رأسها بالنفي، فصاح متسائلاً بتشنج:
-فين الفلوس؟
تقطع صوتها وهي تخبره كذبًا:
-ملحقتش أجيب حاجة.
رمقها بتلك النظرة النارية، ليهدر بها بهياجٍ:
-عليا بردك؟ ده إنتي نايمة على كنز يا ولية، أومال الألوف اللي كنتي بتاخديها مني راحوا فين.
واصلت كذبها بقولها:
-مش هنا يا "محرز".
هدير صوته المنفعل ارتفع أكثر حينما سألها:
-أومال فين؟ شكلك عايزة تخلصي من بنتك..
ثم غرز النصل أكثر في جلدها لتصيح "خلود" في ألمٍ، نظرت الأخيرة إلى والدتها، وفي عينيها استجداءٍ مرتعب، ثم رجتها بشدة:
-إديله يامه اللي هو عايزه، بدل ما يموتني...
وقبل أن تختلق كذبة مكشوفة، بادرت "خلود" مقترحة عليه:
-دهبي موجود في شنطة أمي، خده يا "محرز"، كله ليك، أنا مش عايزاه.
برقت عيناه في اهتمامٍ، بينما انحنت "بثينة" تمسك بالحقيبة، ضمتها إلى صدرها؛ وكأنها ترفض المساومة به مقابل حياة ابنتها. صــاح "محرز" يأمرها:
-هاتي الشنطة يا ولية؟
سألته بعينين بارزتين، وقد ازداد تشبثها بالحقيبة:
-هتعمل بالدهب ده كله إيه؟ ده حق بنتي، اللي طلعت بيه من جوازتها.
بينما هتفت "خلود" تتوسلها، وهي ترى بأم عينيها جدالها العقيم معه:
-يامه إديهوله.
ألصقت "بثينة" الحقيبة بصدرها أكثر، وصرخت في ابنتها:
-إنتي مش فاهمة حاجة، "محرز" ده طماع، خربها على نفسه، وعايز يخربها علينا احنا كمان.
أدرك "محرز" من تصرفها الأرعن، أنها لن تمنحه ما يريد، إن لم يكن جادًا في تهديده، لهذا مرر النصل بقساوة على عنق ابنتها، قاصدًا إحداث شقًا غائرًا فيه، وهو يقول لها بنظراتٍ امتلأت بقساوةٍ خالية من الرحمة:
-الظاهر إنك مستغنية عن بنتك.
اللون الأحمر القاني الذي تفجر بغرازة من جلد ابنتها، أكد لها تنفيذه الصادق لتهديده، خاصة بعد أن تركها تصارع الموت، لوسة عقلية أصابت "بثينة"، بعد رؤيتها للمشهد الدموي العنيف، صرخت في هلعٍ، واندفعت نحوه تهاجمه؛ لكنه تفاداها بمهارةٍ، ومد قدمه ليعرقلها، فتكومت بجسدها الممتلئ بالشحم على الأرضية، وقبل أن تستفيق من صدمة ارتطامها الموجع، كان مُطبقًا على فكها، يعتصره بقبضته بقوةٍ. رفع "محرز" مديته للأعلى، وبنفس النصل الملوث بدماء ابنتها، غرزه بوحشيةٍ في لسانها قاصدًا قطعه، وهو يخبرها بصوتٍ كالفحيح:
-كنتي اشتريتي حياتك وحياة بنتك يا خالتي ........................................ !!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا