مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث من رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الثالث
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الثالث
لأنه ليس مقيمًا في بلدٍ لا يُطبق القوانين، لذا فأقل ضررٍ يتسبب فيه، يُعرضه بلا شكٍ للمُساءلة القانونية، وهذا ما حدث معه! فخلال تعنيفه الأهوج لزوجته، تقدم أحد الجيران بشكوى إزعاجٍ للمسئول الأمني، عن البناية القاطن بها، يتهمه بممارسة نوعٍ من العنف مع إحدى السيدات، والذي بدا صراخها اليائس مفزعًا للجميع، قبل أن يسكن تمامًا، ليظن ذاك الساكن أنها تعرضت للأذى بشدة، وبناءً عليه تحرك المسئول للتحقق من الشكوى، التي لن تكون فقط نوعًا من الإنذارِ، إن ثبت الضرر البالغ الواقع على المرأة.
لعق "آسر" شفتيه، وبلع ريقه مبررًا بكذبٍ، بنفس لغة الرجل:
-إنه سوء فهم، كان ذلك صوت التلفاز، أنا لم أرتكب شيئًا مخالفًا، صدقني.
كان وجه المسئول جادًا، وتعابيره رسمية، اتفقت أيضًا مع نبرته حينما أخبره:
-نريد التأكد سيدي، فلم تكن الشكوى فردية، بل تكررت، وأنا هنا لإثبات الأمر من عدمه.
لم يكن أمامه أي مفر سوى الرضوخ له، فقال مستسلمًا:
-حسنًا...
همَّ بالتحرك؛ لكنه توقف في منتصف الطريق، ليقول له متحججًا، حتى يكسب المزيد من الوقتِ:
-اترك لي لحظة لأطلب من زوجتي ارتداء ثيابها، فكما تعلم نحن إلى حد ما ملتزمون، ولا يجوز أن تأتي زوجتي إليك بجسدٍ عارٍ.
تفهم ذلك، ورد ببساطة:
-في انتظار مجيئها.
على الجانب الآخر، تسنى لـ "فيروزة" سماع ما قاله الرجل بوضوح، فأعملت عقلها بشدة، لتخرج من هذا الموقف رابحة، تراجعت بخطواتٍ كانت شبه كارثية ضاعفت من ألمها، بعد إعلان "آسر" عن ذهابه لاستدعائها، وجلست على طرف الفراش، مدعية انشغالها بدعك ساقها المتألمة، رفعت أنظارها في اتجاهه، حين اندفع لداخل الغرفة، مواربًا الباب خلفه، رمقها بنظرة خائفة، تأكدت من صحتها من أمارات الفزع المرسومة على تقاسيمه، انحنى عليها، فانكمشت لتكمل مشهد اضطرابها منه، وإن لم تكن كليًا هكذا! فالمصائب علمتها ألا تظهر بمظهر الضعف، لتفسد شعور أعدائها بالزهو وفرحتهم بالانتصار عليها؛ لكن الظرف هذه المرة مختلفًا، امتدت يداه لتمسك بها من رسغيها، وتودد إليها بعاطفةٍ لم تقنعها مُطلقًا:
-"فيروزة" حبيبتي، عايزك تسمعيني.
انتزعت معصميها من بين قبضتيه، ورمقته بنظرة قويةٍ، قبل أن تحذره بجمودٍ اكتسبه صوتها:
-ماتلمسنيش!
ضاقت نظراتها أكثر وهي تتابع بغضبٍ تصاعد بداخلها، لمجرد وجوده بقربها:
-عايز إيه مني؟
رد بوداعةٍ غريبة، أصابتها بالغثيان، رافعًا كفيه للأعلى:
-حاضر مش هالمسك يا حبيبتي.
كلمة فسدت حلاوتها عندما نطقها فمه المقزز، حدجه بنظرة أخرى حملت كرهًا صريحًا، وكررت عليه سؤالها بصدرٍ شبه متهدج:
-عايز إيه مني؟
ورغم علمها المسبق بما سيخبرها به، إلا أنها أرادت أن تبدو في حضوره جاهلة، مغيبة عن أدنى التفاصيل؛ إن أرادت نجاتها الكاملة من براثنه الخبيثة. دون ترددٍ أخبرها بصوتٍ خفيض، بنوعٍ من التحذير، في طياته تهديد واضح:
-لو مش حابة تفضحي نفسك، وأمحي الفيديو بتاعك، يبقى تنكري أي حاجة يسألك فيها الراجل اللي واقف برا.
برقت عيناها بوهجٍ ناري، لتذكيرها بخسته ووضاعته، وأعادت على مسامعه نفس الجملة التي تلفظ بها قبل لحظاتٍ، بصيغة استفهامية:
-يعني هتمسحه من عندك؟
أومأ برأسه مؤكدًا لها:
-أيوه من اللاب، ومن على أي موقع أنا حافظه فيه.
لم تكن بغبيةٍ لتصدق على الفور تنفيذه لوعده، فمن يقف أمامها حرباء متلونة، يتحين الفرص التي تأتيه، مستغلاً ضحاياه أسوأ استغلال؛ لكنها رغم ذلك لن تظهر له عكس ما تُبطن، لتمنحه ما يريد سماعه حتى تكسب المزيد من الوقت، وربما تنطلي عليه خدعة سهولة اقتياده لها، وسيطرته على حياتها، هزت رأسها بإيماءة صغيرة، وأخبرته:
-ماشي.
تحرك في اتجاه خزانة الثياب المتواضعة الموجودة بجوار باب الغرفة، بحث بداخلها عن رداءٍ أو عباءة فضفاضة، ليعطيها لها، وهو يأمرها:
-غطي جسمك بده، ويا ريت لو عندك طرحة تحطيها، مش عايزين حد يشك في حاجة.
نظرت إلى ظهره بغلٍ مقيت، ودَّت لو انتفض من مكانها، واندفع نحو عنقه تخنقه حتى تفيض روحه بين يديها، أو تأتي بسكينٍ حاد النصل، تطعنه به في ظهره، لتتخلص منه، وتريح العالم من شروره. انتشلها من تفكيرها الإجرامي في القضاء عليه، ندائه الناعم، والذي بدا أشبه بسم أفعى يسري في العروق:
-وصدقيني لو ما اتعملتش مشكلة هنسى كدبك عليا، وهمحي الفيديو، اتفقنا؟
غام وجهها بشكلٍ كبير، لاتهامه الفج بأنها لفقت الأكاذيب عليه، لمجرد تعرضها لحادثٍ مأساوي في طفولتها؛ وكأنها المسئولة عن تشويه جسدها، كبحت غضبها المندلع فيها، وتصنعت الهدوء وهي ترد عليه:
-طيب.
مــد ذراعه بالعباءة التي تحصّل عليها، فارتدتها على مهلٍ، وخبأت وجهها خلف وشاحٍ أسدلته على رأسها، لتسير بتؤدةٍ، كاتمة آلامها الصارخة في قدميها، اقتربت من المسئول الذي استقام في وقفته عندما رأها، دقق الأخير النظر في نصف وجهها الظاهر من خلف حجابها، بنظراتٍ فاحصة، قبل أن يسألها بلهجته الرسمية، وبلغة انجليزية بسيطة:
-سيدتي هل أنتِ بخير؟ هل تعرض أحدهم لكِ بالأذى؟
أدارت رأسها نصف استدارة في اتجاه "آسر" الواقف على يسارها، كان الخوف يملأ كامل وجهه، تحرك بؤبؤاه في عصبيةٍ وتوتر، كانت واثقة أنه سيخر واقعًا عن قدميه، إن اتهمته بإيذائها بدنيًا؛ لكنه لن يمنعه من استخدام الفيديوهات الملفقة في تدمير سمعتها، توقفت عن حملقتها الزائدة في وجهه، لتنتبه للرجل الواقف قبالتها وهو يناديها:
-سيدتي؟ هل كل شيء بخير؟
رغم كل الآلام، الانكسارات، الهزائم التي نالت منها، إلا أن وقت انتقامها لم يحن بعد، قوست "فيروزة" شفتيها، راسمة بسمة رقيقة عليهما، لترد عليه بخفوت:
-نعم...
لحظة بلعت فيها ريقها، قبل أن تضيف، بجملٍ بسيطة مرتبة، لتمنعه من مواصلة أسئلته التحقيقية:
-كنت أشاهد مع زوجي سلسلة أفلام الرعب scream، وربما كان صوت التلفاز عاليًا، نعتذر عن هذا.
ظل المسئول ينظر لها باسترابةٍ، إلى حد كبيرٍ بدا متشككًا في أقوالها؛ لكن بادر "آسر" بالتدخل، واقترب من زوجته، ليحاوطها من كتفيها، وهتف بضحكاتٍ صغيرة، كانت مفتعلة بشكلٍ كبير:
-نحن متزوجان حديثًا، فلا تؤاخذنا، سننتبه بعد ذلك.
جفلت "فيروزة" من اقترابه المقزز، شعرت باحتراق أحشائها، لمجرد لمسة مخادعة لإكمال تمثيليته الزائفة، حرك رأسه بهدوءٍ، وأخبرهما بلهجةٍ متشددة، وهو يشير بسبابته نحوهما:
-رجاءً انتبها للضوضاء، فلا أحد يتسامح مع الازعاج.
رد "آسر" على الفور بابتسامته اللزجة، وذراعه لا يزال موضوعًا على كتفي "فيروزة":
-معك حق، خاصة بعد يومٍ مرهق في العمل.
تابع المسئول كلامه بإملاء المزيد من التحذيرات الجادة عليهما، بشأن القوانين الخاصة بالسكان، في تلك المنطقة، وما إن انتهى حتى استأذن منصرفًا، لتنسل سريعًا من ذراعه؛ وكأن حيّة لدغتها، حافظت على مسافة بينهما، ولم يحبذ "آسر" الاقتراب منها؛ لكنه مدح كذبها:
-برافو عليكي يا "فيروزة"، ماخيبتيش ظني فيكي...
سددت له نظرة نارية، أرادت إحراقه بها، بينما ابتسامة سمجة اعتلت ثغره وهو يتابع:
-مع إني كنت شاكك إنك هتغدري بيا.
أخبرته بهديرٍ متعصبٍ:
-أنا عملت ده عشاني مش عشانك.
اتسعت ابتسامته أكثر معقبًا عليها، وعينه اليسرى تغمز لها:
-صح، المصلحة بتحكم.
لوحت بذراعها تأمره:
-امسح الفيديوهات اللي معاك.
دندن بصافرة مستفزة وهو يستدير متجهًا نحو مرآة صغيرة تحتل الحائط، ليتأمل هيئته، توقف عن الصفير، ومشط بأصابعه أطراف خصلاته غير المستوية، ليرتبها، وحادثها ببرودٍ، غير مكترث بالاشتعال الظاهر في عينيه:
-بعدين، لما أبقى أرجع.
اندفعت نحوه، ووقفت إلى جانبه تصيح فيه بانفعالٍ:
-إنت وعدتني.
رفع ذراعه للأعلى، ليتلمس وجنتها، داعبها براحته؛ لكنها نفرت منه متراجعة للخلف، وتلك النظرة المشمئزة تنطلق من عينيها، بادلها نظرة عادية، غير مبالية، ثم أرسل لها قبلة في الهواء مودعًا إياها:
-سلام عشان اتأخرت.
كزت على أسنانها تلعنه في حنقٍ انتشر في كل خلاياها:
-واطي..
لم تفارق نظراتها الملتهبة شخصه القمئ وهو ينصرف من المنزل، مغلقًا الباب خلفه، استطاعت أن تسمع صوت المفتاح في قفله، لتدرك أنه حبسها بالداخل حتى لا تنفذ تهديدها في غيابه، سيطرت عليها مشاعر الكراهية المختلطة بغضبها، وتوعدته بحرقةٍ اكتسبتها نبرتها:
-بس هتدفع تمن كل حد ظلمته، وأولهم أنا.
....................................................
طوت المصلية، وأسندتها على طرف الفراش، لتنزع بعد ذلك إسدالها، وتعلقه على المشجب، خرجت "آمنة" من الغرفة، تتسند بيدها على حوائط الردهة، شاعرة بدوارٍ طفيف في رأسها، ربما أصابها لكونها لم تتناول الطعام منذ الأمس، تنفست بعمقٍ، واتجهت إلى المطبخ، تبحث في ثلاجتها عن شيء يُمكن أكله يمدها بالطاقة المفقودة، تبعتها "همسة"، وأحضرت لها طبقًا مليئًا بثمار الفاكهة المقطعة، ناولتها إياه وهي تقول لها:
-كلي يا ماما دول، إنتي من امبارح ماحطتيش حاجة في بؤك.
ردت عليها بزفيرٍ ثقيل:
-وحد ليه نفس ياكل بعد الأخبار اللي بنسمعها؟
ضغطت على شفتيها للحظةٍ، قبل أن تعقب بصوتٍ هادئ:
-إن شاء الله خير.
نظرت "آمنة" إلى ابنتها بعينين تحبسان العبرات فيهما، وأردفت تخاطبها بحزنٍ، وقلبٍ ملتاع:
-قلبي واكلني على أختك أوي، عايزة أكلمها، واطمن عليها.
تنهدت "همسة" قائلة بقليلٍ من الضيق:
-ما هي مش فاتحة نت والله يا ماما من آخر مرة اتكلمت فيها.
اقترحت عليها بتلهفٍ:
-ما نكلمها دولي.
في التو أطلعتها على ما قامت به:
-عملت كده، طلبتها على رقمها لاقيته مقفول...
زادت تعابير القلق على ملامح والدتها؛ لكنها أسرعت بتبرير اختفائها الغريب:
-جايز تكون نايمة لسه، برضوه هي لسه عروسة جديدة، وأكيد مع عريسها.
لم تبدُ والدتها مقتنعة بتلك الحجة المنطقية، ما زال قلبها ينبؤها بأن هناك من الأخبار السيئة ما يحيق بفلذة كبدها، تحركت عيناها نحو السماءِ، ودمدمت هامسة:
-ربنا يسترها عليها وما سمعش عنها اللي يضرها أبدًا.
لجأت "همسة" لتغيير الموضوع حتى تخفف من حدة خوفها، وطلبت منها بوجهٍ جادٍ في قسماته:
-مش يالا بينا نجهز، عشان منتأخرش على الحاج "بدير" وعيلته، ميعاد الزيارة قرب.
هزت رأسها قائلة، ودون أن يقل خوفها درجة:
-أيوه واجب نكون معاهم في الظرف ده.
.................................................................
كالعادة ظل استقبال المشفى يعج بالوافدين، ممن أتوا لتقديم الواجب، والاطمئنان على الحالة الصحية، لحفيد عائلة "سلطان"؛ لكن تحولت بقعة في هذا المكان، إلى منطقة حديث خاصة؛ وكأنها حلقة اجتماعية لإجراء اتفاقات البيع والتجارة، بعد أن تعذر إتمامها في الدكان المحترق. أنهى "منذر" مكالمة عاجلة مع زوجته، لتعود ملامحه المرتخية للطابع الصلب، استقر في جلسته على المقعد المعدني متسائلاً، وعيناه مثبتتان على وجه والد رفيقه العزيز:
-ها يا حاج "بدير" في جديد؟
كان الأخير قد انتهى لتوه من مخاطبة الطبيب، والذي لم يأتِ على ذكر جديد، بدا الحزن بائنًا على وجهه الذابل، حين أجابه:
-لا والله يا ابني، الدكتور مقالش اللي يريح بيه قلبنا.
علق بتفاؤلٍ:
-إن شاءالله يعدي منها على خير
جاء رده مقتضبًا:
-الله كريم.
استطرد "سراج" قائلاً، ونظرة عابرة حانت منه في اتجاه "هاجر" ورضيعها:
-ما تخلي أهل بيتك يروحوا يا حاج، كفاياهم بهدلة في المستشفيات.
أيده "عوف" في قوله، فتكلم إليه:
-معاك حق يا "سراج"، هما ذنبهم إيه يفضلوا كده؟
بينما أضــاف "منذر" مشددًا بلهجة جمعت بين الجدية والرفق:
-ارجع معاهم يا حاج، احنا كلنا هنا واقفين مع "تميم"، مش هانسيبه للحظة، ده أخويا، ومايرضناش نشوفك كده تعبان يا حاج.
هز رأسه بالنفي، قبل أن يخرج صوته قائلاً:
-مقدرش، ده حتة مني.
تحولت نظرات "منذر" نحو الجد "سلطان"، والذي كان يقرأ القرآن بهدوءٍ، في ركنٍ منعزل عن البقية، وأكمل:
-الحاج الكبير محتاج يرتاح بردك.
أخبره في يأسٍ:
-أنا حاولت معاه، هو دماغه أنشف مني.
صمتٌ ثقيل ساد في الأجواء للحظاتٍ، احترامًا لمشاعر الأب الموجوع، بضعة همهمات جانبية خاصة بمناقشات مقتضبة عن الأعمال، إلى أن انضم إليهما "خليل" وزوجته، عاد الصخب بحضورهما، خاصة مع تهليل الرجل المزعج:
-قلبي عندك يا حاج.
انتبه إليه "بدير"، ونظر في اتجاهه مغمغمًا:
-متشكر.
ادعت "حمدية" تجفيفها لدموعٍ غير موجودة بطرف حجابها، وقالت بصوتٍ جاهدًا ليبدو متأثرًا:
-ربنا يسمعنا كل خير قريب، شدة وتزول.
كان رده مقتضبًا أيضًا معها:
-يا رب.
أشــارت بيدها نحو المكان الجالسة به "ونيسة"، وأخبرته بنوعٍ من المواساة:
-هاروح أشوف الحاجة أخد بخاطرها كده، كبدي عليها، قلبها أكيد موجوع عليه.
علق عليها "خليل"؛ وكأنه يبدي تفهمه لمشاعر الأسرة المهمومة:
-ما هو ضناها يا "حمدية"، شوفي إنتي لما عيل بيسخن شوية بتعملي إيه؟ ما بالك بقى بالمعلم "تميم" واللي حصله!
مصمصت شفتيها متمتمة:
-أه والله، ربنا ينجيه ويطمنكم عليه.
لم يكن "بدير" في مزاجٍ رائق يسمح له بالمماطلة في أي حديث؛ وإن كان للشد من أزره، لذا جاء تعليقه مختصرًا للغاية:
-أمين، متشكر ليكم.
انسحبت "حمدية" من التجمع الذكوري، وجلس زوجها برفقة الحاضرين، ملتزمًا غالبية الوقت بالصمت، حينما انتقل الحديث إلى موضوعٍ آخر يخص إدارة الأعمال، وكيفية تغطية الخسائر الفادحة التي لحقت بعائلة "سلطان"، بعد احتراق دكانهم الكبير، وتلف البضائع بداخله. حفظًا لماء الوجه، اقترح "خليل" على مضضٍ، ليظهر اهتمامًا زائفًا بالدعم:
-لو محتاج يا حاج الدكان عندنا تحط فيه البضاعة خده، هو بقى متوضب دلوقتي وآ....
قاطعه "بدير" بهدوءٍ، ليشكره بلطفٍ رافضًا عرضه:
-تسلم يا "خليل"، دكان "سلطان" هيرجع أحسن من الأول.
ارتفعت نبرة "عوف" قليلاً عندما اقترح هو الآخر بجديةٍ غريبة:
-ما تستخدم يا حاج الدكان التاني، اللي "محرز" كان بيودي عليه البضاعة.
ظهرت أمارات الصدمة على وجه "بدير"، وانعكست كذلك على نظراته وهو يردد مدهوشًا:
-دكان تاني؟!!
أوضح له "سراج" بتعجبٍ من جهله عن حقيقة امتلاك نسيبه لدكانٍ كبير:
-أيوه، اللي موجود في (...)، إنت معندكش خبر عنه ولا إيه؟
بنفس الوجه المندهش قال:
-دي أول مرة اسمع عنه منكم دلوقتي.
تطلع "عوف" باستغرابٍ إليه، وواصل القول، كما لو كان يمده بقطع المعلومات الناقصة:
-احنا على طول بنوردله بضاعة على هناك، مش كده يا "سراج"؟
هز رأسه مؤكدًا على حقيقة الأمر:
-مظبوط.
تساءل بوجهٍ متجهمٍ، وعينان تتحركان في ضيقٍ، وكأن أحدهم طرق على رأسه بمطرقة غليظة:
-الكلام ده بقاله أد إيه؟
تبادل "عوف" مع "سراج" نظراتٍ حائرة، قبل أن ينطق الأول:
-أديله سنين.
من بعيدٍ جاء "هيثك" بخطواتٍ متهادية، ألقى التحية على الجميع، وتساءل في اهتمامٍ:
-إيه الأخبار يا رجالة؟ في جديد؟
التفت نحوه "منذر"، وقال:
-لأ لسه يا "هيثم".
حمل وجهه تعبيرًا آسفًا عليه، انتقى مقعدًا شاغرًا، وجلس عليه، ليتابع بعدها سرد ما فعله:
-ربنا يسمعنا كل خير، عمومًا أنا سلمت بضاعة المخازن لسفن البحر، ودي الفواتير.
استدار الحاج "بدير" برأسه في اتجاهه، ونطق بصوتٍ عكس حزنه العميق:
-رمينا عليك الشغل كله يا "هيثم".
رد بتلقائيةٍ:
-أنا متعود على كده.
ربت "منذر" على ظهره، يمتدح جديته التي ظهرت مؤخرًا:
-هو أدها وأدود.
قال "سراج" بلهجةٍ غير مازحة مطلقًا:
-لو في أي حاجة نقصاك عرفني، وأنا هورد من عندي على اسم دكان الحاج "سلطان".
أضــاف عليه "منذر" بقامته التي زادت طولاً، حينما استقام في جلسته:
-والنقل من عندنا، العربيات موجودة، توصل لأي حتة عايزينها.
آمن عليهما "عوف":
-مش عايزين حد يتأثر، الناس ملهاش ذنب يتعطل شغلها.
نظرات امتنانٍ تجولت من عيني "بدير" على وجه الرجال المجتمعين من حوله، حقًا حينما تشتد الأزمات، تظهر معادن الرجال الحقيقية، وحوله نخبة ممن يعدون مثالاً للشهامة والأصالة، دمعة فرت إلى طرفه وهو يشكرهم:
-كتر خيركم يا رجالة، أنا مش عارف أقولكم إيه؟
أخبره "منذر" بصدقٍ نابع منه:
-احنا عيلة وأهل، و"تميم" ده أخونا مش بس صاحبي.
منحه نظرة خاصة، تعبر عن محبةٍ صافية، وقال مبتسمًا لهم:
-ده مش جديد عليكم، نردهالكم في الفرح.
صــاح "عوف" قاطعًا على نفسه وعدًا:
-ندرًا عليا لما يخرج من هنا لأدبح عجل وأفرقه على الغلابة.
وأضاف عليه "منذر" بحماسٍ أشد:
-2 من عندي كمان.
ابتسامة متفائلة شقت طريقها أخيرًا إلى محياه، فعلق "بدير" برجاءٍ:
-يقوم بس، وبعدين نقلبها جزارة.
لمسةٌ جادة على كتف "منذر" أجبرته على الاستدارة نحو وجه شقيقه، الذي جاء لمقابلته، تحية سريعة أعطاها للرجال، ثم مال على أذنه يهمس له:
-"منذر" عايزك.
استأذن بالذهاب لدقائق بعيدًا عنهم، ووقف به في منطقة شبه هادئة، متسائلاً بوجهٍ مهتم:
-ها عرفت حاجة؟
علامات اليأس انعكس على تعبيرات وجهه وهو يخبره:
-ولا حس ولا خبر عنه، فص ملح وداب ابن الـ....!!
رد عليه "منذر" بنظراتٍ قاتمة:
-مسيره يظهر، ما هو مش هيفضل مستخبي كده كتير، لازمًا هيحتاج فلوس، ما هو مش قاعد على كنز.
كان المقطع الأخير من حديثه منطقيًا، خاصة مع تطور الأحداث بشكلٍ مفاجئ، ودون ترتيب مسبق. هز "دياب" رأسه وهو يكمل:
-وأنا مكلم رجالتنا في كل حتة كان بيروحها، في عين لينا تبلغنا وقت ما يشوفوه.
بتعبيرٍ غامض ومخيف، ينم علن نية مبيتة، لإذاقته أقسى أنواع الألم، اختتم "منذر" حديثه معه:
-هيروح مننا فين؟
.................................................
أسندت يديها المضمومتين في حجرها، وأطرقت رأسها للأسفل في أسفٍ مصطنع، مدعية تراكم الهموم في صدرها، لتبدو مقنعة وهي تدعي حزنها الشديد على فاجعتها. اعتصرت "بثينة" عينيها بقوةٍ طفيفة، لتلتهب حدقتاها، فتظهر وكأنها كانت تبكي عليه، زفيرٌ بطيءٍ تحرر من بين شفتيها، قبل أن تتبعه بقولها:
-قلبي عندك ياختي.
لم تنظر "ونيسة" في اتجاهها، وردت عليها بصوتها المنتحب:
-شوفتي اللي حصله؟
زمت "بثينة" شفتيها متابعة بحزنٍ:
-آه، يا حبة عيني، ده لسه في عز شبابه...
ثم هزت رأسها، وأشــارت بيدها نحو ابنتها مواصلة حديثها:
-بعيد عنك أول ما "خلود" سمعت الخبر طبت واقعة منب على الأرض، بقيت محتاسة مش عارفة أعمل معاها إيه؟
لكن ما لبث أن غلف التنمر صوتها، عندما أخبرتها بما يشبه اللوم:
-مع إنه جه عليها جامد، بس هي مخلصهاش، صممت تيجي وتقف جمبه، ما هي كانت بردك مراته في يوم من الأيام.
لم تستسغ تلميحها المبطن، فازدردت ريقها، وغمغمت في تبرمٍ:
-كتر خيرك يا "بثينة"، زي ابنك برضوه.
لوت ثغرها قائلة بامتعاضٍ، لم تخفه:
-أيوه.
...............................................
اضطر أن يتوقف عن قراءته المتأنية في مصحفه الشريف، ليرفع رأسه في اتجاه الظل الذي أطل عليه، لم يبدُ "سلطان" مزعوجًا عند رؤيتها، بل على العكس توقع مجيئها؛ لكنه استغرب من تأخير حضورها، وقفت "خلود" قبالته تطالعه بنظراتٍ حائرة، دار بنظراته المتعبة عليها، لاحظ تشكل الهالات السوداء أسفل جفنيها، حتى عينيها كانتا منتفختان على الأخير، بالإضافة إلى أنفها المتورم من كثرة البكاء، نهنهة صوتها كانت واضحة عندما سألته:
-"تميم" عامل إيه دلوقتي يا جدي؟
رد بهدوءٍ، وابتسامة رضا تلوح على فمه:
-في نعمة من نعم ربنا.
سألته بتلهفٍ كبير، ودقات قلبها تنتفض:
-يعني فاق؟
هز رأسه نافيًا:
-لأ.
كزت على أسنانها هاتفة بعصبيةٍ، رغم خفوت صوتها؛ كما لو أنها تلومه:
-أومال بتقولي ليه يا جدي إنه بقى كويس؟
رمقها بنظرةٍ صارمة، وقال ببساطةٍ:
-لأنه في معيّة ربنا، واللي مع ربنا في نعمة.
لم تستلذ رده، وصاحت بحسمٍ:
-أنا عايزة أشوفه.
أرجع رأسه للخلف ليحوز على نظرة كاملة لها، وسألها بصوته الهادئ:
-تشوفيه ليه؟
وكأنها قد تعجبت من سؤاله، فردت باستنكارٍ شديد:
-ده جوزي، ولازم أبقى جمبه.
صحح لها خطئها بنبرة خشنة، خالية من التعاطف:
-لأ مش جوزك يا بنت "بثينة"، ولو محتاج حد، فأهله جمبه، هو لسه معدمناش!
اغتاظت من إقصائه لها، فصاحت بحنقٍ، والغضب يتطاير من مقلتيها:
-وأنا من أهله.
جاء رده عليها صارمًا:
-كنتي خلاص، واللي كان عايزه حفيدي وهو واقف على رجليه، هيتنفذ وهو راقد على فرشته كأنه موجود بينا.
لانت نبرتها قليلاً لتستجدي عطفه:
-و"تميم" هايعوز إيه غير إني أخد بالي منه؟
ثم جلست إلى جواره متابعة بتوسلٍ:
-أنا أولى بيه يا جدي من أي حد، أنا حبيبته، أنا حب عمره.
تلك النعومة المزيفة تلاشت مع إكمالها بأنانية واضحة، وبتوحشٍ ظهر في عينيها:
-أنا من دمه ولحمه، أنا مراته، وعمري ما هابعد عنه، "تميم" مكتوب على اسمي، محدش ليه فيه حاجة غيري.
ضجر الجد من ثرثرتها المزعجة، وهتف عاليًا بصوتٍ آمر:
-يا "بثينة"، خدي بنتك اكشفي على عقلها، الظاهر فوت منها خلاص.
..............................................................
بالرغم من عظامها المتألمة، وكدماتها الظاهرة على أجزاءٍ متفرقة في جسدها، واصلت "فيروزة" بحثها عن هاتفها المفقود، لم تجده منذ الصباح، لوهلة ظنت أنها أضاعته، خلال شجاره العنيف مع ذاك الملقب بزوجها، فتشت عنه في حقيبتها، وسؤالٌ بعينه يتردد على لسانها:
-موبايلي راح فين؟
تركت حقيبتها، واتجهت للبحث عنه في باقي أرجاء الغرفة؛ لكن لا أثر له، انتابتها حيرة مغلفة بالخوف، شعرت بجفافٍ مرير يجتاح حلقها، وصوتها يهتف:
-أنا متأكدة إني كنت سايباه هنا.
قفز قلبها فزعًا لاحتمالية استبعدت حدوثها لوهلة؛ لكن ما إن استغرقت في تفكيرها، أزيلت الغشاوة عن عقلها، واتضحت الصورة المنقوصة، ربما خلال غيبوبتها استغل "آسر" الفرصة وسرقه، كان ذلك التعبير الأدق لوصف ما فعله! وذلك لتضييق الخناق عليها، فلا تلجأ بأي صورة ممكنة لأي مساعدة خارجية، تنجدها من شرور نفسه المريضة، اِربد وجهها بالغضب، وتساءلت في حيرة:
-طب هاعمل إيه دلوقتي؟
غالبت دموع القهر التي ملأت حدقتيها، لتقول لنفسها بنبرة عازمة:
-مهما حاولت تكسرني مش هاتقدر يا "آسر"!
..................................................................
في غفلة من الجميع، تسللت للطابق المتواجد به غرف العناية الفائقة، على أمل رؤيته، بعد أن ضاقت ذرعًا من تلبية أحدهم لرغبتها، تبقت لها عقبة تجاوز الممرضة المسئولة عن متابعة المرضى، حاولت إقناعها بتركها معه بمفردها لبضعةٍ لحظات؛ لكن الأخيرة رفضت بشدة، وقالت بنبرة منزعجة، ومتزمتة في نفس الوقت:
-يا مدام ماينفعش كده.
بكت "خلود" في حرقةٍ لتسترق قلبها وهي ترجوها:
-أنا مراته و...
انخرطت في بكاءٍ أشد، لتضيف بشهقات متقطعة:
-وأم ابنه.
بدت الممرضة آسفة على حالها، ومع هذا تمسكت برفضها:
-ممنوع يا مدام تتواجدي هنا، ماينفعش!
ألحت عليها بصوتها الباكي، ووجه تعمدت أن يكون وديعًا:
-هو محتاجني، لما هيسمع صوتي هيفوق.
أخبرتها بلهجةٍ أظهرت ترددها:
-لو حد شافك هنا هيحصلي مشكلة.
لامست لين رأسها، فأكدت في لوعةٍ:
-أنا مش هاطول، هما 5 دقايق بس.
على مضضٍ استسلمت الممرضة أمام عنادها، وحذرتها:
-ما تزوديش عن كده.
ابتسامة أمل أنارت شفتيها وهي ترد:
-حاضر
أرشدتها الممرضة إلى مكانه، وأوصتها مجددًا بعدم إطالة وقت تواجدها معها، منعًا للمشاكل، أومأت برأسها في انصياعٍ، وانتظرت على أحرِ من الجمر انصرافها لتلج إلى غرفته، نظرة مليئة بالحسرة انتشرت في كامل وجهها، لرؤيته مقيدًا بأسلاكٍ غريبة، موصولة بأجهزة طبية تُتيح للطاقم الطبي متابعة حالته، دنت من فراشه، وقلبها ينبض بقوةٍ، تلمست ذراعه المسنود إلى جوار جسده، خللت أصابعها في كف يده، احتضنته بقوةٍ طفيفة، ورفعته إلى وجنتها ليلمس جلده بشرتها، كفكفت بيدها الأخرى دموعها، ثم اقتربت برأسها من وجهه الساكن، لتهمس له في أذنه:
-"تميم".. حبيبي، سامعني؟ أنا جيت هنا جمبك.
لم تحرر يده، وتحسست بأناملها ذقنه النابتة، أسبلت عينيها تخبره بصوتها الخفيض:
-إزاي جالهم قلب يعملوا فيك كده، وهما عارفين أد إيه أنا بأحبك؟
تحولت ملامحها إلى العبوس، وأضافت بتجهمٍ:
-أنا مش مسمحاهم... كمان مالهاش حق أمي تشمت فيك.
تلاشى اكفهرار وجهها مع تبريرها لتصرفها الفج:
-بس برضوه لازم أعذرها، هي زعلانة عشاني..
استمرت في مداعبة وجهه، ثم همست له:
-عارف لو إنت كنت معايا، مكانش ده كله حصل يا حبيبي...
انخرطت في دوامة أحلامها الوردية، وأغمضت عينيها لتقول بنبرة حالمة:
-كان زمانا نايمين في حضن بعض، وكان ممكن دلوقتي أكون حامل في ابن تاني لينا بدل اللي راح.
تحرك صدر "تميم" بثقلٍ أصابها بالمفاجأة، هسيسٌ غير مفهوم خرجت من شفتيه الجافتين ينادي:
-"فيروزة"!
لم تتبين كلامه غير الواضح، مالت برأسها عليه أكثر، وسألته بقلبٍ يدق بحماسٍ:
-"تميم" إنت سامعني؟
قربت "خلود" شفتيها من فمه، لتسمعه يهمس باسمها، بحنينٍ لم تختبره يومًا معه:
-"فيروزة"!
اختفت مشاعر الإشفاق عليه، حتى لمعان عينيها بسبب دموعها جف سريعًا، "فيروزة" هذا الاسم البغيض إلى نفسها، من اعتبرتها مفسدة حياتها الرومانسية، ها هو وسط ضلالاته يناديها، حررت يده من أصابعها، ورمقته بنظرة نارية مليئة بالغيظ، ظلت شفتا "تميم" ترتجف بهمهمة اسمها، فخرجت عن شعورها، ووضعت كفيها على كتفيه، تصرخ فيه بجنونٍ:
-بتقول اسمها حتى وإنت بتموت؟ إييييييه؟!!
انفجر غضبها مع صمته المستفز، فهدرت بانفعالٍ شديد، لاكزة إياه:
-خلاص، مافيش إلا هي في دماغك؟
حاولت هز جسده المتصلب خلال صراخها به:
-وأنا فين؟ رد عليا؟ أنا فين في حياتك يا "تميم"؟
اختنق صوتها مع استمرارها في الصياح به:
-أنا مراتك، وبنت خالتك، وأم ابنك، ناسيني ليه؟
عادت مشاعرها التملكية تحتل نبرتها، وهي تطلق عباراتها الغاضبة نحوه:
-إنت جوزي أنا وبس، الزفتة دي خلاص غارت في داهية، معدتش موجودة وسطنا، بتفكر ليه فيها؟ عملالك إيه عشان حتى وإنت راقد كده بتنطق باسمها قصادي؟ تفرق إيه عني؟ واشمعنى أنا لأ؟ كل اللي عملته عشانك محيته في لحظة؟ أنا مراتك، إنت اخترتني عشان أكون ليك من زمان، من قبل ما أعرف يعني إيه حب، ورضيت أكمل معاك بعد سنين من الانتظار، يعني إنت من حقي وبس، قلبك ملكي لوحدي أنا بس، محدش غيري ليه حق فيك!!!
اخترق صوتها المحتد طبلة أذنه وهي تكرر عليه بلهاثٍ منفعل:
-سامعني يا "تميم"؟ إنت جوزي.
خبت عصبيتها مع ترديدها:
-إنت حبيبي، وكل حتة فيك ملكي أنا.
تحركت يدها لتلمس ثغره؛ لكنه أوقفها قبل أن تصل إليه، بالقبض على معصمها، في حركة مفاجئة، أصابتها لحظيًا بشلل مؤقت، اتسعت عيناها على آخرهما، وصوته يخرج بطيئًا من بين شفتيه يأمرها:
-إياكي..
بلعت ريقها، وهتفت ببسمة مذهولة:
-"تميم"، أنا مش مصدقة عينيا.
ما كان سائدًا في مجمل مشاعره نحوها، بعد أن استفاق من ظلام عقله، رفضًا قطعيًا لوجودها بقربه، وبصوتٍ جاهد ليخرج ثابتًا، صارمًا، ولا بادرة تردد فيه، أمرها:
-متقربيش مني يا... بنت خالتي...
شهقة غاضبة انفلتت من بين شفتيها المنفرجتين، وقبل أن تفكر في تسول عواطفه، بهذا الشكل المرضي السقيم، حسم وصف علاقته بها، بقوله النهائي الذي لا رجعة فيه:
-إنتي متحرمة عليا، سواء كنت عايش، ولا ميت .................................. !!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا