مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخامس والثلاثون من رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الخامس والثلاثون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الخامس والثلاثون
منديل الرأس، أول ما وقعت عليه نظراتها المندهشة، أيعقل أن يكون ذلك خاصتها؟ التقطته بيدها المرتعشة من فرط انفعالها، وقربته من عينيها لتتأكد منه، ارتفع نهجان صدرها مع رؤيتها للبقية بقاع الدرج، اتسعت عيناها على آخرهما وهي تكاد لا تصدق ما تراه. قبضت "فيروزة" على متعلقاتها براحتها، وتساءلت في صدمةٍ حائرة:
-إيه اللي جاب دول هنا؟
تشتت تفكيرها للحظاتٍ وهي محدقة في أشيائها، باعدت عينيها عنهم لتدور بهما حول الغرفة في نظرة شاملة تمسح بها تفاصيلها، وكانت صدمتها الأخرى، إنها بغرفة "تميم"، الآن تذكرت أنها رأتها من قبل، عندما وقفت أمام بابها، خلال الاحتفال بميلاد الرضيع "سلطان". انتفضت واقفة عن الفراش، وكأن عقربًا لدغها، وحالة من الذهول والإنكار مسيطرة عليها، أطبقت بأناملها المتشنجة على متعلقاتها، واعتصرت عقلها عصرًا لتتذكر أين فقدتهم؛ لكن في خضم ما تمر به الآن، لم تسعفها ذاكرتها، وبات الأمر عسيرًا عليها، فقط شيئًا واحدًا طغى على السطح، اتهامات "خلود" لها بمحاولة سلب زوجها منها بطرقٍ ملتوية، جال ببالها أن تكون قد رأت منديل الرأس والمشابك. قفز قلبها في رهبةٍ، وزادت مخاوفها، نطق لسانها بما يستحوذ على كامل تفكيرها:
-لأحسن تكون شافت الحاجات دي، وفكراني آ...
لم تستطع إتمام جملتها خوفًا من تصديق ذلك الاعتقاد الخطير، وإن لم يكن صحيحًا! تراجعت مبتعدة عن كل ما له صلة بـ "تميم"، لتهرع نحو الباب قاصدة فتحه، وهاربة مما قد يسيء إليها، خرجت من الغرفة سريعًا، واتجهت عائدة للصالة، تحدق بعينين مفزوعتين لظهر الجد "سلطان"، وحفيدته "هاجر"، ومن خلفهما "ونيسة"، الوضع أصبح متأزمًا للغاية، كارثة أكيدة على وشك الحدوث. ظلت متجمدة في مكانها، لم تبرحه، وصوت لائم يتردد بداخلها:
-هو أنا عملت إيه؟ ورطت الناس دول معايا ليه؟ هما ذنبهم إيه؟
.................................................
من كل حدبٍ وصوب، جاءوا معه سائرين، وركابًا، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، بعد تلقيه لمكالمات جمة من غالبية الجيران، لإخباره بالوضع المتدهور بالبناية. صوت احتكاك مكابح السيارات كان كفيلاً بإثارة الرعب في النفوس، ترجل "تميم" من سيارته دون أن يأبه بغلقها، وهرول ركضًا آمرًا عماله بصوت جهوري رن صداه المخيف في أركان المنطقة، وهو يُلقي بسلسلة حديدية لأحدهم:
-باب العمارة يتقفل من برا بالجنزير، محدش لا يدخل ولا يخرج، سامعين!
رد عليه العامل مبديًا طاعته الكاملة بنبرته الخشنة:
-تمام يا معلم.
اقتحم البناية عشرات الرجال الأشداء، على رأسهم كان "تميم"، يقفز على الدرجات صعودًا، وأبقى ثلاثة منهم أمام البوابة بعد غلقها بالقفل والسلسلة الحديدية الغليظة. أتاه صوت جده الأجش صائحًا وهو مازال بالطابق السفلي:
-ارمي البتاعة اللي في إيدك دي يا (...).
راح يسمع صوتًا مقيتًا إلى نفسه، يرد بازدراء حقير، جعل الدماء المغلولة تصعد من صدره لرأسه في كتلٍ محمومة:
-اتكلم على أدك يا راجل يا كُهنة، إنت مش هتستحمل ضربة مني، ده إنت رجلك والقبر.
وقبل أن يوبخه "سلطان" هدر "تميم" عاليًا بصوتٍ أرعب الجميع:
-القبر ده هتخشه النهاردة يا (...).
التفت الجمع المصاحب لـ "فضل" لمصدر الصوت المزلزل، وحدث كل شيء كالبرق في سرعته، امتدت يد "تميم" اليمنى القابضة على عصا غليظة نحو أحد الأوغاد، فأطاحت برأسه، والأخرى الممسكة بسكينٍ طويل أحدثت جرحًا غائرًا في عضدِ آخرٍ، وشتائمه اللاعنة لا تتوقف أبدًا. تبعه رجاله الذين تلاحموا بشراسة عنيفة، لا يمكن وصفها مع كل من تطاله أياديهم؛ وكأن بينهم ثأرًا قديمًا مضى عليه قرون.
تلاشت لغة العقل والمنطق، وحلَّ أسلوب الغابة والوحشية المُطلقة، فتناثرت الدماء، وتكسرت العظام، والتوت الأذرع، وضربت الرؤوس. كالجرذ المذعور تراجع "فضل" متجهًا نحو الجد يريد إيذائه، اعتبره فريسة سهلة المنال، وربما وسيلته المؤقتة لإخراجه من الجحيم الذي سقط فيه بإرادته؛ لكن الأخير باغته بضربة غير متوقعة من عكازه على كتفه، جمع فيها كل غيظه وغضبه من تدنيس حرمة منزله، فارتد للخلف فاقدًا اتزانه، وقدرته على الصمود، ليقع في يدِ من لا يرحم.
.................................................
رغم حالة الهلع المسيطرة عليها إلا أنه استجمعت نفسها، والتقطت هاتفها المحمول الذي أسقطته أرضًا أثناء المواجهة مع ذلك الدنيء النجس، بادرت بالاتصـال بالشرطة على أمل أن يأتوا في الوقت المناسب، لمنع "فضل" من اختطاف توأمتها قسرًا. لم تتوقف "همسة" عند ذلك الحد، بل هاتفت أيضًا "علا"، علها تنجح بطريقة أخرى في ردعه، إن نجح وأخذها عنوة. حمدت الله في نفسها أنها ما زالت تحتفظ برقم هاتفها لديها، فتوسلتها بصوتها المتقطع عندما أجابت عليها:
-كلمي "ماهر" بيه يلحقها بسرعة، أنا خايفة أوي عليها، ده ممكن يقتلها.
ردت عليها تطمئنها في نبرة كانت متلهفة كذلك:
-متقلقيش يا "همسة"، مش هايقدر يأذيها، البلد مش سايبة، و"ماهر" ليه صلات بناس كتير، اطمني، هيعرف يوصلها حتى لو كانت فين.
استعطفتها بمزيدٍ من الرجاء:
-أوام الله يكرمك.
قالت مؤكدة:
-حاضر، اقفلي، وأنا هاطلبه.
-ماشي.
نطقت بتلك الكلمة الموجزة وهي تبعد الهاتف عن أذنها لتجري خارج منزلها، لكنها توقفت في مكانها، وأمسكت بكلتا يديها بحافة الدرابزون، بعد رؤية التلاحم العدائي الشرس الدائر بالطابق السفلي.
............................................
تكوم إلى جوار صندوق القمامة، شاعرًا بألمٍ حارق يعصف بكتفه؛ لكنه لا يُقارن بالألم الرهيب الذي نال من ذراعه، عندما انقض عليه "تميم" ليكسره في عصبيةٍ خرجت عن السيطرة. صرخ "فضل" بعويلٍ باكٍ مستنجدًا:
-الحقوني!
شقًا طوليًا لن يلتئم جرحه بسهولة وجد مكانه في جبين "فضل"، صوت صراخه المرتفع كان كأنشودة تطرب الآذان، ومع هذا لم يشفِ غليله منه! نادى "سلطان" حفيده الجاثم على ذبيحته بركبته:
-"تميم"!
رد متوعدًا بأنفاسٍ حارقة، وعيناه تتقافز فيهما شرارات ملتهبة:
-مش هارحمه يا جدي!
لجأ "فضل" لقشةٍ أخيرة، ربما قد تكون السبب في إحراقه حيًا، أو كسب المزيد من الوقت للنجاة بحياته من براثن ذلك العتي، لعق شفتاه، وهدر بصوتٍ عالٍ قاصدًا لفت الأنظار:
-إنت هتموتني عشان بألم عرضي اللي دست عليه ووسخته؟!
صوت طاووسه البري الحانق جاء من ورائه يرد على ظلمه المجحف:
-إنت أوسخ خلق الله، أنا يا كلب أشرف من أمثالك، وأطهر من كل كلمة قولتها.
تخطت دماء "تميم" درجة الغليان بكثير، واستثير على الأخير بحمئتها المتعصبة، فأصبح كالأعمى، لا يرى إلا شيئًا واحدًا، قطع لسان ذلك النجس فورًا لإخراسه، لكن يده سبقت مديته، وصفعه أولاً صفعة عنيفة جعلت صفي أسنانه تتخلل من فرط قوتها، ثم سدد له لكمة أسفل فكه كادت تحطمه وهو يصيح به بسبابٍ لاذع:
-اخرس يا (...)! لسانك النجس ده هاقطعهولك.
انكمش "فضل" على نفسه من شدة الألم المنطلق في وجهه، ورغم هذا استمر في قذفها بالباطل، ورفع من نبرته متابعًا اتهاماته غير الحقيقية لكليهما، كوسيلة أخيرة لكسب تعاطفٍ غير موجودٍ من المتواجدين:
-اشهدوا يا ناس، شوفوا هيعمل فيا إيه الكلب ده وعشيقته.
شهقة "فيروزة" المصدومة اخترقت أذني "تميم"، أتبعها نفيها القاطع:
-إنت كلب، واحد قذر، تستاهل الحرق والموت.
نظر إليها قائلاً بسعالٍ متحشرج:
-أيوه اعملي الشويتين دول، وأنا اللي كنت جاي اتستر عليكي بعد ما ريحتكم فاحت، وسيرتك بقت على كل لسان.
بين طرفة عينٍ وانتباهتها تحول "فضل" لكيسٍ للملاكمة، تكسرت فيها ضلوع صدره، وتناثرت الدماء من كل فتحة في وجهه، قبل أن تجد مديته طريقها عند فمه لتحدث شقًا غائرًا في جانبه. أوقفه الجد "سلطان" بصعوبة عن غرزه بندائه الغليظ:
-"تمــيم"!
بالكاد توقف عن تعميق النصل حينما لمح بطرف عينه منديل الرأس المحتفظ به أعلى درج الكومود يسقط على مقربة منه، فأدار رأسه في صدمة وجلة للجانب، ليجد "فيروزة" تفترش الأرضية بجسدها الغائب عن الوعي، سحب مديته بقسوة من جلد وجهه غير عابئ بصراخ "فضل" الجنوني، لينتقل سريعًا نحوها، ولون وجهه المحتقن يشبه الأتون المتقد منذ ساعات. جثا قبالتها، وهلل بصوته الصارم يأمر رجاله:
-خدوا الـ (...) دول كلهم على السطح...
والتفت برأسه نحو "فضل" متابعًا إملاء باقي أوامره عليه:
-والنجس ده يطلع مسحول على ضهره.
استجاب كافة العمال له بهمهمات طائعة، قبل أن يعاود النظر إلى الوجه الذي انطفأ من قساوة ما جابهه في وجوده، أحس "تميم" بنيران تحرق كامل جسده، معتقدًا أنه لوهلة خذلها عندما لم يسكت لسان الباطل.
...............................................
قاوم السعير المتأجج فيه، ومرر "تميم" ذراعيه أسفل جسد "فيروزة" الممدد عند قدمي جده المحني عليها لحملها، قام بإدخالها لمنزله، توقف في مكانه مترددًا أين يضعها؛ وكأن عقله قد توقف عن التفكير بمنطقية. أرشده جده بأمرٍ نافذ من خلفه:
-وديها أوضتي.
لم يلتفت إليه، وتابع سيره نحو غرفة جده ليضعها بالفراش، وصوت "سلطان" الرزين يكلمه:
-كل حاجة هتتحل، ماتقلقش.
نعم أراح جسدها بالفراش؛ لكن ذلك لا يعني أنه استراح، فالحرب قد اندلعت لتوها بين الحق والباطل. وقعت أنظاره على يده المنتفخة، فزاد اشتعال صدره متوقعًا أن تكون إصابتها جراء الصدام مع ذلك الوضيع، برزت عيناه أكثر عندما رأى أناملها ترتخي عن مشابكها، التقطهم سريعًا واحتفظ بهم في راحته، وعقله مزدحم بأسئلة عن كيفية اكتشافها لكنزه الثمين. انتشله من سرحانه المشحون بأنواعٍ متناقضة من الأفكار قبضة جده الموضوعة على كتفه، شعر بضغطه الجامد عليه قبل أن يستطرد قائلاً:
-واللي غلط هياخد جزائه، بس نهدى ونفكر بالعقل.
إن كان يتحدث جده عن التريث، فقد ذاب وتبخر مع شدة غضبه! وإن كان يقصد منح الرحمة لمن لا يستحق تجنبًا للعقوبة، فقد انعدمت تلك الصفة منه! نظر إليه "تميم" بعينين متشبعتين بحمرةٍ لا يمكن إنكار رؤيتها، وأخبره بنفسٍ ثقيلٍ من بين شفتيه:
-مش مع ده، هيتعلق ويدفن بالحيا.
اعترض جده طريقه، وقد رأى في عينيه إصرارًا قويًا على تنفيذ ما صرح به، وخاطبه:
-وتضيع نفسك مع كلب؟
قال بحرقةٍ شديدة:
-مش فارق معايا.
خفف من حدة صوته وهو يقول مستعينًا بنظرة ذات مغزى من عينيه:
-طب فكر فيها؟
كبحْ غضبه الآن كان من رابع المستحيلات، فهو ينهش في روحه ويستحثه على الصعود لقتل "فضل"، بعد إذاقته ألوانًا من العذاب، ليعي الأخير مع أي شخص قد عبث وأساء. ولجت "ونيسة" إلى الغرفة -ومعها ابنتها- تتساءل في جزعٍ:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، هو في كده؟ إيه الظلم ده؟
بينما أعلمته "هاجر" وهي تنظر إليه:
-العمال برا واقفين مستنينك يا "تميم".
-أنا أسفة إني دخلت كده من غير استئذان.
صوت "همسة" المعتذر جعل الجميع يلتفت نحوها، وجدوها تقف عند أعتاب الغرفة وهي تتطلع إليهم بنظراتها المرتعبة، رمشت بعينيها، وتابعت قائلة بصوتٍ يملأوه الخوف:
-بس عايزة أطمن على أختي.
أقبلت عليها "ونيسة"، واستحثتها على الدخول بقولها المهتم:
-تعالي يا بنتي، ده بيتك.
اندفعت "همسة" نحو توأمتها، واللوعة تستبد بقلبها آسفًا عليها، مالت عليها، واحتضنتها قائلة لها ببكاءٍ:
-الحمدلله إنك هنا.
ثم رفعت رأسها تخاطب البقية، مدافعة عن شقيقتها بحرجٍ ملموس في صوتها؛ لكون الأمر يمس عائلة "سلطان" بشكلٍ مباشر وسافر:
-والله العظيم هو كداب، بيهلفط بأي كلام.
قال الجد بثباتٍ وهو يومئ برأسه:
-احنا متأكدين يا بنتي من ده، مش محتاجة تبرأي ذمة أختك.
كان "تميم" على وشك الرد أيضًا لولا سماعه لصوتها الجريح، يهتف من ورائه بأنفاسٍ غير منتظمة، ليدرك أن مهجة القلب ومالكته قد أفاقت من إغماءتها:
-هاقتلك يا "فضل" .......................................... !!!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا