مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الحادى والأربعون من رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الحادى والأربعون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج3 بقلم منال سالم - الفصل الحادى والأربعون
وازن بين أدائه لعمله، وبين شروده في التفكير فيما حدث من مقابلة جده معها، حاول الالتهاء بإشغال نفسه قدر المستطاع بأعمالٍ لا حصر لها، حتى لا يدع لعقله الفرصة في توقع الأسوأ؛ لكن دومًا فضوله يطغى على أي شيء آخر. بدا "تميم" مشتت التركيز معظم الوقت، رغم سعيه لإظهار العكس، فأوكل إلى أخلص رجاله مهمة مراجعة تعبئة إحدى الشاحنات، وأمسك بدفتر الفواتير محفزًا نفسه على قراءة الأرقام؛ لكنها تداخلت وبدت معقدة وغير مفهومة.
ترك ما في يده، وفرك جبينه بيده مرددًا مع نفسه:
-إنتي عاملة فيا إيه بس؟!
حالة التخبط المسيطرة عليه لم يمانعها؛ لكنه لم يحبذ لفت الأنظار إليه، تحركت عيناه نحو هاتفه المسنود إلى جواره، امتدت يده لتمسك به، كان مترددًا في مهاتفة والدته، وظل يرجئ الأمر بضعة مراتٍ حتى انتهى رصيد الصبر لديه، نهض من خلف المكتب الخشبي، والتقط الهاتف بيدٍ، ثم اتجه إلى زاوية هادئة نسبيًا من الدكان، واتصل بها، ترقب إجابتها عليه. سرعان ما توترت ملامحه حينما سمع صوتها، سألها بنبرة جاهد لتبدو ثابتة غير كاشفة لأمره:
-إيه الأخبار عندك يامه؟
جاوبته بصوتها العادي:
-أه يا ضنايا، كله تمام عندنا.
سألها على مهلٍ، وكامل نظراته مرتكزة على نقطة وهمية بالأرضية:
-وجدي رجع من مشواره؟
جاءه ردها طبيعيًا:
-أيوه من شوية، "هيثم" طلعه، وأنا عملتله القهوة بتاعته.
حمحم متسائلاً بترددٍ لطيف؛ كأنما يبحث في كلامها عما يشبع حيرته:
-وهو كويس؟ قالك حاجة يعني؟
أخبرته بتريث:
-قالنا إنه اطمن على "فيروزة"، وبقت أحسن شوية، وبعدين دخل على أوضته ...
ذكرها لاسمها طرب أذنيه، وأشعره بسعادة خفية تغمره، للحظة صمتت "ونيسة" قبل أن تبادر بسؤاله:
-إنت عايزه في حاجة؟
أمسك التخبط بصوته على الفور، وقال نافيًا مستشعرًا بفضولها ناحيته:
-لأ .. ده أنا .. كنت بأطمن عليه.
تنحنح بخشونة طفيفة، وسألها كنوعٍ من المراوغة لتغيير اتجاه الحديث، وإبعاد الريبة عنه:
-إنتو مش ناقصكم حاجة يامه؟
جاوبته بنبرة لامس فيها الرضا:
-خير ربنا موجود وزيادة، تعيش يا ضنايا.
أنهى معها المكالمة قائلاً بتعجلٍ:
-ماشي يامه، سلام.
زفر الهواء سريعًا، ولام نفسه لحماقته في إظهار مبالاته بخروج جده غير الاعتيادي، تمنى في قرارة نفسه ألا تستريب والدته من الأمر، خاصة لعلمها أن لذهابه علاقة بزيارة طاووسه المتعافي. التفت متجهًا نحو باب الدكان، فوجد والده يخاطب أحدهم، كان على وشك الاستدارة والعودة إلى مقعده ليستأنف مراجعة الفواتير؛ لكنه نــاداه بلهجةٍ جادة:
-يا "تميم"، تعالى عايزك شوية لو خلصت اللي في إيدك.
أبدى اهتمامه متسائلاً:
-خير يا حاج؟
أجابه "بدير" مستخدمًا يده في الإشارة:
-هنتكلم برا في الطل.
هز رأسه موافقًا، وتبعه إلى الخارج ليجلس إلى جواره على الكرسي الخشبي، رفع أنظاره إليه متسائلاً في فضول:
-كنت عايزني في إيه يابا؟
استند والده بكفيه على رأس عكازه، وأجابه:
-في عريس جاي لأختك ...
تحفز "تميم" في جلسته، وانعكست على تعابيره أمارات الدهشة، فتابع موضحًا له:
-هو فاتحني، وأنا عرفت جدك، بس قولت أخد رأيك الأول، قبل ما نكلم "هاجر" ونعرفها، لأنه ...
بتر عن عمدٍ باقي جملته ليضمن حوزته على كامل انتباهه، فواصل القول على مهل:
-كان السبب في حبسك.
برقت عينا "تميم"، وتساءل بقسماته المندهشة:
-إنت بتكلم عن مين يابا؟
أجابه بحذرٍ:
-قصدي على "سراج"!
صمت مدهوشًا للحظات محاولاً استيعاب المفاجأة، فأكمل والده مفسرًا:
-قبل ما نديله أي كلمة لازم الكل يكون موافق عليه، ورأيك عندي يهمني زي أختك.
توقع أن يرفض رفضًا قطعيًا جراء الماضي المشؤوم بينهما، ولن يلومه على ذلك؛ لكنه فاجأه بمدحه:
-هو.. ابن حلال، وجدع، معدنه الحقيقي بان وقت الشدة ...
هل حقًا يتحدث عن "سراج"؟ من زج به في السجن وقضى على زهرة شبابه هناك؟ حملق فيه والده مصدومًا لبرهةٍ، غير مصدق ما يسمعه بأذنيه، أضاف ابنه مسترسلاً، وهو يستحضر في ذهنه دعمه الكامل له في أكثر من موقف تطلب مروءة كبيرة، ناهيك عن موقفه الأخير إبان عمليته الطبية الحرجة:
-والصراحة أنا مشوفتش منه من يوم ما الدكان ولع بيا غير كل خير، وفي الأول وفي الآخر الرأي رأي "هاجر"، هي اللي هتتجوز، مش أنا.
لم يفق "بدير" بعد من صدمته المندهشة، وقال وهو يعيد رأسه للخلف:
-والله يا ابني أنا ما عارف أقولك إيه، الصراحة إنت فاجئتني.
صاغ "تميم" سؤاله بشكلٍ بسيط:
-عشان اللي حصل زمان؟ وعمري اللي ضاع في السجن؟
أتاه جوابه مقتضبًا وواضحًا:
-أيوه.
تنفس بعمقٍ، وقال:
-ده مقدر ومكتوب، وقتها أنا كنت أعمى، مش شايف الحقيقة مظبوط ...
ما لبث أن غلف صوته القسوة وهو يتم جملته:
-وكلنا عرفناها بعدين، إن الكلب "محرز" كان السبب الأصلي في المشكلة دي.
رد مؤمنًا على كلامه:
-معاك حق.
ابتسم قليلاً وهو يردد:
-وأهي أيام عدت بحلوها ومُرها، خلينا في النهاردة.
لانت ملامح "بدير" المشدودة، وعلق في تفاخرٍ:
-ربنا يكملك بعقلك يا ابني.
امتدت يد "تميم" لتربت على فخذ أبيه وهو يعقب:
-تسلم يا حاج، ده إنت الخير والبركة بتاعتنا، كلنا بنتعلم منك ومن جدي.
لمعت عينا "بدير"، وسأله بمكرٍ:
-بمناسبة جدك، قالك في جديد؟
ادعى ابنه عدم اهتمامه، وقال بنبرة غير مبالية:
-جديد إيه؟
لكزه في ذراعه معاتبًا إياه بمرحٍ:
-يا واد عليا برضوه، إيش حال ما أقفاص التفاح رايحة جاية؟
ضحك في سرور، ونهض من مكانه قائلاً:
-ربنا يكملها على خير يابا، وتبقى أقفاص مانجة، وفراولة وكل خيرات ربنا، ادعيلي بس.
قال وهو ينهض بدوره:
-أنا بأدعي، ومستني استجابة المولى.
رفع كفيه للسماء مرددًا في رغبةٍ:
-يا رب نسمع البشارة قريب
........................................................
مال برأسه للجانب ليمنع سقوط الهاتف من على أذنه، وهو يحاول بيدٍ دس المفتاح في قفل باب منزل أبويه، وباليد الأخرى كان حاملاً لحقيبة متوسطة الحجم. دفع "هيثم" الكتلة الخشبية بقبضته، واعتدل برأسه ليمسك بالهاتف، ثم استطرد مخاطبًا زوجته وهو يخطو للداخل:
-أنا وصلت عند البيت أهوو، هاجيب كام حاجة لأمي زي ما قولتلك، وأوديهم عندها، وأقعد معاها شوية، وقبل ما هروح هافوت عليكي.
توقف عن السير ليستدير مغلقًا الباب من ورائه، ثم تحسس الحائط باحثًا عن زر الإنارة وهو يتابع:
-حاضر، مش هتأخر...
فرك طرف أنفه محاولاً الاعتياد على رائحة الهواء العطنة السائدة في المكان، طرد زفيرًا ثقيلاً من رئتيه، وسألها:
-إنتو أعدين لسه في المستشفى؟ ولا هترجعي عند أمك؟
استمع إلى ردها، وعلق مختتمًا معها المكالمة:
-طيب خلاص، على تليفون.
ضغط على زر إنهاء الاتصـال، ودار بنظراته على بهو منزله الذي شهد جريمة بشعة، لا يمكن محو تبعاتها من الذاكرة مُطلقًا، كان معظم الأثاث مُغطى بالملاءات البيضاء، كما جُمعت التحف في مكان واحد، وطُرح عليها قطعة قماشية لمنع الأتربة من المساس بها، ورغم هذا ما زال السجاد محتفظًا ببقع الدماء الجافة رغم تنظيف كل شيء، آلمه شعوره بفقد شقيقته غدرًا، وأحس بوخزات تضرب في صدره حسرة عليها، تنهد مطولاً، ودعا لها بخفوتٍ:
-ربنا يرحمك يا "خلود".
تجاوز ما يزدحم به رأسه من أفكارٍ سوداوية حزينة، ليكمل ما جاء إليه، فقد أوصــاه الطبيب المعالج لوالدته بإحضار بعض الأشياء والمقتنيات التي كانت تحبذ الاحتفاظ بها، لم يفهم السبب وراء هذا؛ لكنها على الأرجح إحدى وسائله في خطة علاجها طويلة الأمد. ولج إلى داخل غرفة نومها، وجاب بنظرة شمولية على ما فيها، كل شيءٍ كان على حاله؛ وكأنه تُرك بالأمس القريب. تقدم في خطواته، واتجه نحو الفراش ليضع الحقيبة الجلدية عليه، ثم استدار ناحية الدولاب الخشبي ليفتح ضلفته، مرر نظراته سريعًا على محتوياته، وبدأ في انتقاء ما وجده مناسبًا، طرأ في باله اقتراح ما، فنطق به؛ كأنما يفكر بصوتٍ مسموع:
-أما أشوف ألبوم الصور، جايز ينفع.
اتجه ناحية الكومود، وجلس على طرف الفراش، ليفتش في أدراجه عن الصور العائلية القديمة، وجد ضالته بالدرج السفلي، فابتسم في رضا، وألقى نظرة سريعة على ما تضمنته صفحاته من لقطات حملت براءة، وسعادة بسيطة. أغلق الألبوم وهمَّ بالنهوض؛ لكن أثناء قيامه ضغط ثقل قدمه على البلاطة المنزوعة فتسبب في فلقها، تفاجأ من تصدعها أسفل السجادة، وانحنى ليزيحها عنها حتى يرى مدى الضرر الذي تسبب فيه؛ وكانت المفاجأة الصادمة له!
أبعد شقي الحجارة، وحدق بعينين متسعتين ذهولاً في كومة النقود المرصوصة بعنايةٍ والمدفونة بالأسفل، مد يده ليخرج رزمة منهم ليتأملها في صدمة، ولسان حاله يتساءل:
-إيه ده؟
أصيب تفكيره بشللٍ مؤقت، وظل يتطلع إلى ما في يده بنفس النظرات الذاهلة محاولاً استيعاب ما يراه. تلقائيًا امتدت يد "هيثم" لتخرج البقية في عدم تصديق، وصوت عقله يسأله:
-إيه كل ده؟ ودول جوم منين؟
تقافز إلى ذاكرته مشاهدًا سابقة عن ادعاء والدته للفقر، وعن استيلاء زوج خالته عن حقوق أبيه المتوفي، لتعاني من ويلات العوز والاحتياج؛ لكن ما يجده الآن نصب عينيه يناقض كل ذلك الكذب الملفق! تخبط تفكيره أكثر، وأصابته الحيرة، شعر بأنفاسه تضطرب، مع رؤية للمقتنيات الذهبية المحشورة أسفل النقود، بحسبة عقلية بسيطة، يُعد ما وجده كنزًا ثمينًا يُغني عائلته عن مد اليد للآخرين، وتسول مساعدتهم. ارتخى ما التقطته أصابعه متسائلاً:
-طب إزاي؟
انهار كل ما ظن أنه الصواب، عندما تدارك أنه ضحية خدعة محكمة، أجادت والدته إتقانها على مدار سنواتٍ طويلة. كان "هيثم" بحاجة ماسة لفهم ما يدور حوله، ووحدها كانت تملك مفتاح حل اللغز.
.....................................................
-دوقي كده يامه، ملحه مظبوط؟
قالت "هاجر" تلك العبارة وهي تتذوق بطرف لسانها الحساء الذي طهته، لتتنحى للجانب قليلاً حتى تتمكن والدتها من تجربة مذاقه، وهو ما زال موضوعًا على الموقد، استحسنت والدتها صنيع يديها، ومدحتها في ابتهاج:
-زي الفل، طالعة لأمك يا حبيبتي.
شعرت بالرضا عن حالها، واتجهت إلى الحوض لتغسل الصحون المتسخة، بينما أخبرتها "ونيسة" بلهجة جادة:
-أول ما أعلق على المحشي ويستوي، هاكلم "هيثم" يجي يودي الأكل عند حماته، اهي حاجة ترم عضمهم، وتقوتهم.
نظرت ابنتها ناحيتها، وقالت باهتمامٍ وهي تدعك بقوةٍ الوعاء المليء ببقايا السمن:
-كتر خيرك يامه، شاغلة بالك بيهم.
علقت أيضًا بنفس اللهجة الجادة:
-دي الأصول يا بنتي، الناس لبعضيها.
نفضت "هاجر" الماء عن يديها، وبحثت عن منشفة قطنية لتجففهما بها، واستطردت متسائلة بنزقٍ:
-صحيح يامه، مانفسكيش تفرحي بـ "تميم"؟
قطبت والدتها جبينها، وقالت بعد تنهيدة:
-ده يوم المنى والله، نفسي ربنا يعوضه خير، ده ملحقش يتهنى يا حبة عيني.
نظرت في عينيها متابعة سؤالها:
-طب لو كان في حد معين في دماغه، رأيك إيه؟
تطلعت إليها بنظراتٍ متشككة، وسألتها في فضولٍ مهتم:
-هو فاتحك في حاجة زي كده؟
أجابت نافية:
-لأ، بس أنا بافترض ده.
....................................................
في تلك الأثناء، عاد "تميم" لتوه إلى المنزل، كان على وشك مناداة والدته، لولا سماعه للمحادثة الدائرة بينها وبين شقيقته، استرعى الأمر انتباهه، فسار بخطواتٍ حثيثة، غير محدثٍ لجلبة حتى لا يتوقفا عن الثرثرة بأريحية، خاصة حينما علم أنه المقصود بكلامهما. أرهف السمع لوالدته وهي تقول برجاءٍ:
-يا ستي يأشر بس، وأنا أروح أخطبهاله، المهم يكون عايز كده...
ظهرت نبرتها حزينة نوعًا ما وهي تكمل:
-مش عايزة أفرض عليه واحدة بعينها، ويرجع يحصل زي ما كان حاصل مع "خلود" في أيامهم الأخيرة سوا.
اتفقت "هاجر" معها فيما قالته، ورددت:
-على رأيك .. الواحد مبقاش مستحمل النكد.
سكتت كلتاهما عن الكلام، فتابع "تميم" تقدمه؛ لكنه تجمد في مكانه، غير قادر عن الحركة، مستشعرًا بدفعة من التوتر تجتاح كامل جسده مع سؤال شقيقته المباغت:
-طب إيه رأيك في "فيروزة"؟
أجابت "ونيسة" عليها بصيغة متسائلة؛ وكأنها تريد فهم مقصدها:
-من ناحية إيه؟
أوضحت لها بتلقائية:
-يعني في العموم.
ترقب بقلقٍ شديد ردة فعل والدته، شعر وكأنه في خضم معرفة نتيجة امتحانه الفاصل، حيث لا مناص من النجاح أو الرسوب، توقف عن التنفس لهنيهة، بالرغم من تلاحق دقاته باضطرابٍ ملحوظ. شعوره في تلك اللحظة لا يمكن وصفه عندما أعطت جوابها بشكلٍ فطري:
-هي بنت حلال، وكويسة، بس الدنيا جت عليها جامد.
لاحقتها "هاجر" بسؤالها التالي:
-تفتكري تنفع أخويا؟
زاد توتره، وعاد القلق ليسود كل كيانه، ودَّ لو استطاع إيقاف شقيقته عن إحراجه بتلك الطريقة الغريبة، فهو لم يعتد على تولي غيره زمام أمره، أرهف السمع لوالدته وهي تتساءل:
-هو لمحلك بحاجة زي كده؟
كان ردها نافيًا:
-لأ خالص، ده أنا بأقولك كده من نفسي.
علقت عليها في الحال بحزمٍ:
-يبقى مالوش لازمة نعمل حوار من حاجة مش موجودة، خلي كل واحد شايل شيلته، وهو لو عايزها أكيد هايقول، أخوكي لا بتاع لف ولا دوران، سيبي كل حاجة لوقتها.
دعت له عن طيب خاطرٍ:
-ربنا يعمل اللي فيه الخير ليه ولينا.
أمنت عليها والدتها بهدوءٍ:
-يا رب.
ما سمعه مصادفة كان بالنسبة إليه كالماء البارد حينما يروي جسدًا لفحته الحرارة الحارقة، شعر "تميم" بطوفان من السعادة والبهجة يغمره، وتلك البشارة تلوح في الأفق. انسحب في هدوءٍ غير راغب في معرفة المزيد، يكفيه أن يجد الدعم من أفراد أسرته، ليتشجع أكثر في مواصلة كفاحه، في حبٍ لن يعرف معه المستحيل.
....................................................
طرقة خافتة أتبعها سماحه له بالدخول، فولج بتعابيره المسرورة إلى حجرته، طامعًا في إنعاش قلبه بأخبارها المشوقة. ابتسم "تميم" لجده، واستطرد معه بالأسئلة التقليدية المستهلكة كتمهيد لشغفٍ يريد إشباعه، جلس عند قدميه، ورفع رأسه إليه يسأله بعينين تلمعان بوهج الحب النضر، ذاك الذي لا يستطيع إخفائه عنه:
-اطمنت عليها يا جدي؟
رد "سلطان" بإيماءة من رأسه:
-أيوه.
تبعه بوابل من الأسئلة المتلهفة:
-بقت أحسن؟ اتكلمت معاك؟ طب قالتلك حاجة معينة؟ كانت عاملة إزاي؟
هز رأسه للجانبين متعجبًا من حال حفيده، ومع هذا لم يمانع رؤيته يعايش ما يشفي النفس من أوجاعها. أطلق زفرة بطيئة، وأخبره بهدوءٍ:
-هي سمعت اللي أنا عايز أقوله.
إلى حدٍ ما بدا هذا مرضيًا، فسأله بوميضٍ متحمس معكوس في نظراته نحوه:
-والميدالية؟ خدتها؟
رد بهزة خفيفة من رأسه:
-أيوه.
فرك "تميم" كفيه معًا في انتشاءٍ، وبرزت ابتسامة عريضة على محياه، ثم هتف في بهجةٍ كبيرة:
-كويس أوي ...
شرد محاولاً تخيل وجهها وهي ترى هديته المنتقاة بعناية لها، فتضاعف التوق بداخله، نظر مجددًا إلى جده، وسأله:
-وبعدين، قالتلك حاجة؟
جاوبه نافيًا:
-لأ..
حل العبوس على قسماته، وبدأت ابتسامته تفتر، فأضاف الجد مؤكدًا:
-بس عايزك تعرف إن الضربة اللي مابتموتش بتقوي، وهي هتاخد وقتها وترجع زي الأول وأحسن.
نطق في رجاءٍ يشوبه اللهفة:
-يا ريت.
ضحك "سلطان" معلقًا عليه:
-اصبر يا واد، ماتبقاش متلهوج كده.
بادله الضحك المرح، ثم قال مازحًا، وبين شفتيه ابتسامة متشوقة، يرجو بشدةٍ أن تراها على وجهه حينما تكون إلى جواره، لتدرك كم أحبها ويحبها حقًا:
-ده أنا عايز صبر على الصبر اللي عندي، هون يا رب ................................................. !!!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا