مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الحادى عشر من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الحادى عشر
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الحادى عشر
الكلمة الشفهية في عرفهم تعني الالتزام، إن نطق بها علنًا أصبحت واجبة النفاذ. رغم ما به من مشاعر مختلطة احتوت على الخوف، الضيق، القلق، والندم، إلا أنه كان بارعًا في إخفاء هذا الصراع، وتطلع بنظراتٍ قوية ناقمة إلى "آمنة" التي كانت على عكسه تظهر ارتعابها، ليس لأنها تخشى من تدهور حالة ابنتها، وإنما لخوفها مما قد تتجرأ الألسن على قوله بهتانًا وبالزور، وهذا ما لم تكن لتقبله به أو تتحمله مطلقًا. طرد الهواء بثقلٍ من رئتيه، وأخبرها مؤكدًا بصوتٍ خشن رخيم:
-أيوه يا حاجة ...
استرخت تعبيراتها لحظيًا قبل أن تتبدل للتوتر بعد أن وبخها بجمودٍ:
-بس ماظنش لا ده المكان، ولا الوقت اللي ينفع نتكلم فيه.
رددت بحرجٍ وهي ترمش بعينيها:
-أنا معاك في كده، أنا قصدي .. إنه مش آ...
قاطعها بلهجته الجامدة الجافة، وتلك النظرة المحذرة تطل من عينيه الحادتين:
-حاجة "آمنة" صحة بنتك دلوقتي أهم، نطمن عليها وإن شاء الله خير.
حاولت أن تجبر شفتيها على الابتسام وهي ترد:
-طول عمرك ابن أصول.
شعر بضربٍ من الاستياء يصيبه من تعليقها السقيم، وقال مصححًا في غلظةٍ ملحوظة:
-أنا مش بعمل معروف فيكي، ولا ده جميل محتاج شكر عليه ...
حملقت فيه بعينين متسعتين، فأكمل بصوتٍ غلفته رنة من الألم:
-أنا لو بتقدم لبنتك لأنها إنسانة مميزة، تستحق تعيش حياة أحسن من اللي كانت فيها.
وقبل أن تفكر في التعقيب عليه، رفع يده المُضمَّدة أمام وجهها يأمرها بلهجةٍ غير قابلة للنقاش:
-ويا ريت نخلي الكلام في ده بعدين.
بلعت ريقًا غير موجودٍ في جوفها، وردت برأسٍ شبه ذليل:
-اللي تشوفه يا معلم.
لم يكن بحاجة لسماع أي تملقٍ كاذب لأمر لطالما رغب بحدوثه؛ لكن ليس بأي طريقة تجعل طاووسه يشعر بالمهانة والانتقاص. ابتعدت أنظاره المزعوجة عنها ليحدق مجددًا في الصغيرة النائمة على الأريكة، لا ذنب لها لتقضي ليلها خارج الفراش، وترى ما لن يجعلها تهنأ بأحلامٍ سعيدة لفترة من الوقت. حادت عيناه المحتقنتين عنها لتنظر إلى الطبيبة القادمة من على بعدٍ، نهض على الفور من مكانه، وانتظر قدومها بتوترٍ غطى كافة وجهه، وقفت "آمنة" هي الأخرى، وتحركت مقتربة من الطبيبة، لتشرع في سؤالها:
-هي بقت عاملة إيه دلوقتي؟
أجابتهما "ريم" وهي تنظر إليهما بتساوٍ:
-لسه مش قادرة أحدد، هي تحت تأثير المهدئات.
دمدم "تميم" بضيقٍ وهو يضع يده أعلى رأسه:
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
بينما تساءلت "آمنة" في حيرة لا تخلو من خوفها:
-وهتفضل على الحالة دي كتير؟
مطت شفتيها للحظةٍ قبل أن ترد:
-ده يعتمد على مدى تجاوبها للعلاج، وحاليًا مقدرش أجزم بأي حاجة، وخصوصًا بعد اللي شوفته.
تساءل "تميم" بلهفةٍ، وقد غزاه القلق الشديد:
-يعني رأيك إيه يا دكتورة غير إنها تفضل هنا؟
على ما يبدو لم تفهم مقصده من هذا السؤال، فاتجهت أنظارها إليه لتسأله بتحفزٍ:
-هو حضرتك معترض على وجودها؟
نفى على الفور مبررًا غرضه:
-لأ بالعكس، أنا بأحاول أفكر معاكي إزاي أساعدها.
لانت نظراتها إليه، وقالت بعد تنهيدة سريعة:
-هشوف المناسب .. يا ريت تديني رقم تليفونك.
قال بإيماءة موافقة من رأسه وهو يخرج هاتفه من جيبه:
-تحت أمرك.
تبادل سريعًا معها أرقام الهواتف المحمولة، لتشير "ريم" بعد ذلك بيدها وهي تخاطبهما:
-وجودكم مالوش داعي، تقدروا تتفضلوا.
تحركت "آمنة" خطوة في اتجاه الطبيبة التي بدأت بالسير، وتساءلت:
-بكرة الصبح أنا هاجي وأجيب لها هدوم، في حاجة تانية أوضبها مع حاجتها؟
دعكت "ريم" جبينها بإصبعيها، وأخبرتها:
-لأ، بس أفضل إن حضرتك تجيبي حاجات فيها ألوان فاتحة ومبهجة، مافيش داعي للألوان الغامقة.
قالت دون نقاشٍ:
-ماشي يا دكتورة.
أعاد "تميم" الهاتف إلى جيب بنطاله الأمامي، واتجه إلى الأريكة ليحمل الصغيرة النائمة، بينما سارت "آمنة" من خلفه تتبعه وهي تدعو الله بصوتٍ كان مسموعًا إليه:
-يا رب عديها على خير، واسترها معاها.
هسهس مؤمنًا عليها بخفوت شديد:
-يا رب.
...........................................
ما الذي يمكن إطلاقه على ليلة بائسة كتلك؟ رأى واختبر معها جزءًا من الجانب الآخر المخفي في شخصيتها، هذا الجزء الهش الذي تحاولت تغطيته تحت قناع صلب. كلما تذكر ما مرت به، شعر بالألم يمزق قلبه، بشيءٍ قاسٍ ينخر بداخله ولا يعلم كيف يوقفه، تلمس بيده ضماده الطبي، ورغم الوخزات المتكررة من آن لآخر إلا أنه لم يكترث، شاغله الأكبر كان هي. زحفت العبرات إلى حدقتيه، ولم يقاومها، كان مخنوقًا للحد الذي جعله راغبًا في البكاء، لم ينتبه للطرقات الخفيفة على باب غرفته، لذا حلت عليه الدهشة المصحوبة بالتوتر حين رأى شقيقته تطل برأسها من فُرجة مواربة وهي تسأله:
-إنت صاحي يا "تميم"؟
أولاها ظهره، وحاول مسح ما بلل وجهه بظهر كفه، ثم أخبرها بصوت كان مختلفًا بعض الشيء:
-أيوه يا "هاجر"، عايزة إيه؟
تقدمت نحوه، وسألته باسترابة:
-إنت كويس؟
أجابها بعد شهيق عميق وهو يدعي الابتسام:
-أه يا "أم سلطان"، ناقصك حاجة أجيبهالك؟
انخفضت نظراتها نحو يده، ورأت اللفافة الطبية حوله، فسألته في لهفةٍ قلقة:
-إيه اللي حصل لإيدك؟ إنت بخير؟
حاول تخبئة يده خلف ظهره، وقال وهو مستمر في الحفاظ على ابتسامته المخادعة:
-اطمني، دي حاجة بسيطة، يومين وهتخف.
ربتت على ظهره قائلة:
-سلامتك يا خويا.
نظر إليها في عطفٍ، وتمتم:
-الله يسلمك ..
جلست إلى جواره على طرف الفراش، ولاذت بالصمت لبعض الوقت، مما دفع "تميم" لسؤالها بزفيرٍ أوضح إرهاقه:
-قوليلي عايزة إيه؟
خفضت رأسها، وتحاشت النظر إليه وهي تخبره بتلعثمٍ كبير:
-بصراحة كده، أنا .. جاية اسألك.. عن "سراج".
قطب جبينه متسائلاً بتعابيرٍ ظهرت جادة للغاية:
-ماله؟
لعقت "هاجر" شفتيها، وقالت:
-يعني .. أقصد اللي كان بينكم زمان، والحبس، وآ...
قاطعها في هدوءٍ:
-"هاجر" ده كان نصيب، ماتحطيش ده حجة، المهم إنتي رأيك يكون إيه.
فركت أصابع كفيها معًا، وتابعت بنفس التردد:
-أنا متلخبطة، ومش عارفة أخد قرار ..
تأملها في صمتٍ، فاستجمعت جأشها لتعترف له:
-مخبيش عليك خايفة من اللي جاي، وابني حطاه فوق أي اعتبار.
رفع "تميم" ذراعه، ولفه حول كتفيها، ثم خاطبها بلين الكلام:
-بصي، اسمعيه الأول، وبعد كده قولي رأيك، بس صدقيني "سراج" مش زي ما كان الواحد مفكر زمان، مسيرك تعرفيه كويس.
نظرت إليه بنفس النظرات الحائرة، فطمأنها بقوله:
-وبرضوه بأكد عليكي من تاني، أيًا كان اختيارك إيه، فاحنا معاكي فيه.
ابتسمت وهي ترد:
-ربنا يخليك ليا، إنت أحسن أخ في الدنيا.
نهضت من جواره، وأخبرته وهي تتجه نحو باب الغرفة:
-ويا رب يقدرني وأعملك كل حاجة تسعدك زي ما بتسعدنا.
حانت منه نظرة ممتنة لدعمها المعنوي، وقال:
-يا رب.
انسحبت في هدوء، تاركة إياه بمفرده، فاستلقى على ظهره، والحزن ما زال مخيمًا عليه، غطى "تميم" عينيه بمرفقه، وقد تمكن التعب منه، ليس الجسدي فقط، بل فاقه النفسي في ألمه غير المرئي، دعا الله كثيرًا من أجلها، آملاً أن يصبح الغد أفضل لها قبل أن يكون له.
...........................................
-أهوم يامه جوم.
نطق "سراج" بتلك العبارة بابتسامة عريضة ملأت محياه وهو ينهض من مقعده، ليبدو في مرمى البصر، رفرف قلبه طربًا لحضور حبيبته، وسريعًا هندم من ياقة قميصه، ثم أخفض عينيه ليتأكد من ترتيب باقي ثيابه، فتلك المرة استبدل الجلباب بما يجعله يلاقي استحسانًا من العروس المرتقبة، عاود التحديق في وجه "هاجر" المتورد خجلاً، كم أسعده رؤيتها بعد طول انتظار! رددت والدته الجالسة على يساره بنبرة متمنية لتشتت انتباهه عنها:
-ربنا يجعل في وشك القبول يا ابني.
هتف في شوقٍ يسوده الرجاء وهو يحملق فيها مجددًا:
-يا رب، يا رب.
تقدمت "ونيسة" أولاً، وصاحت مرحبة بلطفٍ:
-السلام عليكم.
أقبل عليها "سراج" وهتف مبتسمًا في سرورٍ كبير:
-وعليكم السلام، إزيك يا حاجة؟ شرفتينا، مجيتك النهاردة على راسي والله.
ردت مجاملة:
-تسلم يا رب.
نهضت والدة "سراج" من مكانها، وامتدت يدها لتصافحها أولاً، قبل أن تنهال عليها بالأحضان والقبلات الحارة وهي تبادلها الترحيب الحميمي:
-يا مراحب بالناس الغالية، عاملة إيه يا حاجة "ونيسة"؟
قالت بتعابيرٍ هادئة:
-بخير والحمدلله.
ظهرت "هاجر" من خلفها وهي تحمل رضيعها، أرادت القدوم به اليوم لتؤكد على أنه يحتل قائمة أولوياتها، مهما كانت عروض الزواج المقدمة لها، تحاشت النظر إلى وجه "سراج"، والتفتت محدقة في وجه والدتها التي استطردت قائلة بودٍ أليف:
-أهلاً بعروستنا الجميلة، هما اللي بيقعدوا في البيت بيحلوا بزيادة.
خجلت من مجاملتها، وردت:
-تسلمي على ذوقك.
أضافت مؤكدة بضحكة مرحة:
-دي الحقيقة، وابني عارف إني مش بجامل.
تلقائيًا أبصرت "سراج" من طرف بصرها، وهمهمت في حياءٍ:
-شكرًا ليكي.
امتد ذراعا "سراج" قاصدًا حمل الرضيع وهو يداعبه:
-يانهاري على العسل ...
أعطته له في ارتباكٍ ملحوظ، واختلست النظرات إليه، فوجدته ينظر لها بغرابةٍ نمت عن مشاعرٍ ما، رفضت التصديق بها في البداية. استمر "سراج" في ملاطفة الصغير قائلاً:
-شوفتي يامه الطعامة.
تعلقت أنظار والدته بالرضيع "سلطان"، وقالت بابتسامة لا تقل عن ابتسامة ابنها حماسًا:
-ماشاءالله، ربنا يباركلك فيه.
أردف "سراج" مضيفًا وهو يشير برأسه لتجلسا:
-اتفضلوا يا جماعة، تحبوا تشربوا إيه؟
عاتبته والدته في لطفٍ:
-بالراحة يا "سراج"، خليهم ياخدوا نفسهم الأول، ماتبقاش كده مستعجل.
اكتفى بالصمت، وجلس في مقابل "هاجر" ليملي عينيه من رؤياها، وأجلس طفلها على حجره، وظل يهدهده في محبة أبوية لم تكن مكتسبة بالمرة. نطقت والدته بعد لحظات من الصمت الحرج:
-عاملة إيه يا "هاجر"؟
التفت ناظرة إليها وهي ترد:
-الحمدلله.
عمَّ الصمت مجددًا إلا من بعض أسئلة روتينية مقتضبة، تولت فيها الوالدتان التعليق لكسر الحرج الملحوظ بين الطرفين، استدارت "أم سراج" برأسها نحو ابنها تطلب منه بمرحٍ:
-بأقولك إيه سبيلنا الكتكوت الحلو ده معانا شوية، وقوم فرج عروستنا الحلوة على منظر البحر، ده حتى هواه يشرح القلب.
وكأنها منحته الإذن بقولها الصريح، لم يعارضها، ونهض من مقعده، ثم أعطاها الرضيع مرددًا بنحنحةٍ خفيفة:
-احم .. حاضر.
أضافت عليها "ونيسة" ضاحكة؛ كأنها تشاركها الرأي:
-واحنا هنطلب المشاريب لحد ما ترجعوا.
نظرت "هاجر" إلى والدتها بترددٍ، فاستحثتها على التحرك، فقامت بتكاسلٍ من مقعدها، ليتبعها "سراج" قائلاً بنوعٍ من التوجيه وهو يشير بيده:
-اتفضلي يا ست البنات.
رمقته بنظرة سريعة من طرف عينها وهي ترد موجزة:
-شكرًا.
تابعتهما الأنظار وهما يغادران المكان نحو الشاطئ الرملي ليحظيا ببعض الخصوصية، فاستطردت "ونيسة" تخاطب مُضيفتها:
-كان نفسي أشوفك من زمان يا حاجة والله، بس الظروف.
ردت بتعابيرٍ بشوشة وهي تلاعب الرضيع بيدها:
-القلوب عند بعضيها، منهم لله اللي كانوا السبب.
أطلقت زفرة مهمومة قبل أن تقول بملامح شبه تعيسة:
-ربنا خلص، وارتاحنا.
لم تخبت ابتسامة "أم سراج" وهي تخبرها:
-شوفي يا حاجة المثل بيقول ما محبة إلا بعد عداوة.
ابتسمت وهي تعلق:
-مظبوط، ربنا ما عاد يرجع الأيام دي تاني.
أضافت مؤكدة عليها بنفس التعابير الهادئة:
-يا رب، وأنا مش محتاجة أمدح في ابني، بس ربنا وحده اللي عالم أنا ربيته إزاي، ولو شاء المولى وبقى في نصيب، مش عايزاكي تقلقي، بنتك هي بنتي، هعاملها بما يرضي الله.
نظرت إليها بمحبةٍ، وعلقت:
-الأصل الطيب حقيقي بيبان.
دعت "أم سراج" بصدقٍ وعيناها تلمعان في سعادة:
-ربنا يديم المعروف بينا، ويجعلها جوازة الهنا عليهم يا رب.
هتفت مبتسمة في رضا:
-يا رب.
الحق يُقال أن "ونيسة" لم تتوقع مثل هذا الترحاب الشديد، دار بخلدها أن تكون مقابلة عادية روتينية، بها بعض التحفظات، والاشتراطات، كما يحدث بالعادة، خاصة مع من تزوجت سابقًا، لا أن تكون على هذا القدر الكبير من التقدير والاحترام؛ وكأن ما مضى فترة تم محوها من الزمن، ليبدأ بهذا اللقاء عهدًا جديدًا يسوده السلام، الألفة، وأيضًا الحب العميق ..................................... !!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا