مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السادس عشر من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس عشر
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس عشر
مع تلك الضمة، المليئة بالحنان والمحبة، والمصحوبة بالعبارات الأبوية الصادقة، لملمت شتاتها المبعثر، وتطيبت نفسها الجريحة، حتى أن كلمة النهاية قد وُضعت لتعلن انقضاء تلك الفترة البائسة التي امتدت لسنوات في حياتها، لتبدأ بعدها عهدًا مليئًا بكل الأماني، التطلعات، والأحلام قابلة التحقيق. استلت "فيروزة" نفسها من حضن الجد "سلطان"، ونظرت إليه قائلة وهي تمسح دموعها بظهر كفها:
-لولا وجودكم في حياتي كنت آ...
قبل أن تتم عبارتها قاطعها مؤكدًا ببسمة وقورة:
-احنا معاكي على طول.
أضاف عليه "بدير" وهو يشير بيده:
-هنستناكي ترجعي بيتك يا غالية.
علق عليه "سلطان" مازحًا:
-صحيح الأعدة هنا حلوة، بس البيت والشارع كله مضلم من غيرك.
ابتسمت للطافتهما الواضحة، وأومأت برأسها مرددة:
-حاضر.
من خلفهم وقف "تميم" يتأمل كل ما يصدر عنها؛ كأنما يأمر عقله بتسجيل تلك اللحظات في ذاكرته، فلا تُمحى بمرور الوقت، أراد أن تدوم ابتسامتها، أن تزاح همومها، ألا يوجد للحزن مكانًا في حياتها. نطق لسانه بنزق العذب من الكلام:
-هستناكي، متطوليش الغيبة.
التفتت ناظرة إليه بنظرة غريبة حائرة، في حين حدجه "بدير" بنظرات متوعدة غير راضية عن تجاوزه، وقــال مصححًا عنه بصوتٍ أجش:
-علينا كلنا، هو يقصد كده.
تراجع "تميم" أمام نظرات أبيه الصارمة، وأخفض رأسه ليأمره الأخير بلهجته الجافة:
-اسبقنا إنت و"هيثم".
حمحم قائلاً وهو يهز رأسه:
-حاضر يا حاج.
انتظر "سلطان" ذهابه ليعاتب ابنه في لينٍ:
-بالراحة عليه يا "بدير"، ما إنت عارف ابنك حنين، وقلبه رهيف مع الغالي.
وكأنه أراد بهذا أن يُريها ما قد تغض البصر عنه طواعية منها لرفضها تكرار التجربة، لهذا مهد لها السبيل لتنظر عن كثبٍ إلى محبته غير الزائفة، لعلها تنفذ إلى قلبها، وتزيل ذلك الصدأ عنه. عاد "سلطان" ليخاطب "فيروزة" بأسلوبه الحاني:
-مش هوصيكي يا بنتي، يومين بالكتير ونلاقيكي منورة حتتك.
أظهرت امتثالها له، وقالت في رقة:
-حاضر يا جدي.
...........................................................
في البهو المتسع الخاص بدار الرعاية، اجتمعت "ريم" بعائلة "سلطان" بعد أن انتهت زيارتهم الودية لمريضتها، ظهر الامتنان، والعرفان بالجميل في نظراتها قبل أن تسترسل بلطفٍ شديد:
-حقيقي اللي عملتوه النهاردة حاجة عظيمة، وأكيد هتساهم بشكل كبير في شفائها وخروجها بسرعة من هنا.
رد عليها "بدير" بتعابيره الجادة:
-احنا منقدرش نتأخر عنها، ومش محتاجين ندعي حاجة مش فينا.
استدارت ناحيته تشكره:
-ربنا يكتر من أمثالكم.
ثم أكمل وهي تشير بكلتا يديها:
-الحافز الإيجابي، والدعم القوي مهم جدًا في الوقت ده، و"فيروزة" لو اتحسنت هايكون طبعًا بعد فضل ربنا بسبب دوركم.
دعا لها الجد "سلطان" وهو يبتسم:
-ربنا يكمل شفاها على خير، ويحسن ما بين إيديكي.
بادلته الابتسام، وعلقت في تهذيبٍ:
-شكرًا لذوقكم.
تحركت "ريم" نحو "تميم"، وتنحنحت تستأذنه:
-ممكن كلمتين يا أستاذ بعد إذنك.
التفت مخاطبًا والده، وجده في احترامٍ:
-ثواني وهارجع على طول.
قال "بدير" وهو يومئ برأسه:
-احنا أعدين منتظرينك هنا.
هتف "هيثم" وهو ينهض من مقعده:
-أنا هاسبقكم على الدكان.
هز الجد رأسه في استحسانٍ قبل أن يودعه:
-ربنا يفتح عليك وعلينا أبواب الرزق.
بتعابيره القلقة، تحرك "تميم" في خطوات سريعة ليتبع الطبيبة التي توقفت عند الحاجز الرخامي الخاص بموظفي الاستقبال، سألها في توجسٍ:
-خير يا دكتورة؟ في حاجة؟
أجابته بملامح مسترخية:
-لأ، اطمن، أنا بس حبيت أشكرك على جمب على مساعدتك ليا، إنت أثبتلي إن الحب ممكن يعمل المعجزات.
لم يعرف إن كان يضحك أم يشعر بالغرور من حاله؛ لكن كل ما يخصه من مشاعر لا يحق لغيرها التمتع بها، لهذا حافظ على جمود تعابيرها، وأخبرها ببساطة:
-إنتي عارفة كويس إني مقدرش أتأخر عن أي حاجة تخصها، ولو حكمت إن أرمي نفسي في النار عشانها مش هتردد للحظة.
جاءه تعليقها صريحًا:
-زي ما هي رمت نفسها عشانك زمان.
أوضح لها بنفس التعابير الجادة:
-هي مكانتش تعرفي، ولحد النهاردة كانت بتنكر إني نفس الشخص، لولا بس إن "هيثم" اتكلم.
تنفست بعمقٍ قبل أن تطلب منه بنبرة عملية:
-أستاذ "تميم"، لو ربنا أراد وعلاقتكم اتطورت للجواز تكون صبور معاها، "فيروزة" على أد ما تبان قوية؛ لكن من جواها متدمر، وحتى لو اتعالجت وبقت أحسن، لسه في شروخ محتاجة إنها تتلئم.
قال كأنما يقطع وعدًا على نفسه دون أن يبتسم:
-اطمني يا دكتورة، يأذن بس ربنا ويجعلها من نصيبي، وأنا مش هاخلي حاجة تمسها.
افترت شفتاها عن بسمة لطيفة وهي تردد:
-أنا مطمنة عليها معاك، وربنا يجمعكم على خير.
هزة خفيفة من رأسه أعقبها قوله الجاد أيضًا:
-متشكر يا دكتورة.
حبه العذب المنزه عن أي أطماع كان ملء كل قلبه، وعينيه، وكيانه، من يُدركه هم العاشقون، ومن يُصدق به هم المرتشفون من رحيقه المُسكر.
.........................................
انتفاضة غير موفقة من على الفراش قامت بها، وهي تستمع هاتفيًا إلى ما أخبرتها به إحدى صديقاتها حول انتشار منشورٍ ما خاص بقيام أحد الدجالين بالسحر لإضرار بعض الأشخاص، ومن بين الصور المعروضة كانت صورة توأمتها. حل الذهول على قسمات "همسة" واختلط بالخوف الشديد، بلعت بصعوبةٍ ريقها، وصاحت متسائلة في جزعٍ، ويدها موضوعة على صدرها الناهج في انفعالٍ:
-إنتي متأكدة من الكلام ده؟
أكدت عليها رفيقتها مرة أخرى:
-أيوه، والله هي صورتها.
حاولت التماسك، وطلبت منها وهي ترتجف قليلاً:
-طب ابعتيلي البوست كده أشوفها.
ردت قائلة:
-حاضر، هاقفل معاكي وأجيبهولك.
شكرتها بصوتٍ ما زال قلقًا:
-تمام يا حبيبتي، هتعبك معايا معلش.
رددت في تفهمٍ:
-لأ عادي، أشوفك على خير.
-إن شاءالله
قالتها وهي تنهي المخابرة الهاتفية معها لتنظر بعينين جاحظتين إلى الرسائل ولسانها يردد في صدمة محملة بالارتياع:
-أعمال! هي "فيروزة" ناقصة!!
شهقة مسموعة انطلقت من بين شفتيها حين رأت ما تم إرساله لها، وصرخت في استنكارٍ مذعور:
-دي فعلاً هي!
شحب لون وجهها، وأحست بتسارع دقات قلبها، مع دوار خفيف برأسها، عاودت الجلوس على الفراش، وتساءلت في هلعٍ:
-مين عاوز يأذيها بالشكل البشع ده؟!!
ظلت تردد في لوعةٍ:
-استر يا رب، عديها على خير، احفظها من كل شر.
نظرت "همسة" إلى كفيها المرتعشين، وضمتهما معًا محاولة إيقاف تلك الرجفة التي استبدت بها، وجدت نفسها تتساءل في خوفٍ أكبر:
-دي لو عرفت ممكن تتنكس تاني، طب اتصرف إزاي؟!
سيطرت عليها حيرتها، وأكملت معبرة عن الصخب المنتشر في رأسها:
-واستحالة أقول لماما، هي لو عرفت مش هتخبي حاجة عنها، وبكده أنا بضرها.
بالكاد سعت لضبط أعصابها قبل أن تتلف من الارتعاب، وظلت تردد لنفسها:
-إن شاء الله يومين والبوست ده يختفي من على النت، والناس هتنسى.
واصلت التنفس بعمقٍ لتستعيد انضباط أنفاسها وهي ما زالت تدعو في تضرعٍ:
-يا رب احفظها وماتضرناش فيها أبدًا.
...................................................
اسودت ملامحه، وأظلمت نظراته بشكلٍ واضح عندما عرضت عليه زوجته اقتراحها بطريقتها السلسة؛ وكأن الأمور بين العائلتين على وفاق تام، ولم ينشب بينهما أي صراع، خاصة ذلك الأخير الذي نجا منه ابنه بأعجوبة من الموت. على حين غرة، هب "إسماعيل" واقفًا، وضرب برأس عكازه على الأرضية في عصبيةٍ قبل أن يصيح آمرًا:
-مش عايز سيرة في الموضوع ده تاني.
قطبت "سعاد" جبينها، ونظرت إليه نظرة غبية وهي ترد متسائلة:
-ليه يا حاج؟
تجاهل الرد عليها، وخاطب ابنه بغلظةٍ، ووجهه ينتفض بعلامات الغضب:
-إنت ناسي اتعمل فيك إيه يا "فضل"؟ ولا وصل الأمانة اللي عليك؟!!
ادعى بالكذب بعينين كسيرتين:
-يابا بحبها، ودي لحمي وعرضي، ومهما عملت فأنا مسامح.
التوى ثغره في تهكمٍ صارخ قبل أن ينطق:
-طب خلي حد غيرك يقول كلام غير ده، جايز ساعتها أصدق.
قبل أن يعلق عليه ابنها، هتفت "سعاد" تدعم اقتراحها بتفاؤلٍ كبير:
-سيبلي الموضوع ده يا حاج، وأنا هتصرف فيه، الحاجات دي الحريم بتخلصها وآ...
قاطعها هي الأخرى بصبرٍ نافذ:
-"سعاد"، أنا معدتش فيا حيل ألم ورا ابنك، شيلي الحكاية دي من مخك.
حركت شفتيها لتعترض؛ لكنه أخرسها صائحًا:
-مش هاعيده تاني، مافيش نقاش ولا رجوع في كلامي، سامعين.
ضغطت على شفتيها في تبرمٍ غير مقتنعة به، ورمقته بتلك النظرة المحتجة، في حين لاذ "فضل" بالصمت ريثما انصرف والده، ثم انفجر شاكيًا إياه لها:
-شايفة يامه؟ أهوو على طول مكسر مأديفي.
ابتسمت له في حنوٍ، وقالت:
-ماتشلش هم، أنا هحلهالك.
ألح عليها بسماجةٍ:
-أه يامه، حليها..
ثم استرق قلبها بادعاء الحزن وهو يكمل:
-اجبري بخاطري بدل ما أنا مقهور في نفسي كده.
هتفت متعهدة له وهي ترفع يدها لتربت على صدغه:
-متقلقش يا ضنايا، أمك هتعملك كل اللي نفسك فيه.
استرخى "فضل" في جلسته، وإحساسه بالانتشاء يزداد بداخله، ربما يبتسم له الحظ، وتفعل والدته ما عجز عن فعله، وتأتي له بها، ليذيقها من صنوف الانتقام أشكالاً وأنواعًا، سرعان ما أخفى فرحته الخبيثة ليأمرها:
-بقولك إيه، ودي العيال دول عند البومة أمهم، كفاية كده عليهم، وخليني أفوق لنفسي.
دون جدال أظهرت طاعتها الكاملة له، فقالت مبتسمة في سرور؛ وكأنها أَمَته التي تسترضيه لا أمه:
-طالما إنت عايز كده ماشي.
...................................................
كل خاطرات نفسه عنها، وأمنياته بالاجتماع بها منذ إدراكه ببزوغ برعم الحب بداخله احتفظ بها في سراديب عقله، إلى أن يشاء المولى، ويجمع بينهما برباط الزواج المقدس، حينها فقط سيطلق العنان لشرارات الحب، والمشاعر، وكافة الأحاسيس لتبوح بما يطرب الفؤاد ويرويه. بعد تنبيهاتٍ شديدة اللهجة، ووعود تلك المرة نافذة اضطر "تميم" أن يبتعد مرغمًا عن محيط طاووسه، نأى عنها بروحه المشتاقة لرؤية بصيص منها اتباعًا لأمر والده الصارم بعد تجاوزاته غير المقبولة خلال زيارته لها. كان صارمًا في هذا الشأن، وكان محقًا في غضبه منه؛ لكن للقلب أهواء يتعذر على المُحب مغالبتها.
استعان بالصبر وتشبث به لما يقرب من عشرة أيام، بعد عودتها السالمة إلى منزلها، كان لا يظهر في الدكان إلا في مراتٍ معدودة، بعد أن يستأذن والده بالحضور، ويتأكد من عدم تواجدها، حيث كُلف بمتابعة العمل مع "هيثم"، وأيضًا بالتوريد لإحدى سفن الرحلات الماكثة بالميناء البحري، مما استحوذ على غالبية وقته، وأصبح الكد والشقاء رفيقاه مؤخرًا، ومع ذلك بقي القلب قبل العقل مشغولاً بها.
كان "تميم" مرهقًا للحد الذي جعله عاجزًا عن النوم بأريحية، بمجرد أن يستلقي على الفراش، يسقط في سبات سريع ليستيقظ بعد بضعة ساعات وهو ما زال يشعر بالتعب، ربما كان ذلك يساعده في الالتهاء عن التفكير فيها ليلاً؛ لكن مع النهار تراوده خلسة أحلام اليقضة، فيقاومها بأقصى ما يستطيع، وإن كان يسمح لقدرٍ منها بتسليته، وتهوين بعدها عنه.
ذلك النهار، عاد إلى منزله مبكرًا، بعد أن تأخر وصول إحدى شاحنات نقل الفاكهة، فعرِج إلى المطبخ، وهناك استرق السمع لحديث "هاجر" مع والدته دون اكتراثٍ، خلال إحضاره لكوبٍ ليملأه بالماء البارد. قالت شقيقته ضاحكة:
-ده أنا دوختها معايا، وهي الصراحة عندها أفكار حلوة، خلت الدنيا بسيطة.
دعت لها "ونيسة" في ابتهاجٍ:
-ربنا يسعدك يا حبيبتي، ويتمملك على خير.
ضمت "هاجر" حاجبيها معًا في عبوسٍ مفتعل، وتساءلت وهي تضع يدها أعلى خاصرتها:
-مش المفروض العروسة اللي زيي تريحلها يومين كده قبل كتب الكتاب؟
أخبرتها والدتها وهي تكمل تقشير ثمرة البطاطس:
-ليكي عليا يومها مخليكيش تحطي إيدك في قشاية.
زمت شفتيها هاتفة في تذمرٍ:
-والله أنا حاسة إن "سراج" هيجي يلاقيني بأسيق الأرض.
أتاها تعقيب والدتها ساخرًا:
-وماله، عشان يعرف إنه متجوز ست بيت نضيفة وزي الفل.
احتجت "هاجر" بتدللٍ:
-هو إنتي هتاخدي صفه من دلوقتي؟
كتمت والدتها ضحكتها المازحة معها، فاشتاطت غيظًا، ووجهت حديثها إلى شقيقها:
-ما تتكلم يا "تميم"؟ يرضيك كده.
سحب "تميم" قطعة من الجزر المقشر، وقطمها بأسنانه، قبل أن يرد وهو يلكوها:
-بصي لو فكر يزعلك في يوم هاخلصلك عليه.
هتفت تدافع عنه في استنكارٍ:
-بعد الشر.
وضعت "ونيسة" إصبعيها على طرف ذقنها، ورددت بنظراتٍ ماكرة:
-شوف البت!!
تساءل "تميم" بعد أن ابتلع ما في جوفه:
-طبخالنا إيه يامه؟
أشارت نحو الموقد، وأخبرته بابتسامة عريضة:
-عملالك أنارب بالملوخية إنما إيه حكاية، هتاكل صوابع وراها.
علق في استحسانٍ:
-تسلمي يا ست الكل.
سألته "ونيسة" في اهتمامٍ:
-إنت نازل دلوقتي؟
أجابها وهو يقرب باقي الجزرة من فمه:
-كمان ساعة، مستني تليفون من الحاج "عوف".
ردت عليه بإيماءة من رأسها:
-كويس أكون حضرت السفرة عشان تاكل.
وضع "تميم" يده على كتف والدته ليربت عليه في حنوٍ، بينما استطردت "هاجر" قائلة بمكرٍ، وكل عينيها على وجه شقيقها:
-"فيروزة" عزمانا على افتتاح المحل بتاعها، هتحضر يا "تميم"؟
لم ينظر ناحيتها، وقال متهربًا من الرد:
-عندي شغل.
تساءلت "هاجر" في تعجبٍ:
-غريبة، يعني إنت عارف ومش هتحضر؟
جمع "تميم" البقايا التي انتهت والدته من تقشيرها بيديه، ووضعها في سلة القمامة خلال كلامه الجاف تقريبًا معها:
-أيوه، أبوكي قالي، باركولها بالنيابة عني.
ابتسمت في لؤمٍ وهي تحاصره بسؤالها العبثي:
-وبرضوه مش هتيجي؟ هيجيلك قلب؟
كعادته لم يحبذ أبدًا استباحة غيره لما يخصه، فقال بتعابير جادة للغاية:
-شوفي يا "هاجر" وراكي إيه.
ثم انصرف من المطبخ وهو يزفر بصوتٍ مسموع، استغربت شقيقته من ردة فعله الجافة، ونظرت إلى والدتها متسائلة بصوتٍ خفيض:
-هو ماله؟
لم تبدُ "ونيسة" مهتمة بتفرس ملامحه لمعرفة ما الذي يؤرق باله، كان الرد حاضرًا ومنطقيًا، فهتفت تأمر ابنتها:
-سيبي أخوكي في حاله، وهاتي كام لمونة من التلاجة أما أعملهم ليمون خلاط يروق بيها دمه، ده مهدود حيله ليل نهار.
ردت بعد زفير ممتعض:
-حاضر.
اتجهت إلى الثلاجة لتفتش في واحدٍ من الرفوف عن الليمون؛ لكن صوت قرع الجرس جعلها تتوقف عن البحث، اعتدلت في وقفتها، والتفت إلى والدتها التي أشارت لها قائلة بصيغة بدت آمرة:
-روحي شوفي مين على الباب الأول.
تهدل كتفاها وهي تخطو نحو الخارج؛ لكن "تميم" رفع يده أمام وجهها يخبرها:
-خليكي أنا هفتحه.
-طيب
قالتها وهي تتراجع عائدة إلى المطبخ، ليكمل بعدها سيره نحو الباب بتكاسلٍ متعب. أدار المقبض ليفتحه، وآخر ما جال بخاطره أن تكون "فيروزته" حاضرة أمامه بشحمها ولحمها! أبصرت عيناه البهاء الساحر الذي ملأ الفراغ من حولها، فجعله عاجزًا عن النظر إلى ما سواها، تركزت كامل حواسه معها، وانفرجت شفتاه عن بسمة نقية عذبة، ليس لأنها تتطلع إليه في اهتمامٍ غير اعتيادي منها، وإنما لتلك الابتسامة الرقيقة المتشكلة على ثغرها وهي تهمهم مرحبة:
-مساء الخير عليك .............................................. !!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا