مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل التاسع عشر من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل التاسع عشر
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل التاسع عشر
أشرق يومه الكئيب، وازداد وجهه سطوعًا وتوهجًا حينما وجدها –على حين غرة- في غرفته، يا لحظ الأرض التي تقف عليها بقدميها! نالت شرف استقبالها، أما جدران حجرته فظفرت باحتواء بهائها بينها، على عكسه هو التعيس البائس الذي لم ينل إلا لمحة خاطفة منها. تأمل "تميم" ما كانت عليه من ارتباكٍ محرج بنظراته المدهوشة الفرحة، سرعان ما تقلصت عضلات وجهه للتوتر عندما بادرت معتذرة:
-أنا.. أسفة، أنا كنت آ...
دون أن يعبأ للحظة بسبب ذلك قاطعها مشددًا:
-بتعتذري على إيه، ده مكانك..
سرعان ما تحولت نبرته للخفوت وهي يتابع:
-ده أنا اللي أسف اللي دخلت بالشكل ده.
رأها تنحني لتمسك بإطار صورته، فهتف يأمرها في لهفةٍ رافعًا يده أمام وجهها:
-لالا ماتوطيش.
اندهشت من حمئته الغريبة، ورمقته بتلك النظرة غير المفهومة؛ لكن ما دار في خلده كان واضحًا، لم يرغب لطاووسه المعتد بنفسه أن يركع أو ينحني لأي شيء، خاصة أمامه، أرادها شامخة، مرفوعة الرأس، لا تحني رأسها إلا لبارئها. تلقائيًا التقطت "فيروزة" الإطار، ووضعته في مكانه وهي تقول بوجهٍ ما زال مرتبكًا:
-البرواز سليم، ماتكسرش.
ظل متجمدًا في مكانه، لم يتحرك قيد أنملة، وكأن مجالاً مغناطيسيًا يمنعه من التقدم، والسبب كان معلومًا إلا لها! تخبطت "فيروزة" حين وجدت صندوق الخياطة الصغير، واصطدمت يدها ببعض متعلقاته من توترها، فتبعثرت هنا وهناك، ومع هذا طلب منها بلطفٍ مهذب:
-سيبي كل حاجة في مكانها، ماتسويهاش.
أحست بالمزيد من الحرج لتصرفها الأخرق، ما الذي أصابها لتبدو بلهاء هكذا؟ أولته ظهرها محاولة إعادة ترتيب أشيائه بشكلٍ متعجل وهي تكرر في خجلٍ:
-مقصدش والله، أنا كنت عايزة علبة الخيطان وآ...
قاطعها مؤكدًا من جديد في هدوءٍ:
-خدي اللي يعجبك، ده مكانك ...
ثم ابتعد خارجًا من الغرفة لينادي:
-يا "هاجر"..
لم يسمع ردها، فكرر النداء:
-يا "هاجر"، إنتي فين؟
جاءه صوتها من خلف باب غرفتها يخبره:
-ثواني يا "تميم"، برضع "سلطان".
ألصق كتفه بالباب الموصود، وسألها في صوتٍ جعله شبه خفيض:
-طب أمك فين؟
سمع صوتها يجيبه سريعًا:
-مع جدي.. أنا خلاص خلصت، وجاية.
انتظر "تميم" في مكانه مرتكنًا على الحائط، ودقات قلبه تنتفض بشدة، كان في تلك اللحظة بين نارين، نار الحب المتأججة، ونار التزامه بوعده، فرجح كفة الأخير إيفاءً بما تعهد به، وإن كان فيه عذابه.
......................................................
بخفةٍ وسرعة أعادت تنسيق ما أفسدته على التسريحة، ويداها ترتعشان في توترٍ، سحبت "فيروزة" أنفاسًا سريعة محاولة استعادة انضباطها، وهي في حيرة من أمرها، كيف لها أن تصبح على تلك الساذجة والبلاهة في وجوده، رغم أنها كانت تناطحه الند بالند في أشد المواقف تأزمًا وصعوبة، هناك شيء ما به يجعلها كمن أصيب بلعنته، خفق قلبها من هذا التفكير السريع، وحاولت نفضه عن عقلها لتركز فيما تفعله، ما إن انتهت حتى أمسكت بصندوق الخياطة بيدها، واستدارت لتواجهه؛ لكنها تفاجأت بعدم وجوده، انعقد حاجباها بشدةٍ، وتساءلت في انزعاجٍ احتل كامل ملامحها:
-هو فينه؟
تقدمت بخطواتٍ سريعة نحو باب الغرفة، ولم تشعر بنفسها تتساءل عاليًا:
-ماله؟ مش طايقني ولا إيه؟
شهقة مباغتة انفلتت من بين شفتيها، وقد وجدته يظهر قبالتها عند الباب، ارتدت عفويًا للخلف لتظل بداخل غرفته، حاولت الحفاظ على ثباتها، وإبقاء ملامحها هادئة، بالطبع رأى تلبكها الأهوج، وربما احمرار بشرتها؛ لكن قبل أن تنطق بعصبيةٍ، صُدمت به يقول مبررًا:
-أنا والله ما عايزك تفهمي حاجة غلط.
حملقت فيه بنظراتٍ متحفزة، فتابع بابتسامةٍ لطيفة، وتلك النظرة الدافئة المطلة من عينيه تشملها:
-إن كان عليا ماخلكيش تطلعي من هنا ..
أحست بجفافٍ يصيب حلقها، واستمرت في التحديق به بنظراتها التي تأرجحت بين الذهول والارتياح، لن تنكر أنها تمنت في قرارة نفسها أن تحظى بهذه النظرة المميزة التي تشعرها بأنها خاصة بها وحدها، لا يمنحها لأحدٍ غيرها، خبت عصبيتها، وارتخت قسماتها، خاصة حين بدا صوته هادئًا عذبًا، مخدرًا لحواسها وهو يغمغم قائلاً بغموض ضاعف من توترها اللذيذ:
-بس لسه الوقت مأزفش.
تطلعت إليه مليًا بغرابةٍ، تحاول سبر أغوار عقله، لكن تلك النظرة التي رمقها بها نفذت إلى داخلها؛ كأنما نجحت في اختراق حصونها، وجعلتها تشعر بشيءٍ عميق، أنها غير منبوذة، ومرغوبة بشدة كأنثى. قطع تواصلها البصري مجيء "هاجر" التي وزعت نظراتها بين الاثنين وخاطبتهما بابتسامتها العبثية:
-أنا خلصت يا "تميم"، في إيه يا "فيروزة"؟ ملاقتيش العلبة يا حبيبتي؟
أجابتها "فيروزة" أولاً وهي ترفع يدها للأعلى:
-معايا أهي.
بينما ردد "تميم" وهو يتنحى جانبًا:
-أنا أصلي دخلت فجأة الأوضة ولبختها.
رفعت "هاجر" حاجبها متسائلة في مكرٍ:
-طب أحضرلك تاكل؟
تحولت تعابيره للجدية وهو يرد:
-تسلم إيدك، بعدين، أنا نازل تاني ..
تدلى فك "فيروزة" السفلي في استغرابٍ لذهابه المفاجئ، وحاولت عدم النظر في اتجاهه؛ لكنه أجبر عينيها على التطلع إليه وهو يكمل إملاء أوامره على شقيقته ليشعرها بأهميتها الكبيرة:
-بس شوفي الأبلة عايزة إيه وساعديها، أوعي تقصري معاها.
أمسك بها وهي تنظر إليه، وبدت ملامحه غير مقروءة؛ لكنه ودعها بنفس النبرة الهادئة:
-نورتينا يا أبلة .. السلام عليكم.
انتظرت للحظة حتى ابتعد مع شقيقته للخارج، لتتبعهما وهي في قمة حرجها، دارت برأسها المزيد من الهواجس عندما عادت إليها "هاجر" مرددة:
-معرفش والله إيه اللي حصله.
ضاقت عينا "فيروزة" بشكٍ، فتابعت "هاجر" تفسير كلامها الغامض:
-ده بقى مابيقعدش في البيت ساعتين على بعض.
توهمت أنها السبب في عزوفه عن المكوث به بسبب تواجدها الزائد مؤخرًا، خاصة مع تعاظم هذا الشعور المُلح بداخلها بمطاردة ما كان يمنحه لها سابقًا في غفلةٍ منها، ورغبتها في التمتع بذلك الإحساس بدرجة ربما كانت منفرة له، وغير مريحة. نكست رأسها في خزيٍ، واعترفت لها بغصةٍ تؤلم حلقها:
-يمكن مضايق من وجودي وآ...
قبل أن تلعب برأسها الظنون المخادعة ضحكت "هاجر" مقاطعة إياها:
-"تميم"! يضايق منك، استحالة!
نظرت إليها مدهوشة، وبقلبٍ يدق في توترٍ غريب، بينما واصلت شقيقته البوح مع ضحكاتها القصيرة المرحة:
-إنتي متعرفيهوش كويس، "تميم" غير أي حد، بكرة لما آ...
بترت باقي جملتها عند سماعها نداء والدتها الجاد:
-يا "هاجر"!
التفت برأسها للجانب لترد:
-أيوه يامه.
أجابتها وهي تغلق باب غرفة الجد بعد أن خرجت منها:
-اتصلي بأبوكي شوفيه هيرجع أمتى، عشان أسخنه الأكل.
هزت رأسها في طاعة وهي ترد:
-ماشي.
انسحبت "هاجر" باحثة عن هاتفها المحمول، في حين وقفت "ونيسة" إلى جوارها تسألها:
-ناقصك إيه بنتي وأساعدك فيه؟
بعد ذلك الكم من الحرج والاعترافات الغامضة المثيرة للفضول، والتفكير، لم تعد "فيروزة" قادرة على التركيز، كان الحل الأسلم حاليًا الاختلاء بنفسها، ولملمة شتات فكرها المبعثر، لهذا جمعت متعلقاتها، وطوت المفرش قائلة:
-لأ، أنا كده تمام، دي حاجة بسيطة هنجزها على طول فوق مع ماما.
اعترضت عليها في ودٍ:
-طب أخلصها أنا، ده إنتي طول اليوم طالع عينك معانا.
ردت في إصرارٍ مصحوب بابتسامةٍ منمقة:
-ده شغلي، وأنا مبسوطة بيه.
ربتت "ونيسة" على كتفها تشكرها في امتنانٍ كبير:
-نتعبلك كده يا رب نهار فرحتنا بيكي إنتي وابني "تميم".
جملتها كانت عفوية للغاية، غير متبوعة بأي نوايا أو استباقٍ لما يمكن حدوثه، ومع هذا برقت عيناها مصدومة، واكتست بشرتها بحمرة غريبة جعلتها تشعر وكأنها في أوج حرجها، وهي التي لم تختبر مثل تلك المشاعر المربكة طوال سنوات عمرها. تصنعت الابتسام، وقالت في تلعثمٍ طفيف:
-عن إذنك يا طنط.
سارت معها "ونيسة" تصحبها لباب المنزل وهي تدعو لها بصدقٍ:
-ربنا يبارك فيكي ويصلح حالك، ويفرحنا بيكي قريب.
لوهلةٍ شعرت "فيروزة" كما لو كانت ساقاها تستثقلان الابتعاد عن هذا المكان المتخم بكافة المشاعر الأسرية الدافئة، بل الأحرى أنها خشيت الابتعاد عنه تحديدًا، استحضر ذهنها صورته، وصدمها تفكيرها الجري فيه هكذا أمام والدته، خفقة أخرى عصفت بقلبها، وجعلتها راغبة في الاختباء من نظراتها العادية التي يمكن أن تفضح أمرها، تحاشت النظر إليها، وهتفت مودعة إياها بابتسامة شبه مضطربة:
-تصبحوا على خير ........................................... !!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا