مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثاني والثلاثون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثاني والثلاثون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثاني والثلاثون
الأبيض كان اختيارها الأول والنهائي بلا منازع، لترتديه على بنطالها الجينز الأزرق، انتقت بلوزتها هذة -ذات الياقات العريضة- عن قصدٍ لترى تأثير اختيارها في عينيه. وقفت "فيروزة" أمام تسريحة مرآتها تتفقد هيئتها للمرة الرابعة على التوالي، قبل أن تلف رأسها بحجاب يجمع بين اللونين الأبيض والأزرق، ولم تنسَ وضع البروش الذي أهدته لها والدتها على جانب ياقتها اليسرى، ابتسمت في رضا وهي ترى كيف تبدلت ملامحها الواجمة لأخرى مليئة بالإشراق والنضارة.
أدارت رأسها في اتجاه والدتها التي ولجت إلى غرفتها بشكلٍ يدعو للاسترابة، وما عزز من هذا الشعور بداخلها، إغلاقها الباب خلفها برويةٍ وحذر، ضاقت عيناها على الأخير، وسألتها في دهشة:
-خير يا ماما؟ في حاجة؟
ظلت يد "آمنة" موضوعة على مقبض الباب، وتكلمت بصوتٍ شبه خفيض:
-هما كلمتين هاقولهم ليكي على السريع قبل ما أختك تيجي عندك الأوضة.
كانت "همسة" قد جاءت مبكرًا هذا النهار، لتبقى بصحبة "رقية" ريثما تذهب هي وأمها مع "تميم" وعائلته لشراء المصوغات الذهبية. نظرت إليها "فيروزة" بتوجسٍ، وردت متسائلة:
-في إيه يا ماما؟ إنتي قلقتيني!
لم يكن من اليسير عليها أن تخبرها بما لم تعتد سماعه منها، فبريق الذهب له إغرائه الطامع، خاصة وإن كانت الأسرة في طريقها لظروف مادية شبه متعسرة، فالمال الذي جناه شقيقها أنفق معظمه في العلاج والأدوية الباهظة، حتى يتماثل للشفاء، كذلك مع قلة مصادر الدخل المتوفرة بعد نشوب الخلافات مع "إسماعيل"، وعدم التزام الأخير بإرسال الأقساط الربع سنوية لهما، وإهماله المتعمد للأرض الزراعية مما ضاعف من سوء الحال، بل وجعل الوضع المادي غير جيدٍ بالمرة.
ناهيك أيضًا عن المصاريف اليومية للإنفاق على المنزل، وتسديد الفواتير المستحقة لشركات الكهرباء، المياه، والغاز، بالإضافة لبدئها في مشوار تجهيز الفتاة الصغيرة بما قد تحتاج إليه عند الكبر. كل تلك الأسباب وغيرها دفعتها لتغيير نمط تفكيرها التقليدي، خاصة أن ابنتها اعتادت على الكد منذ الصغر، فلا ضرر من الاحتفاظ بعض المال لاستخدامه وقت اللزوم، هكذا هيأت نفسها للقادم، ورتبت أفكارها بناءً عليه!
ارتسمت الجدية على وجه "آمنة" بشكلٍ واضح، وراحت تخاطب ابنتها بهمسٍ، كأنما تملي عليها أوامرها:
-بصي لما تنقي الشبكة بتاعتك، اختاري التقيل، واللي مافيهوش شغل، ويستحسن يكون عيار 21، أهوو ينفعوكي للزمن، لو اتزنقتي فيهم.
بعينين متسعتين في ذهولٍ صادم، ردت مستنكرة بشدة:
-إيه الكلام ده؟
حافظت على جمودها وهي تؤكد عليها بإصرارٍ:
-ماتستغربيش، بس أنا ببص لقدام، ده غير إن عيلة خطيبك ناس كريمة، مش هيفرق معاهم ألف ولا اتنين زيادة هيدفعوهم.
بالكاد كبت غضبها المتصاعد في صدرها، لئلا يطفو على السطح، وتفسد الزيجة برمتها، أخذت تعاتبها في حنقٍ:
-واحنا من امتى بنتعامل مع الناس كده يا ماما؟ هو أنا اتربيت على كده؟ ده احنا ممكن نقضيها عيش حاف ولا نبص لحاجة غيرنا.
أتاها تعليلها منطقيًا:
-عارفة كل ده، بس يا حبيبتي اللي زي المعلم "تميم" في مقدوره يفتح بدل البيت اتنين وتلاثة، وعشرة، ومطمع لأي واحدة، وزي ما عجبتيه، ممكن تعجبي غيره.
على الفور ردت في عصبيةٍ:
-يبقى بناقص منه لو عايز غيري، أنا مأجبرتش حد على إنه يتجوزني.
ظلت "آمنة" متمسكة بهدوئها وهي تردد على أذنيها:
-ربنا كرمك وبختلك واحد زيه، وعشان أنا عارفاكي كويس، فبعمل لمصلحتك، ده إنتي في لحظة ممكن تسيبيله الجمل بما حمل، واللي في مقامه مايتعاندش، فعلى الأقل يبقى معاكي حاجة تسندك في الزمن الأغبر ده.
هزت رأسها في استهجانٍ، وغطت تقاسيمها قهرة غريبة، فبدلاً من تدعيم مشاعر الثقة بداخلها، وبث الإيجابية، وجدتها تنظر إلى المادة، وبشكلٍ غير مسبوق ينم عن طمع واضح، رفعت سباتها مدمدمة بأنفاس منفعلة رغم خبوت نبرتها:
-أنا مش عارفة أقولك إيه، حقيقي مصدومة من اللي بسمعه.
حاولت استمالة عقلها بالمنطق، واستمرت في إقناعها:
-أنا شوفت كتير وقليل يا "فيروزة"، وإنتي بنفسك عارفة الحال بينا وصل لفين، وآ...
قاطعتها في حدةٍ وهي تسد أذنيها:
-بس يا ماما، كفاية، مش عايزة أسمع حاجة!
ردت بإيماءة من رأسها:
-ماشي يا حبيبتي، بس اعملي اللي قولتلك عليه وخلاص، مش هتخسري حاجة.
لم تنتظر تعليقها، وانصرفت مغادرة الغرفة لتتركها على حالة من الصدمة والحزن، اختفى ذلك الوميض اللامع عن حدقتيها، وملأهما إحساسًا جديدًا بقلة الحيلة وخيبة الأمل، تكونت غصة في حلقها وهي تتساءل:
-ليه كده يا ماما؟ ليه؟
جلست على طرف الفراش دافنة وجهها بين راحتيها لدقائقٍ عدة، قبل أن تخفضهما لتحملق في الباب المغلق مليًا، والدموع تترقرق في عينيها، لم تستطع كبحهم، فطفرت بعض الدمعات من طرفيها، لتنساب بغزارة على صفحة وجهها، بكت دون صوتٍ، مستشعرة بوخزات حادة في صدرها. وضعت يدها على موضع الألم تفركه في رفقٍ، توقفت بعد برهةٍ عن البكاء، ومسحت بظهر كفيها ما بلل صدغيها، ثم أخذت تتنفس بعمقٍ لتستعيد السيطرة على حالها.
نهضت من مكانها بثقلٍ، وألقت نظرة على ملامحها الباهتة في المرآة، امتدت يدها لتمسك بمنديلٍ ورقي، وأزالت لطخات الكحل المنساب أسفل عينيها، حدقت في نفسها مرة أخرى، وتكلمت في هدوءٍ؛ كأنما تحفز نفسها:
-هي تقول اللي عايزاه، وأنا هعمل اللي شايفاه صح ليا.
أبقت على خلو بشرتها من مساحيق التجميل فيما عدا الكحل؛ لكنها راحت تزيله هو الآخر بعد أن فسد في عينيها. سحبت شهيقًا عميقًا، وتابعت الكلام:
-ليه بقت كل حاجة بتتقاس بالفلوس؟
تحيرت في أمر والدتها، فقلما كان المال يعنيها، وظلت تتساءل في صدمةٍ:
-للدرجادي التفكير ممكن يتغير؟
انتصبت "فيروزة" في وقفتها، ورددت لنفسها بثباتٍ؛ كأنما تجددت العزيمة بداخلها:
-لو هو مفكر إنه بيشتريني بالفلوس يبقى مايعرفنيش كويس.
نزعت البروش عن ياقتها، ووضعته بداخل الصندوق المعدني الصغير الموضوع في منتصف التسريحة، وهي تواصل الحديث مع نفسها:
-أنا غير أي واحدة دخلت حياته.
نظرت إليه مع القرطين قبل أن تغلقه، لتضيف في حزمٍ:
-يا يقبل بيا كده، يا ننهي الحكاية دي.
عادت لتجلس على طرف الفراش، وهي تكرر تلك العبارات في رأسها، انخفضت عيناها، وحملقت بشرود في نقطة وهمية في الفراغ، بقيت ساكنة إلى أن اقتحمت "همسة" الغرفة، وهي تهتف في صوتٍ مرتفع:
-إنتي لسه أعدة عندك والعريس مستني تحت.
توقعت أن تقفز توأمتها عن الفراش في حماسٍ، مثل أي فتاة في مثلها، تتلهف للقاء خطيبها؛ لكن على العكس وجدتها منكسة الرأس، تحدق بجمود في الأرضية، دنت منها متسائلة في حيرةٍ:
-في إيه يا "فيرو"؟
جلست إلى جوارها، وتأملتها عن كثبٍ، وهي ما تزال تبتسم، سرعان ما تلاشت بسمتها حين رأت التعاسة بادية عليها، وضعت يدها على طرف ذقنها لترفع وجهها إليها، فرأت الحمرة المحتقنة في نظراتها، انقبض قلبها أكثر، وسألتها:
-إيه يا حبيبتي، إيه اللي مزعلك كده؟
لاذت "فيروزة" بالصمت وهي تنظر إليها نظرة العاجز، كانت حائرة بين نارين: نار إطلاعها على ما طلبته والدتها، فتنصدم هي الأخرى بها، ونار كتم غضبها بداخلها، فتتألم بمفردها، وكعهدها اختارت ما يضرها وحدها! احتضنت "همسة" توأمتها، ومسدت على ظهرها صعودًا وهبوطًا وهي تخمن سبب حزنها:
-إنتي أكيد افتكرتي المرحوم "آسر"، وده مزعلك، هو عند ربنا، وإنتي من حقك تشوفي حياتك.
صيحة استهجان كانت على وشك إطلاقها تذمرًا على العذر غير المعقول، ومع هذا بقيت على سكوتها، فالأفضل أن تعتقد توأمتها هذا، ولا تسيء الظن بوالدتهما، ابتعدت "همسة" عنها، تاركة يديها على جانبي ذراعي شقيقتها، وهي تخبرها بلطفٍ:
-افرحي يا "فيرو"، إنتي تستاهلي ده.
انفلت لسانها معقبًا:
-مش باين.
شهقت متسائلة في جزعٍ:
-ليه بتقولي كده؟
بحثت عن الرد المناسب على أمل ألا تثير الشكوك بداخلها، فقالت وقد تهدل كتفاها:
-أنا حظي قليل.
نفت في إنكارٍ:
-لأ، إزاي؟ والله ده إنتي تتحبي، وتخشي جوا القلب على طول.
ادعت "همسة" الضحك قبل أن تخبرها وهي تومئ بعينيها:
-وبعدين عريسك ملطوع مع مامته تحت، هايقول عليكي بتتقلي عليه، مش من أولها كده، خليها مرة ومرة.
نظرة واجمة سددتها إليها قبل أن تتساءل بنزقٍ:
-تفتكري الجوازة دي هتكمل؟
اندهشت لقولها، وردت في غرابةٍ:
-وإيه اللي يمنع؟ كل حاجة تقريبًا شبه جاهزة.
ثم لاح على ثغرها بسمة عابثة وهي تخمن:
-شكل حبك لـ "آسر" مأثر عليكي.
استاءت من التطرق إلى ذكره، كأن ما كان بينهما يدعو للتفاخر، تجهمت تعابيرها، وصاحت في حقدٍ:
-بلاش السيرة دي دلوقتي.
تفهمت رغبتها في التوقف عن الحديث عنه، وبررت:
-معاكي حق، أي راجل ممكن يضايق لو خطيبته بتفكر في حد تاني.
ضجرت من خلق الأعذار عنها، وهتفت بها بتعابيرٍ انقلبت بشدة:
-"همسة"! من فضلك أنا معنتش بفكر فيه، هو خلاص مرحلة انتهت من حياتي.
تعجبت من تبدل حالها، وردت في طاعة:
-طيب، حاضر.
تحولت أنظار الاثنتين نحو الباب عندما صاحت "آمنة" من الخارج في لهجةٍ صارمة:
-"فيروزة"، الجماعة واقفين تحت، عيب نسيبهم كده.
ضحكت "همسة" بتلقائية، وغمزت لها قائلة:
-مش قولتلك، زمانه واقف على نار.
....................................................
ارتكن بظهره على جانب السيارة الأيمن، بعد أن انتقلت والدته، للجلوس في المقعد الخلفي، رغم إصراره على بقائها بالمقدمة؛ لكنها أرادت منحه فرصة للتقرب من عروسه المستقبلية، والجلوس معًا؛ وإن كان في نطاقٍ محدود، علَّ الوصـال يزداد بينهما. أطل "تميم" برأسه من النافذة المنخفضة المجاورة لها وهي تشدد عليه:
-أوعى تبخل على عروستك بحاجة، أبوك موصيني لو الفلوس نقصت أنا هكمل من معايا، هو مديني زيادة.
قال في امتنانٍ وهو يتحسس جيبه بتلقائية:
-الجيب مليان يا ست الكل، اطمني.
دعت له "ونيسة" بابتسامتها الصافية:
-ربنا يزيدك كمان وكمان.
استقام "تميم" واقفًا لمرة أخرى، وطيف "فيروزة" لا يبارح خياله، لم تفارقه صورتها بالأمس، ولم يستطع النوم بسبب تفكيره المفرط فيها، سعى بجهدٍ جهيد لتحجيم مشاعره عند اللقاء بها، فكيف لجائع أن يزهد ما لذ وطاب وهو متاح له؟ عذاب الانتظار فاق عذاب الشوق، ردد مع نفسه في رجاءٍ:
-يا رب صبرني الأيام دي لحد ما نبقى سوا.
رفع عينيه للأعلى لينظر إلى الشرفة العلوية، آملاً أن يمنحه القدر فرصة عابرة لرؤياها؛ لكن لم يجدها، كانت توأمتها وافقة بها، يا للتعاسة! لوحت له "همسة" بيدها، كأنما تُعلمه بقدومهن، هز رأسه بإيماءةٍ صغيرة، قبل أن يخفض عينيه وصدى كلمات والده المحذرة قد راحت تنطلق في عقله كدوي إشارات الإنذار، ساد الامتقاع على قسماته، وقال في صوتٍ غير منطوق:
-بلاش تجيب لنفسك الكلام، اللي باقي حاجة بسيطة.
استمر على وضعه، يقاوم مشاعره الثائرة بتوق الحب، لئلا يفكر في التجاوز إن رأى مهجة الفؤاد ببهائها تقبل عليه. انتبه "تميم" لصوت والدته وهي تسأله من جديد لتخرجه عن تفكيره العميق:
-هما الجماعة اتأخروا ولا إيه؟
أجاب وهو يدير رأسه ناحيتها:
-لأ نازلين، مرات "هيثم" شافتني.
قالت "ونيسة" مبتسمة، وهي تضع حقيبتها في حجرها، لتفسح المجال للقادم منهن، حتى تجلس بأريحية:
-على مهلهم، ربنا يقضي اليوم ده على خير.
لفظ كتلة من الهواء في عجالةٍ قبل أن يرد:
-يا رب.
تحفز في وقفته عندما أقبلت عليه "آمنة" أولاً، مدت يدها لمصافحته بحرارةٍ وهي تُحييه:
-سلام عليكم، إزيك يا ابني؟
بادلها التحية بابتسامة لبقة:
-الحمدلله في نعمة.
تجاوزته، ثم أحنت جسدها للأمام قليلاً لتنظر إلى "ونيسة" عبر فاتحة النافذة، وبادرت بالترحيب بها:
-إزيك يا حاجة، عاملة إيه؟
أجابتها "ونيسة" بودٍ شديد وهي تشير لها بيدها:
-في نعمة والحمدلله .. تعالي جمبي يا أم العروسة، وخلي العرسان جمب بعض.
كانت مرحبة للغاية بعرضها، وقالت وهي تشد المقبض لتفتح الباب:
-ده أنا اتشرف بيكي، وربنا ما يفارقهم عن بعض أبدًا.
.............................................
على الجانب الآخر، تلكأت "فيروزة" في خطواتها؛ كأنما لا تريد الذهاب، فقدت حماسها، وتبدل بشيءٍ آخر منزعج، لا تريد الإفصاح عنه، تأبطت "همسة" في ذراعها، وأخبرتها بقليلٍ من المكر، وهي تقرب فمها من أذنها:
-مش المفروض تطلبي من خطيبك رقم موبايله.
استدارت ناظرة إليها وهي تتساءل في ضيقٍ:
-هعمل بيه إيه؟
تعجبت "همسة" من حال شقيقتها، بالرغم من كونها ذكية إلا أنها افتقدت للشغف الموجود في العلاقات الثنائية، حتى أبسط البديهيات فيه لم تكن مهتمة به، لهذا علقت مستنكرة بلومٍ:
-الله! المفروض ده شيء عادي، رقمه لازم يبقى معاكي.
قبل أن تهم بالاعتراض، بررت لها:
-وبعدين لما تحتاجيه في حاجة هتطلبيه إزاي؟ بالبلوتوث مثلاً؟!
ثم أضافت فيما بدا وكأنه تهكم ساخر:
-ده إنتي متجوزة قبل كده، والمفروض مجربة مع المرحوم.
حسنًا ليس الأمر كما تظن "همسة"، فوضعها آنذاك مع "آسر" كان قائمًا من الأساس على قرارها المفاجئ بالارتباط به، دون وجود عاطفة حقيقية نحوه، الاختيار اعتمد على العقل، لكونه وسيلتها للرد على اتهامات ابن عمها الباطلة، كما أن ذلك الوغد قد لجأ معها للخداع والحيلة، لتقع فريسة في شباكه الماكرة كصيدٍ سهل.
أما إن استبعدت عبارات الحب الزائفة، وما كان يغرق به مسامعها من أحاسيسٍ لم تستشعرها للحظةٍ، فإن مكالماته المنتظمة لها في فترة الخطبة المزعومة دارت في غالبيتها حول مستقبلٍ واعدٍ له، ومجهولٍ بالنسبة لها، ناهيك عن سفره قبلها للترتيب لقدومها، فارتكز الحوار بينهما في معظمه على إنهاء الإجراءات، والمزيد من العبارات غير المحسوسةِ لها. سيطر عليها التخبط والقلق، ومع هذا استسلمت قائلة أمام إلحاحها:
-طيب.
تساءلت "رقية" في فضولٍ وهي تأرجح كفها المشبوك في يد ابن عمتها "فيروزة":
-إنتو بتقولوا إيه؟
أجابت "همسة" بابتسامةٍ مرحة:
-بقولها أنا هخدك معايا نجيب فستان جميل ليكي، وحاجات للنونو.
هتفت في حماسٍ:
-أنا عاوزة حاجة حلوة.
هزت رأسها تعدها:
-حاضر، بعد ما نخلص.
تنهدت "فيروزة" معقبة:
-ما تخليها تيجي معانا.
لكزتها برفقٍ في جانب ذراعها، وهي تخبرها بصوتٍ شبه خافت:
-عشان تبقوا على راحتكم، وبعدين ماما مكلفاني بالمهمة دي، وخليكي إنتي مع عريسك.
تبادر إلى ذهنها خطة والدتها الساذجة التي أطلعتها عليها، وشرعت في تنفيذ أركانها، معتقدة بهذا أنها ستجبرها على تحقيق رغباتها المستجدة في اكتناز المال على هيئة مصوغاتٍ ذهبية ثقيلة الوزن، غطى وجهها تعابيرًا ناقمة، وكزت على أسنانها مغمغمة في تهكمٍ مستاء:
-أه طبعًا ................................... !!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا