مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث والأربعون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثالث والأربعون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثالث والأربعون
بخفة وتدبر، أفرغت مشروب (المُغات) الساخن، في الفناجين البيضاء المصنوعة من الفخار، لترصها بعدها بتوازنٍ في الصينية العريضة، فاليوم هو اليوم المنشود للاحتفاء بقدوم أول حفيدٍ لها، لهذا لم تدخر وسعها في إبراز سعادتها بمجيئه إلى الدنيا. استخدمت قطعة من القماش لتمسح البقايا المنسكبة على سطح الرخامة، وكذلك حول الفناجين. التفتت "آمنة" باحثة عمن يأتي لحمل الصينية الثقيلة عنها، وإعطاها للضيوف المتواجدين بباحة المنزل، حيث يُقام الاحتفال بمرور أسبوع على ميلاد الرضيع "خالد".
خرجت من المطبخ تلقي نظرة على من بالصالة، وجدت "فيروزة" تحمل بين ذراعيها صندوقًا كرتونيًا يحوي على أكياس الفول السوداني، ناداتها قبل أن تخرج من باب المنزل:
-يا "فيروزة"!
استدارت الأخيرة ناحيتها، وسألتها:
-أيوه يا ماما، في حاجة؟
هتفت بها تأمرها وهي تشير بذراعها في الهواء:
-سيبي اللي في إيدك وتعالي شيلي المغات للناس اللي تحت.
أخبرتها ابنتها بإشارة من رأسها:
-طب هودي دول وأطلعلك.
أصرت على تنفيذ مطلبها بقولها شبه الصارم:
-خلي الفول بعدين، المهم المغات، الناس المفروض تشربه قبل ما يبرد.
اعترضت على تشددها قائلة:
-هو مش هيلحق، دي دقيقة.
ظلت متمسكة برأيها مرددة:
-معلش، الفول الناس بتاخده وهي ماشية.
رضخت "فيروزة" أمام إلحاحها، وانحنت واضعة الصندوق بجوار الباب وهي تغمغم:
-طيب يا ماما.
بدأت بالسير في اتجاه المطبخ؛ لكن استوقفها صوت قرع الجرس، فالتفتت عائدة إليه وهي تقول:
-ثواني أشوف مين.
بقيت والدتها واقفة في مكانها تتابع من زاويتها البعيدة ما يحدث، في حين قامت "فيروزة" بفتح الباب لتجد "تميم" واقفًا عند أعتابه، بوجهه المبتسم، وعيناه الضاحكتان، ابتسمت تلقائيًا لرؤيته، وشعرت بالسرور يتصاعد بداخلها لحضوره، انتبهت له وهو يُلقي عليها التحية، وكامل نظراته عليها:
-مساء الفل.
استقامت في وقفتها، وسوت بيدها مقدمة حجاب رأسها الأزرق، قبل أن ترد في رقةٍ:
-مساء النور عليك.
ما أحلاها حين يتبدل على جسدها الأقمشة المزركشة، فتبدو كالطاووس الذي يتباهى بألوان ريشه الجاذبة للأنظار، بالكاد أبعد عينيه الهائمتين عنها، ليلمح من مكانه والدتها وهي ترمقه بنظراتٍ متربصة، تنحنح مرحبًا بها وهو يرفع يده إلى جبينه:
-مبروك يا حماتي، يتربى في عزكم.
دنت منه لتبادله الترحاب الودود:
-الله يبارك فيك يا معلم، عقبال نهار فرحتنا بعوضك إنت و"فيروزة".
برقت عينا الأخيرة في استنكارٍ لدعوتها الصريحة، وانسحبت مغادرة المكان وهي شبه تركض، لا تعرف إن كان من عبارتها المحرجة، أم لرغبتها الغريبة في حدوث مثل تلك الأمنية، أن يجتمعا معًا، وتغدو العلاقة بينهما في مسارها الطبيعي. سمعت صوته يردد في رجاءٍ:
-إن شاءالله، دعواتك يا حماتي.
انتظرت لما يقرب من الدقيقة بداخل المطبخ، متوقعة انصراف "تميم"، ثم حملت بحذرٍ تام الصينية المتخمة بالفناجين، مشت على مهلٍ حتى أوشكت على الوصول إلى باب المنزل، عندئذ انتبهت لوجود "تميم" الذي استطرد عارضًا عليها دون تأخير:
-عنك يا أبلة، دي تقيلة عليكي.
سيطرت على انتفاضة مصدومة لبقائه، وهتفت معترضة:
-لأ، أنا تمام، عارفة أتعامل.
تمسك بطلبه، وأصر عليها بلطافةٍ تجعل الرأس العنيد يلين:
-عشان ماتدلقش منك، هتكسفيني؟
نظراته الساهمة التي تحتويها، وقسماته الناطقة بشيءٍ تحب دومًا رؤيته على وجهه، جعلاها تتراجع عن عنادها، ابتسمت قائلة وهي تناوله إياها:
-طالما إنت مُصر، اتفضل.
أخذها بحرصٍ من يديها، لتشعر بإزاحة هذا الثقل المزعج عنها، انتصبت بكتفيها، وهمهمت بصوتٍ شبه خافت:
-أوف، كانت تقيلة.
على ما يبدو التقطت أذناه شكواها العفوية، فعلق في عذوبةٍ:
-التقيل يخف عشانك.
لم تخفِ ابتسامتها المرحة، ونظرت إليه بطريقة جعلت قلبه يخفق في بهجةٍ، من كان يظن أن تتألف الأرواح في نهاية المطاف! انتظر "تميم" تحركها قبله؛ لكنه تفاجأ بها تنحني لتحمل الصندوق الكرتوني، اعترض على ما تفعله هاتفًا:
-لازمتها إيه تشيلي الكرتونة، شوفي إنتي محتاجة إيه تنقليه، وأنا موجود عشانك.
تلك الكلمات البسيطة المباشرة، وغير المصطنعة، دومًا تزيد من شعورها بالأمان في وجوده، لم تكن مجرد أقاويل تُردد لملء أذنها بالفارغ من الكلام، لحجب الحقيقة عنها. كان كما تراه، داخله كخارجه، نقيًا، مليئًا بسماتٍ قلما تجدها في الرجال! أحاطت "فيروزة" الصندوق بذراعيها، وألصقته بصدرها، ثم أخبرته عن عزيمة أظهرتها له:
-بسيطة يا معلم، وبعدين أنا سيباك للتقيل.
أشار بعينيه نحو الصينية التي يحملها مُعلقًا بطرافةٍ:
-ما هو واضح، اختبار قدرات.
لم تعد تخجل من الضحك في حضرته، بل أدركت أنها عرفت كيف تضحك معه، وكيف يكون للابتسام معنًا حقيقيًا بمشاركته الحديث غير المتكلف.
......................................................
تلك المرة جاء سائرًا، لم يملك من المال الكافي ما يخوله لاستئجار عربة خاصة لإيصاله إلى وجهته دون مشقة، بالكاد استعان بما معه من مدخرات، لركوب المواصلات العامة حتى يصل لبيته. في مرته السابقة ذهب مثلما أتى خالي الوفاض، لهذا اضطر أن ينتظر لبضعة أيامٍ لئلا يعود فارغ اليدين. رأى في مرمى بصره أحد الأكشاك عند الناصية، اتجه إليه على الفور، توقف بالقرب من مالكه، وناداه في لهجةٍ شبه جافة:
-بقولك يا أخ ...
انتبه له صاحب الكشك، فتابع مشيرًا لواحدٍ من المباني القصيرة:
-مش ده بيت "خليل العربي"؟
نظر الرجل إلى حيث أشار، وأكد بإيماءة من رأسه:
-أه اللي هناك ده.
لوح هذا الغريب بيده قائلاً بملامحٍ مالت للتجهم الشديد:
-طب متشكر.
تقدم في سيره نحو البيت، وعيناه تفحصان المكان بتدقيقٍ، رأى الصخب المحاوط بالبناية، والإنارة المعلقة على الجدران، امتلأ قلبه بالحقد، وراح يدمدم مع نفسه في غضبٍ متزايد:
-واضح إن عندهم زيطة وزمبليطة، أه طبعًا، هو هيفرق معاه حاجة، ماهو عايش ملك زمانه.
واصل تحركه مكملاً بنفس النبرة المغلولة، والشرر ينطلق من حدقتيه:
-أنا جاي عشان أخد حقي منه، مش هاسيبه يعيش في الميغة دي لوحده!
......................................................
هبوط درجات السلم معًا كان ممتعًا، فقد أصبح وسيلتهما المتاحة للدردشة اللطيفة المحملة بالعتاب الرقيق. ترك "تميم" خطيبته تنزل أولاً، وتبعها في خطواتٍ متمهلة حذرة، حين وجدها تقتضب في الرد عليه، تجاذب أطراف الحديث من جديد معها، فاستطرد قائلاً بابتسامةٍ عريضة:
-أنا رنيت عليكي إمبارح قبل ما أنام.
نظرت إليه "فيروزة" نظرة سريعة محملة بقدرٍ من الغيظ، قبل أن تخبره في تحفزٍ:
-أه شوفت مكالمتك الصبح، أصلي كنت نمت.
عقب عليها بتفهمٍ:
-ما أنا قولت كده برضوه، نوم العوافي عليكي.
استفزها رده البارد، فأخذت تهاجمه دون أن ترتفع نبرتها، وعيناها تشتعلان غيظًا:
-وبعدين في حد يكلم خطيبته متأخر أوي كده؟ مش في أصول؟
صمت لهنيهة قبل أن يتكلم في تهذيبٍ:
-معاكي حق.
استمرت في تعنيفه بتحيزٍ:
-بتتصل قبل الفجر، وأنا بصحى من بدري، ما ينفعش أفضل سهرانة كل ده!
تغاضى عن كل ما قالته أمام جملتها الأخيرة، وكأنه منحته شعورًا عظيمًا بالرضا، ابتسم ببلاهةٍ وهو يسألها:
-هو إنتي كنتي مستنياني؟
تداركت زلة لسانها، وتصنعت العبوس وهي ترد:
-وإن يكن، ده مش موضوعنا.
اعتذر منها بتنهيدة عاشقة:
-حقك عليا، غصب عني والله، كان عندنا توريد في الميناء، وكان لازمًا نخلصه قبل ما المركب تطلع، أنا مايهونش عليا زعلك.
ترفعت عن النظر إليه، وقالت موجزة:
-ماشي.
اقتضاب ردودها خير دليل على انزعاجها، لم يكن ليتركها تحمل ضغينة ناحيته، خاصة بعد أن تطورت العلاقة بينهما بشكلٍ إيجابي وفعال. استمر في اعتذاره قائلاً:
-خلاص بقى ماتشليش مني، ده شغل، والله ما كنت بلعب.
هزت كتفيها قائلة بقليلٍ من التجهم:
-عادي.
ألح عليها قائلاً وهو يسبل عينيه:
-طب عشان خاطري.
نظرت إليه بعينين ضيقتين، فتابع ضغطه الرقيق للقبول باعتذاره في التقصير معها:
-طب عشان خاطر جدي؟
زمت شفتيها للحظةٍ، وقالت بابتسامةٍ مغرية:
-عشانه بس.
تصنع الغيرة، وهتف بتذمرٍ:
-وربنا هو محظوظ بيكي أكتر مني.
كبتت ضحكة شقية أرادت الظهور، ورسمت الجدية على ملامحها وهي تخبره في لهجة حازمة:
-طب يالا عشان نفرق المغات على الناس.
استمر في مشاكستها فأردف قائلاً بكلماتٍ موحية:
-ممكن تحوشيلي كيس فول، أصل غاوي سوداني، وخصوصًا لما يكون من إيديكي.
هزت رأسها نافية، وأغاظته عن عمدٍ بتصريحها:
-لأ، هدي نصيبك لجدي.
ضحك من خلفها، وقال وهو يتخذ حذره في خطواته الأخيرة من الدرج:
-مش بقولك محظوظ، ربنا يزيده.
..............................................
بعيدًا عن الحشد المجتمع، وقفت "هاجر" بجانب زوجها تتابع مكالمته الهاتفية مع أحد الأشخاص، ظلت صامتة إلى أن أنهى الاتصال، فراح يخبرها بفحوى المكالمة، لما لها من صلةٍ بابتياع الناقص من لوازم توضيب منزل الزوجية. كررت عليه سؤالها بحاجبين معقودين؛ كأنما تشكك في احتمالية حدوث ذلك:
-إنت متأكد إن المنجد هايجيب المراتب القطن بكرة؟ ولا هيغير كلامه زي المرة اللي فاتت؟
أجابها بإيماءة مؤكدة من رأسه:
-أيوه، لسه قافل معاه، وهاروح الشقة استناه قبل الميعاد.
مطت شفتيها للحظةٍ قبل أن تعقب في غير اقتناعٍ:
-خير إن شاءالله.
قبل أن ينتقلا للحديث عن أمرٍ آخر، قاطع حوارهما ذلك الغريب ذي الملامح المكفهرة، استطرد الأخير هاتفًا بوجهٍ منقلب:
-سلام عليكم.
تفرس "سراج" في تعابيره، ورد التحية في تحفزٍ:
-وعليكم السلام.
بينما رمقته "هاجر" بنظرة شملته من رأسه لأخمص قدميه، انتابها هاجس غريزي بأن وراء ذلك الرجل المتجهم خطبٌ ما، تركت لزوجها مهمة التواصل معه، واستمعت للرجل وهو يتساءل مستفهمًا:
-بقولك يا أخ، هو فين الأستاذ "خليل العربي"؟
تحولت أنظار "سراج" ناحية إحدى الزوايا، وأشار بيده كذلك وهو يجاوبه:
-هناك، اللي قاعد على الكرسي ده.
أمعن الغريب النظر إليه وقد اشرأب بعنقه، ما إن تأكد من ملامحه حتى قال بغير ابتسام:
-تمام، شوفته، متشكر.
رد عليه "سراج" في اقتضابٍ لا يخلو من حيرةٍ:
-العفو.
شيعته "هاجر" بنظراتٍ متفرسة متحيرة، وتساءلت بعد انصرافه:
-مين ده؟
أجاب زوجها بنوعٍ من التخمين:
-مش عارف، بس جايز يكون حد قريبه.
لم تقف كثيرًا عند تلك المسألة، وقالت وهي تنقل رضيعها من كتفها الأيمن للأيسر:
-احتمال.
مد ذراعيه ليحمله عنها قائلاً بحنو أبوي:
-هاتيه، إنتي شلتيه كتير.
لم تجادله، وأعطته له قائلة بتبرمٍ:
-مش مريح نفسه.
احتضن "سراج" الرضيع، وأخذ يداعبه بإصبعه، والصغير يستجيب لملاطفاته بغمغمة غير مفهومة، تطلع بعدها إلى زوجته وهو يقول في فرحةٍ:
-سبيه براحته، ربنا يباركلنا فيه.
.................................................
اخترق الغريب الصفوف المتراصة بعشوائية، وتركيزه بالكامل منصب على "خليل"، لم يحد بنظراته النارية عنه، بدا وكأنه يحمل في صدره ناحيته كرهًا كبيرًا، تعابيره عبرت عن القليل من هذا البغض. وقف أمامه بشحمه ولحمه، وشرع يحدجه بنظرات قاسية شرسة، في البداية لم يكن "خليل" منتبهًا له؛ لكن حين حط ذلك الظل الطويل على رأسه، أدار وجهه إليه ليتطلع في صدمةٍ إلى آخر من توقع رؤيته بعد كل تلك الأشهر. هتف الأول قائلاً بنبرة مالت للتهكم عن التوضيح:
-أبو نسب!
برزت اللعثمة أكثر في صوت "خليل" وهو يردد مذهولاً:
-"حـ..حُسني"؟!
هدر الرجل بنبرة أقرب للصياح مستخدمًا كفيه في التلويح:
-إيه يا عم، خلاص مصدقت سوحتني برا، عشان تطنشني وتقطع الجوابات، إيش حال ما أنا أخو مراتك اللي اتخدت غدر ..
جف حلق "خليل"، وظل يُطالعه بنفس النظرات المصدومة؛ كأنما حلت مصيبة قاسمة للأظهر على رأسه بظهوره علنًا أمام عائلته التي تجهله كليًا .. انقبض قلبه بتوجسٍ شديد، وشحب لون وجهه المنهك و"حُسني" يسأله بصوتٍ مليء بالاتهام:
-فين حق أختي "سماح" ......................................... ؟!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا