مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع والأربعون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والأربعون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والأربعون
بحركةٍ شبه فاقدة للتركيز، حاولت غلق أزرار كنزتها، بعد أن انتهت من إرضاع وليدها الذي بدا هشًا للغاية وهي تحمله بذراعها. ضمته "همسة" بالذراع الآخر إلى صدرها، ثم رفعته بحذرٍ على كتفها، وأخذت تربت على ظهره برفقٍ حتى يتجشأ، وتفرغ ما امتلأت به معدته من الهواء. اتجهت عيناها نحو الباب حين سمعت الطرقات عليه، وهتفت في نبرة لم تكن عالية نسبيًا:
-اتفضل.
أطل زوجها برأسه بعد أن فتحه، فابتسمت لرؤيته، ولج إلى الداخل، وأغلق الباب من خلفه، ليسألها في اهتمامٍ:
-رضعتيه يا حبيبتي؟
أومأت برأسها وهي ترد، ويدها ما تزال تمسح على صدر الرضيع:
-أيوه يا "هيثم".
ثم ما لبث أن ابتسمت وهي تكمل:
-السُرة الحمدلله وقعت.
قال في رضا وهو يجلس على طرف الفراش إلى جوارها:
-طب خير، ربنا يباركلنا فيه.
ردت بعد تنهيدة بطيئة:
-يا رب.
راحت تداعب الرضيع في حنوٍ للحظاتٍ، حتى استكان، وغفا على كتفها، أخفضته بين ذراعيها، وتطلعت إلى زوجها الذي كان مأخوذًا به، ظهر التردد على محياها وهي تخاطبه:
-بقولك آ..
انتبه لها متسائلاً:
-إيه يا "هموس"؟
لعقت شفتيها، وتابعت بنفس النبرة المفعمة بالارتباك والندم:
-تفتكر "فيروزة" هتزعل مني، لو عرفت إني اللي أصريت على اختيار اسم ابننا مش إنت؟!!
بدا غير مهتمٍ بمسألة علمها من عدمه، وقال في جديةٍ:
-مش لازم نقولها كل حاجة، ده شيء يخصنا احنا وبس، كفاية إنها تفرح لابننا، وتتمناله الخير، مش عايزين منها أكتر من كده.
اعترفت له بما يضيق في صدرها:
-أنا مش متعودة أبقى كده، حاسة نفسي وحشة أوي وأنا بخبي عليها.
كان "هيثم" هادئ الملامح وهو يخبرها بوجهة نظره المنطقية:
-يا "همسة" لازم تفهمي إن احنا دلوقتي بقالنا حياتنا الخاصة، ماينفعش نحشر فيها حد لمجرد إننا عاوزين نرضيه، ولا يحس إنه مهم عندنا، ده اتفاق بيني وبينك، اتناقشنا، وقررنا، وخلاص ..
نظرت إليه بغير كلامٍ، فأكمل على نفس الشاكلة:
-وبعدين في الأول ولا في الآخر ده ابني، وهيشيل اسمي، ولو مكانش عاجبني مكونتش وافقتك عليه.
ردت بنبرةٍ مالت للحزن، وقد نكست رأسها للأسفل قليلاً:
-أكيد والله كل نيتي خير، يعني اعتبرته زي تكريم لأختك الله يرحمها.
هتف في غير مبالاة وهو يمد يده نحو ذقنها ليرفع وجهها إليه:
-مش الكل عِرف إن ده اختياري، ماتشليش هم بقى.
شعرت بالرضا عن التوافق الحادث بينهما في كل أمر يخوضاه معًا، وابتسمت قائلة في ارتياح:
-ربنا يخليك ليا.
نهض من مكانه على مهلٍ وهو يكرر عليها مجددًا:
-سيبك من الكلام ده، ماتوجعيش دماغك بيه.
هزت رأسها بالإيجاب قائلة:
-طيب.
أشار بيده نحو الباب متابعًا:
-المفروض ننزل نشوف الناس اللي مستنيانا تحت.
ضبطت "همسة" من ثيابها المتهدلة قليلاً وهي تقول:
-أنا خلصت خلاص، هبص على نفسي في المراية بصة أخيرة وخلاص.
أحنى جسده عليها ليحمل رضيعه عنها وهو يداعبه في محبة أبوية تزداد يومًا بعد يوم:
-تعالى يا حبيبي في حضن أبوك
.....................................................
بدا وكأن ماضيه التعس يطارده بعد أن ظن أن السكينة قد حلت عليه، استمر "خليل" في التحديق لوجه صهره بنظراتٍ جمعت بين الخوف من الفضيحة، والرهبة من كشف ما كان يرتكبه خلسة لكسب أموالٍ غير شرعية. شحب لون بشرته أكثر مع استمراره في تهديده الضمني:
-خلاص "حُسني" رجعلك، ومش هايسيب حقه، أنا ماتكلش أونطة!
ازدرد ريقه، وحاول الكلام؛ لكن "حُسني" واصل على نفس المنوال الغاضب:
-وبقولهالك من تاني، أنا يا فيها لا أخفيها.
تلعثم وهو يجاهد لصد تهديداته:
-أنـ..ا .. مكونـ..تش آ...
سئم صهره من لجلجته المستفزة، وهدر به بوقاحةٍ فجة:
-متعمليش فيها بتموت، والروح بتطلع، وإنت جن مصور!
صوته المرتفع جذب الأنظار إليهما، واستمرار "حُسني" على نفس الوتيرة الحانقة جعل الفضول يشيع بين المتواجدين لمعرفة تفاصيل الخلاف العميق بينهما. بمجرد أن لاحظ "تميم" توتر الأجواء، ترك ما في يده، ودنا من هذا الغريب يسأله في لهجةٍ غير متساهلة:
-إنت مين يا جدع إنت؟
رمقه بنظرة احتقارية، ونعته بما بدا أقرب للسُبة:
-طرأنا، مايخصكش.
ما أسهل استثارة أعصابه بتلك الطريقة! اخشوشنت نبرة "تميم" وهو يرد بغضبٍ متصاعد في صدره، ويده تسبقه في جذبه من ياقته:
-ما تتكلم بأدب.
ضرب "حُسني" ذراعه ليتحرر من قبضته وهو يهتف في حقدٍ:
-إيدك يا شبح!
جاءت "فيروزة" هي الأخرى على إثر الأصوات المحتدمة، وتساءلت في قلقٍ، ونظراتها تجول على كافة الوجوه المشحونة بالحنق والغضب:
-في إيه يا جماعة؟
لم يحبذ "حُسني" تدخل الآخرين في شئونه، فحدجها بنظرة ازدرائية قبل أن يزجرها قائلاً وهو يشير بكفه نحو "خليل":
-محدش ليه فيه، احنا نسايب في قلب، وبنصفي الحساب اللي بينا.
رددت في ذهولٍ لا يخلو من الصدمة:
-نسايب!!
استغرقها الأمر بضعة لحظاتٍ لتجد الصلة التي تجمع بين الاثنين، حملقت فيه بنظراتٍ قوية، بينما تلفت "حُسني" حوله كأنما يفتش عن أحدهم قبل أن يتساءل بصوتٍ جعله أجشًا:
-وفين البت "رقية"؟
ثم نادى عاليًا ليزيد من جذب الانتباه إليه وهو يتجول في الأرجاء:
-بت يا "رقية"، إنتي فين يا بت؟ تعالي لخالك!
أتت الصغيرة على صوته المألوف بعد تكرار ندائه، وفزعت عند رؤيته، تجمدت لوهلةٍ في مكانها، مستعيدة في ذهنها تقريعه البدني المؤذي لها حينما كانت تخطئ في أمر بسيط، التصقت لا إراديًا بساق ابنة عمتها، وشفتاها تتحركان لتنطق برعشة ظاهرة عليها:
-خالو.
وقعت أنظاره عليها، فأشار لها بيده لتقترب منه وهو يأمرها:
-تعالي يا بت.
أخفت وجهها عنه، وتشبثت بساق "فيروزة"، فلفت كلتا ذراعيها حولها، كأنما تستنجد بها دون أن تنطق. اغتاظ خالها من عدم تجاوبها مع أمره، وهمَّ بالانقضاض عليها لجذبها عنوة؛ لكن اعترض "تميم" طريقه بجسده ليقضي على أي فرصة للاقتراب من إحداهما، وهدر بها في تشنجٍ:
-مكانك، هي سايبة؟!
نظر له شزرًا قبل أن يعلق في لهجةٍ متهكمة تدعو لشحذ قوى الغضب ضده:
-قول للقُطة دي تركن على جنب، وتسيب البت، بدل ما تجيب لنفسها التهزيق!
لم يتحمل "تميم" سماع مثل تلك الإهانات اللاذعة الموجهة لنصفه الآخر، لم يشعر بنفسه وهو يندفع لا إراديًا نحوه لينقض عليه، جاذبًا إياه بقبضتيه من ياقته في قساوةٍ متضاعفة وهو يهتف به بعنفٍ:
-إنت اتجننت؟
حدق فيه "حُسني" مشدوهًا من حركته المباغتة، بينما تابع "تميم" تهديده الصارخ له وهو مستمرٌ في جذبه من عنقه:
-إياك تغلط فيها لشقك.
خشيت "فيروزة" من تصاعد الأمور، وتطورها للأسوأ، فاندفعت تناديه في خوفٍ غير مصطنع:
-"تميم"!
رغم الخفقة التي عصفت بقلبه لسماعه اسمه مجردًا من على شفتيها، إلا أنه ظل ثابتًا على وضعه العنيف المهدد بإحراق الأرض ومن عليها، تابع دفعه بعيدًا عن الأعين المراقبة لهذا الشجار الوشيك، حتى وصل به إلى بقعة غير مزدحمة، وتبعتهما "فيروزة"، والصغيرة، وأبيها؛ لكنها توقفت عند مسافة آمنة، لتنأى بابنة خالها من أي خطرٍ في حال تعقد الأمور.
....................................................
رأت "آمنة" ما يحدث من على بعدٍ، وقلبها يدق في توجسٍ، حاولت إلهاء الموجودين عن الشغب الدائر في محيط باحة المنزل، وطلبت من مشغل الموسيقى رفع الصوت للتغطية على بوادر الشجار الملحوظ، وما إن تأكدت من ابتعاد "تميم" ومن معه عن أعين الضيوف حتى هرولت في اتجاهه، وهي تتساءل بجزعٍ، وعيناها مسلطتان على الغريب:
-صلوا على النبي يا جماعة، في إيه بس؟
كأنه لم يسمع شيئًا منها، ظلت يداه قابضتان على "حُسني" وهو يحذره بلهجةٍ غير متسامحة:
-كلامك معايا أنا، ولم لسانك بدل ما أطربأها على دماغك.
رد الأخير هازئًا منه:
-لأ كده خوفت.
أطبق "تميم" بقبضته على ياقته أكثر، واستخدم ساعده في وضعه على عنق ذلك المستفز، قاصدًا الضغط على مجرى تنفسه وهو يهدده من بين أسنانه:
-إنت عاوز تعمل نمرة على الكل؟ هات آخر الحوار.
جاوبه دون مراوغة بنبرة غير مريحة، وهو ينظر في اتجاه الصغيرة:
-عاوز بنت أختي.
هنا تضاعفت رجفة "رقية"، وبدأت في البكاء خوفًا منه وهي تتوسلها:
-مش عاوزة أروح معاه.
ارتابت "فيروزة" من رهبتها منه، وامتلأ رأسها بالشكوك والهواجس، ومع هذا طمأنتها بقولها:
-متخافيش يا حبيبتي، إنتي هتفضلي معايا
أتاه تعليق "تميم" حاسمًا للأمر، وقد أخفض ذراعه الآخر نحو ياقته ليمسك به جيدًا؛ لئلا يفلت منه:
-مافيش بنات، حِس أبوها في الدنيا.
قال في سخريةٍ فجة، ونظراته تتحول ناحية "خليل":
-أبوها، الوقيع ده؟
هزه "تميم" في عنفٍ وهو يخبره بنفس اللهجة المليئة بالتهديد:
-الوقيع ده أنا ممكن أجيبك تحت رجله في ثانية، تستسمحه يرحمك من اللي هيتعمل فيك مني.
حاول "حُسني" الضحك للاستخفاف به؛ لكن خرجت ضحكاته متقطعة، ثم استطرد قائلاً بعدها بطريقته المتهكمة:
-إيه يا عم الشبحنة دي كلها؟ ماتخشش بصدرك أوي كده.
لم يعد بمقدوره ضبط أعصابه أكثر من ذلك أمام استفزازه الناري الحاقد، لذا مد "تميم" قدمه ليعرقله من ساقه، ثم طرحه أرضًا على ظهره، وكور قبضته استعدادًا للكمه بشراسةٍ .. أوشك بالفعل على تلقينه درسًا قاسيًا، لولا أن جاء والده، وتدخل في اللحظة الأخيرة ليأمره بلهجةٍ لا تُرد:
-"تميم"، لم الليلة، مش وقته!
اعترض عليه وهو لا يزال جاثيًا فوقه:
-يا حاج ده جاي يقل من الموجودين، مش عامل اعتبار لحد.
أتاه رده حازمًا وحاسمًا:
-حاسبه بعدين، مش قصاد الغُرب.
لم يرد أمره، ونهض عنه قائلاً في طاعةٍ:
-ماشي الكلام يابا.
لكنه لم يترك هذا المقيت في مكانه، بل جذبه بغيظٍ من رقدته المهينة، ثم دفعه دفعًا نحو الخارج ليطرده وهو يقول في نبرة حمئة:
-يالا من هنا.
نفض "حُسني" ذراعه عنه، وهتف به في غلٍ:
-ماتزوءش!
هدده "تميم" مجددًا وهو مستمرٌ في إبعاده عن المكان:
-أخرج بأدبك بدل ما أسحلك.
رفع الأخير سبابته مهددًا بغير خوفٍ:
-ماشي، أنا طالع المرادي يا فتوة المنطقة، بس حقي مش هاسيبه، وهاخده بالقانون.
بقيت أنظار "تميم" عليه وهو يدمدم بكلماته الغاضبة المتوعدة أثناء خروجه من باحة البيت، ظل واقفًا في مكانه حتى تأكد من ذهابه نهائيًا، حينئذ استدار عائدًا إلى حيث تقف "فيروزة" مع أبيه، وخالها، والصغيرة "رقية"، وأيضًا والدتها. سمع الأخيرة تردد بما يشبه الولولة وهي تلطم على صدغيها برفقٍ:
-يادي الفضايح، احنا كنا ناقصين، الناس هتقول إيه دلوقتي؟
رد عليها "بدير" بصوتٍ هادئ:
-محصلش حاجة، اهدي يا حاجة.
وجهت "آمنة" كلامها إلى شقيقها تسأله بنبرة لائمة:
-مين ده يا "خليل"؟
نظر إليها نظرة العاجز الخائف من افتضاح أمره، لم تملك من الصبر أدنى ذرة، لهذا كررت سؤالها عليه بإلحاحٍ حانق:
-إنت ما بتردش ليه؟ ده مين؟
أحس بالوهن يسري في جسده، فلم يعد قادرًا على تحريك مقعده، دارت عيناه اللاتين غلفهما سحابة من الضباب على من حوله متسائلاً في ضعفٍ:
-فـ..ين "رقـ..ية"؟
أظهرتها "فيروزة" له بعد أن كانت تختبئ خلفها وهي تخبره:
-معايا يا خالي.
أشار ناحيتها قائلاً بصوتٍ مختنق:
-هاتيها.
اندهشت "فيروزة" من الحالة الغريبة التي سادت على ملامحه، وانعكست على أطرافه، تركت الصغيرة تركض ناحيته، لتجلس في حجره، فضمها إليه بكل قوته؛ كأنما يخشى فقدانها، شتت نظراتها الحائرة عنهما لتتطلع إلى والدتها التي استمرت في نواحها:
-شايفة العكننة؟
أطلقت زفرة سريعة، وقالت بوجومٍ:
-خلاص يا ماما، محصلش حاجة.
ظلت تشكو في تحسرٍ:
-الناس تقول علينا إيه دلوقتي؟ الموضوع مش هيعدي كده على خير من غير ما الناس تتكلم.
تلقائيًا تحركت أنظار "فيروزة" مع "تميم" الذي انفرد بوالده بعيدًا عنهم، ثم انتبهت لوالدتها، وعلقت بجديةٍ:
-وارد يحصل في أي بيت مشاكل، ده العادي، محدش ضامن الظروف.
في تلك اللحظة انضمت "همسة" إليهما، والفضول مستبدٌ بها، دارت بعينيها في الأرجاء وهي تتساءل
-في إيه يا جماعة؟ الجو مكهرب ليه؟
ردت عليه "فيروزة" باقتضابٍ عابس:
-بعدين يا "همسة".
لم تجادلها توأمتها كثيرًا، وانسحبت في خفةٍ لتعود إلى زوجها ورضيعها، بينما انشغلت "فيروزة" بالنظر إلى "تميم"، أصبحت لا ترى سواه في تلك اللحظة، ثبتت نظراتها عليه، وراحت تفكر فيه بشكلٍ كبير، تبدلت الكثير من الأمور عنه، بعد أن شاهدت بأم عينيها استبساله في الزود عن الضعيف باستماتة، لامت نفسها لأنها كانت تظن في وقت من الأوقات أنه يفعل ذلك لاسترضائها، واستثارة إعجابها؛ لكن على العكس كان مقدامًا مع من يحتاج إلى دعمه بلا شروط .. وقتئذ أدركت أنها كانت حمقاء لعدم اكتشافها مبكرًا هذا الجانب الرجولي الشهم منه، امتلأت نظراتها نحوه بالاعتزاز والزهو، وأخذت تخاطب نفسها في عتابٍ تشوبه ابتسامة صغيرة ساخرة:
-ليه حق يضايق مني عشان غباوتي ...................................... !!
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا