مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية صعيدية جديدة للكاتبة المتألقة والمبدعة قسمة الشبينى التي سبق أن قدمنا لها العديد من القصص والروايات الجميلة علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل العاشر من رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى.
رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى - الفصل العاشر
اقرأ أيضا: روايات رومانسية عربية كاملة
رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى - الفصل العاشر
قدمت بسمة أكواب الشاى للجميع عدا رنوة التى أصر زوجها على تناولها الحليب ورغم تذمرها قبلت تحكمه الممتع .
جلست بسمة بجوار زوجها وهى تضع الكوب بين أنامله ليبتسم بود ،للراحة البادية عليها بعد ليلة أمس العصيبة.. علا رنين هاتفه ليتأفف ويلتقطه مجيبا : السلام عليكم ، كيفك يا واد عمى ؟
ارتجف كفه لتضمه بكفيها بقلق وهو يتساءل بإهتزاز واضح : ميتة الحكاية دى ؟؟
انتفض واقفا : طيب چاى اهه .. وهشيع سليم دار ابو العز .. الحچ زيدان ممكن يروح فيها .. ايوه جسموا نفسيكم ..
أنهى الاتصال لينظر لوالده : ولد دياب ووولاد عفاف التنين وواد يزيد ابو العز وجعوا فى الرياح ودياب رمى روحه وراهم ..
انتفض الجميع لتقول بسمة : حورية انت حركتك صعب خلى الولاد معاكى وانا وماما هنروح بيت ابو العز مع سليم .. ساعدى ماما على ما البس .
لحظات وكان الجميع يتحرك بصخب يزيد التوتر هربا من المخاوف التى تنهش صدورهم بألم ساحق .
****
أوقف سويلم السيارة ليقفز رفيع متجاوزا المسافات ، كانت عفاف تحتضن ابنتها الفاقدة وعيها بأحد ذراعيها وتلطم وجهها بالأزهر بينما ابنها زيدان يستلقى أرضا بعجز بين ذراعي والده الذى وصل للتو ليفقده المشهد القدرة على التفكير السليم .
دياب يحاول ربط ذراع صهيب الذى ينزف بغزارة بينما ابن يزيد يبدو الأفضل حالا رغم التقيؤ والسعال إلا أنه لم يفقد وعيه .
توقفت سيارة مصطفى الذى ركض بنفس الاتجاه ليصرخ رفيع : انتو جاعدين ليه ؟؟ هموا الولد هيروحوا منيكم .
كانت عفاف فى صدمة تحول دون الاستجابة ليسرع سويلم بحمل الفتاة فتتبعها بلا تفكير . اتجه مصطفى نحو دياب : جوم يا واد عمى الولد دمه بيتصفى .
حمل رفيع زيدان الأصغر وتولى هاشم أمر ولده مع توقف سيارة هيبة والذى يقودها بنفسه على غير عادته مؤخرا .
دقائق وكانت الساحة خالية تماما بعد أن ضجت بالصراخ وبمن يصرخون لتتحول إلى صمت الموت .
****
أوقف سليم سيارته مع صراخ حسين : فين الإسعاف ؟؟
هرولت بسمة للداخل ورنوة تجاهد لتجاريها ؛ كانت دينا فاقدة للوعي بين ذراعي أبيها بينما يزيد يضم آيات ومن الواضح فقدانه للتركيز تماما وإحدى الخادمات تحاول دثر الجزء السفلى من بدن آيات .
جثت بسمة بجوار آيات النازفة من عدة جروح لتهمس مخاطبة يزيد : ماتقلقش إن شاء الله الجروح سطحية .
نظر لها بتيه واضح لتتحدث رنوة : رفيع كلمنا والولاد بخير الحمدلله دياب طلعهم من الرياح .
نظر لها يزيد وقد شعر بطنين يصيبه بالدوار مع إندفاع صغيريه عمار ويوسف الذى يصرخ بفزع : زيدان غرق فى الرياح .
نظر نحو صغيريه وفزعهما يسرى رجفة مؤلمة بصدره يشعر أنها خرجت من أضلعه ليرجف لها بدنه كاملا .. تشوش يجاهد للفرار منه .
يريد أن يحملها ويمدها بدمائه لتفتح عينيها ..
يريد أن يضم صغيريه الفزعين ويبثهما بعض السكينة ..
يريد أن يطير لولده الذى يرفض عقله تصديق ما يصرخ به أخاه .
يريد ويريد ويريد
لكنه عاجز تماما يشعر بهوة مفترسة تطحن وعيه وحياته .
صمت خيم لا يتخلله سوى صرخات الصغير الفزعة لتجثو رنوة تضم فزعه وقبل أن تنفى مخاوفه كان صوت الارتطام الأخير مع صرخة وانتفاضة قوية من بسمة لسقوط يزيد الذى أصيب بتشنجات مريبة لتصرخ بفزع : حد يساعدني ممكن يبلع لسانه .
وضع حسين ابنته أرضا وهرع نحو ولده الذى ينتفض بدنه كذبيح يسلم الروح .
شهقات متألمة وصرخات فزعة استدعت دخول سليم ولبيب الواقفين بالخارج اسرعا للمساعدة فالتحكم فى النتفاضاته شديد الصعوبة .
بالكاد سكن لتنظر لهم بسمة بإجهاد : ماينفعش نستنى الاسعاف لازم نطلع على المركز .
****************
ضمها محمد مقبلا رأسها عدة قبلات متتالية ، اغمض عينيه بإرتياح واسترخاء ممتع لتتحدث وفية : انت احلى حاجة فى حياتى يا محمد .. انت مش مقصر فى حقى انا راضية .. راضية رغم أنى بتوجع من بعدك .. راضية رغم أنى بموت من الغيرة .. راضية لأن انت بتحاول تبعد عني كل ده .. صحيح أوقات الوجع بيكون اكبر من محاولتك .. لكن كفاية أنك بتحاول علشانى ..
تنهد بضيق : انت مش فاهمة حاجة يا وفية .. انا ماظلمتش فى حياتى حد زى ما ظلمتك .. كنت أنانى معاكى اوى .
ضحكت بألم : أنانى ؟؟ أنانى وانت عايش مع واحدة نص ست ؟؟ امته كنت أنانى ؟؟ وانا حامل ؟؟ بعد ما ولدت ؟؟ بعد وفاة بابا ؟؟ فكرنى كده امته كنت أنانى ..
تنهدت بنفس الألم : محمد بلاش تشيل نفسك فوق طاقتها .. انت لو بتشوف نفسك زى ما بشوفك !!!
أغمضت عينيها بخمول مكتفية من الحديث الذى أصبح زوجها يكرره مؤخرا شاعرا بتأنيب الضمير الذى لا أساس له . هى لا تريد أن تتحدث ولا تريده أن يتحدث ، تريد أن تتشبع من هذا الدفء الذى أصبحت تشتاقه كثيرا . تريد أن تسكن لهذه الأضلع التى تعشق السكون إليها تريد أن تحصل على نصيبها منه موفورا كما اعتادت .
*************
وصلت السيارات للمشفى تباعا ليتم إعلان حالة الطوارئ لتعدد المصابين .
وقف دياب وقد تفرق الصغار بالغرف أملا فى الإنقاذ ، لازالت ملابسه يقطر منها الماء وتلطخها الدماء لكن مظهره هو آخر ما قد يفكر فيه.
اقترب منه رفيع ليربت فوق كتفه مشجعا : اجمد يا دياب .. انى خابر إن المصيبة شديدة لكن انت كدها .
نظر له دياب بتيه واضح ليتابع : ماينفعش تجع انت كمانى .
تساءل دياب : تجصد إيه يا عمى ؟؟ مين اللي وجع ؟؟
تنهد رفيع : يزيد ومرته
صمت لحظة ملتقطا أنفاسه : ومرتك .. والعربيات چاية بيهم فى الطريج .
ارتعد قلبه حرفيا لكنه لم يهتز ، حاول إظهار السيطرة الكاملة وهو يتقدم نحو الخارج منتظرا وصول من تبقى من مصابيه .
****
جلست عفاف تبكى بعد أن انتزع منها صغيريها معا ، تنهد رفيع واتجه نحوها فزوجها أيضا فى حالة من عدم الاتزان . جلس بجوارها هامسا : وحدى الله يا بتى .. ربنا هينچيهم برحمته .
نظرت نحوه وتابعت بكاءها : كل اللى چرى غلطتى يا عمى .. هاشم جالى ماتروحيش لحالك بالولد وانى ركبت راسى ..
ضمها بحنو : بزيداكى يا بتى .. ماتلوميش روحك .. مكتوب يا عفاف مكتوب واستغفرى يا بتى ماينفعش تلطمى مهما يحصل . انت متعلمة وفاهمة إن اللطم من أفعال الچاهلية .. استغفرى يا بتى استغفرى
رددت عفاف الاستغفار شاعرة بالتقصير تجاه ربها لهذه الفعلة التى لم تكن يوما من شيمها .
***************
وصلت زينة بصحبة تاج المتعجل للحاق بالصلاة بصحبة والده لذا تركها بصحبة الصغيرين أمام باب المنزل وغادر مسرعا لتتأفف وتتذمر لفعلته .
صعد معتز ركضا ليعلن عن وصولهم ولحقت به بهدوء .
دخلت من الباب لتجد ابنة خالها أمامها مباشرة فيتهلل وجهها وتنسى أمر تاج وأمر تركه لها وتتوجه نحوها مباشرة : سيلى .. انت وحشانى جدا .
نهضت سيلين تستقبلها لتتساءل فورا : مالك انت عيانة ؟؟
نفت سيلين وهى تضمها بود : لا ابدا شوية إرهاق .
انحنت تقبل الصغيرة : كويس انك جيتى يا روفى بيلعبوا ب رؤى من ساعة ما جيت .
ضمت زينة صغيرتها : لا ياختى هو انا لقياها ؟؟ ده عيال مفترسة
جلست سيلين تلبى نداء بدنها المنهك كليا : يا بنتى فكيها على العيال شوية .. دول اطفال ولازم يتحركوا ويلعبوا
اختفى معتز بينما اقبلت رحمة : كويس انك جيتى يا زينة يلا نفطر الولاد ونفطر معاهم
دقائق والتف الجميع حول طاولة الطعام ، كانت سيلين شاردة واجمة تتناول لقيمات تحت ضغط رحمة التى طلبت منها الحصول على قسط من الراحة بعد تناول الطعام وترك الصغيرة برعايتها .
استجابت سيلين لرغبة رحمة التى وافقت نفس الرغبة لديها فهى تشعر أنها على وشك فقدان الوعى من شدة الإجهاد النفسي والبدنى .
*************
وقف بالباب حتى رأى سيارة ابن عمه تقترب ، أشار للمسعفين المنتظرين حسب طلبه ليستعد الجميع .
ترجلت بسمة عن السيارة لتشير له : عربية لبيب يا دياب
توجه حسب إشارتها ليحمل زوجته ويسرع الجميع للمساعدة .
***
جلس رفيع نائيا بنفسه عن الجميع فقد وصل أخيه وتولى أمر انهيار ابنته .
تلك الشدائد التى تلم بهم دفعة واحدة منهكة للغاية . تساءل عن حال رجل بعمر الحاج زيدان فى مصيبة كتلك وهو مهدد بفقدان الجميع .
صوت العجلات فى المشفى مألوف للجميع فأغلب المرضى يتحرك بمقاعد أو أفرشة مدولبة لكنه رفع رأسه مع صوت الحاج زيدان نفسه : الولد أخبارهم إيه يا رفيع ؟
انتفض واقفا ليجد الرجل أمامه يدفعه ابنه ليتساءل عن سر قوتهما معا ، هما مهددان بفقد لا يحتمل ورغم ذلك ها هما يقفان أمامه بشموخ .
أشار نحو الغرف المغلقة : الحكيم طمنى .. جال البنية شاربة ميه كتير بس لحجوها .. وصهيب چرحه واعر بس حالته زينة وزيدان واد هاشم فاج الحمدلله وولد يزيد كان فايج من الاول .
تنفس الرجل بهدوء : والبنية مافاجت ؟؟
تنحنح رفيع : جال ساعتين تلاتة وتفوج .. يزيد كيفه ؟
تساءل بترقب ليرى تراجع القوة بالأعين على الأقل والصوت المرتعش لحسين يجيب : لسه ماخابرينش چرى له إيه .
تحرك ثلاثتهم بالاتجاه الاخر لتفقد الأوضاع التى تزداد سوءا .
*************
وقف دياب بالباب الذى يفصل بينهما يجاوره سويلم والبعض بينما حضرت بسمة توقيع الكشف الذى طال لوقت ضاق به صدره .
هذا سبب بكائها صباحا ، شعر قلبها بالاحداث السيئة القادمة ، ليست دينا ممكن يبكيه تلك الترهات التى تحدثت عنها صباحاً رغم أنها ليست بالأمر الهين .
لقد اتخذت من تلك الملابس ذريعة لتفريغ شحنة القلق التى لم تكن تعلم سببها حتما .
فتح باب الغرفة وخرجت الطبيبة مع وصول حسين لتقول : ماتقلقوش هى فاقت خلاص .
اقترب منها دياب بلهفة : إيه اللى چرى لها ؟؟
أشارت نحو الغرفة : ولا حاجة صدمة زى ما عرفت من المدام مع وضعها طبيعى تعمل إغماء وهبوط .
وضعها ؟؟
ردد هو وحسين بنفس التساؤل لتتابع : انتو مش عارفين إنها حامل ؟؟
اتسعت عينيه بصدمة واضحة : حامل ؟؟
تجاوزها للداخل فورا بينما اغمض حسين عينيه وهو عاجز تماما عن الشعور بالسعادة لأجل صغيرته ، جذب مقعد أبيه وعاد أدراجه نحو الغرفة التى يرقد بها يزيد فيبدو الوضع هنا مستقر ودياب رغم أنه يتوتر لحملها ويصيب الجميع بالتوتر إلا أنه سيهتم بالأمر .
*****
ضاق صدره دون أن يدرك ما يحدث معه ، يشعر أن شخصا ما يجثم فوق صدره ليزهق أنفاسه .
يريد أن ينهض .. أن يركض .. أن يحصل مع ولده على الفرصة التى خسرها مع أخيه .
لكنه مقيد .. عاجز لسبب يجهله ..
هو لن يحتمل فقدان غريق اخر .
وهى !!
الدماء تغطى وجهها .. ملامحها تتشوش بعينيه
كانت هنا !!
بين ذراعيه !!
من تجرأ وانتزعها منه !!؟؟؟
ثارت أنفاسه. يريد أن يشعر بذلك الدفء
لن يخسرها .. لن تتركه ..
كانت تهدده فقط .. يعلم أنها تخيفه فقط ليزداد قربا منها .
لكنه لن يفعل ذلك لأنها رغبتها ..
بل سيفعله لأنه احتياجه ..
سيعترف بهذا الاحتياج ويعمل على تلبيته مهما كانت العوائق .
عاد التشوش لصورتها لتبتعد عن ناظريه .اسرع كفيه يحاولان التمسك بصورتها التى تتبخر فيصرخ قلبه اعتراضا .
لقد اختفت وهو عاجز عن اللحاق بها .
من تلك الواقفة هناك ؟؟
بدأت الصورة تتضح مرة أخرى ؛ همت !!
ما الذى تفعله بأحلامه ؟؟
هيا غادرى ألا يكفى ما حدث بالماضى لأجلك ؟؟.
صوت خطوات مهرولة تأتى من خلفه بينما ترتسم ابتسامة صافية على وجه همت قبل أن يتمكن من طردها خارج أحلامه .
سقطت كف فوق كتفه مع أنفاس لاهثة : انت لاجيت همت يا خوى ؟ الحمدلله كنت هموت من الخوف .
دار على عقبيه لتدور عينيه بلهفة وهو يراه أمامه ، ملابسه تلك يحفظها عن ظهر قلب .
وكيف لا يفعل وهو يحتفظ بها فى غرفة أخيه التى يرفض أن يسكنها غيره .
لكن تلك الملابس التى يحتفظ بها بالية مهترئة .. هو يراه الأن كما رآه مغادرا لأخر مرة فى ذلك اليوم الذى فقده فيه .
ابتسم زيدان متسائلا : مالك يا خوى ؟؟
جالت عينيه فوق القسمات التى افتقد الحياة فيها دون أن يفقدها : انت بخير يا زيدان ؟؟
ضحك زيدان : بخير يا خوى ماتخافش ..
نظرة متلهفة من أخيه ذكرته بتلك الواقفة بصمت : كنت بدور على همت ولجيتها معاك .
قطب جبينه برفض : معاى ؟؟
دار ينظر لها لتتحدث : أنا زعلانة منيك يا يزيد
إنها تتحدث بشكل طبيعى تماما !!
هذا وحده أربكه بشدة ليسهو عن معرفة سبب غضبها الذى تدعى وقبل أن يملك وقتا مد زيدان كفه ليلتقط كفها : بينا يا همت هنتأخر .
سارت همت لتتجاوزه بأعين حزينة لائمة ، ابتعدا خطوات لينادى بفزع : زيدان ماتهملنيش لحالى
التفت له زيدان : انا معاك يا خوى .. كلنا معاك .. بس انت اللى بدك تضل لحالك .. فتح عينك يا يزيد ..فتح وشوف زين
اتسعت ابتسامة زيدان مع تشوش ملامحه واهتزاز صورته الذى وصل للتراقص .
شهق يزيد ومد ذراعه لتلك الصورة الغالية والتى بدأت تتبخر : زيدان
صوت وكأنه يأتى من بئر سحيق يتردد برتابة : داوى مرضاك بالصدقات يا خوى .. الصدقات .
اغمض عينيه عدة مرات بإرتباك مع عودة الصورة ، هذا ليس أخيه !!
عاد يغمض عينيه ويعيد النظر ليشعر برجفة باردة ، اضواء حوله وأناس يتحركون وأحدهم يطل عليه مبتسما : حمد الله على السلامة .. ارتاح هتبقى كويس
اغمض عينيه ؛ يشعر بحاجة ماسة للراحة لكن هناك وخز بصدره يمنعه منها .
لحظات وعادت تلك الصورة تملأ أجفانه ، صورتها مخضبة بالدماء . عادت الثورة لأنفاسه مع تلك الكلمات التي تتردد ويزعم صاحبها أن ابنه غريقا .
انتفض جالسا ليفزع من حوله ، اسرع نحوه الطبيب : ارتاح من فضلك حالتك مش مستقرة .
وكأنه لم يستمع لما قيل وتحركت أنامله تنزع تلك الأسلاك التى تتصل ببدنه ثم يجمع على صدره شقى جلبابه بفوضاوية.
قفز عن الفراش ليفقد توازنه ، اسرع اثنين من الحضور يمسكان به لكنه دفعهما بعيدا وهو يترنح فى محاولة لاستعادة توازنه .
صاح الطبيب بحزم : حقنة مهدئة بسرعة .
وقبل أن تلبى الممرضة أمره كان يزيد ينظر لها محذرا وتجول عينيه بينهم بجنون مخيف : اللى هيوجفنى هجتله .
****
وقف حسين يسند رأسه الذى انهكته المصائب للجدار فى انتظار خبر عن ولده ، لم يتوقف لسان زيدان عن الهمس دون أن يدرك أحد ما يهمس به .
وقف رفيع ينظر أرضا طيلة الوقت وقد عجز عن إيجاد أية كلمات يمكنه بها تخفيف وقع ما حدث .
وهل يملك أى إنسان أن يفعل ؟؟؟
ارتبك الجميع مع صوت الجلبة الصادرة عن الغرفة ، شخصت الأبصار نحو الباب لكن آخر ما توقعه أحدهم خروج يزيد عبره بتلك الهيئة وهذا التوقيت .
تلقفه والده بفزع ليحيطهما رفيع خشية سقوطهما .
ليس بكامل اتزانه وهذا واضح . ارتكزت عينيه على جده وقال : انا شوفت زيدان .. آيات بتنزف .. همت !! ولدى .. ولدى
زيدان .. زيدان ..
خارت قواه مجددا ليكاد يسقط أبيه أرضا لولا تمسك رفيع بكليهما معا قائلا : ماتخافش يا ولدى كلهم بخير .
جاء صوت الحاج زيدان حازما : اجف على حيلك يا ولد ..
حاول التماسك ليأتى الطبيب من الخالف : لازم يرتاح .. كده خطر عليه .
وقبل أن يصل بمحقنه لذراعه صاح الحاج زيدان مجددا : لاه .
نظر له الجميع ليتابع بنفس الحزم : هو زين يا دكتور .. خد ولدك يا حسين يشوف مرته وولده .. وانت يا رفيع روحنى دارى .
حاول الطبيب الاعتراض : يا جماعة كده ممكن ينهار تانى .
لكن كلماته لم تجد مسامع لديهم حيث دفع رفيع مقعد زيدان بينما سار يزيد بمساعدة أبيه فى الاتجاه المعاكس .
نظر لهم الطبيب بتأفف : حتى المرض فيه مقاوحة !! انا تعبت من الناس دى .
******************
نظر خالد نحو هاتفه الذى يهتز لورود اتصال ، لقد عاد من الصلاة للتو ويريد متابعة العمل .. وحدته بالمكان تشعره بإرتياح ورغبة فى المتابعة والعمل ، أو الهرب لن يفكر فى ذلك سيكتفى بالعمل .
سكن الهاتف ليزيح عينيه نحو الجهاز الذى يراقبه لكن ذلك الطنين الصادر عن اهتزاز هاتفه مجددا دفعه للتذمر وتلبية الإتصال .
رفع الهاتف مجيبا ومتعجبا المتصل : ايوه يا تاج إيه فكرك بيا ؟
ضحك تاج : السلام عليكم يا عم خالد بالراحة شوية .
لم تتغير تعابير وجهه : عليكم السلام يا تاج .. معلش اصلى فى المعمل .
اختفى المرح من صوت تاج وهو يقول : يبقى سيب المعمل دلوقتى يا خالد وروح عند عمى محمد .. هو هيستناك فى البيت .
تعجب خالد : عمى محمد !! عاوزنى ليه ؟؟
حمحم تاج بحرج : انت تعرف مراتك فين دلوقتي ؟
اجاب بتلقائية : فى البيت هتروح فين؟؟
جاءه رد تاج : لا هى عند عمى محمد .
اجتاحه غضب احرق صدره فى طرفة عين ، ما الذى تحاول فعله ؟
هل فقدت عقلها كلية لتترك المنزل لمنزل عمتها غاضبة منه ؟؟
أنهى الإتصال واسرع يغادر ليرى ما الذى سيحدث أسوأ مما حدث .
سؤال واحد يأبى إلا التردد برأسه ؛ كيف وصلا لهذه النقطة ؟؟؟
****************
قاد مازن سيارته بتمهل ، الضغط المرورى فى هذه المنطقة يفقد العقل ، التقط نظرة نحو أمه الجالسة بجواره ، لقد أصرت على صحبته بشكل مريب ، ترى ما الذي تفكر به ؟
ألازالت تغار من وجود چودى بالقرب ؟؟
توقفت السيارة مجدداً لينظر نحوها : هتتعبى يا ماما .. ماكانش لازم تيجى معايا .
كانت تنظر خارجا لتجيب دون النظر نحوه : مش تعبانة يا مازن
تقدم قليلا وعاد يتساءل : ماما انت لسه بتغيرى على بابا ؟؟
نظرت نحوه وقد اكتست ملامحها بحدة غريبة عليها : طبعا بغير عليه .. يا مازن صحيح ابوك عمره ما يفكر فى غيرى لكن غيرى اكيد بيفكروا فيه ..
عادت تنظر للامام : الفكرة لوحدها مرهقة
تساءل بخبث : بس علفكرة ممكن غيرك ماتكونش بتفكر فيه وانت فاهمة غلط .
ابتسمت حياة وقد وصل لها ما يفكر به مازن ، استرخت ملامحها ونظرت إليه مجددا : انا مش بغير من چودى .
اندهش مازن لصراحة أمه لتتابع : محمود زمان ماحبش چودى .. محمود حب صورة منها مش حقيقية .. صورة هو خلقها وحبها ..
تبدلت ملامحها لتتابع : انا بغير من الصورة دى .. مش من الإنسانة نفسها .
نظر مازن للطريق يحاول أن يخفى تلك الابتسامة التى تجاهد لتحتل شفتيه ، لقد تجاهلت أمه اسمها فى النهاية متعمدة .. أمه تغار بشدة .. كم هو محظوظ أبيه بإمرأة مثلها !!
اخيرا انتهى عناء الطريق ليصف السيارة بسهولة ويصعد وأمه إلى تلك الشقة الصغيرة التى تسكنها رنا .
فتحت چودى الباب مرحبة بهما فزوجها قد غادر لشراء بعض الأغراض ، شعر مازن بالارتياح لصحبة أمه له .
الشقة صغيرة وغرفة النوم يفتح بابها مباشرة على ردهة مربعة الشكل صغيرة تضم عدة مقاعد لا بأس بحالتها .
ارتفعت اعين مازن بتلقائية نحو الفراش الذى تجلس فوقه رنا تحمل صغيرتها ليشعر بالغضب وينظر نحو چودى : عمتو تبقى تقفلى باب أوضة النوم قبل ما تفتحى باب الشقة
ارتبكت چودى : والله يا مازن معاك حق .. بس مش متعودة على الشقق الصغيرة دى .
اتجهت چودى وحياة للداخل ووقف هو بالباب لتتساءل رنا بحدة : إيه اللى حضرتك جايبه ده يا استاذ مازن ؟؟ علفكرة انا مش محتاجة اى حاجة .
نظر بدهشة لملامحها الحادة وأسلوبها الغليظ لتتحدث أمه : حبيبتي محدش فكر إنك محتاجة حاجة .. بس انت ولدت فجأة اللى جبناه ده الواجب مش اكتر
شعرت رنا بالحرج ونظرت ل حياة بأسف : شكرا لحضرتك ولذوقك فعلا شبه عمو محمود .. نفس الروح الجميلة .
ابتسمت حياة بسعادة حقيقية وأدها صوت چودى : محمود مالوش زى صراحة عمرى ما قابلت راجل فى حنيته .. ده كان حنين علينا اكتر من بابا الله يرحمه .. يعنى ماما كانت بتقول بابا مدلع رونى بس الحقيقة محمود كان مدلعها اكتر .. ولا هى ومحمد كانوا عاملين زى الديوك مايبطلوش خناق ابدا رغم إن محمد كان ماشى وراها يتخانق علشان المعاكسات
تنهدت بإشتياق : كانت ايام جميلة جدا .. اخدتنا الدنيا خلاص .. انا دلوقتي حتى رونى اختى بشوفها كل كام شهر ..
لم تلحظ چودى نفيها التشابه بين محمود وحياة بينما ركزت الأخيرة تفكيرها على نفس النقطة وسرعان ما أدركت أن چودى تشعر فقط بالحنين لذكرياتها الجميلة لقد كانت حياتها مرتكزة على هؤلاء الأشخاص .
اقترب مازن ممازخا : بسيطة اخد حضرتك ونروح نصيف فى سوهاج عند عمتو رونى.
زاد قربه ليلتقط الصغيرة عن ذراعى أمها التى لم تردعه نظراتها متابعا : وناخد القمر دى معانا ؟؟ انت هتسميها إيه ؟؟
تساءل مغيرا مجرى الحديث فى اتجاه مغاير تماما لتفهم رنا ما يحاول فعله وتضطر لمجاراته : فرح .
اتسعت ابتسامته : جميل اوى فرح صح يا ماما ؟؟
ابتسمت حياة بود وعادت تربت فوق كفها : ربنا يبارك فيها ويرزقك برها .
شعر مازن أن مهمته فى امتصاص التوتر وتهدئة التشاحن قد انتهت ليولى اهتمامه الكامل للصغيرة فتتحرك قدميه نحو الخارج دون تفكير وهو يداعبها ويردد اسمها عدة مرات متتالية .
نظرت چودى نحو حياة معتذرة : هسيبك يا حياة نص ساعة بس اخلص حاجات فى المطبخ واعملكم مغات من اللى مازن جايبه ده .
تساءلت رنا بتعجب : وعرفت منين يا طنط إنه جايب مغات .
ضحكت حياة وچودى التى قالت : ههههه حبيبتي بابا كان عطار عاوزانى مااعرفش المغات من غير افتح الكيس ازاى ؟؟
تابعت حياة : انا بقا بابا وجوزى الاتنين عطارين ههههه .
غادرت چودى لتبدأ حياة حديثا وديا لتعليم رنا أسس التعامل مع الصغيرة التى كان حضورها للحياة مفاجئا ليربك الجميع وأولهم أمها التى لا تعلم حتى الآن كيف ستتدبر أمورها لاحقا .
**************
جلس طايع وأسرته لتشير لهم نسمة من فوق صهوة فرسها بينما اسرع فارس يعدو نحوهم ، أمسك كف طايع : جدو ممكن انادى كابتن رؤوف تتعرف عليه ؟؟
ابتسم طايع بحنانه المعهود : انا چاى مخصوص اتعرف عليه .
اعترضت ليليان بتأفف : يعنى مش جاى علشانى !!
نظر للفتى بلوم : عاچيك إكده !!
ضحك الفتى وركض مجددا بينما نهض إياد : ماتيجى نتمشى يا خضر .
نهض خضر بلا تفكير فهو يلاحظ الضيق البادى على ملامح إياد والذى يبعد كل البعد عن أسس شخصيته الودودة : عن أذنك يا عمى .
ابتسم لهما طايع ليسيرا ببطء بينما عاد بإهتمامه لتلك الغاضبة التى لم تنضج على مر السنين وهو لم يعد يريدها أن تفعل .
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا