مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية صعيدية جديدة للكاتبة المتألقة والمبدعة قسمة الشبينى التي سبق أن قدمنا لها العديد من القصص والروايات الجميلة علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السابع من رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى.
رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى - الفصل السابع
اقرأ أيضا: روايات رومانسية عربية كاملة
رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى - الفصل السابع
استمع له طايع بصبر جميل حتى أفرغ كل المشاحنات التى تزعج صدره وتؤلمه ، لم يظن أن صغيره يعانى كل ذا .
حقا لمس تغيرا بتصرفاته وعاداته مؤخرا وارجعه لهذا السبب ، لكنه ظن أنه قادر على تحريك دفة عواطفه لتستقر سفينته الحائرة لينفى حديث إياد كل أفكاره ويخبره أنه لا زال يحتاج من يأخذ بيده فى هذا الطريق .
جاءه الواقع مخالفا لما توقع ، عليه أن يقدم له مزيدا من الدعم فصغيره فعلا يجهل قراءة مشاعره الخاصة .
يحتاج للوقت وهذا ما سيقدمه له .
ربت مجددا فوق خصلاته الناعمة وتحدث بهدوء : اوقات يا إياد مابنعرفش مشاعرنا .. أو بنغلط فى تحديدها
زالت بشاشة إياد ليتابع : يعنى ممكن الألفة والتعود نفكرهم حب .. ممكن الرغبة نفكرها حب .. ممكن الاحتياج للحب يخلينى نفكر نفسنا بنحب .. لكن كل ده مع الوقت بيختفى ونلاقى نفسنا واقفين فى وسط الطريق موجوعين .. موجوعين علشان مافهمناش نفسنا صح ..
تساءل إياد بحيرة : ازاى ؟؟ انااا حاسس كل اللى قولته .
أومأ طايع بتفهم : عارف إنك حاسس .. بس خلى بالك دى اول مرة تحس المشاعر دى .. وحط فى حسابك إن البنت دى هتكون شريكة حياتك .. طووول حياتك يا إياد .. هتتحمل منها كتير اوى وهيحصل مشاكل كتير اوى .. وعلشان تعدى لبر الأمان محتاج حب كبير اوى اوى .
ابتسم إياد بشرود : زيك انت وماما !!!
ضحك طايع مرغما : ههههه ايوه وزى ناس كتير .. انا مش بشكك فى مشاعرك بس عاوزك انت تتأكد منها .
نظر نحوه إياد بلوم : انت بتخوفنى ؟؟
قربه طايع من صدره فورا : لا يا حبيبي انا بوعيك علشان تفرق بين الصح الغلط .. بين الحب الحقيقي وبين الرغبة اللى بتلمع وتنطفى .. انا مش عاوزك تتوجع يا إياد .. انت يا حبيبي مش حمل وجع .
تنهد إياد بحيرة وتمسك بملابس أبيه بحاجة حقيقية للشعور بدعمه كاملا .. هو حقا يشعر بكل ذلك التخبط .. لكنه أيضا يخشى أن يخطئ التفسير كما أخبره أبيه .
أصبح مؤخرا يشعر بإنعدام الثقة وغياب الأمان عن صدره الذى طالما كان آمنا ..
فهل تعيد فيروز السكينة لقلبه ؟؟
هل تمنحه الثقة التى يحتاج ؟؟
هل تقدر كل ما يجيش بصدره من مخاوف وجنون يدور حولها حرفيا ؟؟
*************
سار محمود عبر أروقة المشفى بتؤده خوفا من إرهاق حياة التى أصبحت تداهمها نوبات الاختناق بشكل متكرر .
وصلا اخيرا ولم يكونا بحاجة للبحث ف مازن يجلس أمام الغرفة ينظر أرضا بصمت .
اقتربا لينهض فورا : جيتوا فى وقتكم عمتو چودى بتساعد رنا هتروح دلوقتى .
مد محمود ذراعيه بمودة حقيقة نحو الصغيرة التى عادت لصدر مازن المرحب بها ومتغاضيا تماما عن الحديث : ولد ولا بنت ؟؟
قدم له مازن الصغيرة التي لم تزل تتدثر بسترته : بنت .
رأى محمود عبر ولده صورة قديمة له ، ربما اهترأت من مرور السنوات لكنها هناك بأعماقه ، صورته هو ودنيا بين ذراعيه مع اختلاف كبير فى الأحداث إلا أن الصورتين برأيه متشابهتين كثيرا .
فتح الباب لتطل چودى فتبتسم : محمود واحشنى اوى .
ابتسم محمود لها ليتوغر صدر زوجته ويزيد ضيقها مع قوله : ازيك يا چودى اخبارك حبيبتي وحشانى جدا .
زادت بشاشتها : الحمدلله بخير
ثم نظرت نحو حياة ترحب بها لتلمس فتورا لمسه الجميع فتتغاضى عنه متسائلة : هو ساهر لسه ما رجعش ؟؟
اجاب مازن مجاريا إياها : لسه يا عمتو ..
حك انفه بحرج : انا اصلى اكيد ملخبط الدنيا فى البيانات .
ربتت فوق ذراعه : مش مشكلة كفاية وقفتك جمب رنا انا مش عارفة لولا وجودك كان جرى لها إيه !!
تدخلت حياة اخيرا برغبة خالصة فى نزع چودى بعيدا عن زوجها وابنها : چودى خلينا نطمن على رنا سوا .
رحبت چودى بالفكرة : طبعا يا حياة اتفضلى .
دخلتا واغلقتا الباب ليزفر مازن ناظرا نحو أبيه : ماما غيرانة يا بابا .
نظر له محمود مدعيا الإنكار ليتابع : بطل كلمة حبيبتى لكل الستات دى يا حج .. انا مش مسئول عن النتايج .
استغل شعور والده بالصدمة ليخطف الصغيرة : وهات القمر دى علشان هتوحشنى .
نظر له محمود ليضحك ويغادر رافعا هاتفه مستعلما عن مكان ساهر فقد يحتاج مساعدة .
**********
جلس مهران منتظرا أن تتم روان إعداد الطاولة بينما يساعدها خضر . وضعت الطبق الذى تحمله لتجلس وتنظر نحو خضر : هات السلطة بقا يا خضر أنا مش قادرة .
ابتسم خضر وعاد للمطبخ ليتحرك مهران ويجلس بالمقعد المجاور لها متسائلا : مالك يا بت عمى ؟؟ ماجدراش ليه ؟؟
مسدت ساقها لتجيب : ركبتى بتوجعنى اوى يا مهران .. خلاص عجزت بقا .
وضع خضر طبق السلطة مبتسما : عجزت إيه يا ماما ده انت زى القمر .
ابتسمت بينما قطب مهران جبينه مدعيا التركيز وسبابته تمسده كمن يستدعى ذكريات بعيدة دون أن يحيد بعينيه عنها ليقول : انى فاكر اخر مرة عچزتى فيها خلفتى الشحط ده .
تلفت خضر حوله بفزع بينما انطلقت ضحكات روان وهو يتحدث ببلاهة : إيه 🤔 !! مين 🤔 ؟؟ خلفت مين🤔 ؟؟
نظر نحوه مهران بحدة : هو فى شحط غيرك إهنه ؟
زادت صدمة خضر بمبالغة واضحة قبل أن يضيق عينيه مبادلا ابيه نظراته : هو انا بتطرق ولا إيه 🤔
زفر مهران بينما لم تتوقف ضحكات روان وهى تراقب مشاكساتهما التى لا تنتهى .
نهض خضر مع رنين جرس الباب : هشوف مين وارجع .. ممنوع الاقتراب يا حج .
وضع كفه مكمما المزيد من ضحكاتها التى تصدح بأوقات غير مناسبة بالمرة فيعجز عن حصد نصيبه منها .
اقترب برأسه منها هامسا : لو العچز بيحلى إكده عچزى كيف مابدا لك .
سمع صوت خضر ليرتد مبتعدا : اتفضل يا عمى .
تقدم طايع الذى يتبعه فيهب مهران : مرحب يا خوى .. چيت فى وجتك اجعد نتغدو سوا .
ضمه طايع بود : تسلم يا مهران اتغديت الحمدلله .. كنت جاى اقعد مع خضر شوية هستناه لما يتغدا .
اقترب خضر : لا يا عمى انا كنت منتظر زيارتك من بدرى .. اتفضل نتكلم فى اوضتى .. انا ماليش نفس من الأصل .
نظر له مهران بحدة : مالاكش نفس !!
نظر له خضر : ايوه ولولا عمى ماكنتش سبتك تقعد معاها لوحدكم .
ضحك طايع وروان وهو ينظر لها : هم لسه مفيش فايدة ؟؟
رفع كفه ليضرب مؤخرة رأس خضر الذى صرخ محتجا : فى إيه يا جدعان انا بغير على امى إيه مزعلكم ؟؟
دفعه طايع : تغير من ابوك يا قفل !! قدامى
تقدم خضر حتى ادخل عمه الغرفة وعاد نحو والديه محذرا : بابا بلاش شغل مراهقين تاكل وانت مؤدب .
انتفض مهران يلاحقه ليهرول إلى غرفته ويغلق الباب فورا .
وقف مهران ينظر لها وهى تكتم ضحكاتها بغيظ فهذا الفتى رغم مشاكسته له إلا أنه يحب حبه لأمه .
عاد يجلس بجوارها مشيرا للطعام : كلى احسن ولدك يجول انى مچوعك ولا حاچة 😠
اخفض نبرة صوته متابعا : وهمى لأچل اطمن على ركبتك .
نظرت له ليتراقص حاجبيه فى مشاغبة فتضحك هذه المرة دافنة ضحكتها بصدره فتلبى له رغبة لا تنقطع فى ضمها بهذا الدفء .
************
لم يعد خالد للمعمل بل احتمى بمكتبه من كل الضغوط التى تفسد أعصابه بشدة .
لم يشعر بهذا الضيق مطلقا ، كيف وصل لعقلها هذا التفسير المريب ؟؟
بل كيف وصل كلاهما لهذه النقطة ؟؟
سيلين !!!
أكان هو سبب هرم طفولتها ؟؟
أكان هو سبب موت ضحكاتها ؟؟
أكان هو سبب هذا التغيير ؟؟
ما الذى أقدم عليه ليصلا لهذه النقطة ؟؟
لطالما كان مراعيا محبا لها
هو لا يرى السبب الذي أوصلها لهذا .. هو حقا يشتاق لها كثيرا ، ويقصر فى حقوقها أيضا لكنه لم يكن مطلقا شهوانيا تقوده غرائزه فقط إليها .
أعاد رأسه للخلف وقد لاحت ذكرى ليلة زفافهما فى الأفق
طالما كانت تلك الذكرى مؤنس لياليه الطويلة البعيدة عنها .
ابتسم ولاح الحنين بين اجفانه وهو يرى صورة تلك الليلة ...
افسح لها المجال لتمر ، لقد تخلص اخيرا من الجميع وأصبحت معه بهذا القرب الذى عاش سنوات ينتظره ويتمناه .
تقدمت بخطوات مضطربة ليغلق الباب ويتبعها ليوقف تقدمها البطئ . شهقت بفزع : خالد خضتنى ..
اقترب منها بود : حقك عليا مش قصدى بس انت داخلة وشكلك نسيتينى من اولها .
أزاحت ذراعيه : مش هنصلى ؟؟
احاطها مجددا : هنصلى طبعا هقولك حاجة الأول بس ..
دفعته بحدة : لا نصلى الأول .
اتسعت ابتسامة خالد وهو يتذكر فور انتهائهما من الصلاة لينظر لها وقبل أن يقترب خطوة واحدة كانت ترفع المصحف : ليلة الجمعة نقرأ الكهف بقا .
عاد يجلس ويمسك المصحف مستدعيا ثباته : نقرأ الكهف .. حاضر .
كانت لها الصفحة الأخيرة وقبل أن يسحب المصحف تمسكت به : الملك .. نقرأ الملك قبل ما ننام ..
سحب المصحف منها مترفقا : مش هنام يا سيلى ..
انتفضت واقفة : تصدق صح ننام ازاى من غير ما نتعشا !!
استقام أمامها : انا مش جعان .. سيلين عاوزك فى حاجة .
قطبت جبينها : حاجة !! حاجة !!
نظر لها بدهشة لترفع طرف العباءة وتسرع بالعدو .
ضحك بخفة وهو يتذكر أنها ظلت لثلاثة أيام تتهرب منه بكل السبل التي يسرها لها مراعيا مخاوفها الفطرية ومتظاهرا بتصديق تظاهرها بالنوم وكثرة تناول الطعام بل وفقدان الوعى أيضا .
ضحك بقوة لقد كان مستمتعا للغاية ومكتفيا بكل جنونها الذى يثير جنونه والذى سرعان ما يخبو مع تراقص نظرة خائفة بعينيها أو ارتعاشة بأهدابها المسدلة .
تنهد براحة وهو يتذكر الليلة الثالثة لزواجهما ...
دخل الغرفة حيث تركها ليودع والديها للباب ، عاد وكانت منخرطة فى بكاء افزعه ليسرع نحوها : سيلى فى إيه ؟
نظرت له ورفعت ساقيها تضمهما لصدرها وتبكى ليجلس بجوارها : إيه اللى حصل؟؟ طنط رنوة قالت حاجة زعلتك ؟
شهقت ببكاء وزاد نحيبها ليقترب منها : طيب خلاص ماتتكلميش بس بلاش عياط كده .. فى عروسة تعيط فى شهر العسل ؟ والله وحشة فى حقى .
انتفضت فورا : انت عاوز حقك ؟؟
نظر لها بدهشة : انت حقى يا سيلين .. وانت معايا هعوز ايه تانى ؟
هدأت نوبة البكاء دفعة واحدة ونظرت إليه بأعين محتقنة ليتابع وهو يداعب خصلاتها : لو تعرفى بحبك قد ايه مش هتخافى منى بالشكل ده ابدا .
بتحبنى ؟؟
رددت بتيه ليقترب قليلا : بحبك دى مجرد كلمة .. كلمة من اربع حروف .. كل حرف منهم شايل من حكاية قلبى شوية ..( ب) بعد السنين اللى عذبنى وكوى قلبى ..( ح )حلم الليالى الطويلة على أمل انك هتبقى ليا ..( ب) برد بينفض قلبى مع كل نظرة خايفة فى عينك ويوجعنى ، يوجعنى اوى ..( ك )كلام بعدد كل ثانية عشتها بعيد عنك لما ببص فى عينك بيتوه منى وافضل قدام الحياة عاجز .. لا قادر اقرب ولا قادر ابعد .. لا قادر اطمنك ولا قادر اطمن نفسى .. بحبك كلمة واحدة لا يمكن تعبر عن احساسى ابدا .
لم ير دموعها مجددا بل ألقت نفسها بصدره الذى يحترق شوقا لهذه الضمة .
عاد خالد من ذكرياته ليمسح وجهه ، نظر للهاتف الذى يغريه أن يهاتفها وهناك حاجز من كبرياءه يحول دون ذلك .
طالما كانت هشة داخليا ، ربما كان عليه مزيداً من المراعاة .
جنونها .. قشرة تخفى حساسية شديدة .
جرأتها .. قشرة تخفى مخاوف يأبى كبريائها الأنثوي الإعتراف بها .
رقتها .. منبع لا ينضب لكن تزداد حرارة عذوبته وتتأجج به سخونة مفرطة تحتاج ظلا وارفا لا يملكه سواه .
هو يعلم كل اختلاجات نفسها .. فكيف لم ينتبه إلا بعد بلوغها هذه المرحلة ؟؟
كيف سرقته الحياة وسرقت منه كل هذه المتعة ؟؟
عاد يتنهد ناظرا نحو هاتفه لكن ذلك الإتهام الذى وجهته لصدره ينسل ممزقه ببطء مؤلم .
*************
بكت سيلين حتى اكتفت .. عادت بالذكريات إلى كل كلمة ناعمة داعبت أذنيها عبر شفتيه .. تذكرت كل وصف وصفه لها .
الليلة الثالثة لزواجهما .. كان مراعيا محبا دافئا ..
بالكاد التقطت أنفاسها التى تغذت عليها نيرانه .. نيرانه التى رغم استعارها لم تؤذها مطلقا ..
تجول كفه بحرية فوق ملامحها هامسا : اخيرا بعد العمر ده كله اخد نفسى .. اخيرا احس بالحياة .. اخيرا اعرف طعم الحب .. اخيرا حبيبتى معايا من غير خوف .. اخيرا يا سيلى !!
اختطفت نظرة نحوه : خالد انت بتجيب الكلام ده منين ؟؟
عاد يغذى نيرانه بأنفاسها ليمنحها بعضها بعد قليل : من قلبى اللى بين ضلوعك من يوم ما شوفتك .. تسمحى ترجعى لى قلبى !!
لم تتمكن من مجاراة كلماته التى تذيب كيانها ليتابع : لا اوعى ترجعيه انا عايش بس من يوم ما هرب منى وهو عايش بس علشان جمب قلبك .
تنهدت سيلين بألم وهى تتذكر ؛ كم الكلمات الرقيقة التى اعتاد أن يفيض بها قلبه فيغدق على قلبها دلالا ويزيد افتنانه به .
كانت كلماته هى السحر الذى يسلطه عليها لتسخير قلبها .. كانت الباب الذى يعبر منه ليروى ظمأه وكانت الباب الذى تعبر هى منه لرى أنوثتها من شغفه الذى يزيد فتنتها .. كانت الشريان الذى يمد قلبها بالدفء ليحيا .
عندما بدأت كلماته تقل بدأت البرودة تتسلل لقلبها وبدأ هو يعتمد على تلبية احتياجاته .. لا تنكر أنها تبادله شغفه لكنه لم يعد يلبى سوى ما يحتاجه هو لا ما تحتاجه هى .
هى تحتاج أن تشعر بأنها مرغوبة .. محبوبة .. يسعى الرجل الذي تعشقه لرضاها .
نظرت نحو الفراش الذى آثرت هجره والتسطح فوق تلك الأريكة ليس لقربها من فراش الصغيرة فحسب بل لشدة برودة هذا الفراش بغيابه .
نظرت نحو هاتفها الذى يدعوها لتهاتفه لكن حاجز من كبريائها يحول دون ذلك .
لم تنتظر منه هجرا .. انتظرت منه قربا ونفيا لكل تلك الأفكار التى سكنت قلبها وتنهشه بألم .
***************
فتح رفيع الباب ليتعجب لهذا الظلام الدامس الذى يغرق المنزل .
المنزل الذى لم يظلم لأعوام طويلة بفضلها هى .
تقدم ببطئ وقد بدأ يتوجس يبحث عن زر الإضاءة . جالت عينيه فى المنزل البارد لتسرع قدميه نحو حجرتهما فهذا الباب المفتوح مع هذا الظلام لا يبشر بخير مطلقا .
اقتحم الغرفة ليصفعه فراشه غير المرتب والخالى منها أيضا . توقفت قدميه وعينيه تجول بالغرفة تكذب عدم رؤيتها .
أين ذهبت ؟؟
أتترك بيته بعد هذا العمر ؟؟
أتتركه بهذه الطريقة ؟؟
نظر للساعة التى تشير للتاسعة مساءاً ، ربما هى فقط فى زيارة لأحد ولديها ؟؟
ربما ملت من تأخره ؟؟
ربما تأتنس بهم ؟؟
ليتها كذلك .
اسرع يغادر المنزل مرتقيا الدرج نحو شقة ولده الأكبر حيث ملاذها الدائم وحيث يتوغر صدره من لوذها به وتركه وحيدا للغيرة التى تتسلط عليه فتفقده سلطته الخاصة على التحكم بنفسه .
*************
جلس سويلم منتظرا عودة أبيه الذى تأخر كثيرا ، أرغم سليم على المغادرة لترتاح حورية وطلب من زوجته رفقة الصغيرين حتى النوم وجلس هو ينتظر مواجهة حتمية مع والده .
علم بعودته ولم يطل انتظاره . أتته بسمة مهرولة بتوجس : سويلم عمى جه
تنفس بهدوء : خابر .. ودلوك ياچى .
دقائق وكانت الطرقات المرتعشة تدق بابه ليتقدم من الباب بثبات . فتحه ليجد أبيه يتظاهر بالتماسك متسائلا : امك عنديك ؟؟
اجاب بهدوء : عيندى ونعست
نعست !!
ردد رفيع بدهشة لا تخلو من الحدة : نعست كيه يعنى ؟؟ ونعست حداك ليه من أصله ؟؟
اسرعت نحوهما فى محاولة لتهدئة الوضع : تعبانة يا عمى تنام لوحدها ازاى ؟
ترددت كلمتها بصدى مزعج لتحاول شفتيه تكرارها فتتحركان بصمت عاجز فتشعر بالشفقة لأجله بينما اسرع سويلم يصب الملح فى شقوق جراحه : امى وجعت مالاجتش اللى يغيتها .. وجعت وكان ممكن تروح فيها .. عملت فيها ايه النوبة ؟؟ جهرتها ليه يا بوى عملتلك إيه ؟؟
اشتعلت عينا رفيع غضبا وواجه ولده بحدة : انت چنيت ولا إيه ؟؟ بتعلى حسك علي ؟؟
اغمض سويلم عينيه : ماجصديش يا بوى بس امى محتاچة رعاية وانت مافاضيش لها .. خليها عيندى وبسمة تدير بالها عليها .
اسرعت بسمة تسانده : هى واخدة مهدئ يا عمى ونايمة ومش هتصحى دلوقتى خليها ترتاح والصبح يمكن تكون هديت وتتفاهموا براحتكم .
نظر نحو بسمة متسائلا : فى اى اوضة ؟؟
صدمها السؤال ليعيده بحدة أعلى فتشير نحو الغرفة التى ترقد بها ، خطوتين من ساقيه كانتا كافيتين تماما للقضاء على تلك المسافة الفاصلة بينه وبين بابها ليفتح الباب بروية غير متوقعة ويغلقه خلفه بهدوء غير منتظر .
****
اسرعت بسمة نحوه : سويلم علشان خاطر ماما رنوة بلاش صدام مع عمى .. انت اصلا ازاى كلمته كده ؟؟
هم بالصياح لتكتم كلماته بفمه وتفيض نظراتها بالرجاء ليسمح لها بقيادته حتى غرفتهما .
****
كانت الإضاءة خافتة لكنه يراها بوضوح ، ترقد بشحوب غائبة عن الدنيا .
لقد كانت بخير .. متى مرضت لهذه الدرجة ؟؟
ومتى قسى قلبه ليغفل عنها كل هذا ؟؟
لم يعودا كما الماضى .. كان عليه مراعية ذلك .. الانفعال أصبح مؤذيا أكثر مما مضى وهى لم تعد قادرة على التحمل لكنه لم يفعل سوى الضغط عليها وتركها للانفعال الذى أسقطها بهذا الشحوب المؤلم .
جلس بجوارها منتظرا أن تشعر بوجوده لكن لا أمل قريب فى ذلك .
***************
تقدمت چودى للداخل شاعرة بالإشمئزاز ، تبعها ساهر الذى يتلفت حوله بصدمة : مش ممكن !! انت عايشة هنا يا رنا ؟ فى الشقة دى ؟
تحدثت رنا التى يحملها بين ذراعيه : من فضلك يا اونكل انا مش مستعدة لأى مناقشة .
تقدم مازن دون أن يثير تواضع المكان تحفظه ، هو فقط يبحث عن مكان ملائم لرقود الصغيرة فلا يجد .
تقدم الجميع نحو الغرفة الوحيدة ولم يكن اثاثها فاخراً بما يكفى فى نظر الجميع ، فقط فراش يتوسط الغرفة وخزانة صغيرة ومرآة بأحد الأركان .
وضعها ساهر فوق الفراش ليتقدم مازن تاركا الصغيرة قربها فتسرع بضمها إليها .
شعر مازن بتشاحن عام ليحمحم بحرج : انا هستأذن علشان احصل بابا وماما .. مش محتاجة حاجة يا رنا ؟
نظرت نحوه بحدة لمخاطبتها بإسمها مجردا لكن هذا كان آخر ما قد يشغل تفكيره حاليا . هزت رأسها نفيا لينظر نحو چودى : طنط تحبى اوصلك مكان ؟
ظهر الأسف واضحا على ملامح چودى فهى مضطرة للمبيت تلك الليلة برفقة رنا التى يجهل حتى الآن علاقتها بها وبزوجها.
**************
استلقى خضر بعد مغادرة عمه مدعيا النوم حتى يتهرب من والديه ، هو لا طاقة له بمزيد من الأحداث لهذا اليوم .
كان يعلم أن إياد سيخبر عمه عنها وبالتالى سيأتى عمه إليه مستوضحا عن هذه الفتاة .
لكنه لم يكن يعلم أنه سيشعر بكل هذا الألم أثناء أخباره عن مشاعر فيروز تجاه إياد ، تلك المشاعر التى بات واثقا من صدقها من قبلها .. بل وواثقا من أن إياد بدأ يحمل لها مشاعر مشابهة .
اغمض عينيه مجددا ومقصيا كل صورة يحملها لها بعيدا ، سيكون هذا هو همه الأكبر في الأيام المقبلة.. إقصاء كل ما يأجج مشاعره نحو الفتاة الوحيدة التى أحبها إياد .. إياد الذى طالما كان له أخ محبا وصديقا وفيا وداعما قويا .
***************
جلس مازن اخيرا يلتهم طعامه بشراهة وجوع فقد نسى تماما تناول الطعام هذا اليوم .
نظر نحو والده متسائلا : هى إيه علاقة رنا بعمتى چودى يا بابا ؟؟ يعنى ازاى عمى ساهر يشيلها كده عادى ويحضنها والدنيا معاهم سهلة كده ؟؟
نظرت حياة نحوه تستشعر ما وراء كلماته لتجد فراغا بعينيه لا يعنى اهتماما من اى نوع .. ربما بعض الفضول لمشاركتها يوما عصيبا كهذا اليوم .
ابتلع محمود طعامه ليتحدث بهدوء : ساهر يبقى خال رنا
توقف مازن عن تناول الطعام ونظر لأبيه بصدمة : خالها ازاى يعنى ؟؟ تقصد قريبته زى ما طنط چودى عمتى كده ؟
هز محمود رأسه نفيا : لا خالها اخو والدتها .. رنا بنت أخته الصغيرة ..
ترك مازن طعامه تماما : وازاى سايبها تعيش فى المستوى ده ؟؟ وتشتغل عندنا كمان ؟؟
تنهد محمود وترك طعامه أيضا : هى قالت لك إيه ؟؟
هز كتفيه : ولا حاجة .. قالت إنها مش متجوزة منفصلة عن جوزها من شهور لما عرف أنها حامل طلقها وهرب .
صمت محمود قليلا .. قصة رنا تحيى داخله ألما ظن أنه تعايش معه ليكتشف أن ظنه توهما .. نظر لولده بعد لحظات : رنا والدها من أكبر المستثمرين فى الغردقة .. البنت عايشة طول عمرها هاى كلاس .. مدارس انترناشيونال .. جامعة خاصة .. سفر ولف حوالين العالم .. يعنى عايشة حياة مرفهة جدا .. من سنتين اتعرفت على شاب اشتغل فى قرية سياحية من قرى والدها .. الولد قدر يسيطر على عقلها فى شهور قليلة جدا .. هو مترجم ولسه متخرج .. أقنعها بحبه ليها وأنه مستعد يضحى علشانها وكان طبيعي يطلبها للجواز .. طبعا اترفض لأنه واضح للكل طمعه فيها .. اتحدت ابوها وعيلتها علشانه وصممت تتجوزه .. ابوها كوسيلة ضغط أخيرة قالها لو اتجوزته هيتبرا منها وطبعا الولد كان مسيطر عليها كفاية إنها تسيب بيت اهلها وتتجوزه .
قاطعته حياة : وطبعا كان فاهم إنه بيحط أهلها قدام الأمر الواقع وبيرغمهم على الموافقة .
أومأ محمود : تمام .. وبعد الجواز بكام شهر لما خلصت فلوس رنا اللى فى حسابها بدأت المشاكل وبدأ يمد أيده عليها ويطلب منها ترجع لأهلها .. لما عرف إنها حامل طلب منها تجهض الجنين لأنه مش هيقدر يتحمل مسئوليه طفل ولما رفضت سابها .
ظل مازن يحدق بأبيه بصمت والذى تابع : طبعا هى ماتعرفش إنه ساوم والدتها علشان يطلقها وإن ساهر دفع له مئة ألف جنيه علشان يطلقها ..
كمان !!!
تمتم بأسف وتابع متسائلا : ووالدها رفضها ؟؟
نفى محمود : هى اللى رفضت ترجع لأهلها ورفضت تعيش مع خالها ونزلت القاهرة .. طبعا ساهر كلمنى وطلب مني اساعدها واخلى بالى منها .. حمزة وتاج داخوا لحد ما وصلوا لها عن طريق رقم الموبايل ويوم ما روحت ازورها كانت حالتها تحت الصفر
لا حول ولا قوة إلا بالله .. هى الناس جرى لها إيه ؟؟
عادت حياة تتمتم بأسف ليتابع محمود : بالعافية اقنعتها بالشغل وعلشان هى مش هتعرف تتعامل مع الموظفين وفى نفس الوقت خوفت تقابل حد و تقع فى ورطة جديدة عملت لها مكتب لوحدها وليها صلاحيات غير كل القسم
انتفض مازن مغادرا الطاولة دون إنهاء طعامه لينظر أبيه فى أثره بأسف . تنهدت حياة لينظر نحوها : قومى يا حياة ارتاحى .. هو هيبقى كويس .
نظرت له حياة ؛ فهذا ما يتمناه كل منهما منذ سنوات أن يكون بخير وأن يتجاوز ما مضى .. ربما رؤيته امرأة تتخطى أكثر مما اوقف حياته عليه يدفعه لإعادة التفكير.
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف ج5 بقلم قسمة الشبينى
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا