مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية جديدة للكاتبة زكية محمد, وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل التاسع عشر من رواية ذئب يوسف بقلم زكية محمد .
رواية ذئب يوسف بقلم زكية محمد - الفصل التاسع عشر
تابع من هنا: روايات زوجية جريئة
رواية ذئب يوسف بقلم زكية محمد - الفصل التاسع عشر
صعد للأعلى بجنون بعدما أدرك أنها ليست بالمنزل، و ضرب باب الشقة الخاصة بعمه بعنف، حتى فتحته توحيدة التي ما إن رأته و رأت حالته المزرية هتفت بقلق :- خير يا إسلام يا ابني في حاجة؟
هتف بلهفة وعقله يرفض أي إحتمال آخر :- مريم عندك صح؟ هي جوة، صح يا مرات عمي، مش كدة؟
هزت رأسها بنفي قائلة بتوضيح :- لا يا ابني هي اه جات و خدت أحمد من يجي ساعة كدة و نزلت تاني، هي مش في الشقة؟
هز رأسه بضياع قائلاً :- لا لا مش موجودة، مش موجودة.. أنا هنزل أشوفها تحت عند أبويا أكيد عنده.
طوى درجات السلم تحته حتى وصل لشقة والده وطرق الباب بعنف، فانتبها له من بالداخل فهتفت عواطف وهي تضع يدها على قلبها :- يا ساتر يا رب مين اللي بيخبط كدة على الصبح؟
فتح موسى الباب ليجد ابنه الذي ولج يبحث عنها كالمجنون بالداخل، بينما ظل والديه يطالعانه بذهول من تصرفاته الغير طبيعية بالمرة.
هتف موسى بتعجب :- مالك يا إسلام بتدور على إيه يا ابني؟ بقلم زكية محمد
هتف بتيه :-. مريم، مريم يا بابا مريم مجاتش هنا؟
مصمصت عواطف شفتيها بتهكم قائلة :- لا مجاتش يا ابن بطني، و مالك مدلوق عليها أوي كدة؟ دة أنت حتى مقولتش صباح الخير، و لسة هنشوف..
قاطعها موسى قائلاً بصرامة :- عواطف بس اسكتي.
ثم التف لابنه قائلاً بروية :- لا مش موجودة يا ابني تلاقيها عند أمها ولا حاجة؟
نزلت في ذلك التوقيت توحيدة التي هتفت بقلق وهي تدلف للداخل :- لقيتها يا ابني؟ أنا شوفتها عند محمود و ملقتهاش و كمان صحبتها.
شعر بالاختناق و كأنهم سحبوا الأكسجين من المكان، فجلس بإهمال على المقعد قائلاً بضياع :- مريم ضاعت مني خلاص.
تقدم منه والده و أردف بدهشة :- قصدك إيه يا إسلام؟
نهض قائلاً بتذكر :- اكيد عند عمتو هي قريبة من هنا هروح أشوفها.
و بلحظة اختفى من أمامهم، و الصدمة ما زالت على وجوه البقية ليردف موسى بانفعال :- فيه إيه؟ أنا مش فاهم حاجة!
أردفت توحيدة بدموع قلقة :- مريم مش موجودة في البيت هي و أحمد.
قطب جبينه بتعجب قائلاً :- مش موجودة! تلاقيها راحت تشتري حاجة ولا راحت مشوار، طيب ما تتصلوا عليها.
هزت رأسها بنفي قائلة :- سألنا و مش موجودة و تليفونها هنا في البيت، هتكون راحت فين بس؟
أردفت عواطف بسخرية :- يعني هتكون اتخطفت ولا اتخطفت زمانها تيجي من الحتة اللي هي فيها، مش عارفة قالبين الدنيا على ليه!
أردفت توحيدة بعتاب :- دي بنتي يا عواطف مش عاوزاني أقلب الدنيا عليها إزاي بس، بالله عليك تتصرف و تعمل حاجة يا حج موسى دي غلبانة و ملهاش حد إلا إحنا.
هز رأسه قائلاً بخفوت :- حاضر يا توحيدة روحي بلغي أيوب و محمود علشان نعرف هنعمل ايه.
في غضون دقائق كان أمام باب شقة عمته التي تسكن في الشارع المجاور لهم، و طرق الباب بلهفة وهو يأمل بداخله أن تكون بالداخل.
فتحت عمته منال الباب بوجه مقبوض فهتف هو بخوف من الإجابة:- إزيك يا عمتو ؟ هي مريم عندك؟
لم ترد عليه وانما أخذت تطالعه بغيظ شديد أربك الذي يقف أمامها، فكرر سؤاله بتلعثم :- عمتي أنتِ ساكتة ليه؟
هتفت بغيظ :- عاوز إيه يا إسلام؟
جعد أنفه بدهشة من طريقة حديثها قائلاً :- عمتو أنتِ بتكلميني كدة ليه؟!
جذبته من أذنه و سحبته للداخل قائلة بحنق :- تعال هنا يا روح أمك و قولي عملت إيه في البت؟
لم يعبأ لألم أذنه و أردف براحة و طمأنينة:- يعني هي عندك؟ مريم عندك! طيب هي فين أنا عاوز أشوفها.
زادت من ضغطها على أذنه قائلة بغيظ :- كلمني هنا و رد عليا الأول يا حمار.
أردف بتذمر و ألم :- حمار! الله يسامحك يا عمتو، طيب سيبي ودني طيب..
تركته قائلة بغل :- و ربنا المعبود لأوريكم واحد واحد يا عيلة الأحمدي، البت جيالي خلصانة لولا الدكتور الله أعلم كان هيحصلها إيه!
أردف بقلق بالغ :- ليه مالها، هي فين؟ أنا هدخل أشوفها .
و ما إن هم ليدلف للداخل و قف بسبب صوتها الحاد الصارم قائلة :- أقف عندك يا إسلام! و يا ريت لو تطلع برة و تورينا عرض اكتافك
جز على أسنانه بغيظ و هتف بهدوء مغاير :- عمتو أنا عاوز أشوف مراتي.
أردفت بجمود :- مش قبل ما نتكلم يا إسلام.
زفر بضيق قائلاً :- حاضر يا عمتي هنتكلم بس طمنيني عليها أرجوكي.
أردفت بتهكم:- غريبة بتسأل عنها يعني و قلقان عليها وأنت السبب في اللي هي فيه.
نظر لها بوجه شاحب قائلاً:- هي حكتلك؟!
أردفت بجمود :- هو سؤال واحد عملت إيه في البت وصلها للي هي فيه دلوقتي، دي كانت هتموت روحها من العياط لولا الحقنة اللي أدهالها الدكتور نجدتنا، و أحمد يا يعيني اللي كمل عياط هو الآخر خايف على أمه.
أردف بانتباه :- أحمد! هو فين طيب؟
أردفت بهدوء :- جوة في الأوضة بيلعب في لعب مازن ابن عادل بعد ما هدي، و دلوقتي مستنية جوابك يا إسلام، حرام عليك دي مريم ضفرها برقابيكم يا ولاد أخويا، دي هي اللي بتسأل عليا لو مجتش يبقى في التليفون.
حك مؤخرة رأسه بحرج قائلاً :- إيه يا عمتي يعني إحنا مش بنسأل عليكي! دة اول الأسبوع كنت عندك.
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- أنت هتذلني يا واد! قصره قولي عملت إيه في البت؟
نظر للأرض بحرج و حزن قائلاً :- الموضوع كبير أوي يا عمتي، و أنا بدل ما أكحلها عميتها.
أردفت بحنق :- عملت إيه يا منيل أحكي حاكم أنا عارفاك إيدك سابقة لسانك.
تنهد بعمق قائلاً :- صدقيني يا عمتي الحكاية كبيرة أوي، أكبر مما تتخيلي علشان كدة هحكي و الكل يكون موجود لأننا كلنا غلطنا في حقها مش بس أنا.
نظرت له بعدم فهم قائلة :- يعني إيه؟ أنا بدأت أقلق منك يا واد!
مسح وجهه بكف يده قائلاً بتعب :- هتعرفي يا عمتي بس شوية كدة كمان.
- عمو إثلام.
رفع بصره تجاه مصدر الصوت ليطالع كتلة البراءة تلك بحب قائلاً وهو يفرد له ذراعيه :- حبيب عمو تعال يا ميدو، تعالى يا حبيبي.
تقدم الصغير جرياً فضمه بذراعيه و رفعه ليجلسه على فخذه، و من ثم احتضنه بحب و أغلق عينيه يحاول ألا تنزل عبراته تأثراً بذلك الصغير الذي لا ذنب له أن يولد لأم كتلك ولا لأب كهذا، احتضنه بقوة حتى تألم الصغير قائلاً بتذمر :- كفاية يا إثلام خنقتني.
ابتسم له بحنو و قبله من وجنته بقوة قائلاً :- معلش يا ميدو يا حبيبي حقك عليا.
أردف بضيق :- عمو إثلام عاوز أشوف ماما، هي كانت بتعيط و الدكتور جه و أداها حقنة..
ربت على شعره قائلاً بحب :- متخافش يا أبو حميد ماما كويسة، يلا روح كمل لعب على ما أخلص كلام مع تيتة. بقلم زكية محمد
هز رأسه قائلاً :- لا أنا عاوز أقعد معاك و كمان ماما.
ضمه لصدره فاستكان الصغير بين ذراعيه و أخذ يعبث في اللعبة التي بيده، بينما نظر هو أمامه بشرود و خوف مبهم من القادم.
______________________________________
بعد مرور أسبوعين كان العمل على قدم و ساق في حديقة القصر استعداداً لحفل زفاف حفيد العائلة بابنة عمه التي ظهرت من العدم.
تتأمل هيئتها بذلك الفستان الذي صمم خصيصاً لها من أشهر دور الأزياء العالمية، تطالع نفسها بالمرآة و مشاعر جمة تهاجمها ما بين القلق و السعادة و الخوف و الطمأنينة، لا تعلم إن كان استمرارها في تلك الزيجة هو القرار الصائب أم لا، ولكن كل ما تعرفه أنها يجب عليها الإقدام في تلك الخطوة من أجلها و من أجل والدها، زمت شفتيها بعبوس وهي تتذكر كتلة الجليد الذي بات يلعب مؤخراً على وتيرة مشاعرها و ما تشعره بقربه، و مع هذا كله ما زال متحفظاً بقناع الجمود فهي لم تخطئ أبداً حينما أطلقت عليه لقب " الفريزر" ، ذلك المتبلد الذي باتت تبحر في دروبه دون أن تفهمه.
لاحت سحابة حزن على وجهها وهي تتذكر والدتها التي في أمس الحاجة لها في يوم كهذا، شعرت بها آلاء و سندس اللاتي يقفن بجوارها، فاحتضنتها سندس بحنان قائلة بوجع خفي :- متعيطيش و تبوظي الميكب، أنا حاسة بيكي و عارفة إزاي الإحساس دة صعب، بس أهو ربنا عوضك بينا و بمرات عمك اللي هي زي مامتك دلوقتي، متعيطيش يا روحي.
هتفت بصدق :- أنا مش عارفة عملت إيه حلو علشان ربنا يبعتك ليا، ربنا يخليكي يا مدام سندس.
تدخلت آلاء قائلة بمرح :- أخص عليكي يا رورو من لقى أحبابه ولا إيه!
ابتسمت لها بخفوت قائلة :- و دي تيجي بردو أنتِ صحبة عمري، عقبالك كدة قريب.
بعد وقت دلف شادي بمرحه المعتاد، و نزل بصحبتها و كان بالأسفل يقف مراد بانتظارها برفقة والدها و والده، و ما إن وصلا للأسفل احتضنت رحيق والدها بقوة والذي بادلها عناقاً حاراً و أدمعت عيناه قائلاً:- ألف مبروك يا حبيبة بابا، ربنا يسعدك يا حبيبتي.
تماسكت بقوة حتى لا تنهار، فتدخل شادي بمرحه و استطاع أن يرسم الابتسامة على وجوههم .
وضعت يدها بيده و تأبطا و سارا للخارج لمتابعة مراسم الزفاف. بقلم زكية محمد
انسلت من بين الموجودين لتجلس بمكان خال و تسمح لعبراتها التي كبحتها كثيراً في الهطول، أخذت تبكي بصمت و قد أتتها ذكرى زواجها المشؤوم، اليوم الذي زجها فيه أخيها نحو الجحيم بعد أن حرمها من حق اختيار شريك حياتها من أجل مصالحه، و خبث الآخر الذي خطط كل شئ حتى يفوز بها و كأنها إحدى المقتنيات لتكتشف بعدها أنه خائن يخونها يومياً، و ما إن ملَّ منها و من شكواها الدائم و هذا ما زاده ضجراً ليلقي بها حيث أتت، لتصيبها الصدمة عندما لم يرحب شقيقها بوجودها معهم، ليلقي لها بحفنة من النقود من ورثها المستحق، و ما أقسى من أن تأتيك الطعنة من أقرب الأقربين!
وضعت يدها على ثغرها كي لا يصدر منها صوت شهقاتها، لتنتفض في مكانها حينما شعرت بيد تربت على ظهرها قائلة بصوت طفولي:- أنتِ بتعيطي ليه يا طنط؟
ابتسمت لها بوجع حاولت مداراته قائلة وهي تأخذ بيد الصغيرة و تجلسها إلى جوارها على العشب قائلة:- أبداً يا حبيبتي أنا مبعيطتش في تراب دخل في عيني.
أردفت الصغيرة بطفولية:- أنتِ قاعدة لوحدك ليه؟
هزت رأسها بخفوت قائلة :- لا هقوم أهو، قوليلي بقى أنتِ سايبة الفرح و جيتي هنا ليه؟
أردفت بتوضيح :- كنت thirsty و جيت أشرب و بعدين سمعت صوتك.
- جوري بتعملي إيه عندك؟
قالها عاصم الذي كان يبحث عنها بقلق، و تعجب من رؤيته لابنته برفقة سندس، بينما نهضت جوري قائلة :- بابي طنط بتعيط..
أردف بغضب مكتوم :- طيب يلا اسبقيني وانا هحصلك..صمت ليتابع بسخرية :- وأنا هشوف طنط اللي بتعيط دي!
أومأت له بموافقة و انصرفت، بينما وضع يديه في جيوبه قائلاً بتعالي :- و يا ترى المدام زعلانة و بتعيط ليه؟
مط شفتيه بتهكم ليقول بقسوة متعمدة :- ايه عينك كانت على أخويا بس طار منك، أهو يبقى صيدة جديدة.
نهضت من مكانها وهمت لتصفعه على إهانته إياها قائلة بحدة :- أخرس! و بعدين أنت ملكش دعوة،فاهم؟
مسك يدها بعنف وضحك بسخرية قائلاً :- و الشو اللي عملتيه مع بنتي من شوية دة كان إيه، واضح إنك بترسمي على تقيل.
نظرت له بازدراء قائلة :- أنت بني آدم حقير وقلة الكلام معاك أحسن.
قبض على رسغها بشدة حتى كاد أن يكسره قائلاً بحدة :- لمي لسانك أحسنلك، و شوفي كويس مين الحقير فينا!
دفعته بغضب حتى تحررت منه قائلة :- إحنا خلاص صفحة و اتقفلت فبلاش تنبش في الماضي و حجات راحت مش راجعة.
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- وأنا مين قالك إني يهمني الماضي، ولا تكوني فاكرة إني بجري وراكي دة أنتِ تبقي عبيطة أوي! أنا بس جاي أحذرك تبعدي عن بنتي و يا ريت بلاش من الحوارات الفكسانة دي!
أردفت بانفعال :- أنت قصدك إيه بكلامك دة؟
أردف بغيظ :- قصدي متستغليش البنت في إنك تقربي مني.
نظرت له بذهول قائلة بضحك موجع :- أستغل إيه و نيلة إيه! ثم تابعت بقوة زائفة لرد اعتبارها من الكلمات الموجعة التي وجهها لها منذ لحظات :- و أقرب منك ليه إن شاء الله! دي بس أوهام في خيالك يا بشمهندس، شوف مين اللي بيعترض طريق التاني و بيخلق أي حاجة علشان يكلمه بيها ساعتها بس هتفهم مين بيستغل مين.
قالت ذلك ثم انصرفت للداخل بسرعة لتجفف دموعها العالقة، بينما ضغط بقوة على قبضته حتى برزت عروقه و بعدها ضربها بالجدار بقوة قائلاً بوعيد :- ماشي يا سندس أنا هعرف أخد حقي منك كويس أوي.
قال ذلك ثم انصرف هو الآخر للحفل.
على الجانب الآخر كانت رودي تطالع المشهد بحقد قائلة :- البنت دي مش ساهلة و عملت اللي فشلت فيه اي واحدة تعمله، نفسي أقتلها أنا اللي مفروض أبقى مكانها البيئة اللوكل دي!
هتفت شيري بكره :- تعيشي و تاخدي غيرها يا رودي، بس عندك حق دي مش سهلة أبداً أنا أول مرة أشوف مراد كدة! لا دة معجباته النهاردة هيموتوا من الغيظ.
أردفت بسخط :- شيري! هو أنتِ فرحانة فيا!
هزت رأسها نافية تقول :- لا أبداً يا بيبي، بس بصراحة الموضوع ممتع بصي كدة سالي!
قالتها وهي تشير لسالي التي بحاجة لسيارة المطافي لإخماد الحريق الذي نشب بداخلها.
زمت رودي شفتيها بضيق قائلة :- okay أنا أصلاً مش زعلانة، أنا بس زعلانة على الأيام اللي قضيتها و أنا بأيام وردي بس يا خسارة راحت على الفاضي.
ربتت على كتفها قائلة بمكر :- متخافيش يا روحي، خليها تتمتعلها يومين قبل ما تترمي من هنا رمية الكلاب، يلا بقى تعالي نشوف البنات راحوا فين.
على الجانب الآخر كانت ممسكة بكأس العصير و عروقها قد برزت من كثرة ضغطها عليه، وهي تطالعهم بغل و كره شديدين. اصطكت أسنانها بعنف و نيرانها لم تُخمد بعد، وهي تشاهد مراد يحاوط خصر رحيق و يلتقطان بعض الصور .
وإلى جوارها صديقتها هايدي إلى تتطلع لها بحسرة و بعض التشفي، فقد سئمت من غطرستها الغير منتهية، وهي تكرر في كل لحظة أن مراد لن يكون لأي امرأة أخرى سواها، و ها هي خابت جميع توقعاتها فقد ارتبط بواحدة أخرى غيرها، فلربما هذا ينتشلها من مستنقع الغرور التي هي به، و تستيقظ و تعي حقيقة الأمور.
خرج صوتها هادئاً تقول :- سالي أنتِ كويسة؟
هتفت بغضب مكتوم و صدرها يعلو و يهبط بعنف من فرط الإنفعال:- كويسة! أنا الود ودي أقوم أخنقها بإيدي و استريح.
أردفت بروية :- سالي take it easy,darling أعصابك يا حبيبتي هتحرقيها على ناس مش مستاهلة.
أردفت بغل وهي تحدجها بكره :- مش سالي اللي تخسر بسهولة كدة.
على مقربة منهم وقفتا مرغمتان حفاظاً على مظهرهما أمام هؤلاء الذين يدعون الثراء، و اضطروا أن يكذبوا في حقيقة رحيق حيث أخبروهم بأنها كانت تدرس بلندن وعندما أنهت الدراسة أتت ليعلن بعدها مراد خطبتهم و زواجهم بعدها بفترة.
هتفت ناريمان بغيظ :- قعدتي تقولي اصبري اصبري لحد ما أهو أتجوزها و هتقعد هنا غصب عن عين التخين.
هتفت الأخيرة بسخط قائلة بنوع من الاستسلام :- يعني عاوزاني أعمل إيه و مراد عينه في وسط راسه مش بتتحرك خطوة وإلا عارف بيها.
ضيقت عينيها بحدة قائلة :- يعني إيه هترضي بالأمر الواقع، هترضي ببنت فاطمة هنا وسطنا اللي السبب في اللي حصل لابنك!
مطت شفتيها بضيق قائلة :- ناريمان بقولك إيه يا ريت تهدي، لو على المكان اللي هي موجودة متقعديش فيه .
طالعها بذهول قائلة :- إيه؟! أنتِ اللي بتقولي كدة!
ثم أضافت بسخرية لاذعة :- لا شكلك كبرتي و خرفتي.
اتسعت عيناها قائلة بغضب :- ناريمان! إلزمي حدودك كويس أوي و شوفي بتكلمي مين.
رفعت حاجبها بدهشة قائلة بتهكم :- لا عارفة كويس أوي بس يا ريت كمان ما تنسيش عمايلك.
قالتها بتهديد مبطن و اختفت من أمامها، بينما تمتمت سلوى بضيق :- و دة وقتك أنتِ كمان، طلعتي مش ساهلة يا ناريمان مش ساهلة أبداً و يتخاف منك.
تتأفف بضيق وهي تتابع المتواجدين تارة و تنظر له بطرف عينيها تارة، بينما ظل هو جامداً يتابع المراسم بهدوء ثلجي.
هتفت بضجر:- بقولك إيه يا أخينا هي القعدة هتطول، ضهري وجعني من الصبح وأنا واقفة و أيش حمام مش عارفة إيه و ميكب إيه و......
ثم أخذت تثرثر بعبوس، بينما ضيق عينيه بملل من ثرثرتها التي لم ينتبه لحرف مما قالته، و ما إن انتهت و وجدته على نفس حالته أردفت بضيق :- لكن بكلم مين " فريزر" بصحيح!
مال على أذنها قائلاً بهمس خطير :- سمعتك على فكرة و هعرفك الفريزر هيعمل إيه كمان شوية.
اتسعت عيناها بخوف قائلة ببلاهة :- لا أنا بهزر يا ميرو مبتهزرش يا راجل خلي البساط أحمدي..
طوي كفه و ضغط عليه بقوة، و بداخله يتساءل ماذا فعل ليبليه الله بتلك القصيرة الماكرة؟!
بعد إنتهاء الزفاف صعدا للجناح المخصص لهم، و ما إن دلفا للداخل توجه هو آلياً ليبدل ملابسه تحت نظراتها المزعورة فصرخت بحدة قائلة بوجه متوهج خجلاً :- أنت بتعمل إيه يا قليل الأدب؟ مش شايف إن في واحدة قدامك!
هتف بجمود :- وهي فين الواحدة دي؟
اصطكت أسنانها بعنف قائلة بغيظ :- نعم يا عمر ! ليه قالولك عليا راجل ولا راجل!
أردف بخبث :- والله أنا مش شايف غير كدة، كلامك شكلك ميدلش غير على كدة . بقلم زكية محمد
وضعت يدها في خصرها قائلة بشراسة :- مين دي اللي راجل ياض دة أنا رجالة الحتة كانوا يتمنوا نظرة مني.
رفع شفته العليا بتهكم قائلاً باستفزاز :- دول عميوا أو معندهمش زوق .
ضيقت عينيها بوعيد قائلة :- ماشي اما وريتك.
دلفت للمرحاض وهي تبتسم بظفر، بينما ضحك هو بخفوت على تلك البلهاء قائلاً :- دي عبيطة و شكلي هستغل دة لصالحي كتير..
إلا أنه وقف مصعوقاً يشاهد هيئتها الجديدة عليه التي خرجت بها، و رغم أن الخجل يقتلها إلا أنها تحلت ببعض الشجاعة لتقف قبالته قائلة بابتسامة منتصرة وهي تطالع نظراته نحوها :- بتبصلي كدة ليه، مش أنا راجل!
ثم اقتربت منه قائلة بخفوت :- علشان بس تعرف إنك أنت اللي أعمى يا ....يا فريزر.
حاوط خصرها بتملك مما جعل خلاصها منه مستحيلاً و أردف بخفوت مدمر لأعصابها :- أنتِ قد اللي عملتيه دة؟
هزت رأسها بنفي قائلة بتوتر و وجهها الذي أصبح كتلة جمر متوهجة :- لا طبعاً، أنت هتعمل عقلك بعقلي يا. ....فري....قصدي يا مراد.
رفع حاجبه قائلاً بخبث :- أنا قولتلك قبل كدة أنك هتندمي لو نطقتي الكلمة دي تاني، و أنا بقى هعاقبك كويس أوي.
أردفت بتخبط و صوت خافت :- هتعمل ايه؟
- هعمل كدة..
قال ذلك ثم مال ليتجرع الرحيق الذي أدمنه من أول لحظة اقتطفه فيها، ثم غرق معها في بحور العشق معاً.
____________________________________
متمددة على الفراش تنظر للفراغ بشرود و قد طغى الحزن عليها، وهي تتذكر آخر ما حدث منذ أسبوعين حيث أتى بقية أفراد العائلة، و هنا تحدث إسلام و أخبرهم عن ذلك السر الخطير الذي أخفته طيلة تلك السنوات دون أن يعلم به أحد.
و ما إن انتهى من سرده حلت عليهم صاعقة ، ولم تختلف حالتهم عن خاصته شيئاً و كلاً منهم يسبح في واديه.
أيوب الذي يأكله الندم و الحسرة عما أقترف بحقها في كل مرة فهو لم يظلمها مرة بل كرر ذلك العديد من المرات دون أن يعبأ بشيء آخر.
تساقطت دموع توحيدة قهراً على ابنتها التي لم تذق يوماً هنيئاً، فهي تعلم بعشقها لإسلام الذي تراه مسطر في عيني ابنتها و مدى تعلقها به منذ أن كانت طفلة، وكم هي سعيدة بتلك الحقائق التي ستغير موزاين ابنتها التي ظُلمت مراراً و تكراراً افتراءً و ظلماً ليس إلا.
موسى الذي شلته الصدمة عن الحركة، لا يصدق أن ابنه فعل كل هذا، كيف كان يرتدي قناع المثالية بينما يختبئ خلفه حياة مليئة بالمعاصي، كيف خدعهم طيلة هذه المدة و هم صدقوه؟ يا للحسرة التي اعترته! فهو يقف والخزي حليفه هنا فبأي وجه سيواجه أخيه، و بالأخص هي ذلك الجبل العتيد الذي تحمل الكثير دون أن يخر أرضاً. أخذ يطلب له الرحمة فلا يجوز الآن عليه سواها.
عواطف التي شعرت بتجمد في أطرافها وهي تسمع حقيقة ابنها الذي مارس الزيف عن جدارة وكم كان بارعاً به، يا الله! لو أحد ينتشلها من ذلك الكابوس، نعم هي تشعر و كأنها بكابوس ستصحو منه قريباً. كم شعرت بالدونية و الندم لظلمها إياها، تلك التي تحملت كل شيء من ابنها ولم توشي به لأحد، و عندما اضطرت لفعل ذلك لتبرئ نفسها. حمدت الله أن الوضع لم يسؤ بعد، فالأمور يمكن اصلاحها الآن.
كان الغضب هو المتحكم بها و هي تسمع لتلك الحقائق الدنيئة التي ودت لو كانت جميعها أكذوبة. وكم شعرت بالشفقة تجاهها وما عانته بمفردها، تلك الحنونة الغالية التي تحظى بمكانة عالية بقلبها، تساقطت دموعها رغماً عنها وهي في حالة ذهول من قدرة تحملها لكل ذلك! و لم تختلف حالة سامية و محمود عنهما شيئاً.
انتبهوا جميعهم و خرجوا من تلك الحالة التي خيمت عليهم على صوت الصغير الذي خرج وهو يعبس بطفولية قائلاً :- جدو موثى.
ثم ركض ناحيته و حمله الآخر بعينين تفيضان من الدمع و احتضنه بقوة و كأنه يرسل له أسفاً كبيراً له، فنظر الصغير له بحزن قائلاً :- جدو أنت ليه بتعيط، و إثلام كمان.
ثم أخذ يطالع الجميع فوجدهم على نفس الحالة فهتف بتذمر :- كله بيعيط حتى ماما جوة بتعيط.
انتبهت حواس إسلام ليردف بلهفة :- صحيح يا ميدو يعني ماما صاحية دلوقتي؟
هز رأسه بنعم قائلاً :- أيوة يا إثلام ثاحية .
هتف بتماسك وهو يتوجه ناحية الغرفة التي تقبع بها :- أنا هروح أشوفها.
وقف أمام باب الغرفة وهو في حالة تردد من دلوفه فهو يخشى أن يصيبها مكروه بسبب رؤيتها له بعدما فعل. حبس أنفاسه و فتح الباب بحذر، لينشطر فؤاده نصفين وهو يراها متكورة كالجنين على الفراش و تبكي بصمت.
اصطك فكه بعنف غضباً من نفسه و ليس أحداً آخر، وكم ود لو يبرح نفسه ضرباً عنيفاً على تهوره و تسرعه في الحكم عليها.
زادت عبراتها نزولاً عندما شعرت بدلوفه، و كيف لا تشعر به وهو إدمانها!
تقدم منها حتى جلس على الأرض ليكون قبالتها و هتف بحزن وهو يشعر بعبراتها خنجراً يغرز في قلبه في كل مرة فيزيده ألماً :- ممم..مريم ..مريم أنا... أنا آسف كنت غبي و متهور، أنا عارف إنك موجوعة و مني أنا بالذات بس أعذريني حطي نفسك مكاني، للأسف اللي عمل كدة نجح أنه يزرع جوايا الشك، بس أوعدك هدور وراه ومش هسكت إلا لما أعرف مين هو و ساعتها هندمه على اليوم اللي أتولد فيه، مريم..مريم كلميني أرجوكي متقعديش ساكتة كدة.
مد يده ناحية وجهها ليمسح عبراتها إلا أنها بقت عالقة بالمنتصف عندما وجدها تنكمش بنفور منه و تغلق عينيها، وكم ألمه ذلك ! و علم حينها أن الطريق لوصالها صعباً، صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
نهض من مكانه ثم مال عليها مقبلاً إياها بقوة على رأسها و كأنه من خلالها ينقل لها ندمه و أسفه، ثم انتصب واقفاً و غادر الغرفة وهو يجر أذيال الخيبة خلفه، فتطلع له الموجودون و أعينهم تتساءل بلهفة، و لكنهم تراجعوا بحزن عندما قرأوا الإجابة المرسومة على وجهه.
دلفت والدتها لها التي مكثت معها وقتاً طويلاً تطمئن فيه عليها، و بعد وقت غادروا بعد أن أوصوا منال بأن تعتني بها.
و منذ ذلك الحين وهو يأتي يومياً طلباً للعفو و المسامحة، و لكنها ترفض بكل حسم فما فعله ليس بهين.
فاقت من شرودها على دقة الباب و دلوف عمتها بعدها لتقول بابتسامة بسيطة :- مريومة حبيبتي في حد برة عاوز يشوفك.
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا