مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الحادى والثلاثون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر - الفصل الحادى والثلاثون
تابع من هنا : رواية غرام
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر - الفصل الحادى والثلاثون
"بداية أم نهاية؟"
غادر الحضور رويدًا رويدًا بعد انصراف العروسين، ولم يتبقى إلا القليل، منهم أسرة طارق التي تودع المدعويين .. وحان وقت مغادرتهم، فلاحظت تهاني وجود سارة في الحفل لتندهش برؤيتها .
لاحظ محمود تغير قسمات وجهها فمال عليها مستفسرًا:
- مالك يا تهاني؟
ردت بانفعال وصوت منخفض حتى لا يستمع إليها من حولها:
- إيه اللي جاب البنت دي هنا .. هي ليها عين تيجي بعد اللي حصل؟!
نظر محمود حوله يبحث عما تقصدها زوجته، إلى أن وجد سارة تقف بمفردها، فعبث وجهه وأردف بخيبة أمل:
- مجايب ابنك .. حسابه معايا تقل أوي .. بس لما يرجع
وقد سمع كل هذا الحوار إيهاب الذي كان يقف بالقرب منهم، فمعهم حق .. هو شخصيًا تفاجيء بوجودها ولم يتوقع مجيئها كما فعلت في المنزل صباحًا .
قرر أن يتدخل قبل أن تحدث مشكلة بسببها .
فذهب إليها مسرعًا وهمس بجانبها:
- إللي كنتِ جاية عشانه خلاص مشي .. وجودك هنا هيعمل مشاكل، أهله شافوكِ ومش قابلين وجودك
ردت سارة باستهزاء وضيق:
- ليه يعني إن شاء الله !!
انفعل إيهاب بها وكأنها لم تفعل شيء، ملاك بريئ:
- هو اللي هببتيه الصبح ده كان عادي بالنسبالك !! .. لاقوكِ في حضنه عايزة يعملوا إيه يرحبوا بيكِ مثلًا؟!
ردت باستخفاف شديد واصطنعت البراءة والبكاء:
- أنتوا مكبرين الموضوع كده ليه .. هو أنا يعني كنت أذنبت عشان جيت أشوف خطيبي قبل ما يكون لواحدة غيري .. يرضيك يعني ما أنا مليش ذنب زيهم بالظبط ولولا اللي حصل كنت زماني مكانها والفرح ده كله معمول عشاني .. خلاص يا إيهاب صاحبك نساني ومبقاش محتاجني في حياته
تأثر إيهاب بكلماتها المصطنعة الزائفة، وبدأ قلبه يتعاطف معها، ولكن رد بحزم:
- مقصدش اضايقك يا سارة .. بس أنا خايف عليكِ من كلامهم .. ما أنتِ عارفة طارق بيعمل كل ده عشانك .. لازم تمشي من هنا دلوقتي متجبيش له مشاكل أكتر من كده او بتحبيه بجد
ابتسمت بخبث وقالت:
- ماشي يا إيهاب بس خليك فاكر
رحلت بتعالي وإنتصار والبسمة لم تفارق وجهها، زفر هو ضيق شديد ولم يصدق ما وصلوا إليه جميعًا .
عاد لأسرة طارق فور تأكده بأنها اختفت عن ناظره، ليجدهم عابسي الوجه والضيق يملئ نظراتهم، أصبح في حيرة عارمة لا يعرف ماذا يفعل أو ماذا يقول، ولكن عليه أن يلطف الجو قليلًا حتى لا يزيد ثقل المتاعب على طارق حتى عودته .
نظرت له تهاني بلوم وعتاب وهي تقول:
- أظن هتقولي كمان إنك ملكش علم بوجودها هنا
رد إيهاب سريعًا مدافعًا:
- ولو قلت لحضرتك آه لازم تصدقيني .. أنا اتصدمت أكتر لما لقيتها جات الفرح، حتى طارق مكنش على بعضه خاف ألا تشوفوها وتحصل مشكلة زي الصبح وهو مش ناقص .. صدقيني طارق ملوش ذنب في وجودها .. هو آه أنا عارف إنه غلطان عشان سمحلها تفضل معاه كل ده بس ميعرفش ولا كان يتوقع وجودها أبدًا
زفر محمود بحيرة ولا يعرف هل يقوم بتصديقه أم لا، ولكنه يشعر بصدق كلماته، نظر له وقال في تردد وعلى نبرته الحزم:
- تفتكر صاحبك بالوضع إللي هو فيه ده ..
فهم إيهاب مقصده جيدًا ليصيح به معترضًا:
- لا استحالة يا أستاذ محمود .. حضرتك عارف طارق كويس .. هو صحيح بيحبها بس عمره ما تجاوز معاها ولا ضعف قدامها ولا غيرها .. طارق مش كده هو عارف حدوده معاها كويس
رد محمود بقلق وجدية:
- أتمنى ده يكون اللي حصل فعلًا .. بس دي عمله السيء وياما نصحناه قبل ما يرتبط بيها وهو مفيش فايدة .. لازم يدفع تمن غلطته
تنهد إيهاب وهو يعلم أن حديثه لن يغفر له ما حدث، نظر لمحمود قائلًا:
- نأجل الكلام ده بعدين .. الحمد لله إنه اتجوز على خير .. حضرتك مش محتاج أي حاجة ؟
رد محمود بود:
- شكرًا يا إيهاب كفاية وقوفك معاه
ابتسم وأكمل:
- متقولش كده .. طارق اخويا مش بس صاحبي .. تصبحوا على خير
ردت تهاني ومعها محمود:
- وأنت من أهله
رحل إيهاب هو الآخر، وتفكر تهاني في الحديث الذي دار بينهم وهي على يقين تام بأن طارق لم يفعل شيئ كما يظنون، قلبها لم يكذب عليها قط بشأنه .
بعد قليل مرت بجانبهم سميحة وقررت أن تلقي عليهم السلام قبل أن تودعهم .. يعلم محمود جيدًا أن سميحة على عكس شقيقها تمامًا، فقد أخبره هاشم من قبل على الخلاف بينهم منذ وفاة زوجته، وعتابه قبل وفاتها حتى، فمهما كان الخلاف بينه وبين هاشم هي لا علاقة به .
- مبروك يا أستاذ هاشم .. كان نفسي أقولها في ظروف أحسن من كده .. وياريت متاخدش على خاطرك مني بسبب هاشم
ابتسم محمود بحزن ليرد بود:
- الله يبارك فيكِ يا مدام سميحة .. الحمد لله على كل حال .. متقوليش كده ملكيش ذنب في أي حاجة حصلت
لتتدخل تهاني في الحديث مضافة:
- احنا خلاص بقينا أهل يا مدام سميحة .. وسلمى ربنا عالم زي نور وطارق .. أنا متاكدة أن ربنا هيخلق ود ما بينهم .. والحمد لله أن الموضوع خلص من غير مشاكل .. يارب بس يكون هاشم ارتاح بعد اللي عمله ده ويسيبنا في حالنا بقى
ابتسمت سميحة بحزن وخيبة أمل:
- هاشم يرتاح ؟! .. إذا كان مرتحش بعد اللي حصل في مراته وعايز يكمل على بنته الوحيدة تقولي يرتاح !! .. ربنا يهديه بجد .. حقيقي صعبان عليا باللي بيعمله في نفسه ده
رد محمود معلقًا:
- ومين سمعك .. نهاية اللي بيعمله ده مش في صالحه .. لازم يفهم ده كويس
ابتسمت بحزن وهي تستعد للرحيل:
- يا رب .. أستأذن أنا بقى وفرصة سعيدة أوي
أردفت تهاني على الفور:
- هتروحي ازاي دلوقتي .. أمير راح يوصلهم استني نوصلك طريقنا واحد
ابتسمت بحرج لتقول:
- مش عايزة اتعبكوا كفاية مجهود النهارده .. هطلب اوبر
محمود رد سريعًا بمنتهى الذوق واللطف:
- لا طبعًا ميصحش .. اتفضلي معانا
ابتسمت سميحة على ذوق محمود ورحلوا من الحفل جميعًا .
*********************
أردف ويكاد أن ينفذ صبره:
- هتفرق يعني بذمتك ؟! .. مش هعيد كلامي تاني .. أنا عارف إننا مغصوبين على بعض وبقى أمر واقع .. وده مش هيغير حاجة
نظرت له بتحدي وقالت بانفعال:
- عليك نووووووور .. وده معناه إني مش هكون ليك يا طارق وأنت مغصوب عليا .. أنا مفرقش معاك في حاجة ولا أي حد .. كل اللي بيقربلي عشان الفلوس وبس .. عارفة إنك مش طايقني ولا قابلني حتى .. بس أطمن الموضوع يهدى شوية وكل واحد يروح لحاله .. وترجع لحياتك وخطيبتك
تركته قبل أن الدمع يفر من مقلتيها ودخلت الحمام، تركته مشتت يتأمل كل كلمة تفوهت بها، حزين وفرح في الوقت ذاته ولا يعلم كيف .
فتحت صنبور الماء وجلست على طرف حوض الاستحمام تبكي بشدة، الدمع يسيل على وجنتيها بغزارة في صمت حتى لا يسمعها، قلبها يعتصر حزنًا وألمًا على حالها وحياتها التي ذهبت هباءً .. على يوم عرسها الذي تدمر بكل معنى للكلمة وعن شريك حياتها المغصوب على زواجه منها .. ماذا فعلت لتستحق كل هذا ؟ .
لا تعلم كم من الوقت مر على جلوسها وصمتها بهذا الشكل وهي لا تزال برداء زفافها الاسود، غسلت وجهها جيدًا من أثر البكاء وأغلقت المياة سريعًا .
بدلت رداءها ونظرت حولها لتكتشف بأنها لم تجلب معها ملابس، فلم تجد سوا بشكير تناولته وأحاطت به جسدها، وجعلت شعرها مرفوع بالأعلى .
فتحت الباب برفق لتجد طارق يسير في الغرفة ذهابًا وإيابًا، قلق على تأخيرها هذه المدة وهي بالداخل، أطمئن قليلًا عندما قطعت صوت المياة .
لا تعرف كيف تخرج وهي بهذا الشكل، فتظل حبيسة الحمام إلى أن تجد مخرج .. استجاب الله لدعاءها فقد سمعت رنين هاتف طارق ليخرج من الغرفة ويتحدث في الخارج .. استغلت فرصة خروجه وخرجت سريعًا وهي تضع حقيبتها على الفراش وتبحث فيها عن أي شيء ترتديه، ليدخل طارق فجأة وهي في هذا الوضع ليندهش مما رآه وهو ينظر لها بإعجاب، شعرت بوجوده لتصرخ بشدة وهي تضم جسدها الملتف بالبشكير بذراعها، ليفزع هو ويصيح بخضة
- يا مجنونة خضتيني
لتصرخ هي به :
- دور وشك .. أنا بردو!! .. مفيش أحم ولا دستور
أدار وجهه وهو يضحك بصمت على خجلها بشدة وقرر أن يلعب معها قليلًا كي يثير استفزازها كما فعلت معه قبل صعودهم:
- بس إيه الجمال ده كله
شعرت بالخجل والغضب الشديد فضربه بالوسادة على رأسه جعلته يتألم ليصيح بها:
- آاااااه ... متجوز هبلة صحيح .. اومال لو قلتلك بحبك كنتِ عملتي إيه؟
صاحت به في ضيق وهي تخفي توترها :
- حبك برص .. اختشي
لم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر من ذلك، فضحك بشدة مما أثار استفزازها:
- هموووووت مش قادر ههههههههه طلعتي مسخرة وأنا معرفش
صاحت سلمى بغضب :
- متحترم نفسك بلعب معاك أنا!!
لا يزال يضحك لتغلق الحقيبة وتضعها على الأرض بعنف:
- نام أحسن .. عيل مستفز
أدار وجهه إليها وجدها أتممت ملابسها وراقبها وهي تأخذ وسادة وتتجه نحو الأريكة، ليرفع حاجبه مندهشًا:
- بتعملي إيه؟
ردت وهي تفرد جسدها على الأريكة:
- هنام .. عندك مانع؟ .. ماهو استحالة أنام جنبك
عاد لطبيعته وشعر بالضيق فجأة ليقول ساخرًا:
- متخافيش مبعوضش
ردت بهدوء وهي تدير ظهرها:
- تصبح على خير يا طارق
زفر بشدة واتجه الى الفراش وظل مستيقظًا ينظر إلى السقف، وهي على وعي بكل ما يفعل، فلم تذهب للنوم بعد .. قرابة عشر دقائق وغفلت تمامًا .. أما هو نام بعد فترة من التفكير .
********************
صعدت تهاني ومحمود إلى غرفتهم بعد يوم مرهق وطويل بكل تفاصيله، والمشكلات التي واجهتهم في بداية الطريق التي لم تكن في الحسبان .. ولكن حمدًا لله أن الأمور صارت على ما يرام .
بدلت ملابسها وألقت بجسدها المرهق على الفراش بألم، لتقول وهي تتنهد:
- ياااااااااه أخيرًا كل حاجة تمت على خير .. أنا مش مصدقة بجد
ليجلس محمود بجوارها مؤيدًا على حديثها:
- أنتِ بتقولي فيها يا تهاني .. الحمد لله فعلًا .. ربنا يستر من اللي جاي
اعتدلت تهاني بقلق وهي تنظر إليه باهتمام:
- متقلقنيش يا محمود .. اللي حصل؟
تنهد بعمق وقال دون أن ينظر إليها:
- مش مطمن للشركة دي أبدًا .. ومن علاقة سلمى بطارق خاصًة بعدما أتقفل عليهم باب واحد .. الولاد مش طايقين بعض
تنهدت تهاني براحة وعادت لوضعها كما كانت:
- والشركة هتعوز منكوا إيه أكتر من الشرط المكتوب في العقد! .. أي كان اللي هيحصل إياك توافق على حاجة تاني .. وبالنسبة للولاد أنا عارفة إن الوضع صعب خاصًة على سلمى .. بدعي ربنا يخلق بينهم ود ومحبة في قلوبهم .. شوية شوية وهياخدوا على بعض
نظر لها محمود ليقول بجدية:
- ده لو العلاقة دي أستمرت بينهم .. ابنك ناوي على طلاق يا تهاني
انتفضت تهاني وصاحت فجأة:
- هو إللي قالك مش كده؟ .. ولا ده كلام اللي ما تتسمى ؟
تنهد بحزن ليستئنف حديثه:
- لا هو اللي قالي إنه مجبور عليها ومش بيحبها ولا طايق يعيش معاها .. يستحمل أيام شهر العسل تكون الشركة على علم بجوازهم وساعتها هيطلقوا وكل واحد يروح لحاله
نظرت تهاني للفراغ وهي تكمل بغضب:
- سلمى تعرف حاجة عن القرار ده ؟ .. وطبعًا هيتجوز اللي خطبها
ليرد محمود بحنق يشارك تهاني بغضبه المكتوم:
- معرفش إن كانوا متفقين على كده ولا لأ .. كل حاجة هتبان .. طبيعي جدًا .. هو أنتِ مش عارفة ابنك متمسك بيها على ازاي .. ومهما تقولي أو تعيدي مش هيسمع كلامك .. ابنك خلاص مبقاش يعمل حساب لحد
تهاني ألتفت إليه لتقول بتحدي:
- على جثتي لو بقت على ذمته ليلة واحدة .. ربنا يهدي سره هو وسلمى
هدأ محمود بعدما تذكر ابنته ليقول بلهفة:
- أتصلي بنور شوفي وصلوا فين لغاية دلوقتي .. الساعة 12
تناولت هاتفها وهي تتذكر شيئًا لتقول:
- واحنا طالعين كنت بتصل بيها ..
قطعت حديثها في دهشة وهي تنظر لهاتفها بعدما أضاءت شاشته، لتجد أن نور على قيد الإتصال بها حتى الآن وقد سمعت الحديث الدائر بين والديها لتتحدث تهاني سريعًا بعدما فتحت مكبر الصوت:
- ايوة يا حبيبتي .. أنتِ كل ده معايا على الخط ؟!
ردت نور والدهشة لا تزال مرتسمة على وجهها:
- ايوة يا ماما .. فتحت عليكِ وبقول ألو كتير محدش بيرد .. لسة هقفل السكة شدني الحوار بينكوا مقدرتش أقفل بصراحة .. هو الكلام ده صحيح يا ماما؟
نظرت تهاني لمحمود بحزن ثم قالت:
- مش وقته الكلام ده يا حبيبتي .. أنتِ فين دلوقتي؟
ردت نور بنفس النبرة:
- أنا خلاص خمس دقايق وهبقى قدام البيت
أومأت بحزن لتقول بهدوء:
- ماشي يا حبيبتي تيجي بالسلامة .. سلميلي على أمير
أنهت نور المكالمة قائلة:
- حاضر يا ماما .. سلام
*********************
أغلقت نور المكالمة ودون أن تنظر لأمير قالت:
- ماما بتسلم عليك
لاحظ أمير هدوءها وتغير وجهها أثناء المكالمة بشكل كبير وملحوظ، قرر أن يحترم مشاعرها ولن يسأل، ولكن طال الوقت على حالتها بهذا الشكل وأراد الاطمئنان عليها:
- الله يسلمها .. أنتِ كويسة يا آنسة نور ؟
ردت بنفس الحالة:
- طارق وسلمى هيطلقوا
اندهش أمير قليلًا ثم قال بهدوء:
- هما لحقوا يتجوزا عشان يطلقوا !! .. كانوا متفقين على كده؟
أومأت برأسها نافية لتردف بحزن:
- معرفش .. معرفش اللي حصل بينهم .. بس ده قرار طارق اللي بلغه لبابا .. كنت متوقعة أن ممكن يسيبوا بعض بعدما الصفقة تخلص وكل واحد يشوف حياته .. إنما مش بعد الهااني مون يا أستاذ أمير
اندهش أمير كثيرًا مما سمع .. إلى هذه الدرجة لا يحبها ولا يريد الإستمرار معها في علاقة واحدة؟! .. لهذه الدرجة يبغضها ؟! .. ليرد دون أن يشعر بانفعال:
- هو اخوكِ ده إيه مش مراعي شكلها قدام الناس .. بيفكر في نفسه وبس !! .. مستعجل أوي
شعرت بالضيق من كلامه ولكن في نفس الوقت معه حق، كان لابد منه الإنتظار فترة على الأقل، لترد بضيق على الفور:
- عندك حق .. مش مستريحة للقرار ده عامًة
شعر بضيقها في نبرة صوتها، مهما كان هو أولًا أخيرًا اخيها، فلانت نبرة قليلًا:
- أنا آسف إني انفعلت وقلت عليه كده .. غصب عني صدقيني .. متعرفيش سلمى تبقى بالنسبالي إيه
ابتسمت نور على صدق كلامه وإعتذاره ونبل مشاعره لترد سريعًا:
- مش زعلانة منك .. أنت معاك حق فعلًا .. أنا مضايقة عليهم هما وعلى تصرفه .. هنزل هنا
نظر أمير حوله وجد نفسه أمام منزلها، ليهم ويقول وهي تفتح باب السيارة:
- وأنا آسف مرة تانية .. تصبحي على خير
ابتسمت وهي تغلق الباب جيدًا:
- وأنت من أهله
تنهدت وأسرعت في خطواتها للداخل، بعدما تأكد من ذلك وأطمئن عليها تحرك هو بسيارته مبتسمًا .
صعدت إلى غرفتها دون المرور بغرفة والديها، أغتسلت وبدلت ملابسها لتلقي بجسدها المرهق على فراشها بتعب كبير، وهي تفكر في الحوار الذي استلقت سمعه على الهاتف بالصدفة، حزينة حقًا ولا تريد الإنفصال بينهم بهذه السرعة، وقررت عدم مواجهة سلمى بأي شيء مما سمعت في الوقت الحالي .
******************
أطمئنت تهاني من دخول ابنتها لتعود لفراشها ويبدو على وجهها الحزن والحيرة، ليربت محمود على يدها بحنان ويقول:
- كان كده كده هتعرف بالقرار ده
زفرت تهاني بضيق وأردفت:
- مش بالسرعة دي .. أنت عارف نور متأثرة بكل اللي بيحصل والاتنين غاليين عندها ومش متحملة تشوف وضعهم بالشكل ده
رد بضيق هو الآخر:
- عارف يا تهاني .. بس هنعمل إيه مش هنقوله كمل جوازك منها بالعافية .. بركة إنهم وافقوا ببعض
ابتسمت تهاني محاولة منها تهدأته، لقد شدت أعصابه كثيرًا وجاء وقت الرخي:
- متقلقش يا حبيبي .. يا عالم بكرة في إيه .. يلا ننام بقى الصباح رباح .. من الصبح وأنت على رجليك
قبّل جبينها وقال باسمًا:
- تصبحي على خير يا قلبي
ردت بابتسامة هي الأخرى:
- وأنت من أهله
********************
في صباح اليوم التالي استيقظت سلمى بجسد مؤلم للغاية ومرهق إرهاق شديد، تنهدت بعمق وهي تحاول أن تفتح عيناها .. لتنتفض فجأة وهي تتلفت حولها لتستعب أين هي حتى أن تذكرت ما حدث ليلة أمس .
زفرت بضيق وهي تغلق عيناها وتفتحها مرة أخرى لتتأكد بأنها لم تكن تحلم وإنه واقع بكل تأكيد .
نهضت وهي تبحث بعيناها على طارق فلم تجد له صوت .
ذهبت إلى الحمام وقرعت على الباب عدة طرَقات ذهبت، فلا توجد إجابة .. توخد الحذر وهي تفتح الباب بهدوء وتُدخل رأسها ببطيء لتتفاجئ من فراغه، فتحته على مصرعيه وهي في حالة اندهاش كاملة وعقلها يفكر إلى أين ذهب يا ترى في هذا الوقت من الصباح .
ركضت ونظرت في هاتفها لتجدها الساعة الحادية عشر صباحًا .. لا تفهم أي شيء ولا تعرف أين هو، فقررت أن تستحم أولًا ثم تفكر ثانيًا .
خرجت وقامت بالإتصال به، إن الهاتف مغلق أو غير متاح .. ألقت به على الفراش بغضب شديد على هذا الموقف المزعج وزفرت بحنق، وقررت إستئناف الحرب الباردة معه، فهو من بدأ إذا .
أرتدت بنطال من الجينز تحت الركبة، على كنزة بيضاء بحمالة عريضة وصففت شعرها الطويل للأعلى، وأرتدت أخيرًا حذاء رياضي أبيض اللون، تناولت حقيبتها الصغيرة وهاتفها وخرجت من الغرفة في حالة من الضيق والغضب الشديدين .
خرجت من الفندق بعدما طلبت سيارة أوبر وقامت بتوصيلها إلى هدفها المنشود وهي تنوي على استفزازه اليوم .
********************
استيقظت نور وهي تشعر بأنها في حاجة كبيرة من النوم مجددًا، واخمة ومرهقة أثر ليلة أمس .. ابتسمت حين تذكرت شكل يوسف المنزعج من حديث أمير لها، على الرغم أنها لا تعرف سبب تلك المعاملة المتغيرة ولكن فرحة عندما شاهدت نظرة الضيق على وجهه لا تعرف لماذا .
نهضت من فراشها واغتسلت ثم صلت فرضها ونزلت تبحث عن أفراد أسرتها .. وجدت سميحة تجلس في مكانها المفضل بالحديقة، ابتسمت وجلست بجوارها
- صباحك فل يا توتو
ابتسمت تهاني :
- صباح النور يا حبيبتي .. نمتي كويس؟
ردت نور باسمة وهي تمطي ذراعها للأمام بتعب:
- آه الحمد لله .. بس حاسة إني عايزة أنام تاني مش قادرة
ولا تزال البسمة معتلة وجه تهاني لتردف:
- معلش يا نور من مجهود امبارح .. فوقي كده مفيش نوم تاني وافطري
مالك برأسها للخلف بوجه نائم في تساؤل:
- خمسة كده ونفطر سوا
وضعت تهاني فنجال الشاي أمامها وقالت بمرح:
- لا بالهنا والشفا ليكِ أنتِ .. فطرت أنا وأبوكِ
اعتدلت لتقول باهتمام:
- آه صحيح هو نزل الشركة ؟
أجابت تهاني بهدوء:
- آه .. من حوالي ساعة ونص كده ولا حاجة .. الساعة 11 يا آنسة وداخلين على الضهر
تنهدت بخيبة أمل وهي،تنهض:
- طيب .. أنا هقوم بقى أروح النادي .. محتاجة أجري شوية
نظرت لها تهاني مردفة بنبرة تحذيرية:
- مفيش خروج قبل ما تفطري
زفرت بضيق لتجلس مجددًا:
- ما حضرتك عارفة إني مبحبش أَكُل لوحدي .. ماهو لو كنتِ صحيتيني كنت فطرت معاكوا .. واللي كنت بفطر معاها اتجوزت .. هاكل أي حاجة لما أجوع هناك بقى
تنهدت وردت بصرامة :
- صعبتي علينا يا ستي من ليلة امبارح .. قلت اسيبك تنامي براحتك .. احنا اللي غلطانين
كادت أن تقوم ولكن تذكرت شيئًا ما:
- آه بالحق إيه الكلام اللي سمعته امبارح ده؟
ردت تهاني بحزن، سوف تعرف نور في أي وقت على أي حال:
- أنا اتفاجئت زيي زيك بالظبط .. ده اللي ناوي عليه اخوكِ .. ناوي يطلقها بعدما يرجعوا من السفر .. أنا مش فاهمة بيفكر ازاي ده
شردت نور وقالت بحزن:
- كلام أمير صح
اندهشت تهاني لتتسائل باهتمام:
- كلام إيه ده؟
أكملت نور بانفعال:
- طارق بيتصرف بأنانية .. مش همه شكلها هيبقى إيه لما يطلقها بعد كام يوم من الفرح .. بصراحة بقى هو معاه حق .. مستعجل على إيه مش فاهمة
نظؤت تهاني لها بخيبة أمل:
- الود ودي أقولك أتكلمي معاه وعقليه بس ..
قاطعتها نور بضيق وانفعال بسيط:
- آسفة يا ماما مقدرش .. مش قادرة أنسى كلامه ليا لحد النهارده .. قلبي مش أسود بس مكنتش متصورة أن الكلام ده يطلع من أقرب حد ليا .. اخويا!! .. عن أذنك
رحلت على الفور قبل أن الدموع الحبيسة في مقلتيها تفر هاربة منها، من الصعب أن تأتي لحظة كهذه ولا تستطع أن تكون بجواره .. ولكن حسم الأمر .
جلست تهاني مكانها تبكي على حال أولادها وتفكر كيف تربط الود بينهم مرة أخرى .
********************
دخل الشركة وأعين الموظفين والعمال منصبة عليه بدهشة وفضول من مجيئه للشركة في الوقت الحالي، المفترض منه إنه "عريس" لم يمر على زواجه إلا ليلة واحدة .
لم يعير اهتمام أو نظرات الجميع وأتجه إلى مكتبه، بمجرد أن جلس على مقعده تلقى مكالمة من الهاتف الخاص، فرفع السماعة وبدأ الرد بهدوء:
- ألو .. ايوة يا بابا
صاح به محمود بغضب:
- ايوة في عينك .. تعالى مكتبي حالًا
أغلق في وجهه المكالمة وزفر طارق بضيق وحنق شديدين، وعلم أن بداية المشاحنة بدأت للتو .
ذهب إلى غرفة مكتبه ودخل بعدما قرع على الباب وسمع الإذن بالدخول .
بمجرد أن دخل نهض محمود بغضب من مقعده ووقف قباله وصاح به في غضب:
- أنت بتعمل إيه عندك يا أستاذ .. في راجل في الدنيا يسيب عروسته يوم صباحيته ويخرج ويسيبها للشغل يا أفندي أنت ها ؟! .. أنت اتجننت مش شايف شكلك والموظفين بيبصولك ازاي؟! .. أوري وشي فين من الناس
طارق رد بلامبالاه كعادته:
- ممكن أفهم حضرتك معصب نفسك أوي كده ليه؟
كاد محمود أن ينفجر من بروده لينفعل :
- يعني كل ده ومش عارف ليه ولا حاسس بغلطتك ؟
يعلم جيدًا نهاية هذا النقاش البديع مع والده، فيردف بهدوء:
- وفيها إيه لما أنزل شغلي .. هو الجواز هيمنعني عن مستقبلي كمان؟! .. مش كفاية الفترة اللي فاتت وكل حاجة بقت في النازل
طرق محمود على مكتبه بغضب شديد ليقول بانفعال أكثر:
- أنت عايز تجيب أجلي يا ولد أنت .. مستقبل إيه يابو مستقبل اللي يخليك تسيب عروستك في يوم زي ده وتنزل !! كنت اشتكيت لك .. أتفضل دلوقتي حالًا ترجع الاوتيل وأقعد مع عروستك حتى لو كان شكل جوازكوا إيه إللي بتعمله ده ميصحش
شعر بالحنق الشديد، من الأفضل عدم الرد لأنه لن يجدي نفعًا على الإطلاق في الوقت الحالي، على الرغم من معرفته باتفاقه .
فتحت الباب على مصرعيه وخرج على الفور ليجد الموظفين متفاجئين من الشد بينهم وصوت محمود الذي بدأ بالعلو تدريجيًا، وهذه كانت المرة الأولى يحدث بينهم شد بهذا الشكل في الشركة .
********************
البسمة تزين صغره وهو يشاهد ذكرياتهما على جهاز الحاسوب الخاص به، صورة تلو الأخرى .. تلك الأيام الماضية مرت بسرعة البرق، يتذكر تلك البسمة والحيوية التي كانت تتمتع بها، حديثهم المتواصل والزيارات المتواصلة بلا أنقطاع بينهم، كل هذا تبدل إلى العكس تمامًا، لم يعد له وجود من الأساس .
لقد اشتاق لها كثيرًا، للماضي وحنينه له يزداد كلما رآها أمامه وهو يحاول إقناع نفسه بأن هذه الوردة البرية المنطفئة كانت يومًا ما متفتحة بهية، تزهو وتنقل عطرها لكل من يقترب منها .
ولكن ما شاهده أمس وفي الأيام السابقة عكس ما يتمنى تمامًا .. لن يشاهدها في البحر غريقة بمفردها بعد ذلك ولا يمد لها يد العون .. لقد عرف الحقيقة بالكامل عند عودته، وأدرك كم عانت لتصبح ما تبدو عليه الآن .
أغلق حاسوبه وخرج من الغرفة، ليمر على المكبخ ويرى والدته في الداخل تعد الفطور
- مش نازل شغلك النهارده ولا إيه؟
رد أمير وهو يستند كفع بالحائط بجانبه:
- هدخل أخد دش عقبال ما الفطار يجهز
أردفت سميحة وهي تكمل عملها ودون النظر إليه:
- طيب صحي يوسف قبل ما تدخل عشان تفطروا سوا
أستوقفته تلك الجملة كثيرًا، ليقول باندهاش:
- إيه ده هو جاه أمتى؟
ردت سميحة وهي تحضر الطعام وتخرج من المطبخ:
- بعدما رجعت بشوية كنت نمت .. شد مع خالك وساب البيت
جلس أمير على مائدة الطعام وهو يزفر بشدة وضيق:
- هو اخوكِ دي مش هيبطل بقى اللي بيعمله ده !!
وضعت الطعام وقالت بحزن:
- قصة حزينة طويلة .. وشكلها كده ملهاش نهاية .. ربنا يهديه مفيش في أيدينا حاجة إلا ندعيله
وقف أمير معترضًا:
- لا فيه يا أمي .. لازم نردعه عن اللي بيعمله .. ولاده خلاص مبقوش صغيرين على تصرفاته دي .. أنا هدخل أصحيه
تركها ودخل غرفة يوسف ليوقظه، خرج أمير وبعد عدة دقائق من استعادة يوسف وعيه أتبعه، غسل وجهه وبدأ يتناول الفطور معهم وهو يتذكر ليلة أمس .. أرتدى أمير ملابسه وانطلق إلى عمله وظل يوسف مع سميحة .
********************
تشعر بالغيظ الشديد مما حدث، فلم تجد ما تُنفس به عما بداخلها سوا الركض، أخذت ساحة الركض أكثر من عشر دورات كاملة بتحدي وعقلها يعتصر من التفكير والضيق الشديد يسيطر عليها من الداخل وتجمعت الدموع في مقلتيها .
أسوء شعور ما مرت به هذا الصباح، لهذه الدرجة يبغض منها ليتركها تستيقظ ولم تجده بجوارها ؟، مهما كانت طريقة زواجه منها يجب أن يحترم مشاعرها على الأقل أمام نفسها أكثر من الغير وهو يتركها هذا صباح ليلة عرسهم .
يجب أن تأخذ موقف جاد أثر ما فعل، ولكن التساؤل هنا إلى أين ذهب وتركها يا ترى؟ ..
أخرجت كل شيء من تفكيرها وقررت أن تصفى نفسيتها أولًا قبل أي شيء .
********************
ابتسمت عندما تذكرت لقاءهما معًا كل مرة في هذا المكان، الذي طالما شهد الكثير من الذكريات الجميلة لهما، وكلما ذهبت إليه لابد وأن تلتقي بها، وها قد جاء اليوم ولن تراها فيه .
ظلت تسير قرابة خمسة عشر دقيقة بلا هدف، فقط من أجل صفاء ذهنها وترتيب أولوياتها في الفترة القادمة التي سوف تغير من مجرى حياتها، خاصًة ما حدث في الفترة الاخيرة .
شهقت وخرجت من شرودها على صوت جاسر وهو يقول:
- صباح الخير
ألتفت بجانبها لتندهش من وجوده:
- خضيتني يا جاسر .. صباح النور
ابتسمت وبدأ بالحوار:
- أخبارك إيه؟ .. بقالي كتير مبشوفكيش في النادي الصبح
ابتسمت وردت في هدوء:
- آه .. تغير وكده .. نفسيًا مش قادرة أنزل لا الكلية ولا الشغل النهارده
ابتسم وهو يحاول أن يتمادى معها في الحوار:
- آه صحيح مبروك على جواز اخوكِ .. عقبالك
عقدت حاجبيها في دهشة لتعلق على ما سمعت:
- الله يبارك فيك .. بس أنت عرفت ازاي
ضحك جاسر ليجيب على الفور:
- إيه يا بنتي مفتحتيش نت الصبح ولا إيه .. ده الخبر منشور .. ثم اخوكِ مناسب عيلة الجوهري ومين ميعرفهاش
رفعت حاجبها في دهشة:
- هو لحق يكتب كمان!! .. لا مفر للاتنين
أردف جاسر بعدم فهم:
- قصدك إيه يا نور؟
نظرت له وقالت بشرود:
- لا متخودش في بالك
ثم قال بتلقائية والبسمة مازالت مزينة ثغره:
- على العموم مبسوط إني شوفت أوي النهارده .. وأتمنى اشوفك في المرسم قريب .. مش عارف ليه تخيلت بسلمى هنا
اندهشت نور كثير لتقول نافية:
- إيه اللي يجيبها النادي .. أكيد متهيئلك ولا حاجة
رد جاسر بكل تأكيد:
- لا بس أنا متأكد والله .. زي ما أنا شايفك قدامي كده لوقتي
********************
خرج من الشركة وأستقل سيارة أجرة وذهب إلى النادي، احتمالًا أن يلتقي بإيهاب هناك .. يشعر بأنه كاد أن ينفجر ويريد أن يطلق كل هذا من داخله .. تناول هاتفه وقام بالإتصال على إيهاب، لحظات وآتاه صوت من الناحية الأخرى :
- طروووق حبيب قلبي .. صباحية مباركة يا عريس
صاح به بضيق:
- صباحية مباركة على إيه أنت كمان هو أنا ناقصك
شعر بضيقه وتغير نبرة صوته للإنزعاج الشديد ليقول بجدية:
- اللي حصل بابني .. أنت في الاوتيل؟
رد طارق بهدوء قليلًا:
- لا لسة خارج من الشركة وطالع على النادي .. حصلني على هناك .. يلا سلام
أغلق معه طارق المكالمة إيهاب في دهشة من أمره لا يعرف ما الذي فعله هذا المجنون، نهض من فراشه وأرتدى ملابسه وذهب هو الآخر إلى النادي .
******************
وصل طارق وأتجه ليجلس في الكافتريا القريبة من ساحة الركض، مكانه المعتاد .. بعد قليل جاء إيهاب وجلس بجانبه وفي عقله ألف سؤال .. وجده صامت جالسًا في هدوء شديد :
ـ إيه يابني اللي جبك هنا الساعة دي؟ .. أوعى تكون أتخانقت مع سلمى !!
زفر طارق بشدة ثم قال بضيق:
ـ لا يا سيدي مع أبويا
اندهش إيهاب ثم قال بتساؤل:
ـ وأنت شوفت أبوك فين ؟
صاح به طارق بضيق أكثر
ـ أنت غبي يابني في الشركة يعني هيكون فين .. سايب عروستك وجايلي الشركة يوم صباحيتك والكلام اللي أنت عارفه ده
صعق إيهاب وصاح بعدم تصديق :
ـ يا نهارك أبيض .. ما الراجل عنده حق يقول ويعمل أكتر من كده .. وأنت بسلامتك رايح تهبب إيه في الشركة في يوم زي ده ؟
زفر بقوة وهو يردف:
ـ حتى أنت يا إيهاب .. نزلت أشتغل يا أخي في مانع ؟
ضحك إيهاب في ذهول مما سمع كنوع من رد فعل غير متوقع:
ـ لا بصراحة أبوك له الجنة بعد اللي حصل .. أنت أكيد بتستعبط .. حبكت يعني تشتغل في وقت زي ده وأنت مع مراتك والوقت لطيف .. ما أنت متنزلش بالشكل ده إلا لو كانت منكدة عليك يا حصل بينكوا مشكلة
ابتسم بسمة صغيرة على شفاتيه فلا يوجد من يفهمه سواه لهذه الدرجة، ليقول بنوع من الفتور:
ـ من ساعة ما عرفتها مشوفتش منها إلا ده .. فرقت يعني الليلة دي وكله كوم وابن عمتها ده كوم تاني .. من ساعة ما صحيت وأنا مش مصدق إني خلاص أتجوزتها وأنا مش طايق أقعد معاها بأسلوبها ده دقيقة واحدة فنزلت على الشركة قبل ما تصحى والموال يبتدي .. ثم فكك منها هتفرق معايا في إيه أصلًا !!
زفرإيهاب بحزن ثم قال بجدية :
ـ لا أنت غلطان يا طارق .. ملكش حق أنك تسيبها وتنزل بالشكل ده .. يا جاحد تسيبها من أول يوم!! أنت ملحقتش تعرفها بجد ولا أديتها فرصة .. أرجع لعقلك يا صاحبي وقوم أرجع لمراتك قبل ما تصحى .. وأبقى طمنّي
زفر طارق بشدة وأستمع لحديثه جيدًا وأقتنع به، وخرج من النادي ليستقل سيارة أجرة ويعود بها إلى الفندق
********************
قلقت نور من حديثه كثيرًا وتخشى أن يكون صحيح، أنهت معه الحوار وذهبت لتتجول في أنحاء المكان تبحث عنها، بعدما صدر يقين في داخلها من حديثه بأنها موجودة هنا حقًا، ولكن كيف تلك المجنونة وإن كان صحيحًا ما الذي دفعها كي تقوم بذلك؟ .
إلى أن جاء لخاطرها شيئًا ما، فأتجهت إلى ساحة الركض فهو المكان المفضل لدى سلمى تخرج به طاقتها السلبية، وبالفعل صعقت مما شاهدته لقد وجدتها هناك بالفعل، ركضت نحوها واعترضت طريقها لتصيح بها:
- ممكن افهم سيادتك بتعملي ايه هنا دلوقتي
وقفت سلمى وأدركت بداية المفاوضات بينهن لترد بلامبالاه:
ـ زي ما أنتِ شايفة .. لقيت نفسي زهقانة قلت أنزل أجري شوية
صاحت بها نوربغضب:
ـ أنتِ بتستعبطي يا سلمى !! في عروسة في الدنيا تنزل يوم صباحيتها !! .. مجنونة بجد
صاحت بها سلمى بضيق:
ـ اومال أعمل إيه يعني هقعد أكلم نفسي مثلًا !!
قضبت نور حاجبيها وقالت باهتمام:
ـ اومال طارق فين؟
أجابت سلمى باستهجان:
ـ طارق ههههههههههههههه اخوكِ سابني ونزل
اندهشت نور أكثر وأردفت:
ـ إيه !! أنتِ بتتكلمي جد !! سابك ازاي المجنون ده ؟!
ردت سلمى بنفس النبرة:
ـ وأنا من أمتى بهزر في حاجة زي دي .. زي الناس يا ستي صحيت لقيتني فجأة لوحدي والأستاذ مش موجود في الجناح كله .. أضايقت طبعًا قلت هعمل إيه لوحدي ويا علم هيرجع أمتى .. قمت لبست ونزلت سهلة أوي
قالت نوع بغير استيعاب:
ـ إيه اللي بيحصل ده .. مش مصدقة اللي يخليه ينزل المجنون ده ؟!
أومأت برأسها نافية وقالت بلامبالاه:
ـ أنا مالي أسألي أخوكِ بقى .. حسابه معايا لما يرجع
مسكت يداها وقامت بسحبها برفق :
ـ طب يلا روحي وجودك هنا مش كويس .. أفرضي يوسف شافك يا فالحة هتدخلي في تحقيق
زفرت سلمى بملل وقالت:
ـ مليش مزاج خليني شوية
سارت بها إلى أن وصلوا إلى البوابة وبدأت نور بتوديعها:
ـ ﻻ ﻻ أنسي .. ممكن طارق يرجع في أي وقت ... يلا وقفي أي تاكسي وأرجعي على طول .. وأبقي طمنيني عليكِ
سلمت أمرها وتنهجت بعمق وقالت:
ـ طيب يا نور .. سلام
أوقفت سلمى أول سيارة أخرة مرت أمامها وأستقلتها، أشارت لها نور مودعة إياها:
ـ سلام .... في نفسها "ربنا يهديكم ويهدي سركم"
*********************
غير مطمئنة على الإطلاق على ما سوف يحدث بعد قليل، نظرت في ساعة يدها لتجدها الثانية عشر ظهرًا، مبكرًا لتعود إلى منزلها وتغيرت حالتها المزاجية فلم تريد البقاء هنا حاليًا .. فكرت بأن تمر على السيدة سميحة، وبالفعل خرجت من النادي واستقلت سيارتها في اتجاهها إلى منزلها .
قرعت على الباب وأنتظرت قدوم السيدة سميحة لتتفاجئ بيوسف أمامها، صعقت لرؤيته فهي لم تتوقع أبدًا أن تراه هنا .
لقد اشتاق إليها حقًا منذ أمس، كان يفكر بها وإذ بها أمامه الآن، تلاقت أعينهم في لحظات ولا يريد الابتعاد عنها ثانية واحدة، قطع الصمت الدائر بينهم وهو يبتعد عن الباب ويشير إليها :
- أتفضلي
دخلت وهي تتعمد تجاهله، جلست وهي تتنهد في توتر وتفرك في يداها بعدما رأته يجلس بالمقعد المجاور لها ينظر إليها بترقب، توترت أكثر وشعرت بالاحراج، لتسأل سريعًا:
- اومال طنط سميحة فين .. هي مش موجودة؟
رد يوسف بهدوء:
- لا موجودة .. "ينادي" .. عمتو آنسة نور هنا
نظرت له بضيق، كما هو لم يتغير، تنهدت بضيق ونظرت أمامها تفكر وهو لاحظ تغيرها ويشعر بالأسف على ما بدر منه إلى أن جاءت سميحة، نهضت نور وترحب بها .
- لو كنتِ بدرتي شوية كنتِ فطرتي معانا .. فطرتي يا نور؟
ردت نور باسمة:
- لا .. بس متتعبيش نفسك
عاتبتها سميحة وهي في طريقها للمطبخ:
- لا ازاي يا بنتي كده هزعل منك .. لازم تاكلي أنتِ عارفة إنك في معزة سلمى ولا لأ؟
رد نور وهي تشعر بالخجل من كلماتها:
- طبعًا يا طنط بس أنا مش عايزة اتعبك شكرًا
ابتسمت سميحة وهي تنظر ليوسف بحب وتقول:
- تعبك راحة يا بنتي
تركتها سميحة عن قصد برفقة يوسف، كي تعطي لهم مجال للحديث بينهم وهي تراقبهم.
تنتفض سميحة من الفزع عندما ربت أمير على منكبها :
- بتعملي إيه .. مين برة؟
ردت سميحة بصوت منخفض وهي تشير إليه بالمثل:
- ششششش وطي صوتك .. نور برة وسيباها مع يوسف يتكلموا
ضحك أمير وقال:
- آه منك أنتِ يا سوسو .. كده تبوظيلي اللي كنت بعمله
اندهشت وقالت باهتمام:
- بتعمل إيه يا واد
ابتسم وقبًلها من وجنتيها ويقول:
- كنت بعلمه الأدب .. يا رب خطتك تنفع
ابتسمت سميحة وقالت:
- يا رب .. راقب أنت عقبال ما أعمل الساندوتشات لنور وأما نشوف ابن خالك الخايب ده هيعمل إيه
ضحك أمير بشدة وأردف:
- ههههههههههههههه حاضر ... عمالة توفقي راسين في الحلال وسايبة ابنك .. ماشي يا سوسو
شعرت نور بالتوتر الشديد ولا تعرف ماذا تفعل، نحاول بقدر الإمكان أن تسيطر على مشاعرها أمامه وألا تنظر إليه .
أما هو فيريد التحدث إليها ولا يستطيع، يتحرى شوقًا إليها وما باليد حيلة بسبب اخيها، قرر أن يحاكيها:
- أخبارك إيه؟
ردت بهدوء وبرود دون النظر إليه:
- الحمد لله بخير
تردد كثيرًا قبل أن يقوم بسؤالها، ولكن الغيرة والفضول في قلبه يعصره عصرًا:
- هو أنتِ وأمير بعدما أنا نزلت أتكلمتوا في حاجة؟
اندهشت حقًا من سؤاله وتعجبت من أمره، فرسمت الجدية على وجهها وأردفت:
- نعم!! .. ده شيء ميخصكش يا أستاذ يوسف وأرجوك متتعداش حدودك
شعر بالاحراج والضيق الشديدين
************************
عاد طارق إلى الفندق ومنها صعد إلى جناحهما ثم دخل، اندهش من فراغه وأخذ يتجول فيه وهو ينادي على سلمى دون رد، قرع على الباب كثيرًا لم يلتقي أي رد على الإطلاق فدخل القلق لقلبه بأن يكون حدث لها شيئًا ما في الداخل، فأستجمع قواه ودخل الحمام ليجده فارغًا .. فأدرك على الفور بعدم وجودها في الفندق بأكمله .. تناول هاتفه وقام بالإتصال بها وهو في قمة غضبه منها .
تلقت سلمى إتصال لتنظر في هاتفها تجده طارق، شعرت بقليل من القلق في داخلها ولكن قررت أن تتشجع وتواجهه، لتفتح المكالمة ويأتيها صوت طارق الغاضب بشدة من الجانب الآخر:
ـ ألو ايوة يا سلمى
ردت سلمى بمنتهى البرود:
ـ اممم نعم في حاجة
طارق بعصبية صاح بها :
ـ أنتِ فين ؟
تجاهلت سلمي عصبيته وردت بضيق :
ـ سؤال غريب علي فكرة أنا برة
أستكمل حديثه بنفس النبرة :
ـ برة فين !!
أجابت ببرود:
ـ أنت مالك !
أنفعل أكثر من ردها:
ـ هو اللي أنت مالك أنا جوزك ومن حقي أعرف أنتِ فين يوم الصباحية يا هانم
لم تستطع تمالك نفسها أكثر من ذلك لتصيح به بانفعال:
ـ والله أسأل نفسك يا أستاذ قبل ما تعاتبني أنت الاي سيبتني يوم الصباحية ونزلت .. ﻻ هو حلال عليك وحرام عليا
طارق بنفس النبرة :
ـ بتردهالي يا سلمي !!!
ردت سلمى ببرود وتحدي:
ـ سميها زي ما تسميها
طارق محاولا امساك أعصابه، تنهد بعمق وقال :
ـ طيب أنتِ فين دلوقتي ؟
أجابت بضيق:
ـ لسة خارجة من نادي
حاول طارق أن يتمالك ويقول :
ـ طيب أرجعي علي الاوتيل دلوقتي حالًا .. كلامنا لما ترجعي .. سلام
أغلق معها المكالمة وهي في منتهي العصبية، طلبت من السائق الأسراع قليلًا حتى وصلت الفندق ، دخلت وصعدت إلى جناحهم وهي تستعد للمواجهة العصيبة التي سوف تحدث خلال دقائق معدودة، المشاجرة التي طالما أدركت أنها سوف تحدث لا محال .
دخلت الجناح وكان طارق بأستقبالها وهو في منتهى العصبية
ـ ممكن أفهم اللي عملتيه ده !!
ردت بصرامة وبرود :
ـ عملت إيه يعني ؟
طارق يشعر بالاستفزاز من طريقة حديثها :
ـ يعني مش عارفة عملتي إيه ؟
انفعلت سلمى كثيرًا لتقترب منه وأصبحت في مواجته وجهًا لوجه:
ـ كل ده عشان خرجت !! ما أنت اللي سيبتني ونزلت ورمتي هنا بين أربع حيطان أكلم نفسي .. وأمتي في يوم صباحيتي يا سلام حلو أوي يا أستاذ
طارق سريعًا برر موقه:
ـ أنتِ بتبرري موقفك يا هانم .. أنا كنت نازل عشان الشغل وﻻ عشان أتجوزت أسيب مستقبلي
نظرت له في ذهول وقالت :
ـ شغل !! شغل إيه يا أستاذ في يوم زي ده .. وأنا اللي هعطلك على مستقبلك ؟! .. حتي لو كان جوازنا ظروفه كده المفروض تهتم بشكلي ومظهري قدام الناس اللي ميعرفوش الأتفاق اللي مابينا .. ثم أنا مش ببرر موقفي أنت اللي موقفك سليم يعني ما هو الموضوع نفسه
أمسك ذراعها بقوة وجذبها نحوه:
ـ أسمعي يا سلمي من هنا ورايح تسمعي اللي هقولك عليه
أفلتت ذراعها منه وقالت بتحدي :
ـ أنسى يا طارق ملكش دعوة بيا
تركته وهي في قمة انفعالها ودخلت الحمام تهوى دموعها على وجنتيها في صمت، قررت أن تحافظ على كبرياءها وتحافظ على موقفها .
تنهد بقوة وهو يمسح شعره بيده، شعر بالضيق مما فعل وكيف أنفعل بها بهذه الطريقة ، ومنها لأنها خرجت دون أذنه .. على الرغم أنه لم يفكرلحظة بأنه سبق وخرج دون علمها .. تفكير معظم البشرلا يرون إلا تصرفاتهم وتصرف غيرهم يتصب عليه كل الخطأ، نفس الشيء ينظر إلى نصف الكوب الفارغ، وفي نفس الوقت يحاول تجنبها بقدر الإمكان لأنه يعلم وضع زواجهم مجرد صفقة لا أكثر ولن يتطور عن ذلك لأنه لا يتحملها من الأساس .. بأنه يفكر في وضعه مع سلمى في الفترة الصغيرة التي من المفترض أن يعيشها معها، هل ستكون بهذه الصورة مليئة بالمشاكل والاضطرابات ؟ .. لن يتحمل أبدًا أسلوبها ولا طريقة تعاملها معه، يريد أن يتنهي من هذا الرابط بأي طريقة وفي أقرب وقت ممكن .
فكر كثيرًا أن يتمالك أعصابه أمامها، ولكن رد الفعل يزيد من غضبه وضيقه منها كلما كانت عنيدة بهذا الشكل .. من الأفضل في هذا الوقت أن يرحل من الغرفة حتى يهدأ كلًا منهم .
فكرت سلمى أن لا تبكي بسببه بعد الآن، هي أقوى من ذلك بكثير، لن يجعلها تزرف دمعة من مقلتيها وسوف تكون على قدر من التحدي على محاولة منه في ازعاجها، لذا قررت أن تتجاهله تمامًا وتتعامل ببرود، تلك الأداة الحربية التي تستعملها ضده منذ البداية .
سمعت صوت الباب لتندهش، فتحت بسرعة وخرجت لم تجده في الغرفة فأدركت بأنه تركها مرة أخرى وخرج، لتزداد غضبًا منه لتجلس على فراشها وهي تفكر ماذا تفعل في هذا الملل وهي تجلس بمفردها تحدث نفسها، نور فقد رأتها اليوم، فكرت أن تقوم بمهاتفة عمتها ولكن لا ليس الوقت المناسب لتفعل هذا .. إذا ماذا تفعل لتهدر هذا الوقت اللعين ؟! .
******************
جلس في كافتريا الفندق يشرب فنجال من القهوة كي يهدئ من أعصابه قليلًا، زفر بحنق لا يصدق بأن أول يوم لزواجه يبتدي بهذا الشكل، نزاع ومشاجرة وعناد هو كان في غنى عنه، ولكن ما باليد حيلة، عليه أن يتحمل هذه الفترة بأي شكل من الأشكال ويعود بعد ذلك لحياته الطبيعية التي كان عليها من قبل أن تدخل سلمى فيها .
ليسمع رنين هاتفه، يتناوله من بنطاله ليكون المتصل سارة، يدعو الله أن تدعه وشأنه الآن بأن لا تتشاجر معه هي الأخرى .
منذ أمس وهي في حالة من الغيرة والضيق الشديد بعد رحيله، وخاصًة الحوار الدائر بينها وبين إيهاب، قررت أن لا تجعل طارق يفلت من بيد يداها على أي حال من الأحوال، ولا تعرف ماذا حدث بينهم ليلة أمس على الرغم من وعده لها بذلك .
رد بهدوء:
- ايوة يا سارة .. مش وقتك خالص
ردت بضيق بعد هذه الجملة الأخيرة:
- ليه .. مشغول أوي مع الست هانم .. طبعًا ما النهارده صباحيتك يا عريس
انفعل بها في ضيق حقيقي:
- ارحميني بقى مش كده .. غيرتك مش طبيعية خالص بالمرة ..
صاحت به سارة بضيق:
- أعمل إيه يعني بحبك معرفتش أنام وأنا عارفة إنك مع واحدة تانية ..
قطع حديثها بانفعال أكثر:
- اديني سبتها ونزلت .. استريحتي؟
شعرت بالفرحة والإنتصار مما سمعت، فابتسمت ثم قالت بخبث واصطناع الدهشة:
- يا خبر .. ليه كده .. هي زعلتك اللي متتسمى دي في أول يوم .. روحت فين ؟
عاتبها بضيق:
- قولتلك قبل كده أتكلمي عليها عِدل
صاحت به في ضيق شديد:
- خايف على شعورها أوي .. أنت فين بردو؟
رد بتلقائية وهو يتأفأف:
- تحت في الكافيه ..
لم يكمل جملته لتقاطعه سريعًا:
- طيب يا حبيبي أنا جيالك سلام
لم يستطع الرد عليها، فقد أنهت المكالمة سريعًا، فنظر للشاشة في اندهاش وضيق في وقت واحد على رد الفعل المتهور الذي يخشى نتائجه مثلما حدث من قبل، فهو في حالة مزاجية غير قابلة لرؤية أحدًا ما الآن .
حاول الإتصال بها ليمنعها من المجيء هنا ولكن وجد هاتفها مغلق أو غير متاح، فوضعه على الطاولة التي أمامه في عنف وهو على يقين بأنها فعلت ذلك عن قصد .
بعد قرابة نصف ساعة حضرت سارة والبسمة معتلة شفاتها، اقتربت منه بعدما بحثت بعيناها .. تغيرت قسمات وجهه من الشرود للضيق بمجرد رؤيتها قادمة نحوه وجلست بجواره، لينظر لها بدهشة:
- بتاخديني على خوانة يعني باللي عملتيه ده
تصنعت سارة اللامبالاه لتقول:
- عملت إيه يعني يا حبيبي .. كل ده عشان لقيت صوتك مضايق وجيت أشوفك؟!
رد طارق بضيق:
- سارة أنا مش فايقلك .. عايز أعرف جيتي الفرح ليه امبارح .. وبلاش جو المباركة والغيرة والجو ده .. جيتي عشان تضايقي سلمى مش كده؟
لم تستطع الكذب والإفلات من نظرة عيناه التي توجه لها الإتهامات، لتنفعل عليه:
- ايوة .. خلاص ارتحت؟! .. أخدت كل حاجة على الجاهز .. أنا أحق ليك منها مش هي
حاول تهدأتها فأمسك يداها ويقول برفق:
- مش سبق وأتفاقنا أن ده وضع مؤقت وكل واحد هيروح لحاله .. مش عايز مشاكل مع سلمى أنا مش ناقص .. يلا قومي روحي بلاش جنان
ابتسمت وامسكت يداه وهي تقول:
- لأ خليني قاعدة معاك شوية .. هو أنا موحشتكش ؟
*******************
ملل وكلل لا يطاق، تتحدث هي والحائط سويًا ولا تفعل شيئًا، سئمت من هذا الوضع اللعين وتريد الخروج من حبسها بمفردها دون أي فائدة .
قررت أن تخرج وتتحمل عواقب الأمور، بالفعل نزلت إلى الاستقبال تستكشف المكان بعد تلقيها تلك المكالمة.. وإذ بها لترى ما كانت لا تتوقعه ولكن كانت تشعر به، يجلس طارق مع سارة ممسكة يداه وهو مستسلم لها، اقتربت منهم بهدوء لتفهم الوضع بدلًا من بدأ مشكلة دون أي أساس وتستمع لما يقولون .
لم يكن طارق يرغب بهذا الوضع وزوجته بالأعلى، فحاول إبعاد يداها عنه:
- مش وقته يا سارة .. وحشتيني وكل حاجة بس لازم تمشي ألا لو حد شافك هتحصل مشكلة، أنا بحبك ومش عايز حد يتكلم عليكِ
هذه الجملة هزت قلب سلمى كثيرًا وجمعت الدموع في مقلتيها؛ نظرت سارة بطرف عيناها وقالت بخبث عند رؤيتها:
- متحرمش منك يا حبيبي .. ثم حد زي مين مثلًا .. سلمى!! تفرق معاك بعد كل اللي حصل بسببها ؟
رد طارق سريعًا بضيق:
- ايوة سلمى .. ولا تفرق في حياتي بأي حاجة ولا وجودها مهم في حياتي من أصله .. بس أفرضي وأنا مش ناقص جنانها على الصبح كفاية اللي عملته
هنا أنطلق صوتها المنبوح بانفعال بسيط:
- لا كتر خيرك بجد
نظر أمامه ليتفاجيء بوجودها واقفة وقسمات وجهها تبدو ثابتة وطبيعية عكس ما وجده وشعر به في عيناها .. والطاولة حائل بينهما، لتبتسم سارة بخبث وإنتصار .
رحلت على الفور بعدما نظرت لهم بأستحقار، راكضة إلى المصعد .. ليصيح طارق بسارة بضيق وحنق:
- عجبك كده ..
تركها وركض خلفها فلم يستطع لحاقها، فقط عيناها وهي تنظر له بضيق وعتاب وأغلق الباب على الفور، ليسبقها هو على درجات السلم إلى أن وصل للمصعد ليجده فراغًا، فأدرك إنه وصل بعده ليتلفت حوله يبحث عنها ليجدها أمامه على بعض خطوات من جناحهما .
مد سرعته ولحقها كانت هي بالداخل، حبست نفسها في الحمام وجلست على طرف حوض الاستحمام تبكي في صمت .. زفر بحنق وضيق وهو يقترب من الباب ويقرع عليه بشدة ويطالبها بفتحه، تستمع من الداخل ويزداد بكاءها ولا تجيب ولا تعيره أي إهتمام
- أفتحي يا سلمى وكلميني .. سلمى .. بقولك أفتحي
مسحت دموعها بسرعة وردت بحدة وبصوت منبوح من البكاء:
- مش فاتحة وسيبني في حالي يا طارق .. جاي ليه روح كمل قاعدتك معاها .. آه صحيح هو أنا أفرق معاك في حاجة .. سوري لو كنت قطعت خلوتكوا
قرع على الباب بشدة أكثر وهو يحدثها ويترجاها:
- بلاش جنان يا سلمى .. محصلش أي حاجة وأنا ..
قطعته وهي تصيح به ولكن بنبرة هادئة وحادة، بمجرد أن فتحت الباب وخرجت:
- كدااااب .. متكملش .. مش عايزة أسمع منك حاجة .. أنت جرحتني أوي يا طارق .. أووي
امتلئت عيناها بالدموع وهي تنظر له بألم وعتاب شديدين .
شعر بأن عقله تخشب من آخر جملة تفوهت بها، من هذا الهدوء التي تتحدث به والذي توقع عكسه تمامًا، تناولت حقيبتها من جانب الفراش ووضعتها فوقه ووضعت بها ملابسها هذا الصباح وحملتها وهمت للخروج .. جذبها من ذراعها وصاح:
- بتعملي إيه .. واخدة الشنطة ورايحة على فين؟
أفلتت ذراعها من بين يداه بسرعة وخفة ثم دفعته للخلف برفق، لتنظر في عيناه وتردف بهدوء :
- بلاش تهدم أي حاجة رابطة بينا لحد دلوقتي .. كفاية اللي أتكسر .. سيبني وكفاية لحد كده
حملت حقيبتها وخرجت سريعًا من الجناح وهي تركض والدموع تسيل بغزارة على وجنتيها في صمت وأستقلت المصعد .
ركض خلفها كانت قد وصلت لمدخل الفندق، نظرت خلفها لتراه يأتي من بعيد لتزيد من سرعتها حتى خرجت من الفندق وأشارت إلى أحد سيارات الأجرة وقادت بها مسرعة .
خرج طارق وهو يشاهد السيارة تختفي من أمامه بسرعة كبيرة، ليمسح شعره بكفه في منتهى الغضب والضيق وهو ينادي عليها بانفعال:
- سلللللللمىىىىىى
ليجد الناس من حوله ينظرون إليه بدهشة، فحاول تهدئة نفسه قليلًا ليحد من النظرات ... يشعر بأنه في دوامة كبيرة لا يعرف أولها من آخرها، كلما يصلح شيء يفسد شيء آخر .
كان يتوعد لسارة فهي السبب الرئيسي وراء كل هذا، كانت صفقة لعينة من جعلتهم يصلون إلى هذه المرحلة، حقًا لعنة وأصابت الجميع في كل شيء، كلماتها تدوي في أُذنه ويتعجب أكثر كلما يتذكرها، كيف لها تتسم بهذا الهدوء والبرود اللامتناهي، كيف تتحمل وتسيطر على أعصابها بهذه البراعة أمامه؟ .. شيئًا ما يجعله يفكر بها وفي ملامحها الصغيرة الجامدة، الصارمة التي لم يرى في حددتها من قبل على أي فتاة .. دخل وهو يجري إتصالًا .
********************
صوت ضحكاتها يدوي السيارة، لدرجة ألتفات المارة والركاب إليها وهي تتحدث في هاتفها
- لا مش هينفع نتكلم هنا .. أنت في الشركة؟ .. طيب أنا جيالك
وصلت الشركة واستقبلها عاصم بحفاوة، جلست قباله في غرور كبير، ووضع ساق فوق الأخرى ليقول:
- ها عملتي إيه .. سبع ولا ضبع؟
ضحكت سارة بدلال:
- سبع طبعًا يا باشا ده كلام
تناول عاصم السيجار من سطح مكتبه واشعله وهو يضع بدوره ساق فوق الأخرى، وينفث الهواء بلامبالاه ويردف بانتصار:
- لا تعجبيني .. ميجيبها إلا ستاتها .. اللي حصل بالظبط ؟
اقتربت أكثر لتقول بثقة كبيرة:
- اللي اتفقنا عايه حصل بالمللي مع التاتش بتاعي ولعت الدنيا في بعضها .. وسايبة الدنيا متطربقة فوق دماغه بعدما شافتنا .. بس أنت عرفت منين إنها هتنزل؟
ضحك بشدة ليقترب منها هو الآخر وليقول:
- لا دي بسيطة جدًا متشغليش بالك بيها .. مكالمة صغيرة أد كده .. المهم عايزك تخفي شوية عليه اليومين دول لحد ما أعرف أنا اقوم بدوري
نظرت له نظرة يفهمها جيدًا لتقول بدلال مبالغ:
- طب وأنا نصيبي فين إن شاء الله
أقترب منها أكثر فأكثر ليقول بخبث:
- هستناكِ النهارده بليل في نفس الميعاد
أبتعد وفتح درج مكتبه وأعطى لها شيك وقال وهو يريح ظهره على المقعد بأريحة:
- ده تحت الحساب
تناولته وهي تنظر له باسمة بإنتصار كبير وشغف لا حدود له .
*******************
دموعها تهوي في صمت، جرح قلبها أكثر بكثير مما فعله بها هاشم، لهذه الدرجة هي خارج حساباته ؟ لهذه الدرجة لا يتهم لأمرها ولا مشاعرها، كأنها نكرة حقًا لا تعني له شيئًا على الإطلاق .. مشاعر كثيرة مترابطة كأنها تكتم أنفاسها ببطيء، تريد أن تخرجها وتفجرها وألا ماتت حسرة بسببها، تريد أن تصرخ ولا تستطع .. أشتاقت لوالدتها وكم تشتهي الذهاب لرؤيتها، وبالفعل انحرفت بالطريق وسلكت بآخر في طريقها للمقابر .
وصلت لقبر فريدة وجلست أمامه شريدة في عالم آخر، المكان الوحيد الذي يشعر قلبها فيه بالراحة وهي تتحدث مع والدتها، كأنها تسمعها وتشعر بها وتربت على يداها بحنو ورفق كما كانت تفعل .
كانت تظن إن بمجرد زواجها سوف ينتهى هذا الكابوس إلى الأبد، ولكن لا تعرف إنه بداية لكابوس جديد بإنتظارها، تعرف جيدًا ما يكنه إليها طارق ولكن أن تسمع ذلك بنفسها يا له من أمر صعب للغاية حقًا، لذلك لم تستطع تحمل كلماته التي لا تزال تدوي في أُذنيها حتى الآن، كلما أغلقت عيناها طلما تذكرت وضعه هو وسارة ونبرة صوته وهو يتحدث عنها، كأنه آتى بسكين تلم وقام بغرزها في قلبها ومزقها أربًا، لم يحترم وجودها شخصيًا، فلم تشعر بنفسها إلا وهي تحمل حقيبتها وتذهب بعيدًا عن وجه بسلام .
*******************
قطع صمتهم صوت رنين هاتف أمير، ليرى المتصل طارق، اندهش قليلًا ولكن قام بالرد على الفور:
- ألو .. ايوة يا طارق
أنتبه الجميع للمكالمة بعدما سمعوا أسم طارق، دق قلب نور بقلق غهي تخشى بأن حدث بينهم مشاجرة بعد عودتها، فما سبب إتصال اخيها بأمير؟ .. فأنتبهت جيدًا لحديثه بلهفة وقد لاحظ يوسف ذلك .
- إيه؟ .. لا وإيه اللي هيجيبها هنا دلوقتي .. أنت زعلتها .. ألو
أنهى طارق المكالمة على الفور بعدما تأكد من عدم وجود سلمى عند عمتها، ضرب الكوقد بعنف ومسح شعره بيداه وهو يزفر بقوة ويفكر إلى أين ذهبت يا ترى غي هذا الوقت .
- قفل الخط
تلك الجملة القصيرة التي تفوه بها أمير بمجرد إنهاء طارق معه المكالمة، والقلق تسرب في قلبه وعلى يقين بأن هناك خلاف بينهم وتركت الفندق ولا يعرف إلى أين ذهبت .
لتصيح به نور في لهفة وتوتر:
- في إيه يا أستاذ أمير .. يا رب ما يكون اللي في بالي صح
تنهد أمير بحيرة ولا يعرف ماذا يقول:
- طارق كان بيسأل عنها .. واضح كده إن دبت خناقة ما بينهم توصل إنها تسيب الفندق بشنطها
الفزع كان سيد الموقف في هذه اللحظة على وجوههم جميعًا، والفضول ينهش في قلبهم في نفس مستوى القلق أو أكثر، شردت نور فيما جدث هذا الصباح وتأكدت بأن خروجها كان عامل لهذا الخلاف .
قال يوسف على الفور:
- تفتكر تكون هربت تاني؟
أجاب أمير في ثقة:
- لأ طبعًا مفتكرش .. لأنها عارفة إن هروبها مبقاش حل وهتتجاب زي قبل المرة اللي فاتت .. سلمى أتعلمت من اللي حصلها، مش ممكن تعيد الغلطة للمرة التالتة .. سلمى مهربتش
لينفعل عليه يوسف دون أن يشعر:
- اومال هتكون راحت فين مادام مهربتش بشنطة هدومها .. تكونش راحت الشاليه؟
نظر له أمير وقدر خوفه على شقيقته ليقول بتأكيد كي يطمئنه:
- لا طبعًا استحالة .. لأنها عارفة إن لو اختفت أول مكان هندور عليها فيه هناك .. سلمى مش بالغباء ده
تناولت نور هاتفها وقامت بالإتصال بسلمى وهو تقول بصوت منخفض يكاد يسمعه من بجانبها:
- ربنا يستر أنا كنت حاسة .. الله يسامحك يا طارق هي كانت ناقصة
أنتبه أمير وأردف بحثه الأمني:
- تقصدي إيه بالظبط .. أنتِ مخبية حاجة يا آنسة نور؟
توترت نور عندما وجدت نظرات الجميع منصبة عليها، لا تعرف هل تقول ما حدث أم تصمت أن كان في معرفة الحقيقة مساعدتهما .
ابتلعت غصتها وقالت بحزن وقلق:
- أنا شوفت سلمى من شوية في النادي كانت بتجري في التراك .. طبعًا استغربت من وجودها في الوقت ده بعد كده عرفت إنها منزلتش إلا لما صحت من النوم وملقتش طارق موجود وحتى فونه مقفول .. اتخنقت ونزلت هي كمان .. معرفش وقتها كانت بتفكر في إيه بس قلتلها إنها لازم ترجع الفندق قبل ما طارق يرجع قبلها ويكتشف عدم وجودها وتحصل مشكلة .. لأنه كان موجود ساعتها في النادي هو كمان وستر ربنا إنه مشافهاش أنا بس اللي شوفته .. فأنا متأكدة أن سبب خلافهم بسبب الحوار ده .. بس مكنتش أتوقع إنها تسيب الاوتيل أكيد في حاجة تانية أنا معرفهاش
كانت آذن الجميع مستمعة إليها باهتمام شديد، ويحلل الموقف من وجهة نظره، لتضرب سميحة بكفها على الآخر بتعجب وهي تقول بعدم تصديق:
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. ااواد ده اتهبل ولا إيه .. في حد في الدنيا يسيب عروسته يوم الصباحية وينزل .. زمانها كانت شايطة منه
ردت نور سريعًا:
- شايطة بس!! .. حضرتك عارفاها كويس أما تعند بتكون عاملة ازاي .. الغريب إنها كانت هادية جدًا لما قابلتها .. المهم دلوقتي لا انكل هاشم ولا بابا وماما يعرفوا حادة عن الموضوع لحد ما تظهر .. كفاية اللي هما فيه .. بقت مراته دلوقتي يعني مشاكلهم دلوقتي يحلوها من غير تدخل الأهل .
بعد قرابة نصف ساعة قطع رنين جرس الباب الصمت الذي حاصرهم جميعًا، نهضت نور لتفتح الباب لتجد أمامها سلمى حاملة حقيبتها وعلى وجهها أثار البكاء، لتجد الأخيرة علامات الصدمة والدهشة على وجهها .
يقف الجميع في دهشة من أمرهم لإستقبال سلمى، التي بمجرد دخولها ركضت نحو سميحة وأرتمت في صدرها بقوة وهي تتمسك بها وبدأت دموعها تنسدل في صمت .
ربتت عليها بحنو ثم أبتعدت عنها سلمى ومسحت عيناها سريعًا، نظرت للجميع الذين لم يبعدوا أعينهم عليها منذ دخولها، فقط منتظرين سماعها، وتعرف جيدًا ما يدور في أذهانهم الآن عن سبب وجودها في هذا الوقت والحقيبة بصحبتها .
جلست واقتربت نور وجلست هي الأخرى بجوارها لكي تفهم ما حدث، أقبلت عليها سميحة في لهفة وقلق:
- في إيه يا بنتي .. اللي حصل سيبتي ركبي
ردت سلمى دون النظر إليها بمنتهى الهدوء:
- تسمحيلي أقعد عندك لحد ميعاد السفر
ردت سميحة بعدم فهم:
- طبعًا يا بنتي أشيلك في عينيا .. اللي حصل طيب طمنيني
هدوءها شديد للغاية لدرجة غير مطمئنة بالمرة، هل هذا يسمى الهدوء قبل العاصفة؟، الشعور المسيطر على الجميع منذ دخولها وهي تبدو في حالة غير طبيعية .
ردت سلمى بهدوء دون النظر إليها:
- مش قادرة أتكلم دلوقتي .. بعد أذنكوا متضغطوش عليا
رن هاتف نور فنهضت سريعًا لترد بعيدًا عن سلمى بعدما رأت المتصل طارق بصوت منخفض
- ايوة يا طارق
رد بلهفة وضيق:
- أيوة يا نور أنتِ فين؟
ردت نور بنفس النبرة:
- أنا عند طنط سميحة
ليردف بنفس النبرة هو الآخر:
- تمام .. سلمى مجاتش ولا لسة؟ .. كنت متصل بأمير ومراحتش لعمتها .. هتكون راحت فين بس
كانت مترددة للغاية من قول الحقيقة، تخشى أن تتركله لقلقه ولهفته التي شعرت بها من صوته، وفي نفس الوقت يعتبر عدم الرد تأديبًا له، ولكن لا يجب حصر المشكلة ويعلم بها كي تنفض فقررت أن تقول له:
- ايوة يا طارق .. سلمى لسة واصلة مفيش خمس دقايق .. أرجوك يستحسن متجيش دلوقتي إلا لما أعصابها تهدى شوية .. شكلها ميطمنش
انفعل بها بشدة وعنف :
- يعني إيه ماجيش يا نور .. مراتي سابت الاوتيل بشنطة هدومها وعايزاني أفضل في مطرحي متحركش!! .. حسابها معايا
ردت بسرعة قبل أن يتسرع ويأتي إليها:
- طارق أرجوك متكبرش المشكلة .. نفهم الأول في إيه وساعتها تبقى تيجي .. لأن شكل الحالة اللي هي فيها أنت السبب فيها .. خليك على الخط وأسمع أحسن
عادت نور إليهم مرة أخرى، يجب أن تحل الخلاف الناشئ ما بينهم، لن تسمح بمشكلة بعد الآن خاصًة لو تدخل فيها هاشم .أقبلت نور عليها قائلة بلهفة:
- لا بقى ما أنا لازم أفهم .. متتكلمي يا بنتي .. طارق زعلك لما روحتي ؟
ابتسمت بتهكم وهي ترد بسخرية:
- اخوكِ بيخونني من يوم الصباحية
صوت صرصور الحقل يعلو صداه من شدة الصدمة والصمت، الكل تفاجيء مما سمعوالتقول نور بلهفة وبعدم تصديق:
- لا يا سلمى .. اللي حصل ؟.. طارق لا يمكن يخونك أبدًا
لتنفعل سلمى وتكسر كهف الهدوء التي كانت تسكن فيه مدة طويلة، وبانهيار تام يعلو صوتها وتخرج كل الألم بداخلها:
- اومال بتبلى عليه يا نور .. أصحى من النوم يوم صباحيتي ملاقيهوش .. خرج وسابني عايزاني أعمل إيه أقعد بحسرتي أستنى لما يحن عليا ويرجع!! .. لا وبيعاتبني إني خرجت بيحلل لنفسه ويحرم عليا .. تقدري تفهميني راح فين .. سابني وخرج تاني بدل ما ألاقيه سند ليا نزلت بعدما اتخنقت من القاعدة لوحدى لتاني مرة ألاقي البيه تحت في الهول مع خطيبته وماسكين أيدين بعض بيحبوا في بعض .. متتصوريش كلامه جرحني أد إيه .. دبحني من جوة .. أنا ولا أي حاجة في حياته ولا أسوى عندي جني واحد .. خايف على مشاعرها ألا حد يشوفها وهي معاه خطيبته .. وأنا يا نور مفكرش فيا .. مراته!!!! .. مفكرش في شكلي قدام الناس وهو سايبني مرتين وراح يحب في خطيبته؟!! مهما كان شكل جوازنا ازاي يراعيني ويراعي شكلي حتى قدام الناس .. خايف على مشاعرها وشكلها أوي وأنا مفيش!! .. إنه يفكر في واحدة تانية ويسيب مراته عشانها وتجيله يوم فرحه في اوضته ده تسميه إيه .. لما بيعمل كده أول يوم جواز تسميه إيه .. مش قادر على بعدها للدرجة دي؟! .. عارفة إنه ولا بيحبني ولا طايقني بس على الأقل يحترم مشاعري بدل ما أسمع الكلام السم واللي عمله ده ..
نهضت وذهبت لغرفتها وأغلقت الباب بعنف شديد، صدمة من الجميع ولم يتصور أحد أن يفعل كارق كل هذا، والصدمة الأكبر لنور التي كانت تبكي في صمت، لينهض يوسف منفعلًا:
- والله ما أنا عاتقه .. أنا يعمل في اختي كده؟! .. مش قادر يستحمل الفترة دي ويعمل ما بداله
أوقفه أمير على الفور ليهدأ من روعه قليلًا:
- في إيه يا يوسف مش كده .. كل حاجة ولها حل بلاش التصرفات دي احنا كبار يا اخي
رد يوسف منفعلًا:
- وهي دي تصرفات ناس كبيرة يا أمير .. لما أشوفه بس
صاحت بهم سميحة التي كانت على وشك البكاء ولم تحتمل أكثر من ذلك:
- بس بقى كفاية أنتوا الاتنين .. خلينا نفكر هيحصل إيه دلوقتي
ليصيح بغضب:
- كده كده هيطلقها بعدما هيرجعوا يا أستاذ يوسف .. مش فارقة كتير .. ممكن تهدى بقى شوية عشان كلنا على أعصابها؟!!
نظرت له بعتاب وجلس مكانه في صمت وهو يفكر في كلامها ومعه أمير .. لتلتفت سميحة إليها باهتمام:
- صحيح الكلام ده يا نور؟
ردت نور منفعلة :
- ايوة .. ده أتفاقه مع بابا .. والظاهر كده أن سلمى متعرفش عنه حاجة
ضربت سميحة كف على الأخرى بحزن:
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. كان نفسي ربنا يهديهم لبعض مش يطلقوا
ردت نور بحزن:
- أهو اللي حصل .. محدش فيهم طايق التاني ولا عايز حتى يدي فرصة للتاني .. آخر حاحة ممكن أتصور إن طارق يعملها .. ليه كده يا طارق
كل هذا وطارق كان يستمع بشدة واهتمام لكل المحادثة التي جرت، ولا يصدق مع سمعه والضيق والحزن يغلب على قلبه، شعر بأن كل شيء سوف يهدم عما قريب .. يذم سارة في داخله هي السبب في كل هذا لولا وجودها، كان من الأفضل عدم الرد ولكن اشتاق لها، يعتقد بأن لا ذنب لها فيما يحدث ولها حق عليه مهما كان، تحملت معه كل هذا .. أغلق المكالمة وزفر بشدة .
جالسة على فراشها تبكي بشدة، صوتها دوى الغرفة بعدما كانت تكتمه في داخلها كي لا يسمعها أحد من الخارج، كان ينوي فراقها بهذه السرعة، لهذه الدرجة يبغضها فهي خارج دائرة حساباته على كل حال فما الغريب في ذلك إذا؟ ..
مسحت دموعها وقررت هنا المعاملة بالمثل، فلا يستحق منها أي فرصة بعد الآن، فلتمضي الأيام القليلة معه في سلام، ستعود الحرب الباردة في داخلها مرة أخرى وهذه المرة ستكون مستمرة بعد استئنافها، لا يستحق منها أي شيء لن تحن إليه مهما كان .. ستكون أقوى كما كانت ولن يهتز بها شعرة واحدة .. ستعود لحياتها وتباشر مستقبلها حتى لو أدركت بأنه عسير مثل حاضره .
*********************
بعد المكالمة التي أجراها طارق لإيهاب كي يبحث عن سلمى في النادي، فغير متوقع أن تعود إليه مرة أخرى والأدهى بحقيبتها، والمستحيل أن يبحث عنها في منزل والدها ويبدأ بالسؤال عما حدث، طالما تمنت أن تخرج منه بسلام ولن تعود إليه مرة أخرى مهما حدث ومهما كان مدى الخلاف بينهم لن تعود له بقدميها مرة أخرى، وبالتأكيد لن يسأل عنها والديه فغير ممكن أن تذهب إليهم .
لا يوجد سوا مكان واحد من الممكن أن تلجأ إليه وبالفعل وجدها هناك وأطمأن لذلك كثيرًا .. كاد أن يجن مما سمع ولن تعطيه سلمى الفرصة للدفاع عن نفسه كما قالت نور بالتأكيد، يجب أن يشرح لها كل ما حدث ويعرفها بأنه ليس بخائن ولم يفكر بخيانتها، هل حقًا ما حدث يعتبر خيانة ؟! .
وصل أخيرًا منزل سميحة، قرع على الباب لتقوم نور على الفور بفتحه لتجد أمامها اخيها، رمقته بحزن وعتاب وأبتعدت عن الباب قليلًا كي يدخل لينهض الجميع ويقترب منه يووسف مهرولًا ويمسك به من طرف قميصه بعنف وهو يصيح به ويوبخه:
ـ بقى أنت ليك عين تيجي هنا كمان .. مستعجل أوي كنت تستنى لما تربعن وتعمل مابدالك
كاد طارق أن يبدأ المشاجرة ويحاول تخليص نفسه من بين يداه حتى تدخلت نور وأمير لفض هذه المشاجرة ليصيح طارق بصوت عال:
ـ وأنت مالك أنت .. جاي أخد مراتي
صاح به يوسف هو الآخر بعدما كان أمير ونور حائل بينهم:
ـ فاكر نفسك هتاخدها بالساهل !! .. أنت بتحلم يا طارق فاهم .. قلت أنت اللي هنحافظ عليها طلعت أنت وأبوها واحد
صاح طارق به بعنف:
ـ أنا مسمحلكش تشبهني بيه مهم حصل .. أنا مش هاشم الجوهري ولا ممكن أكون زيه يا يوسف .. أنت مش فاهم حاجة .. وحسك عينك تدخل بيني وبين مراتي إلا لما تفهم الموضوع من أوله
قامت سميحة لتتدخل وتفض النزاع طالما فشل أمير ونور في ذلك:
ـ بس بقى عيب عليكوا أنتوا الاتنين .. ميصحش كده يا يوسف مهما كان جوز اختك وضيف في بيتي .. تعالى يابني أقعد
وجهت جملتها الأخيرة لطارق الذي جلس بجوارها، فهو يرى أنها الشخص الوحيد بينهم المتمتع بالعقل والحكمة في الظروف المماثلة لتقول بجدية:
ـ زي ما سمعناها نسمع منه ونصلح الأمور ما بينهم .. يا سلمى تعالي يا بنتي جوزك هنا
كانت سلمى بالخارج تستمع ما يحدث من مشاجرة منذ البداية إلى أن قامت سميحة بالنداء عليها، لتخرج وهي في قمة هدوءها وبرودها الذي أعتاد وتركها عليه من قبل:
ـ أفندم .. جاي ليه وعايز إيه يا طارق ..
تابع من هنا: جميع فصول رواية غدر الزين بقلم مروة محمد
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا