مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات مع رواية رومانسية جديدة ذات طابع إجتماعى تدور أحداثه فى بيئة مصرية, وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الأول من رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح.
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الأول
تابع من هنا: روايات زوجية جريئة
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الأول
"الهوى"
-وصل إلينا الكثير من حكايات الهوى، البعضُ منها حُكِما عليهِ القتل، والبعض الأخر لم يتحمل الحرب، والبعض قرر الخنوع والسير، ولكن البعضُ منها ما زال عالقًا بين ذرات الهواء يصل لمن يصل بسلام، أو هُجران، أو فراق واجب، أو نصلٌ غادر، أو ضحكات طفل كان الهوي صاحب اليد في إكماله، ويبقي الهوى حلمُ الطفولة والصبا لنا...
تناثرت شمسُ الصباح هُنا وهُناك، تُداعب هذا برفق، وأخر بإنهاك ومع هذا تبقى شمسُ الصباح ونسيمُها بيتُ الحياة، كما هو حال جميع البيوت، وهنا بداخل إحدى المناطق الشعبية بتلك العاصمة كانت شمسُ الصباح تطرُق الأبواب برفق، فيهرع الجميع لجلب قوت يومه، وهي كانت مثلهم بل أكثرُ جُبنًا إن تغفو وقد تسربت خيوط الضوء بعد انتهاء الإمام من صلاة الفجر، لتعقد العزيمة أن النوم قد ولى وعليها إنهاء ما عليها، فسارعت بوضع الغسيل في ذاك الصندوق الكهربي "الغسالة العادية" ، ذاك الصندوق هو ما لديهم أو على صحيح القول ما استطاعت جلبهُ بعد ما حل بها، ليعلوا صوت هاتفها بتلك النغمة التقليدية، فتهرع للجواب عابرة تلك الردهة الصالة الفاصلة بين مطبخهم وغرفتها، تلك الغرفة التي اقتسمتها مع اختها، بعد عودتها بلقب رائع لا يتوانى الجميع عن إخبارها به من حين لأخر، أن لم يكُن بصريح القول، فبتلك النظرات السافرة من عين الرجال فيرونها لُقمة سائغة وجب أن تمضُغها الضروس ، وناهيك عن تلك النظرات الخائفة من بعض النساء، أن تسلب منها زوجها وتُشرد أطفالها، وأخرى شامتة لم ولن تظهر سوى من عين زوجة عمها "جميلة" وحقًا هي جميلة بكُل ما تحملهُ الكلمة من معني، رغم اقترابها من نهاية العِقد الرابع بترحاب شديد، تُخبرها أن هذا جزأها؛ بعدما رفضت أبنها البكري والوحيد... تعثرت في خُفها المنزلي فكادت أن تسقُط أرضًا لولا تشبُث يديها بمقبض الباب، لتنفرج شفتها بسخط قبل أن تُجيب :
-حاضر، نص ساعة وأكون عندك...لتضع الهاتف على تلك الطاولة التي تُشاطرُها مع أختها، فتستخدمُها لقص القُماش، ورسم بعض الرسوم الكرتونية للمجلة التي تعمل بها بدوام جُزئي، وتركض إلى المطبخ، وخلال أقل من دقيقة كانت تُفرغ مُحتويات الزجاجة البلاستيكية في براد الشاي؛ لتسخين كوب اللبن لولدتُها، وتبدأ في جلي المتبقي من الأطباق قبل خروجها، مرت ثلاث دقائق أنهت بهم تنظيف تلك الأطباق ووضعها في المكان المُخصص لها، لتسكُب كوب اللبن وتضعُه فوق تلك الصينية بجوار تلك البيضات المسلوقة، فترفعها وبسمة صادقة تُعانق شفتيها بود لا مثيل لهُ، لتطرق باب غرفتها قبل استماعها لأذن الدخول، لتُدير المقبض ....
بتلك الغُرفة قبل دقائق كانت "نعيمة" لتو انهت من صلاة الضحى، وبدأت بالاستغفار على أصابع يدها، وبين كُل استغفار تختص أحدي بناتها بالدعاء لهم، لتتوقف عن الاستغفار مع تلك الطرقة على باب غرفتها، فلم يفعلها سوي ابنتها "صابرين" تلك التي نالت أكبر قدر من الصبر بفعل أسمها، صدق من قال أن لكُل شخصٍ نصيبًا من اسمه، وهي كانت نصيبها كُل الصبر...
ببشاشة لا تخلو من وجهها الخمري، وشفتيها المُكتنزة، انفرجت شفتي "صابرين" بهدوء رزين :
-صباح الخير يا ست الكُل..
ببشاشة مُماثلة، تبعتها عينها بالطوفان على وجه ابنتها المُنهك، وبعتاب :
-صباح النور، كدة منمتيش يا "صابرين".
جلست على السرير بجوار والدتها، لتضع تلك الصينية على رجلها، وبعتاب أكثر من ذِي قبل :
-كدة يا ست الكُل، متخلصيش أكلك امبارح..
-اكلي مين، دا منابك...
استمعت ببشاشة لتلك الجُملة التي تُلقي على أذنها من والدتها عندما تُعاتبها برفق عن ترك طعامها، لتُسارع يديها لقطع رغيف الخُبز لتحمل بهِ قطعة من البيض؛ لتدسها في فم والدتها، وتُكمل قولها :
-مناب مين دا أكلك يا ست الكُل، وأنتِ بتضحكي على "رحمة" ومتكمليش أكلك...
-ايوة كلي بعقلي حلاوة، وتوهي عن سهرانك من امبارح، كدة يا حبيبتي هتتعبي..
-تعب ايه بس يا ماما، أنا مجليش نوم، فُقلت أخلص حتة القُماش الي في إيدي..
-صحتك يا حبيبتي..
انحنت لتُقبل يد والدتها، وبهمس :
-دعواتك بس، والصحة هتبقى بومب..
قهقهت ببشاشة :
-اه منك، مش هاخد منك لا حق ولا باطل، أنا لازم اخلي "رحمة" تخاصمك، البت هتعلمك المناهدة..
وبتعبير مسرحي :
-لا وعلى أيه، اسكت أحسن ، وأقوم الحق شغلي..
تلكأت الكلِمات بجوفها قبل أن تُضيف :
-"صابرين"، بلاش نروح تاني لدكتور، كدة كدة الحال زي ما أنتِ شايفه، ورجلي مش هتخف..
بعتاب حقيقي :
-وإحنا قصرنا معاكي يا ماما، الحال ربك هيدبرها، لكن نوقف علاجك لا، دا أحنا مصدقنا ايدك تتحرك من تاني، يلا أنا يدوب الحق أوصل.. وسارعت بالخروج من الغرفة لتضع الصينية بالمطبخ، وتركض لارتداء ملابسها...
**
امتلاء المنزل بعبق رائحة طعام الإفطار، لتتسلل الرائحة في مداعبة غير ناصفة للبطون، فتجعل من تُداعبهُ يُصيح بانفعال، ليُخبر من حولة عن زقزقة الطيور ببطنه، وهو لم يختلف كثيرًا، بل خرج من غرفة نومة سريعًا، ويداهُ ترتفع لوضع تلك العبائة السوداء على كتفه، وبصياح غاضب.. - فين الأكل يا "جميلة..
زفرة ساخطة، تليها تحريك شفتيها يمينًا ويسارًا، قبل أن تمتد يديها لغلق الموقد، لتحمل طبق الفول الناضج بيد، وبالأخرى تحمل أكواب الشاي، لتتحرك ببطء مُعتاد ومع كُل خطوة تخطوها تصدر الحلقات الذهبية حول يديها أصواتًا، لتمر دقيقتان وتضع أكواب على المائدة، وبلهجة ساخطة :
-في إيه يا "جابر" من صبحية ربنا بتزعق..
دس عدة لُقم دفعة واحدة لفمه، لتبدأ أسنانهُ بمضغ الطعام، و شفتاهُ تنفرج بالجواب :
-ساعة عشان تخلصي الفطار، دا مكنش طبق فول وشوية بطاطس..
امتعض وجهها من نبرتهُ، وبلهجة حانقة :
-طب كُل يا أخويا، أهو دا الي باخدوا منك..
وبتساؤل :
-فين البت "رضوى"؟..
-نايمه، هتكون فين يعني..
بسخط عجز عن كتمة :
-هو أنتِ لو رديتي عدل هتتعبي يا ولية..
يبدوا أنها لما تسمع سخطها منهُ عدا كلمة ولية التي نطقها، لتنفرج شفتيها بغضب وضيق، يعلوهما الاستنكار :
-مين دي الي ولية يا "جابر"، فشر دا أنا ست الستات.
تجرع ما بالكوب دفعة واحدة، وهم بالانصراف مع كلمات حانقه :
-نسوان تجيب الفقر... وصفع الباب خلفه، ولسانهُ لا ينفك عن إلقاء الشتائم..
زاد مُعدل الغضب لديها حتى وصل لذروته، لترتفع يدها في عُنف لتجمع الأطباق من فوق المائدة، وتتحرك بضيق نحو المطبخ، ليصل لاذانها طرقات على باب البيت، لتتحرك صوب الباب دون السؤال عن الهوية؛ فليس هُناك من يطرق باب بيتها سواه، لتفتح الباب بترحاب، يسودهُ العِتاب :
-كدة يا "حمدي" الغيبة دي كلها..
أغلق "حمدي" باب الشقة خلفة، وتحرك للجلوس على الاريكة، ويداهُ تخلع الحِذاء :
-معلش يا "جميلة"، ما أنتِ عارفة الشغل وهمو..
جلست على الكُرسي المُجاور، وبسخط :
-شغل إيه يا أخويا، إلي يغيبك الغيبة دي كلها، إن مكنش حال إنك قافل الدُكانة الي حيلتك وبتتسرمح بالتاكسي..
-أنتِ هتقطميني ولا أيه يا بنت أبويا..
-ولا هقطمك ولا نيله ..
-طب قومي جهزيلي لقمة، وأنا هريح شوية.
-طيب، روح ريح في أوضه مصطفى.. وهمت بالانصراف لتحضير طعام الغداء، وعقلها يُبحر في حال ابنها الهارب من عشق تلك البومة، وأخيها الأحمق المُتعلق بأختها، وكأن الدينا ليس بها نساء سوى بنات "نعيمة".
**
داعبت شمس الصباح عينها بإزعاج، لتنتهي من ركضها على تلك الألة الرياضية، وتتحرك بخيلاء أنثى لم تتجاوز الثامنة عشر رغم دلوفها لمنتصف العِقد الخامس، ولكن إن لم تتحرك بخيلاء فمن ستتحرك!..
فهي ليست شخصًا عاديًا فحسب، بل هي "صفية الجيار" إحدى إبناء الطبقة الراقية، وإحدى،، المُذيعات اللامعات في فترة التسعينات، أكملت طريقها إلى المطبخ؛ لتُلقي التعليمات على الخادمة بتجهيز طعام الإفطار، لتُسارع بالخروج والذهاب لغرفتها، لتُلقي تحية الصباح على الجالس على كُرسيه المُتحرك بهدوء :
-صباح الخير يا "توفيق".. ولم تنتظر الجواب بل سارعت لأخذ حمام دافئ يُعيد لها حيويتها من جديد، ويزيل حبات العرق من جسدها..
حرك "توفيق" رأسهُ بلا فائدة، فزوجته لم ولن تتغير، لا تُقدس سوى روتينها الصباحي، وكأن لا وجود لهُ، لترتفع يداهُ السليمة ببطء شديد لتضغط على زر الكُرسي؛ ليتحرك في أرجاء البيت، تلك الشقة التي استطاع الحِفاظ عليها بعدما خسر جميع أمواله في الثورة، ليُكمل الضغط على الزر ليتوقف في الشُرفة، وعيناهُ تُسافر في صفحات النيل، بشجن يُصيب وتينهُ في مقتل، لتخرج أنفاسُه حارة كالجمر رغم مرور " خمس وعشرون عام" لم ولن ينساها، فأن أصاب عقلهُ الجنون، فقلبهُ العاشق حد الثمالة لن يطاوعهُ، لتعصف بهِ الذكريات لقبل سنوات....
عندما كان في ريعان شبابه، عندما خانهُ القلب وأحب من جديد، تلك الفتاة التي لا يعرف عنها سوى عينها التي تُرافقهُ في صباحُه ومساءهُ دون رحمة، لتمر الأيام ويراها بشكل يومي تعمل بجوار مبني شركة والدهُ، ليقُرر نيل ودها بجنون لا يعرف إلى الأن إن كان جنون الحب، أم افتقارهُ الشديد لمن يُشاطرهُ الحياة بصدق وليس مظهر اجتماعي، لتمر الأيام ويختفي طيفيها، ليظُن أن هذا أفضل وأيام وينسي ملامحها ولكن هيهات فقد استوطنت العقل بكُل حنايا، ليُقرر البحث عنها ليجد الطامة أنها ستزوج صباح الغد بإحدى الرجال من بلدتها بعد وفاة والدها، ولم تمر الليلة إلا وهي زوجته بدلًا من ذاك الكهل الذي كان سيشتريها بنقودُه من زوجة والدها، لتمر الأيام، تلحقها شهور، تليها سنة وكانت تضع وليدها وترحل بسلام كطيف حان وقت زواله..
ليفق من شروده على صوت الخادمة ، وهي تُخبرهُ بموعد الطعام، ليُسارع بإزالة دمعة عالقة بجفنيهِ، ويخبرها بنبرة خاوية :
-طيب.. وقبل أن يعود لشروده كان صوت...
خروج "خالد" من غرفته، ويداهُ تعبث بخصلات شعره الفحمية، وشفتاهُ لا تنفك عن الدندنة بإحدى النغمات الشهيرة من فئة المهرجانات، ليتوقف عن الدندنة؛ لرؤية والدهُ في الشرفة ، فيُصيح بانفعال مُحبب:
-باشا..
تلاشي الشجن سريعًا، وحلت البسمة المُسترخية لتُزين وجههُ البشوش، وبنبرة رجولية أقرب للمُشاكسة وتشبعت بالكثير من الاستنكار :
-"خالد" صاحي بدري!..
أكمل هندمة ملابسهُ، وبنبرة مُشاغبة :
-أوبس الباشا بيتريق...
-على فين العزم بدري كده؟..
كاد "خالد" أن يُجيب، ولكنهُ توقف عن الجواب؛ بفعل صوت والدتهُ...
ارتفع صوت "صفية" في استنكار :
-في ايه يا "توفيق" مش كنت عاوزة يشتغل، أهو نازل الشغل...
ظهر عدم الرضا على قسمات وجههُ، فبرزت خطوط الزمان بتهكم، يُماثل تلك النبرة التي سيتحدث بها :
-شغل إيه بقا يا "صفية"؟.. هو ابنك أصلًا نافع في التعليم لما يلاقي وظيفة تقبلوا..
تصاعد غضبها، وانفجر كبركان خامل :
-مالوا أبني يا "توفيق"، ما أنت الي رفضت يدخل جامعة خاصة، وعاوز تقارنوا بابن الشغالة...
غموض احتل وجهه، وبلهجة شديدة التحذير :
-لأخر مرة يا "صفية" تجيبي سيرتها على لسانك... وبنبرة هادرة... مفهوم.... ليُكمل بتقريع لاذع :أنتِ الي خيبتيه، وكأن مفيش غيرك في الدنيا خلف ولد، وبقا زي ما أنتِ شايفه صايع...ودلوقتي عاوزه تاخدي وظيفة حد تعب عشان تعيني فيها المحروس بتاعك...
تحول وجهها إلى الأحمر القاني، وأظلمت عينها من فرط الانفعال :
-وخدنا ايه بقا من شِعاراتك الفارغة دي... وباستنكار صريح... خسرنا كُل حاجة وعايشين في حتة شقة...
-محدش جبرك يا "صفية"، متنسيش أنك رفضتي عشان "صفية هانم الجيار" متاخدش لقب مُطلقة...
عجز "خالد" عن كتم غضبة من ذاك الحديث السقيم كُل يوم، ليرتفع صوته بلهجة مُنفعلة بعض الشيء :
-كفايا، خلاص يا باشا كده كده أنا هشتغل في مجلة يعني مش هاخد حق حد، وهشتغل في الكمبيوتر وأنت عارف كويس خبرتي فيهم، ورحل والغضب يأكُل صدرهُ بنهم...
انفرجت شفتيها بانفعال :
-عاجبك كدة...
-"صفية" روحي النادي وشوفي الهوانم بتوعك، وسبيلي "خالد" مفهوم، وارتفعت يداهُ لتضغط على زر الكرسي ليتحرك من أمامها غير مُبالي بغضبها، يكفيهِ فُقدان ابنهُ البكري رغم وجوده على قيد الحياة، ليهمس بشجن مرير "سامحيني يا حور"..
**
تلألأت شمسُ الظهير، وبات الجو كُتلة من النيران المُشتعلة، ورغم هذا لم يشفع لها مدير المجلة "ثروت" بتركها للذهاب بل أصر على أن تُنتهي من رسم بعض الرسومات؛ من أجل توعية الأطفال بذاك الفيروس المُنتشر "كرونا"، وكيفية الوقاية منهُ، لتتحرك بهدوء، وتجلس على تلك الطاولة بمنتصف تلك الشقة المُخصصة للمجلة، ويسارع عقلها في خلق نموذج يجذب أنظار الصِغار، لتبدأ رحلة لا تعلم متى ستنتهي، ولكن الأكيد إنها ستنتهي بنهاية الوصول للفكرة وطبعها على الورقة بأناملها، وقبل أن تُغمض عينها من جديد في مُحاولة للوصول إلى شكل بطل تلك الرسمة كان صوت ما يجذب أنتباهها....
أنهى العم "صابر" صُنع القهوة، وتوجه ليضعها أمامها، وبحنان لا يُفارق نبرتهُ، ربما ذا طبع خُلق به أو صفة اكتسبها بصبرُه على رحيل زوجته وابنه قبل سنوات عدة :
-القهوة يا آنسة "صابرين"..
تناثرت البسمة على وجهها، وبمشاكسة :
-برضو يا عم "صابر"، دا أنت الي ماضي على ورقة طلاقي..
قابل بسمتها بأخرى أكثر اتساعًا، وبنفس اللهجة الحانية :
-برضو هتفضلي آنسة لحد ما تلاقي واد ابن حلال..
-لا حلال ولا حرام يا عم "صابر"، أنا خدت نصيبي من الدنيا والحمد لله على كدة.
-بكرة تلاقي الي يراضي قلبك، وهتقولي عم
" صابر" قال..
-طيب يا عم "صابر"..
-يلا يا بنتي اشربي قهوتك..
حركة رأسها بإيماء خافت، قبل أن تعود للورقة من جديد، وعقلها يُبحر في ملامح الطفل....
ترجل "خالد" من سيارتهُ، وعيناهُ تبحث عن لافتة المجلة أين تقبع، لتقع عيناهُ عليها بالدور الثالث، فيُسارع بالتهام الدرج ، لتمر دقيقتان وكان يقف أمام الباب يبحث عن أحدًا يُخبرُه؛ بمكتب مدير المجلة، لتقع عيناهُ عليها ليُسارع بالقول :
-لو سمحتي فين مكتب أنكل "ثروت".
تعجبت من وجود شخصًا كهذا هُنا، ربما لأنها تعرف وجوه العاملين، وقبل أن تبدأ بتفسير الأمر كان صوتهُ، بتلك الكلمة يزيد من تعجُبها، لتضع تعجبها جانبًا قبل أن تُجيب:
-آخرة الطرقة يمين..
شكرها بهدوء، وتحرك لوجهتهُ، لتعود لأوراقها من جديد...
**
ضجيج مُحبب ينتشر بين جُدران البيت، فتلك هي عادتها التي لن تتخلى عنها، أكملت "رحمة" صياحها مُرتفعة، وتُلقي حذائها بجوار الباب، ويداهُ تُحرر شعرها من عِقاله، لتُسارع لغُرفة والدتها، يمرح :
-نونا، يا نونا...
اغلقت "نعيمة" مُصحفها، وبتلك النبرة الحانية المُشبعة بقليل من الحزم :
-كنتِ فين يا "رحمة" لدلوقتي...
سارعت يداها برفع الغِطاء؛ لتُلقي جسدها بجوار والدتها، وبنبرة مُنهكة للغاية؛ فقد قضت ليلتها في التنقل بين الغُرف :
-يا لهوي يا نونا كانت نبطشية فل، طبلت على دماغي في الأخر..
-النبطشية بتخلص على 8الصبح، والساعة داخلة على 2بعد الظهر كنتِ فين؟..
اعتدلت في نومها، ويداها تُسارع برفع كتف والدتها لتندس بداخله، لتُكمل بمرح :
-رغم أني حاسة بإهانة لكن مش مهم، بصي يا ستي، النهاردة كام في الشهر..
-بطلي لف ودوران يا "رحمة" كنتِ فين؟..
-لا لف ولا دوران كنت بجيب جدول الامتحان، هبدا على أول الشهر..
-طيب وشغلك..
أغمضت عينيها بإرهاق شديد، وبهمس نائم :
-ولا أي حاجة، الشفت بتاعي هينزل مساء بعد الامتحان، تصبحي على خير، لتسقُط في ثبات عميق دون أن تُبدل ملابسها، لتبقى عيني "نعيمة" تطوف على وجهها بأسي فهي لم تخطوا العِقد الثاني بعد وتتكفل بدراستها دون أن تزيد من أعباء ابنتها الكُبرى، لتنفرج شفتيها بدعاء دون كلل أو ملل بالصلاح لهم...
**
دقت الساعة الجدارية تمام الرابعة عصرًا، لترفع "صابرين" عينها عن الورقة، وبسمة راضية تُزين ثغرها، فقد قضت ما يُقارب من ثلاث ساعات للوصول لذلك الشكل النهائي، لتهب واقفة؛ لتتجه لغُرفة مدير المجلة، طرقة، اثنتان، وكان الجواب بالدخول، لتفتح الباب بإستحياء لا يُفارق وجهها، وبنبرتها الهادئة :
-أستاذ "ثروت" خلصت..
انفرجت شفتاهُ عن بسمة لزجة أظهرت اصفرار أسنانُه، وبعين سافرة تطوف على سائر جسدها، رغم حشمة ملابسها وحجابها، ولكن هُناك البعض لا يُبالي سوي بكلمة أنثى أو ما لُحِقَ بتاء التأنيث، ليمد يداهُ في طلب الورقة التي بحوزتها مُتعمدًا لمس أصابعها يدها، ولكن...
كان "خالد" يُراقب الوضع، وتعجب من نظرات "ثروت" لها، وقبل أن تصل يدي " ثروت" لها كانت أصابعهُ تلتقط الورقة من يدها، ليستطيع رسم ملامح مُنهكة في التدقيق في تلك الرسومات، ولكن زال إنهاكهُ المُفتعل في ثوان، ليحتل إنهاك حقيقي بفعل تلك الرسمة، ربما تقليدية ولكن بها نكهة ما لا يعرفها، فقد كانت رسمة كرتونية لطفل يرتدي إحدى ملابس القِتال من كرتون الأطفال، وبيدهُ يحمل سيفًا من نهايتهُ أو على حد صحيح مقبض اليد الذي يُمسك بهِ السيف كان بشكل الصابون، وعيني الطفل تشتعل بالغضب ليُقاتل ذاك الشكل المُقيت للفيروس... ليبتسم بصدق، وعِبارات الثناء تهرب من حلقه :
-حلو أوي...
أصابها التوتر لبضع ثوان؛ فلا تعرف ماذا تفعل، وتخشي أن يرفض المُدير التصميم فتعود من جديد للبحث بين حنايا عقلها عن شكلًا أخر....
رحم "ثروت" توترها الجلي، وأخذ الورقة من "خالد"؛ ليُقيمها، وبلهجة عملية :
-كويس يا "صابرين"، عدي على الحِسابات، وأنا هبلغهم...
حركت رأسها بنعم، وهمست بخفوت :
-شكرًا، عن إذنك، وفرت هاربة من أمامهم فقد شعرت بتسلط الأنظار عليها، لتُسارع بالوصول لغرفة الحِسابات لأخذ ثمن رسمها، فهي لا تعمل بأجر ثابت طوال الشهر، بل تعمل بعدد الرسوم التي تُقدمها....
وعلى الجانب الأخر، كان مدح "خالد" ما زال قائماً، ليُضيف بتساؤل :
-خريجة أيه؟..
قهقه خافتة تميل لسخرية، ويُغلفها العبث :
-خدت اهتمامك ولا أيه؟...
بنفي قاطع :
-خالص، لكن الرسمة رائعة، موهبة بجد مش مجرد خطوط...
تحرك من كرسيه؛ ليعد كوب قهوة على تلك المكينة ، ليُجيب :
-مش خريجة حاجة، مؤهل بسيط..
بذهول، يعلوه عدم التصديق :
-مستحيل...
-ولا مستحيل ولا حاجة، هتنزل الشغل من أمتي؟..
-بكرة، عن إذنك، ورحل سريعًا فُهناك وحشًا بداخله يطلُب المعرفة، لتك التي أشعلت فتيل الفضول...
**
أنهت "جميلة" " وضع أطباق الطعام على المائدة، وسارعت لتُنادي ابنتها، التي قررت الاعتكاف في غرفتها تلعب بما لديها من ألعاب ، لتُصيح بانفعال :
-" رضوى " أنتِ يا مقصوفة الرقبة...
توقفت" رضوى "عن اللعب بالدمى، وبجواب :
-ايوه يا ماما...
بحنق شديد :
-يلا سيبك من المساخيط دول، وتعالي كلي، قبل ما تروحي الدرس..
افتعلت وجع بطنها، وبنبرة طفولية :
-بطني يا ماما بتوجعني أه..
-بطلي تمثيل، يلا هتاكلي وتروحي الدرس مش ناقصة دوشة... لتتوقف عن الاكمال .
قبل دقائق استيقظ "حمدي" من نومة بفعل صوت اختهُ الهادرة، ليفرك عيناهُ بنوم، ويتحرك بكسل، وبنبرة ناعسة :
-في ايه يا "جميلة"؟..
-مفيش يا "حمدي"...
اكملت "رضوى" بُكائها وركضت صوب خالها :
-مش عاوزه أروح يا خالي..
ربت على رأسها، وبنوم :
-خلاص، ما خلاص يا "جميلة" متحبكيهاش..
زفرت بسخط:
-طيب.
-تعالي كُل، واحكيلك الموضوع الي عاوزك فيه.
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا