مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات مع رواية رومانسية جديدة ذات طابع إجتماعى تدور أحداثه فى بيئة مصرية, وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الثانى عشر من رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح.
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى عشر
تابع من هنا: روايات زوجية جريئة
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى عشر
تخبُط..
حيرة..
أثم..
الكثير والكثير مما يحلُ بنا عند حلول المصائب، ولكن هل تلك المصائب تملُك نفس القوى أم بدرجات متفاوتة أم كُلٌ منا يرى من وجهة نظرة.. وتبقى هل قائمة على مدى الدهر فما من فجيعة تُزهق الروح قبل البدن بقادرة على التصدي لها..
مضى الأسبوع كلمح البصر لدي العاشقين، وببطء السنين العُجاف لدى قوم يوسف، ولأن شمسُ الصباح وقمرُ الليل الأفل في بعض الليالي يمُر دون الوضع بالاعتبار أي حالة تلك يكُن عليها العِباد.. لذا فقد اعتكفت "رحمة" في الأيام السابقة بغُرفتها مُتخذة من ذراعها التي وقعت عليها يوم عودتها حُجة للبقاء في غُرفتها.
تقضي نهارها في هروب تام بإغلاق عينها، وليلها في البُكاء الصامت على ما حل بها، فخروج الصوت في ذاك الأمر جريمة لا تُغتفر بحق أهلها.. فتلحفت بالصمت والبرود التام، والتزمت الخنوع فهي تعلم عاجلًا أم أجلًا سيعرف الجميع ما حل بها.. أغلقت عينها في مُحاولة واهنة للهروب من ضوء الصباح المُتسرب من كُل جُزء في البيت على غير العادة، ولكن اليوم يختلف؛ فهو عقد قران أختها.. لهيب مُشتعل يتسرب لأنفاسها مع كُل شهيق تقوم به، فتُغمض عينيها أكثر فتحملها الذكرى لذاك اليوم... ( توقفت عربة "حمدي" على مدخل الحارة، وبنبرتهُ الفجة :سلام يا أبله، ولما اتصل تردي.. لم تجد رد غير الصمت ورأسها تتحرك بإيماء سريع بالموافقة، فتمتد يدها إلى الباب لتفتح، وقدمها تتلاقى بها الأرض بصفعة قاسية، فيختل توازنها لجزء من الثانية، فتستعيد رباط جشائها وتُكمل دربها نحو البيت الذي يفصلها عنهُ طريق محفوف بالأشواك والنيران تضمُر في مُنتصفه، لتقطع الطريق بتشتُت وضياع وعقلها يوبخها على القدوم، فوالدتها لا تستحق ذاك الإثم، ولكن ما باليد حيلة، فهي تحتاج لعِناق يُخبرها أنها.. هل تستحق الإخبار؟.. لتبلع أشجار الصبار وتدخل البيت، برأس لا تُفارق الأرض، لتتجمد أمام والدتها، وتستعيد جيوشها الفارين، وابتسامة زائفة ترنو من حلاوة الروح عند تيقُن الهزيمة، همست :هل أنتِ بخير؟.. لتتحرك عيني والدتها في صعود وهبوط دائم على هيئتها ولهفة السؤال تطفو في الأرجاء : كيف؟.. لتدع لقدمها المجال في الحركة، و الانحناء بعد دقيقة على رأسها : كان يتوجب عليا الذِهاب إلى المستشفى فقد حدث عجز طارئ في الطاقم الطبي... لتهرول إلى الحمام قاصدة إزالة جلدها إن أمكن... لتمر فوق الساعة وما زالت المياه تنهمر فوق جسدها المُدنس بالخطيئة كأسواط من سقر.. أغلقت الصنبور وحين تحرُكها لــ ارتداء ملابسها سقطت أرضًا على يدها، فكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، فانفجرت في بُكاء مرير قطعهُ صوت والدتها : هل حدث مكروه؟... لتُسرع من فورها بالجواب: لا، فقط سقطتُ على يداي فتألمت، دقيقة وأتى بحقنة الأنسولين.. لتمر الدقائق والدتها تفترس وجهها، وسؤال صريح : ألم يتم أختطافك؟.. قهقهت بمرارة قبل أن تُجيب : وهل من عاقل يخطف أحدهم بضع ساعات دون حفنة من الأموال؟.. لتُكمل والدتها :ولكن "خالد الرماح" أتى هُنا وبعد مدة رن هاتفهُ من أخيه وأبلغهُ أنهو تم إخطتافك.... لم تعرف بماذا تُجيب فأكملت قهقه : يا ألهي أختطاف، ربما ظن ركوبي إحدى حافِلات النقل الفارغة إختطاف، تبًا لرفاهية.. وسُرعان ما اعتذرت طالبة النوم، لتهرول لغُرفتها قاصدة الاختباء من عيون والدتها...).. أفاقت من شرودها على رنين هاتفها، لترتفع يدها ببطء، وتُجيب على الهاتف : أيوه يا دكتور...
ليأتيها الجواب بــ قهقهة سمجة : ومالوا دكتور دكتور يا أبله..
أغمضت عينها قاصدة التحلي بالهدوء، فلا حاجة لها بالنقاش في أمر حُسِمَ من قبل، وبحروف تدل على الصبر : أتفضل..
أكمل "حمدي" وضع أخر قطعة من المادة الخضراء التي أمامهُ في تلك اللفافة، ليرفعها لشفتاهُ وبطرف اللِسان يلعق نهاية اللفافة فيتأكد من تمام تكوينها عند النظر مرة أخرى، وحنجرتيهِ تصدع بتهكُم : عاقلة يا ابله عاوزك بعد فرح العروسة..
ستقتلهُ لا مُحال أم تقتُل نفسها؟.. ولكن هو لا يستحق أن تمضي يومًا في السجن من أجله، وتدفع أنفاسها إكرامًا لروحهُ السافرة.. أغمضت عينها بقوة وكأنها تُريد سقوط جفونها داخل تجويفهم، وبحروف مُتعثرة : مينفعش، ماما...
قهقهة بقوة، قبل أن يُكمل : لا يا ابلة دماغك متروحش لبعيد، أنت عاوزك في بيتي وأهو يبقي حلال، بعد فرح السنيورة هتوافقي.. وسُرعان ما أغلق الهاتف لاعنًا قلبهُ الأحمق، هو يُريد إذلالها وليس تكريمها... ليسقُط في نوبة من نوبات اللاوعي مع لفافتُه...
شهقة حادة فارقت حنجرتيها، قبل أن تسقُط في غيبوبة اختيارية لنوم..
**
تتضارب المشاعر، ويزداد التخبُط، فقلوب الأمس كانت كارهة، وقلوب اليوم شبه مُمتنة... ظلت عيني "جميلة" مُحدقة في ذاك المشهد الذي أمامها...
اتسعت ابتسامة "صابرين" أكثر من ذي قبل، ويدها تمسد شعر "رضوى" ويدها الأخرى تضمها، وبحنان فطري يتعلق بصلة الدم قبل تعاطُفها مع تلك الفجيعة التي حلت بالصغيرة : متزعليش يا حبيبتي أنتِ شاطرة وربنا بيحبك..
ليأتي جوابها بالبُكاء : لا.. ربنا لو بيحبني مكنش.. وتوقفت الكلمات بحلقها مع..
اعتدلت في جلستها وأخرجت الصغيرة من أحضانها، ويدها تحولت لتمسك يد الصغيرة، وبنبرة مُحفزة : ربنا بيحبنا كُلنا يا "رضوى" وبيحبك أوي كمان... وانتظرت دقيقة لتلمح التساؤل في عينها، فـ أكملت :ربنا لما بيحب حد بيجبلوا شوية مشاكل صغننة بس بيخلي معاه طاقة كبيرة أوي أوي عشان يحل المشاكل دي، وأنتِ كان معاكي طاقة كبيرة أوي وجريتي، ومخوفتيش يبقي دي طاقة من ربنا ول لا...
بوادر الاقتناع تتجلى في عينيها الصغيرتان : أيوه يا ابله..
-يبقي نقول الحمد لله، ونفكر مع بعض أزي نخلي المدرس الشرير دا يمشي من المدرسة، ومزعلش أميرة حلوة تانية..
وبفرح : بجد هيمشي..
حركت رأسها بنعم، وبمرح : هيمشي ومش هيجي تاني خالص، بس تبقى شاطرة وتخلصي أكلك كلوا، وكمان تبقى صحبتي وتقوليلي لما حد يدايقك ماشي...
-ماشي يا ابله، بس أنتِ هتمشي..
-همشي، بس طنط "نعيمة" معاها تليفون كبير أوي تقدري تلعبي بيه كُل يوم ونتكلم سوى لما أجي ليها بليل إيه رأيك...
صفقت الطفلة بحماس في إعلان صريح للموافقة، سُرعان ما تراجع مع...
ارتفع صوت "جميلة" بالنداء : تعالي كُلي يا "رضوى"..
راقبت "صابرين" تبدل معالم الصغيرة، فبادرت قائلة : ماما "جميلة" موافقة، وكمان معاها مُفتاح الشقة "رحمة" سابتو ليكِ معاها، عشان تدخلي على طول من غير ما تخبطي.. لتتحول عينها بترقب إلى زوجة عمها تخشي رفضها...
راقبت "جميلة" خوف ابنتها منها فاعتصر قلبها حُزنًا، وابتسامة شاحبة تُجاهد رسمها : أيوه يا حبيبتي، يلا كلي وأبقى أنزلي.. وتحركت للخارج مُتعثرة في خذيها؛ فقد قضت سنوات عمرها لا يشغلها سوى "نعيمة" وبناتها، والأن لم يُقدم لها أحدًا العون سوى... وارتفعت عينها تُزيل قطرة تعلقت بأهدابها، وألقت بجسدها على أقرب مقعد وعينها تُطالع الجُدران بشرود ضائع..
بـالغرفة... تعلقت عيني "صابرين" بالباب لبضع دقائق، قبل أن تستعيد تركيزها، وتُلقي نظرة مُشجعة مع قولها :خلصي بسرعة، عشان ننزل نلبس سوى.. أنا هروح أغسل أيدي وأستناكِ.. وتحركت للخارج بتعثُر؛ فالأيام الماضية قضتها شبه مُقيمة بمنزل عمها بجوار ابنته، ولم تنكر نظرات زوجتهُ الحانقة في بداية اليومان وسُرعان ما تبدلا في اليوم الثالث، نعم تحسنت عِلاقتها بها ولكن توتر السنوات الماضية لم يُمحى ببضع دقائق.. توقفت بجوارها، ويدها ترتفع بتردد لتربت على كتفيها وبهدوء : هيرجع..
ارتفعت عيني "جميلة" الغائمة بعواصفها، والضياع قد بلغ مبلغهُ وافترش جسدها بعرشهُ المُخملي ، وبنحيب تخللهُ صوتها : معرفش يا "صابرين" مش بعادة عمك يختفي الفترة دي كلها، قلبي بيقولي أن جرالو حاجة..
تأثرت روحها بتلك الجالسة أمامها، وبكلمات شبة قادرة على الربت : الغايب حجتوا معاه، ممكن "رضوى" تنزل معايا تحت.. لتجد الجواب إيماء خافتة من الرأس دون صوت يُذكر...
**
حالة من الغيوم تنتشر ببيته، وتتصادم بقوة مع اقتراب اقترانهُ بها.. ألقى "خالد" نظرة راضية على تلك الغُرفة التي قام بتبديلها قبل يومان رغم رفضهما الصارم، فوالدته تشع بالرفض لكونها لا تستحق، وهي تشع بالحنق فترى ذلك تبزير وهو على وشك بدأ مشروعه الجديد.. تحرك خطوة للأمام ليأخذ بذتُه السوداء من الدولاب ويرحل سريعًا، فيخشى بشدة أنتشار الفوضى بغرفته، أغلق الباب بالمفتاح الخاص به، وتوجه نحو غرفة أخرى؛ ليضع بذتهُ بها قبل أن ينطلق لبيت أخيه؛ فبعد رحيل "رحمة" وعدتها الغامضة رفض أخيهِ رفضًا قاطعًا مكوث أحدًا معهم بالبيت، وتوجب عليه الحضور يوميًا كُل صباح ومساء ساعتان لإنهاء حاجتها من الطعام والاغتسال وما شابه.. زفر بغيظ ليس من ذهابه، ولكن من كيفية إقناع والدتهُ بركوب سيارة أخيه بجوار والدهُ.. ظل يُفكر بالأمر عدة مرات مُحاولًا الوصول لحل يُرضي الطرفان، ليهرول للخارج فلم يتبقى الكثير على موعد عِلاج كلاهما، ولكنهُ توقف عن الحركة بفعل...
رغم اعتراضها على زواج ابنها من تلك، الأ أنها لن تدع مجال لتراجع، نعم هي وافقت مُجبرة على جلبها للبيت، ولكنها لن تدعها تهنئ قط.. أنهت وضع أخر ماسك على بشرتها لتظهر بأفضل هيئة، ليس لنفسها فقط ولكن لإثبات لــ "توفيق" أنها لا تُبالي، لتستمع لخطوات خروجهُ من البيت، فهرولت صوبة وبتساؤل :علي فين؟..
بدأ في العد لثلاث للحصول على الهدوء، قبل أن يُجيب : للباشا، ساعتين بالكتير وهكون موجود، أرجوكي يا "صافي" بلاش مشاكل..
رفعت حاجبيها بضيق، واحتقن وجهها بحمرة الغضب : أنا بعمل مشاكل يا "خالد".. طبعًا ما هي السنكوحة اختيار "توفيق" ولازم تحرضك ضدي..
حرك رأسهُ بلا فائدة، ويداهُ تمتد لفتح الباب قارنًا هذا بقولة : "صابرين" اختياري أنا، ومفيش حد يقدر يحرضني ضدك، واقترب مُقبلًا رأسها قبل الخروج، مُلقيًا قنبلة مُدوية : هنروح بعربية "حازم" وفي وجودوا ومع الباشا.. ليُسارع بإغلاق الباب فيُقسم أن أنفهُ قد التقطت رائحة احتراق..
**
ضجيج مرح يـتقافز في أرجاء البيت كظبي لتو تعلم الحركة.. هرولت "صابرين" لداخل قاصدة أنهاء ما تبقى من الطعام، لنجد والدتها تُقابلها بلوم.. لتتنحنح بحرج مُضيفة :معلش" رضوى"..
حركت "نعيمة" رأسها بتفهم، ونبرتها مُشجعة :يلا بسرعة حطي الصينية في الفرن، مفيش وقت..
وكأن جوابها التحرُك نحو تلك الصينية لوضعها في الفُرن، فقد قضت ليلتها أمس في تجهيز أصناف عدة .. أبتسم بسعادة مع تشغيل نيران الفرن، لتنفرج شفتها قائلة : هروح أخد دُش تكون طابت.. وهرولت صوب غُرفتها لأخذ ما تُريد..
دقيقة وكانت تتحرك صوب نافذة غُرفتها لتفتحها لدخول ذرات الهواء بُحرية، ولسانها ينطلق بمُشاكسة : "رحمة".. قومي بقا بقالك أسبوع نايمه..
دفعت "رحمة" غِطائها، وجلست باستسلام : خير على الصبح يا عروسة..
بسمة حالمة تجسدت على رسومها تاركة بصمة ناعمة من السعادة، لتُكمل : يارب بقا..
قهقهت بقوة مُضيفة بمُشاكسة : فينك يا "خالد"..
-قومي يلا..
-هقوم ليه..
-ساعديني..
-دا على أساس أن البيت متقلبش أربع خمس مرات في يومين، والأكل متجهزش مثلًا..
-متبقيش رخمة..
-تو... عاوزه أشوف الفستان وأنا هقوم..
حركت رأسها رافضة قبل أن تُجيب : أبدًا، حد قالك تقضيها نوم.. وأخذت ملابسها وهرولت صوب الحمام، مُضيفة :ماما مستنياكِ برة..
راقبت رحيل أختها بسعادة، ولسانها ينفرج بتمتمة شاكرة لرحمان، ويدها ترتفع لتجمع خُصلات شعرها في كعكة دائريها، وقدمها تدع الفراش لتستقبل الأرض في عِناق طال، لتطوف عينها على ارجاء الغُرفة بحنين غريب يملأهُ الشجن، لتتسمر عينها على النافذة، فوق القُرص الذهبي الزاهي بنفسة بالقُرب من كبد السماء، لتنطلق دعوة حارة مِحملة بالرجاء الخالص :يا رب.. تحركت للخروج من الغُرفة عاقدة العزم على تقبل وضعها بذاك الحمدي في مُقابل عدم كسر هامة والدها الراحل، لتدور عينها بالردهة بذهول خافت؛ فقد تغير الطلاء لأخر، وتغير الأثاث، مُضيفًا بهجة هادئة، لتنفرج شفتها بصياح : نونا .. يا نونااااا... ليأتيها الجواب، فتهرول صوب المطبخ راسمة الكثير من الحنق، لتفجر براكينها الواهية : نونا.. في المطبخ من غيري، ماشي أنا هروح... لتتوقف الكلِمات بحلقها مع...
تهللت أسارير "نعيمة" فور استماعها لنداء صغيرتها، فقد كاد تفقد عقلها من مكوثها بغرفتها الفترة السابقة، وكلما حاولت الحديث أخبرته أنها بخير فقط إعياء وأنهاك، ولكن قلبها يرفض التصديق؛ فعيني ابنتها كانت مُحملة بالعواصف مُتخبطة في ظلام روحها.. دارت عينها سريعًا على جسد ابنتها، وبنبرة مُفتعلة بالحزن : هتروحي فين؟.. أنا زعلانة منك..
تجسد الذُعر، وبشهقة تُناسب الموقف : يا خبر.. بقا نونا تزعل مني... لا ملكيش حق.. المهم أنا جعانه أوي ومحتاجة حاجة من الي في الفرن..
حركت "نعيمة" رأسها بالنفي القاطع مع تأكيد قولها : لا..
-طيب.. وأمالت على والدتها أكثر وبهمس : أنتو غيرتو البيت أمتي؟..
-من يوم لما نمتي نوم أهل الكهف..
-والفلوس منين؟..
- بعت الحلق والسلسلة...
-نعم!... وبهياج : دول بتوع بابا ازاي تبعيم؟..
بلهجة ناهرة :"رحمة"..
-يا ماما أنا مقصدش بس..
-مبسش دا بتاعي ولأختك..
-خلاص "صابرين" تجي معايا نجبهم.. وتأخد فلوس الكرسي..
-خلي فلوسك معاكي أنا مموتش يا بنت عبدالله.. اخلصي طلعي الصينية...
-حاضر.. وامالت قليلًا لتُقبل وجنتي والدتها مُعتذرة : متزعليش مني..
**
مرت ساعات النهار سريعًا، وبدأ الليل المُهيب بــــ أسدال ستائرهُ السوداء، ولكن ليس بظلام دامس بل بالكثير من حبات اللؤلؤ، وهلال من الماس، يخطُف الألباب وكأن السماء أعلنت موافقتها الضمنية لما يحدُث فوق الأرض أو على وجه الدقة ببيتهم، فقد كان حفلًا بسيط للغاية
فــ الأنوار كانت لا تتعدى بوابة البناية الرئيسية وقليل من البالونات تم وضعهم بشكل لائق يتناسب مع أجواء عقد القِران.. بسمة راضية وضِعت على قلبها قبل أن تحفُر عينها بالسعادة .. وضعت "رحمة" قدمها أرضًا لترتدي حذائها، لسانها ينطلق : بقا حلو أوي..
صفقت "رضوى" بحماس وبهجة رحلت عن عينها منذُ أيام : حلو أوي يا "رحمة"..
ارتدت حذائها، وهرولت لتُقبل الصغيرة، وبنبرة مرحة تُقلد صوتها : حلو أوي يا "رحمة".. فين السكر بتاعي..
ظلت عيني "نعيمة" تُراقب ابنتها بسعادة، وعينها ترقق بها الكثير من الغيوم السعيدة، ليبتهج لسانها بالدعاء والحمد..
رأت تأثر والدتها، فهرولت نحوها تضمها بذراعيها، وبمشاكسة : هقعد في معاكِ بعد ما تمشي الحجة، واهو نستجم شوية..
قهقهت بسعادة :لا متقعديش وأنا هفرح...
-أيعقل عاوزة تخلصي مني!..
والجواب كان إيماء والدتها بالموافقة، وقبل أن تُلقي كلِمات أُخري، كان قرع الباب يعلوا مُطالبًا بالجواب، لتهرول سريعًا مع قولها لصغيرة :استعجلي الحجة..
دقيقة وكانت تفتح الباب، وبمشاكسة :كدة يا عم "صابر" تسبني..
ليبتسم بدورة مُكملًا :وأنا اقدر برضو..
-لا تقدر حتى رمتلي العيال.. وارتفعت يدها لتُزيل دمعة زائفة من عينها..
عجز عن كبت ضحكاتُه، ليضيف : يلا بلغيهم أنهم وصلوا..
-عونيا يا راجل يا عسل، بس بقولك... لتتجمد الحروف بحلقها، وتعجز عن إصدار أدنى رد فعل.. فقد رأتهُ.. ليصدع عقلها :وسيم للغاية... وقلبها يدُق طبول الفرح من رؤيته يبتسم بتلك البذة الرمادية... دقيقة وعادت إليها قواها، وترتفع يداها لفتح الجانب الأخر من الباب لتُمكن الكرسي المُتحرك من الدخول، وابتسامة عملية ترنو على صفحات وجهها مع عبارات الترحيب المُعتادة، ولم تمضي الدقيقة الأ ووجهها يتحول لأية من آيات العذاب، وسُحُبها تتجمع مُهددة بالتصادُم.. بلعت غصة في حلقها مع دخول قاتلها البناية وبسمتهُ الخبيثة تتجسد بكل سفور بوجهها.. ليبدأ جسدها بالدفاع عن تلك اللحظة؛ فهي لا تُريد إفساد يوم أختها.. ابتعدت مُسرعة صوب مقعد والدتها، ودفعتهُ قليلًا ليكُن بمواجه الداخلين...
مضت نصف ساعة أو أكثر والأجواء مشحونة بشدة ما بين شُحنات إيجابية تضامُن مع الزواج، وأخرى حانقة من فردًا واحد، يمتعض بشدة ويصدر الكثير من التأفُف، وعيني "خالد" تُلقي باعتذار سريع...
راقب "صابر" تقافز تلك الشُحنات، ليُقرر قطع الصمت بإحدى عِبارات الترحيب : نورتوا..
لم يدع "خالد" مرور تلك الكلمة مرور الكِرام بل سارع بوخز والدهُ لتحدُث.. ولكن لطرقات الباب رأي آخر.. هرولت "رحمة" صوب الباب مُتمته بالدعاء على ذاك المأذون الذي تأخر تاركًا إياهم مع السيدة الحانقة.. لتفتح الباب سريعًا وبلهفة الترقُب : أخيرًا يا شيخنا، تعالى بسرعة..
لتمر خمسةَ عشر دقيقة دون حديثًا يُذكر سوى من ذلك الشيخ الذي يخطُب منذ دخولهُ البيت بفضل الزواج.. مما أدى إلى تملُل الجالسين، لتخرُج عبارات "رحمة" بمُشاكسة : يا شيخنا العريس نام.. يلا وحيات عيالك.. لتبتلع المُتبقي من حروفها، فور شعور جسدها بتحديق فوق المُعتاد، لتُسارع عينها بالتهرُب في شتى الأركان عدا رُكن جلُوسه، لتنفرج شفتها بتمتمة مُتعلثمه قليلًا : هشوف العروسة.. وهرولت سريعًا؛ لتُهدئ من صخب قلبها واحمرار وجنتيها؛ فمع تحركها وقعت عينها عليه بجوار والدتها، ونظرات عيناهُ تُلقي لها الكثير، ببريق خاطف يسلبها حق التنفُس، و شفتاهُ تنفرج بأربع حروف اختذلهم ليُصبحوا العالم لها.. التقطت يدها إحدى زجاجات المياه من المطبخ، وتجرعت الكثير قبل أن تدعها وتذهب لأختها، فتُحبس أنفاسها من هيئتها.. فُستان طويل من اللون الفضي، يضيق من فوق جبالها لينزل باتساع لأسفل قدمها، والكثير من الفصوص اللامعة فوقهُ بانحناء مُغوي يُبرز تفاصيلها، وقليل من الكُحل العربي ليُبرز بركتي العسل.. تحركت بسعادة ولسانها ينطلق بعبارات المدح، وترتفع يدها لتحضنها بقوة هامسها : حلوة أووووي.. وسُرعان ما عادت لجنونها : بسرعة العريس مستني.. دقيقة.. اثنان وكانت يداها تدفع اختها دفعًا للوصول للمأذون لتأكد من موافقتها.. لتمر دقيقة أخرى والمأذون يصدع بإحدى العِبارات المُحببة للقلوب العاشقين : بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.. لتنفرج شفتها تاركة المجال للسانها ليُبدي سعادتهُ بــ "زغروطة" حُبست على أثرها أنفاسها لتخرُج في رقص فرح لهم.. لتتوقف لاهثة بعد انتهائها، تلتقط ما يُبقيها على قيد الحياة، ليصل لأُذنيها همسهُ : تتجوزيني.. ليصدع الباب من جديد بالطرقات للمرة التي لا تعلم عددها، وقبل أن تتحرك لفتحه، كانت الصغيرة سبقتها، ليصل لأُذنيها أبغض صوت على وجهة الأرض.. ليتراهُ يعينها في ثوان.. يتقدم من والدتها حاملًا الصغيرة، ولسانهُ ينفرج بعبارات المُباركة، ليميل قليلًا على أذني والدتها، وإحدى عيناهُ تُرسل لها نظرات تقتُلها حيه، ليبتعد وابتسامة تُزين ثغرهُ، و صوتهُ البغيض يرتفع : متجمعين عند النبي إن شاء الله.. وبما إن النهاردة فرح الأستاذة، فلازم يبقي الفرح فرحين، وابتسامة عاشقة حقًا تتجسد في عيناهُ : أنا طالب القُرب منك يا ست "نعيمة" في الأنسة "رحمة"...
صمت مُهيب يرنو عليهم، وكأن الطير حلق فرق رؤسهم بداية من "رحمة" التي انفرج لسانها بالحمد فالله لن يكشف سترها ويُخذي والدتها، مرور بـ "توفيق" الجامد.. متوقفًا عند "حازم" المذبوح كُليًا فقد وصل إليهِ حمدها على عرضه.. ليقطع تلك الوجوه الصادمة صوت "نعيمة " رغم رفضها لكنهُ أخ لزوجة أخ زوجها، ولكن همسات ابنتها بالحمد كانت لها رأي أخر لتُحرك رأسها بالجواب المقرون بقولها : علي بركة الله..
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا