مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات مع رواية رومانسية جديدة ذات طابع إجتماعى تدور أحداثه فى بيئة مصرية, وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الثالث من رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح.
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الثالث
تابع من هنا: روايات زوجية جريئة
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الثالث
"رابط لا نعلم صدق وجودُه "
عجز الليل عن الرحيل مُسرعًا، فبات رفيقًا لهُ وسط ردهات المشفى، رفيقًا لا يعلم كيف وجب عليهِ البقاء بجواره رغم قلة المعرفة، ولكن هذا هو الليل، صديقًا لمن لا صديق لهُ، ظل "خالد" مُرابطًا أمام غُرفة العناية يُراقب أخيهِ من خلف حجاب حاجز قُيد بأصداف الرفض من المُشرفين عليهِ بعدم الدخول لهُ، ليظل على تلك الحالة يُراقب شحوب جسد أخيهِ وكأنهُ جثمان فاقد لُكل ذرات الحياة، والكثير من الضمادات البيضاء تُغطي سائر جسدهُ عدا أماكن توصيل الأسلاك بالأجهزة، لينتشلهُ من تلك الحالة...
أنهت "رحمة" ما عليها من واجبات، لتُسارع بصُنع كوب قهوة لذاك الشاب، فوالدهُ صاحب فضل عليها لا يُمكن نُكرانُه، تقدمت بإنهاك فقد كان اليوم مُزدحم للغاية، لا تُنهي عملها بغرفة إلا والطبيب يستدعيها لإلقاء أمر أخر للغرفة المجاورة، ونهيك عن تلك القبضة التي اعتصرت قلبها بعد مُنتصف الليل، عندما قررت الاستجابة لطلب "خالد" والذهاب لغُرفة أخيهِ، عاصفة هادرة مرت بسائر جسدها، ونيران أُضمرت بروحها من رؤيته على شفا حُفرة تُدعيَ بالاقتراب من العالم الأخر، اقتراب لا عون فيه سوى من القدير، لتفر مُسرعة للخارج فقلبها عجز عن التحمل، ولا تعرف ما السبب، فقررت اللجوء أن هذا بسبب عدم تناولها الطعام منذُ الأمس، زفرت بتمهل، ويدها مازالت قابضة علي الكوب الزجاجي الخاص بها، وخفقات قلبها تتزايد بخوف مُقيت، لتنفرج شفتيها بالنداء :
-أستاذ "خالد"..
لم تحيد عيناهُ عن الحاجز الزُجاجي، وبنبرة مُنهزمة ولكنها تتدعي الثبوت :
-أيوه...
لعنت غبائها على الاستجابة لخفقات قلبها بالقدوم إلى هنا، وبتعلثُم قلما يظهر عليها، مدت يدها بكوب القهوة :
-اتفضل حضرتك واقف هنا فوق الثلاث ساعات...
أعلن الحرب على حدقتيهِ، فاستجابة بإذعان، ليمد يدهُ لأخذ الكوب، مُكملًا بتلك النبرة السابقة :
-شكرًا يا "رحمة"..
حركت رأسها بإيماء خافت، قبل أن تُضيف، وعينها تُشير لذاك الجسد :
-هو كويس، والدكاترة قالوا المؤشرات الحيوية كلها كويسه، ولما يفوق هيقيموا المُضاعفات..
تنهيده مُتعبة فارقت رئتيهِ، وبهمس خافت :
-طيب...
-تقدر تروح، وأنا هنا لتمانية الصُبح.
قبل أن يُجيب بالرفض، ارتفع رنين هاتفهُ، ليتنحنح باعتذار :
-عن إذنك، لترتفع يداهُ للإجابة، ولكن توقف لجزء من الثانية قبل أن يُعيد الهاتف لموضوعة، وعقلهُ يرتفع بالجواب لطلبها :
-"رحمة" خليكي قريبة منو، وأنا ساعة وهرجع تاني...
-حاضر... لتظل عينها مُثبت على ذاك الجسد، وخفقات قلبها تقرع كطبول الحرب في وقت النصر، لتنظر حولها، قبل أن تتحرك لدخول الغُرفة، بأقدام مُتخبطة، لتُسارع بغلق الباب خلفها، وطنين الأجهزة يرنوا على أجواء الغُرفة مُتخللًا الصمت، لتقودها قدماها لسرير المُجثى عليهِ الجسد، وعيناها تطوف على ملامح وجهه، بداية من خُصلات شعرهُ الفحمية، مرور بحاجبيهِ المُرتفعان كقصر على وشك الاتهام فريستهُ، وأهدابهُ المُطبقة بقوة على حدقتيهِ كأنهُ يُحارب أحدًا ما في نومهُ الإجباري، لتمر على أنفه الحادة، وشفاهُ التي تختفي خلف شُعيرات ذقنه، لتهمس لأول مرة ومضخات عاتية تضخُ بسائر جسدها، وخاصةً قلبها الراقص :
-وأنت بقا حكايتك أيه؟.. وشفتيها تهمس بببطء "حازم الرماح"... لتفق من جنون قلبها على رنين هاتفها، فتسارع بالخروج من الغُرفة، وقبضة فولاذية تُزيد من اعتصار قلبها...
**
ارتفع صوت المؤذن بصلاة الفجر، وعيني "توفيق" لم تغفو لجزء من الثانية، وكيف لها بنيل سهمًا من الراحة، وضيها راقد بين ردهات المستشفى يُصارع للبقاء على قيد الحياة، أغلق جفنيهِ بألم مانعًا هطول الدموع، ليسري تيار حارق بسائر جسدهُ، قبل أن يُعاود فتحهم بلهفة مع صوت انفتاح الباب، ولكن خيبة أخرى ترقُد بروحه من جديد...
أرق منعها من النوم، وعينها تبرق من أن لأخر بنظرات مُشتعلة؛ وكُل هذا بسبب ذاك الابلة الذي يُدعى بأبن زوجها، لتعتدل سريعًا من رقدتها، وأنفاسها تخرُج كلهيب مُشتعل..
فقبل ساعات عندما كانت بالنادي، ارتفعت الهمسات عن بطولات ابن زوجها، وصديقتها يتمنون أن يصير صهرًا لهم، لتعود للبيت بضيق، لتجد ابنها يُقيم معهُ بالمستشفى...
مرت دقيقة وروحها تختنق، وكأن جُدران الغُرفة تقبض على أنفاسها فتفر هاربة للخارج، لتجد زوجها في تلك الحالة التي أتها بها قبل سنوات عدة، يحمل رضيعًا لم يتجاوز ساعات ولادتُه الأولى بعد، ليضعهُ بين يديها وينزوي بمكتبه ليوم كامل.... نفضت تلك الذكري القاسية بقسوة أكثر منها، وشفتها ترسم بسمة ساخرة، بل مُتهكمة،
وبتساؤل :
-تشرب قهوة ول عصير...
كادت الكلِمات الناقمة أن تُغادر قلبهُ قبل حلقه، ولكن التزم الصمت مع دخول "خالد" وعيناهُ كُتلة من الجمر، وبلهفة :
-طمني يا "خالد"..
تحرك إلى غُرفته سريعًا، فهو بحاجة لحمام دافئ يُعيد إليهِ طاقتهُ، وشفاهُ تُخبر والدهُ :
-بخير...
لم تُزيد نبرة "خالد" الجامدة قلبهُ سوي بالمزيد من الهلع، ليضغط على زر الكرسي ويذهب لغُرفته، عاقدًا العزم على الذهاب لابنه، مهما كلف الأمر...
أغلق "خالد" الباب خلفهُ ببطء وتحرك بكتف مُتهدل ليصل لحمامه، ليُسارع بالوقوف تحت ضغط الماء، ربما تستطيع تبريد اشتعال روحه...
**
تسربت شمس الصباح بإستحياء، فكانت كعروس تتهادي في ثوبها إلى من تُحب، وسط صياحات الفرح من جميع من حولها تلك الصيحات المُنبثقة من أفواه الرِجل في طريقهم اليومي للحصول على القوت...
ليصدع رنين الهاتف بإزعاج بتلك النغمة المُخصصة للاستيقاظ، فلم تُمهل عينها وقتًا لمُحاربة سُلطان النوم، بل قتلتهُ سريعًا دون أدنى رحمة، حتى أنها لم تُعطي الحق لشفتيها بالتثاؤب لنواح على المفقود، بل كانت كمن استيقظ منذُ ساعات مضت، اعتدلت من رقدتها سريعًا، وقدمها تعرف موضع خفها المنزلي، لترتديهِ مُسرعة، وتبدأ في همسها بأذكار الصباح، ويداها تتحرك في انتظام لإعادة سريرها لهيئتهُ المُناسب، وتلتقط منشفتها وتهرول صوب المطبخ قبل الحمام؛ فعليها وضع البيض في الإناء لكي يتم تسويتُه لإفطار والدتها، لتنهي علي عجالة إخراج الإناء من موضع في إحدى الرفوف، وتُضع بهِ كمً مُناسب من الماء، وتُضع بداخلُه البيض، فتهرع للحمام لنيل فرضها الصباحي، قبل الشروع في عملية تنظيف البيت، والبداء في عملها، مرت بضع دقائق وخرجت من الحمام ووجهها يقطُر بحبات المياه، لتتجه إلى المطبخ لتُغلق الموقد على البيض، وتهرع لغرفتها...
علي الجانب الأخر من البيت، وعلى وجه التحديد غُرفة "نعيمة" ، لم يغمض لها جفن منذُ الأمس؛ فقد قضت ليلتها في بُكاء على ما حل بهم بعد رحيل زوجها قبل خمسة أعوام، تاركًا لها ابنه ظن أنهُ اهداها لمن يُقدر الأمانة، وأخرى كانت تتخبط في درب الأنوثة، ليمضي العام وتأتي ابنتها التي لم تخطو العِقد الثاني بعد بلقب يرفضهُ الجميع، لتقرر التزام الصمت والعمل فقد رحل المُعيل لعالمًا أخر، وتبدأ في مُعاناتها الخاصة لتوفير العيش لهم، بعدما رفض عمها رفضًا قاطعًا إعطائها نصيب أبيها من المحل، ليُخبرها أنهُ اشتراهُ قبل عام، فأبيها لم يملك المال لتزويجها، لتعود خالية الوفاض مع ضربة أخرى تستقبلها، الأ وهي مرض والدتها الشديد بإحدى الجلطات فتجعلها طريحة الفِراش، لتبدأ عهد أخر والعمل في الكثير والكثير، إلي أن رزقها الله بالعم "صابر" ومساعدتها في توفير فرصة عمل، ولكن ذاك العمل لم يُرضي "رحمة" فهي لم تُفصح، ولكن عينها أخبرها بالكثير، فهي امها وتعلم باطنها كما تعلم خطوط يدها، لتبدأ الكد في دراستها، من أجل نيل لقب طبيبة، ولكن للرحمن رأي أخر، ليأتي نصيبها بمعهد التمريض ، لم ترى ابنتها بهذا الكم من الانهيار سوى لليلة واحدة، لتُخبرهم صباحًا أنها ستبحث عن مكان تستطيع أن تتدرب به، لتتحول ابنتها لأخرى أكثر بروده، وسخرية ناقمة على جنس الرِجال... لترتفع يديها سريعًا، وتُزيل ما تعلق بأهدابها من قطرات مالحة، وترسم بسمة باهته، قبل أن تخبر "صابرين" بإذن الدخول...
ابتسامتها الصباحية كانت أكثر اتساع من أمس، والفرح يطلُ من عينها :
-صباح الخير..
-يسعد صباحك يا بنتي..
وضعت الصينية أمامها، لتُخبرها :
-الأكل الأول عقبال ما السخان يسخن المياه..
لتمر دقيقة وعينيها مُثبته على ابنتها، وبتساؤل :
-عينك بتضحك، خير...
بنبره مُبتهجة :
-كُل خير، امبارح كام صحفية في المجلة طلبت فساتين مني، و "داليا" كمان، وادوني عربون، اشتريت بهِ القماش، وقالوا لو عجبهم شغلي هيبقى في شغل كتير...
ابتسمت بصدق لعيني ابنتها، وبدعاء خالص :
-ربما معاكي يا بنتي، ويوقفلك ولاد الحلال يا "صابرين" يا بنت "نعيمة"...
**
اشتعلت عينها كالجمر، وباتت أنفاسها لاهثة؛ من فرط الغضب، وبلهجة مُنفعلة أقرب لصراخ :
-يعني أيه يا "جابر"؟..
أغلق دولابهُ الخاص، وبلهجة أكثر حدة :
-هو ايه الي يعني يا ام مخ طاير، هي غنوة بتي مش هتروح لدكتور مفهوم..
-ودا من أمتي إن شاء الله، ما طول عمر الناس بتعمل كده، ولا هنبقى شرع عنهم...
-وأنا مالي بالناس، وكلمة يا "جميلة" ومش هتنيها، بتي لا، وخرج صافعًا الباب خلفهُ بضيق، ولسانهُ يتمتم بكُل لعنه عرِفها، ليُلقيها على زوجته...
جلست "جميلة" على سريرها بإنهاك، تلتقط أنفاسها الهادرة، وعينها تومض ببريق رافض لقول زوجها، وعقلها يهمس بكُل ما عُرِف من قول، وحكايات تداولها الجميع من حولها، عن من لم تعف، لتُسارع بالتقاط هاتفها، تنتظر الجواب بنفاذ صبر، وقدمها تهتز بغير هُدى، ليعلوا صوت الهاتف بتلك الكلِمات الشهيرة، أن الهاتف مُغلق....
**
أكمل "جابر" نزول الدرج، واللعنات لا تُفارق لسانه، ليتوقف أمام بيت أخيه، طارقًا الباب...
توقف "نعيمة" عن الدعاء، مع ارتفاع تلك الطرقات، وهمست برجاء القدير :
-استر يا رب..
لاحظت "صابرين" تبدُل ملامح والدتها من الاسترخاء، إلي أخرى مُتحفزه، وقبل أن تسئل عن السبب، كانت طرقات الباب تزداد، لتُتمتم ببعض الكلِمات، وتتحرك لترى الطارق، لتمر أقل من دقيقة، وترحب بعمها بهدوء صلة الدم ليس إلا :
-ازيك يا عمي، اتفضل..
-يزيد فضلك، فين أمك..
-جوه، ثواني هديها خبر، وتحركت مُسرعة؛ لإخبار والدتها، ولم تمضي الدقيقة الا وكانت تُخبرهُ :
-اتفضل يا عمي، تشرب أيه..
تحرك للغرفة، وبنفس اللهجة الحادة :
-ولا حاجه، لتتبدل ملامحهُ سريعًا لأخرى هادئة، وعيناهُ تتطوف في لهفة على وجهها، وكأنهُ لم يراها بالأمس، ولكن هل يخضع قلب العاشق لقانون الرؤية والشبع حد التُخمة من رؤية المحبوب؟...
-صباح الخير يا "نعيمة"..
جاهدت للبقاء على ثبوت ملامح وجهها، و ارتدت قناع الجهل أمام نظراتُه، وبنبرة تحمل البلاهة، وكأن الأمس لم يكُن، ليس خوفًا منهُ، ولكن خوفًا على بناتها من بطشه هو وزوجته :
-يسعد صباحك يا معلم...
فراشات ناعمة من كُل زوجًا بهيج حلقة في معداته، ويداهُ ارتفعت في تلقائية لتمسد على قلبه، لتُخفف من قرع الطبول بداخله، فهذا كثيرًا عليه، أن يراها، ويُحدثها في اليوم الواحد، ليتنحنح جليًا نبرتهُ الرجولية بخشونة عجز عن إخراجها طبيعي، بل خرجت مُهتزة :
-وصباحك يا ست "نعيمة"، وتحركت يداهُ المُلتصقة بجانبه لتُختبئ في جيب العبائه؛ لأستخرج المال، وسارع بمدها إليها :
-اتفضلي يا "ست نعيمة" حقك من إيراد المحل..
جحظت عيني "صابرين" ، و انفرجت شفتها بصدمة لا مثيل لها، ليرتفع صوت "نعيمة" بلهجة صارمة :
-مُتشكرين يا معلم مستورة والحمد لله ، خلي فلوسك في جيبك، وبتعبير مُبطن ليُساعدهُ على التذكُر مع قولها :
-محل ايه، المرحوم باعلك نصيبو في جواز "صابرين" ولا إيه يامعلم...
تحولت عيناهُ لضيق، ورحل دون رد صافعًا الباب خلفه، تاركًا خلفهُ عين جامدة أخرى بي غمرة التعجُب، وبتساؤل :
-عمي مالوا..
قررت التجاهُل، والبداء بحديث أخر :
-يلا وضيني....
**
توقفت سيارة "خالد" أمام المستشفى، ليترجل مُسرعًا فاتحًا صندوق السيارة لاستخراج كرسي والدهُ، ويسارع لفتح باب السيارة لمُساعدتُه للجلوس عليه، وبرجاء مُنهك :
-باشا من فضلك حاول تتحكم في أعصابك...
حرك "توفيق" رأسهُ بنعم ، وبلهفة تقطرُ من حروف قوله :
-حاضر، يلا يا "خالد"..
غصة مريرة مرت مرور الكِرام بعقله، فوالدهُ لم يُكلمهُ بتلك النبرة قط، لم يرى عيناهُ مُنهزمة لأجله، لينفض ما حل بعقله، ويدفع الكُرسي إلى الاتجاه المُخصص لدلوف الحالات....
باتت "رحمة" ليلتها دون أن يغمض لها جفن، تُرابط أمام الغُرفة من حين لأخر، فتلك هي القوانين يُمنع جلوس طاقم التمريض في الردهات، لتذهب لإنهاء إعطاء الأدوية الصباحية، وتعود من جديد لتمر أمام غرفتهُ، علقها يرتفع بصخب الجلد من آن لأخر، ولكن عند اقترابها من الردهة المؤدية إلى الممر يعلن عقلها السلام، وقبل أن تتحرك لتسليم النوبتجيه إلى أحد، لتتوقف عن الحركة بفعل...
خرج "مُعاذ" من غرفة العناية الخاصة "بحازم الرماح"، وعيناهُ قد التقطت أكثر من مرة وجودها بالجوار، ليغلق الباب خلفهُ وبنداء :
-"رحمة"..
انفرجت شفتيها بالعد من واحد إلى عشرة، قبل أن ترسم ابتسامة مُصطنعة لذاك الكائن، وبلهجة عملية :
-ايوه يا دكتور..
انزلقت يداهُ لتستوطن جيب سروالهُ، وبلهجة تحمل خطب ما :
-ازيك يا "رحمة"..
-الحمد لله... وتلحفت بالصمت مُنتظرة أن تعرف ما يُريد، فإن رحلت ربما يشتكيها لرئيستها فتخصم من راتبها، وهي بغنى عن ذلك...
-يارب ديمًا، بس مفيش عامل ايه يا دكتور؟..
نظره جامدة أطلت من بُندقيتها، وبنبرة أكثر صلابه جاهدت أن لا تخرج مُنفعِلة :
-دكتور "مُعاذ" حضرتك دكتور هنا وأنا تمريض، وأظن مفيش أدنى علاقة بين دكتور والتمريض غير الاوردر، وغيره مش مسموح بيه معايا... عن إذنك لو مفيش أوردر... ولم تنتظر الجواب فقد رأت تعابير وجههُ المُتهجمة، التي هي أبعد ما يكون عن وجود أمر طبي لها، أكملت تحرُكها وهي تعرف أن هُناك مصائب ستحل فوق رأسها بعد تلك المواجهة بينها وبين ذاك اللزج، وقبل أن تتجه لغرفة التمريض، لمحت عينها دخول "توفيق" الرماح لتُسارع إليه بلهفة، وابتسامة حقيقة تتجسد برسومها، فتُعطي بريقًا خاطف، ولكن هذا أقل ما يُمكن أن تقدمهُ لذاك الرجل، فلن تنسى قط، خلال فترة تدريبها عندما اتي إلى هنا، وتوصيتهُ لمدير المشفى أن تُصبح ضمن الطاقم الطبي بالمشفى... لتتوقف أمام كُرسيه، وبحفاوة لا تُغادر شفتيها عندما تتحدث معهُ :
-صباح الخير يا باشا..
توقف "خالد" عن دفع الكرسي؛ من أجل أن يتحدث معها، وتمتم :
-عن إذنك يا باشا، هشوف الاستقبال... ورحل سريعًا...
لم يُلقي "توفيق" الصباح بترحاب كسابق عهدُه معها، وبتعبير تائه :
-صباح النور يا "رحمة"..
راقبت إنهاك ملامحهُ، لتنفرج شفتيها بلهجة مُطمئنة :
-أطمن هو بخير، والدكاترة قالوا مفيش سبب عضوي للغيبوبة..
بلهفة :
-بجد يا "رحمة"..
-بجد والله، ممكن أوصلك..
حرك رأسهُ بإيماء، ولسانهُ يبتهل بالدعاء لرحمان...
مرت دقيقة وتوقفت عن دفع الكُرسي، لتبدأ بتوجيه الكُرسي إلى اللوح الزُجاجي، وبنبرة مطمئنة :
-ادعيلوا...
لم تلقط أُذناهُ صوتها، بل انفصلت عن العالم أجمع، وعيناهُ تفترس بلهفة فهد وجد فريستهُ، ولكن قبض من أشواك تعتصر قلبهُ، والخوف يدب بجميع أوصاله؛ فابنه جسد بلا حِراك على شفا حُفرة من الموت، وعندها استفاق من افتراسُه، وبلهجة مُتعبة :
-"رحمة"..
-ايوه..
-من دلوقتي تبقى مسئولة عنو، وأنا هكلم المدير..
حركت رأسها بنعم، وخفقات قلبها ترقُص فرِحًا...
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا