مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات مع رواية رومانسية جديدة ذات طابع إجتماعى تدور أحداثه فى بيئة مصرية, وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الرابع من رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح.
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع
تابع من هنا: روايات زوجية جريئة
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع
"خفقة شاذة"
بعض الأيام تمُر كلمح البصر أو هو أقرب، ولكن على الرغم من مرورها السريع، تبقى عالقة بروتين ثابت ندور من خلالُه، فلا نعرف إن كانت الأيام حقًا تمُر كلمح البصر، أم تتحرك ببُطء مُقيت لا نعرف سوى الصمود لأجل أن ينتهي.
انقضى الثلاثون يومًا كالبرق المُهيب عليها، ثلاثون يوم منذُ أن أخبرها السيد "توفيق" أنها ستعمل على رعاية ابنه، لتتلقي الأمر من رئيسة التمريض بوجب إقامتها بغرفة "حازم الرماح" طول فترة مكوثها بالمشفى، لتبدأ عملها ولكن بداخلها حروب طاحنة، حروب نشبت منذُ رؤيتها اياهُ فاقد لكُل معالم الحياة، فقط أنفاس تخرج وتدخل بمساعدة الأجهزة، ليصدع عقلها بجوب الرفض والاعتذار عن رعايتُه، والعُذر قائم لديها؛ فالامتحانات على الأبواب، ولكنها التزمت الجهل ووافقت على العمل، مُقررة إخماد حروبها "هذا دين ووجب قضاءُه"، لتُطلق بنات رأسها ضحكات رنانة، امتزجت بل صارت ساخرة بكُل ما تحملهُ الكلِمة من معنى.
لتمر الأيام بين عملها في المستشفى فوق الاثني عشرة ساعة، والتزامها بالجدول الدراسي، وكأنهُ كان يعلم بوقت حضورها، فيصمت كُليًا، مُتخليًا عن المشاغبات التي يفعلها مع الطاقم الطبي قبل وصولها، فتصمُت الأجهزة عن الإنذارات المُقلقة، ولكن عينها لم تصمت بل كانت تقرأ حرف وتُراقبهُ لساعات، ولسانها لا ينفك عن الهمس، والسؤال عن حكايته؛ وأي سببٍ هذا يجعلهُ يرفُض أن يعود للحياة، مُكتفيًا بتلك الظُلمة المُحيطة به.
زفرت "رحمة" أنفاسها بتمهُل، وعينها عجزت على البقاء مُنفرجة، لتغفو دون إرادة على الكرسي المُجاور لسريره...
انهي "مُعاذ" المرور على الحالات الخاصة به، ليُنهي أملأ بعض الأمور، ويدخل للغُرفة الخاصة بحازم دون طرق الباب، فالساعة دقت الثامنة صباحًا، والجميع ذهب ليُبدل النوبتجيه مع غيره.
فتح باب الغُرفة بهدوء سُرعان ما تلاشى مع إرهاقهُ المُهاجر، بفعل رؤيتها، تلك المُشتعلة دائما كنيران مُتوهجة، تُثير حنق أعتى الرِجال ببرودها، وردوها المُقيتة، ولكنها الأن أقرب لسكون، وتلك الهالة المُشتعلة تجذبهُ نحوها كجذب النار الفراشة، دئما ما يتسأل عن سر انجذابهُ لها، ولكن الجواب يتلاشى مع افتراس عيناهُ لملامحها الهادئة، وجنتي خمريتين، تنضُجان بالتوهج الخاطف للألباب؛ بفعل صفائهُما، وشفتها المُمتلئة بإتقان ، وبندقتيها المُغلفة، تلك البُنقدية التي تتوهج ككوب قهوة نضج لتو.
أغمض عيناهُ، مُطلقًا زفير مُتمهل، ولكن حُبِسَ الزفير مع...
ليس منا من لم يشعُر بثبوت نظرات إحداهُما عليه، فيُفزع من فوره، فما بالك بنائم اخترق أحدهم الهدوء المُحيط به، فتحت جفنها دون سابق إنذار، لتهب واقفة، وباعتذار واجب :
-اسفه يا دكتور...
طافت عيناهُ على رسومها المُنهك، وخفق قلبهُ لها ليس خفقة عِشق، ولكن مزيج غريب يتولد لدي كُل ذكر رُفِضَ من أُنثي، ذاك المزيج الذي صُنِعَ بقليل من الحِنق والغيظ الزائد، وبعض البُهار من الإعجاب ليس إعجاب الروح حاشه لله، ولكن إعجاب النزعة التي امتلكتها برفضه ... نفض كُل هذا، وجلى صوته مُحاولًا الوصول لنبرتهُ الطبيعية قدر المُستطاع :
-ولا يهمك... وسارعت يداهُ لالتقاط الأوراق المُعلقة على السرير، وبدأ بإظهار الإنهاك بقراءة ما دونهُ الطبيب الخاص بالعناية، ولكن حدقتيهِ تُراقب من طرف خفي ملامحها، وبتعبير مُبطن :
-شكلك تعرفي "توفيق الرماح"..
انعقد حاجبيها في استفهام، وسُرعان ما التقطت ما يُرمي إليه، لتُجيب بجمود :
-ودا لو علاقة بالحالة، ولا فضول!.. وصمتت لجُزء من الثانية لتُكمل :
-لأخر مرة يا دكتور تتعدى الحدود، والا الي هيحصل بعد كدة مش هيناسب مكانتك...
قهقه بسخرية، والإعجاب ما زال مُتجسد بعينيهِ :
-بلاش تلعبي معايا يا قطة، واعرفي حدودك كويس، ولو كانت شوية فلوس بسيطة ندفعها..
احتقن وجهها ببراكين الغضب، وتحولت حدقتيها لبركة من الدماء، وبلهجة مُشمئزة :
-الفلوس دي الي بتندفعلك يا دكتور من.... ولا بلاش أصل حضرتك راجل ومفيش راجل... وارتفعت يداها لتعد على أصابعها ما تبقى... مراتو تصرف عليه، وتجبلوا عربية، لا وكمان ابوها بيديك المرتب، و الهانم دايره على حل شعرها مع ال.... كويس كده ولا اروح ليها ويدوب دمعة صغننه، وهنشوفك بتشحت يا دك...
أن كانت براكين الغضب تفجرت بوجهها، فهو كان أقرب لجهنم من واقع حديثها، ليتحرك صافعًا الباب خلفه، و شفتاهُ تتوعد لها بالكثير....
جلست على الكرسي بعد خروجه، وتمتمت بسخط، قبل أن تهمس، لهُ :
-وبعدين، شكل النوم عاجبك، عارف.. لتتوقف عن الإكمال مع ارتفاع رنين هاتفها....
**
حصل "خالد" على قدح قهوة يُعيد إليهِ نشاطهُ الضائع، وتحرك بخمول شديد، فهو يُريد النوم بشدة، فقد قضى ثلاثون يومًا يأخذهُ النوم عنوة، فينم لدقائق أو بضع ساعات على كُرسيه بالمشفى، و يستيقظ من ألم العِظام.
وها قد قضى الليلة الماضية مُرابطًا أمام الغُرفة دون أن يزوره سُلطان الراحة، فقرر التحرك للحصول على قدح قهوة، وها هو قد عاد به لمقعدهُ أمام الغُرفة لحين أن يحين موعد الزيارة، وقبل أن يرتشف أول رشفة، كان رنين هاتفهُ يصدع مُطالبًا بالجواب، ليُجيب بإرهاق :
-أيوه .
علي الجانب الأخر قبل دقائق، كانت "صفية" تشتعل غيظًا من تصرفات ابنها، لتأخذ هاتفها بعُنف، وتُجري اتصالًا سُرعان ما قُبل بالجواب، وبانفعال:
-أنت فين يا "خالد"..
-هكون فين يا "صافي"، في المستشفى..
زفرت لهيب مُشتعل؛ لتُهدى من روعها قبل أن تُكمل حديثها بنبرة هادئة :
-وبعدين، وشغلك...
-شغل ايه؟.
-"خالد" يا حبيبي وجودك ملوش لازمة، هو كدة في غيبوبة متوقفش حياتك عشانوا..
همّا بالاعتراض :
-عشان أيه، دا... وحبِست الكلِمات بحلقة..
-" خالد" ، نص ساعة وتكون في شغلك، وأغلقت الهاتف دون انتظار رده...
زفر بتمهُل، ولا يدري ماذا يفعل؟ لتلتقط عيناهُ خروج الطبيب من غُرفة أخيه، بوجه مُتهجم، ليُسارع بالنداء، ولكن لا جواب، خفق قلبهُ بقوة، وهرول نحو الباب، و أنفاسهُ تخرج مُسرعة، لتدور مقلتيهِ بسرعة البرق على الأجهزة رغم جهلهُ بها، ولكن أن كانت تصدر صوتًا منتظم فهو بخير، وقبل أن يقترب منهُ...
أنهت "رحمة" هاتفها على عجل، وبرفض قاطع لوجود "خالد"؛ فتلك هي قوانين العناية، وبلهجة عملية :
-أستاذ "خالد" من فضلك... وأشارت بيدها نحو الباب...
حرك رأسهُ بنعم، وبلهفة :
-هو بخير...
رق قلبها لحاله، ليس حُبًا، ولكن عينها رأت الكثير من الإرهاق النفسي، والجسدي الذي يلحق بأهل من يُقيم بتلك الغُرفة اللعينة، التي تُنهي حياة من بها على الأغلب، وبنبرة عمليه تخللها الرفق واللين :
-هو كويس، ممكن تخرج...
تحركت قدماهُ للخروج، ومازالت تتشبث بالأرض، ليتوقف، وبرجاء :
-"رحمة" ممكن تفضلي معاه اليوم..
-ايوه، بس أنا خلصت الشفت..
-أرجوكِ..
-ممكن أفضل ساعة بس بالكتير...
-طيب... ورحل سريعًا قاصدًا عملهُ، وعقلهُ يُحلل هل ما فعلهُ هو الصواب أم؟... وبقت الـ أم عالقة بتردُد من الجواب...
**
ألقت "صفية" هاتفها على السرير بعنف بالغ، وأنفاسها ما زالت مُشتعلة كالبركان ، لتنظر لأركان الغُرفة بضيق، وشفتيها تعجز عن الهمس بما يضمْرُ بقلبها، وتبقى عينها مُعلقة بكُل رُكن لدقائق عده.
هُنا كان يتجول بكرسيه، وهنا كان يُعنفها، وهنا كان يُلقي بسمتهُ الحانية كُل صباح بعد انتقالهم لتلك الشقة، تلك البسمة التي أمنت وصدقت أنها ما تستطيع أخذها منهُ، بعد عجزها التام عن نيل ركنًا بقلبه، ذاك القلب الذي استوطنتهُ غيرها، وطردها منهُ شر طرده، ولم تكتفي بهذا قط، بل رحلت تاركة لها شبحًا يحيا معاها، شبحًا لم يراها سوى بمظهر الجمود، لن يرى بها سوي ما رأي الجميع جمال يخطُف الألباب ولكن لوهلة، وأعيُن تومض ببريق الدهشة من حُسنها، وتنمُق حديثها...
زفرت مره أخرى، ولكنها ليست نيران مُشتعلة من الحنق ، بل نيران الهوى ذاك الهوى الذي حُرِمَ عليها كما حُرمت الجنة ُ على إبليس، لتتحرك يدها برفق، أقرب لهدير الماء وهو يُداعب من أراد الراحة، ظلت يدها تتحرك في ذِهاب وإياب على موضع نومة، ذاك الموضع الذي هجرهُ منذُ ثلاثون يوم، بعد عودته من المشفى، ليهجرها هجرًا لا عودته فيه، جمعت بعض ذرات الهواء برئتيها، ورفعت يديها لتُزيل ما تبقى من قطرات احتلت حدقتيها، لتهب واقفة، مُرتديه قناعها الإستقراطي ، مُتحركة بخيلاء لم تُخلق سوى لها، قاصدة غُرفته ...
ظل "توفيق" مُرابطًا أمام نافذة غُرفته يُناجي ربهُ بحيرة لا مثيل لها؛ والفضل الأقوى يعود لتلك الصفعة التي تلاقها قبل أيام بوجود ابنه في المُستشفى، حينها عزم على الاعتزال بنفسه، دون أدنى ضغط أو تشوش يُصيب عقلهُ من قانطِ المنزل، ولكن فور دخولهُ تلك الغرفة، بكى بقوة كطفل فقد والديهُ في المتاهة، ولم يعرف أي دربًا يسلُك، ظل يبكي لمُنتصف الليل، ولا يعلم أيبكي تقصيرُه في حق الرحمن، أم في حق ابنه، أم في حق من!.. ظل يبكي إلى أن جف دمعة، وتورمت عيناهُ، ليُناجي ربهُ طالبًا العون ولكن الاستحياء كان يُغلفه، ولم يلبث أن يرفع يداهُ بالدعاء، إلا وأسقطها ثانيةً في تردد ولكن عقد العزم ودعا، مُتذكرًا بقايا صوت من عبق والديهِ يُخبرهُ "وهو الغفور الرحيم" .
أغلق جفنيهِ؛ بفعل تعامُد الشمس عليها، وقبل أن يتحرك للابتعاد عنها، صدع صوت طرقات باب، ليأذن لطارق بالدخول..
لم تطل وقفتها لدقيقة، ووصل لأُذنها إذن الدخول، أغلقت عينها قبل أن تعاود فتحهما من جديد، وكأنها تنفض ما كان يعتلي قفصها الصدري قبل دقائق، وترسم ابتسامة قوية :
-صباح الخير يا "توفيق"..
ضغط على رز الكُرسي ليبتعد عن الشمس، وعيناهُ تسأل قبل حلقه عن وجودها :
-يا ترى أيه سر الزيارة الكريمة؟..
قررت تجاهُل نبرته، وتحركت لتجلس على طرف السرير، الابتسامة القوية لم تُغادر وجهها :
-وبعدين يا "توفيق"، على الاقل لو مش عشاني، يبقي عشان مظهرنا قدام الشغالين..
ابتسامة ساخرة شقت وجهه، وبنبرة تهكُمية بحته :
-للأسف يا "صافي" هانم كُل الي يهمك مظهرك الاجتماعي، أنا مش هسيب هنا، وعن إذنك عاوز ارتاح...
ابتلعت غصة مريرة في حلقها، ووقفت بشموخ، وعينها تُلقي نظرة تحمل كُل ما عُرِفَ عليهِ بالحُزن، لترحل بصمود... ولكن قلبها ينزف بقوة، بل تمزق إلى أشلاء، وجروح أنوثتها المطعونة تتقيح من جديد...
**
أنهت "صابرين" ارتداء ملابسها، وبدأت بتغليف الفساتين، لتتوقف عما تعمل، وتتحرك لتُلبي النداء..
باتت عيني "نعيمة" تُراقب حركة مرور عقارب الساعة، وها قد تجاوزت الساعة التاسعة، وابنتها لم تأتي، ليخفق قلبها بخوف؛ فابنتها تغير بها شيء في الفترة الأخيرة، وعينها تبرق بوميض غريب لم تراهُ من قبل.
وقبل أن يتحرك العقرب ليتوقف على التاسعة والنصف، انفرجت شفتها بالنداء :
-"صابرين" يا "صابرين"..
ولم تمُر الدقيقة الأ وكأن صوتها يعلوا بالجواب، وقدمها تهرول للوصول :
-أيوه يا ماما..
حاولت ابتلاع قلقها، وبثبات قدر المُستطاع :
-هتنزلي..
-ايوه يا ماما، عاوزه حاجة اعملهالك قبل ما أمشي..
-لا يا حبيبتي، هي "رحمة" فين؟..
-تلاقيها جايه في الطريق ما أنتِ عارفة الموصلات..
-طيب يا بنتي...
حركت رأسها بإيماء خافت، وتحركت لإنهاء ما تبقى لتُغلفه..
**
قلوبنا تبكي دون صوت، تبكي دون دمع، تخشي أن تظهر دموعها فنُحاسب بذنب الخطيئة التي لم نرتكبها، تلك الخطيئة التي تُلحق بنا لمُجرد لقب يُلحقُ بنا، واختلاف في رسوم الجسد، تلك الرسوم التي يراها من لم يطأ باب الرحمة رمزًا حاد لدعوة لما لا يرضهُ دين من الأديان السماوية، ولا عُرف نتغنى بهِ في الكثير من الأمور..
جففت "رضوى" دموعها المسكوبة في هلع ، وقدمها قد أُنهكت من الركض، والخوف قد تملكها من منبت شعرها حتى أخمص قدمها، لتقف بجوار أحدى الأشجار لتحتمي بها من ظُلم فُرض على بنات جنسها ، وعينيها تُراقب الطريق بهلع ورعب لم تعرف من قبل الشعور به، سوى عندما ترى في أحدى الأفلام خروج القتيل من قبره وإيذاء من حاول قتله، ولكنها لم تقتل أحد، هي فقط رفضت شيء لم تعرف هويتُه، شيء لم يصل إدراكها العقلي لفهم ما يجري.
رفعت يدها الجامدة كلوح ثلج، تمسد بها قلبها الثائر داخل جسدها، وعقلها يستعيد ومضات خافتة ليد تتسلل لملابسها تتلمس جسدها بتخبُط ليست يد خائفة من حرمة الرحمن حاشه لله أن نرى أو نسمع في قلوب هؤلاء ذكر الرحمن، ولكن خوف أن تكُن على دراية فتُصيح طالبه العون.
تلاشت الومضة واحتلت أخرى أكثر قوة واشمئزاز، عندما استطاعت اليد أن تلامس جسدها دون حائل، حينها رفض عقلها ول تعلم ما السبب، ولكن هُناك تيار كهربائي حاد مر بها ، انتفض جسدها على أثره، ونواقيس العقل صدعت، لتركض دون هدى تاركة كُل شيء خلفها، وعينها تسكُب ماءها دون توقف، لتعجز قدمها عن تحمل جسدها أكثر من هذا فتجلس أرضًا طالبه العون...
**
كُل شيء يهون، تلك الحروف التي تُعينُنا على نوائب الدهر، تمدُنا بالطاقة وإن كان لا تعريف لطاقة وسط مُتطلبات الحياة.
ترجلت "صابرين" من احدي وسائل النقل الجماعية، ووجهها كان كُتله حمراء من التزاحُم، توقفت لوهلة تلتقط أنفاسها ويدها تُزيل حبات الماء من فوق وجنتيها، واليد الأخرى تتشبث بالأكياس كمن وجد طوق النجاة وسط أمواج البحر الهائج.. أكملت التقاط أنفاسها وقدمها تسوقها إلى الطابق المُخصص المجلة، وشفتيها لا تنفك عن الدُعاء، أن يُلاقي عملها القبول.
مرت ساعة أو أكثر والبسمة الهادئة تُزين رسومها، ليس بسمة اهداء لمن يُخبرها الصباح، ولكن بسمة خير، ذاك الخير الذي يحلُ بقلبك بعد سنوات عُجاف من البحث عن رغد العيش دون ترف، لتتوقف عن السير.....
أغلق "صابر" باب مكتب المُدير خلفه، ويداهُ تحمل صنيه المشروب ، لتشُق الابتسامة وجههُ، ويهرول نحوها، و ببشاشة :
-وأنا أقول المجلة نورت ليه يا "صابر"!.
قهقهة بخجل فطري من الاطراء، وانخفض جفنها في حياء لثواني، وبنبرة مُماثلة :
-عامل أيه يا عم "صابر"؟.
-فضل ونعمة يا بنتي... وقرنها بتقبيل ظاهر وباطن كفيهِ في تأكيد..
برقت عينها ببريق الإعجاب، لذاك الرجل؛ رغم ما حل بهِ من مصائب ونكائب الا أنه دائم الحمد، نفضت إعجابها، وبعتاب :
-كده يا عم "صابر"؛ أمبارح عملتلك طاجن من الي وصى عليه لقمان، وفي الأخر متفتحليش..
تلاشت البسمة المُريحة لنفس، وحل محلها أخرى باهتة، مؤلمة تنخرُ العِظام من فرط قسوتها، ولكن عجز اللسان عن البوح، فاكتفي :
-السنوية بتاعتهم كانت أمبارح...
-ربنا يصبرك يا عم "صابر"، وسُرعان ما قلبت دفة الحديث للحديث عن أحوالها :- شوفت ربنا كرمني ازاي، وسارعت بإخراج النقود من حقيبتها لتضعها في يده...
-ربنا يرزقك يا بنتي، أنتِ قلبك طيب وربك كريم مع الصابرين يا ست البنات...
-المهم بقا قبل ما تروح الفلوس معاك تجيب كرسي لماما، أنت عارف مبعرفش اشتري الحاجات الكبيرة..
-طب استني اخد إذن وأروح معاكي تجبيه، وأرجع الشغل تاني...
حاولت جاهدة التملُص منهُ، من أجل أن تجعلهُ يشعر أن أحدًا مطلوبًا منهُ، كما يفعل الأب مع الأبناء : - لا أنا عندي شغل... وفرت هاربة قاصدة الطابق العلوي فوق المجلة؛ إعطاء المُتبقي من الفساتين للفتيات في الشركة التي فوقهم.
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا