مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات مع رواية رومانسية جديدة ذات طابع إجتماعى تدور أحداثه فى بيئة مصرية, وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل السابع من رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح.
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل السابع
تابع من هنا: روايات زوجية جريئة
رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل السابع
بعض الساعات تمر ببطء مُقيت يُصيبُ القلب بالخوف، ذاك الخوف النابت من مرارة الذكري مع الراحلين لدروب الحياة..
مرت ساعات الليل، وحان وقت بزوغ شمس الصباح، لتغزل خيوط الحياة في النائمين، فيهرعون إلى عملهم طالبين حق البقاء، ليعلو صوت التلفاز بذاك الصوت المُميز، الذي يحفظهُ من في البيوت حتى وأن لم يحفظًا حرفًا من كِتاب الله العزيز سوي الفاتحة والاخلاص، أكمل صوت تلك العِبارات المُحببة لنفوس من قناة الترتيل الشهيرة " قُرأنً يُتلى أناء الليل وأطراف النهار"... لتمتزج العِبارات بزفير أنفاسها، وعينها لم تطء باب سلطان النوم ليلة أمس، قلبها ما زال يأكُلها على ابنتها الصغرى؛ فهي تعلم سرعة غضبها ورعونتها في كثير من الأمور، ومع هذا فهي على عِلم بجميل ذاك "التوفيق" مُساندتُه لها في نيل فرصةُ عمل، ولكن أن تلجأ إليه أمس لأمرٌ يُثير الريبة في قلبها، ليس الأمر لقلة الثقة بابنتها، ولكن هُناك كثير من الخلق يُظهر خلف ما يُضمر لمأرب عدة لا يعلمها إلا الله.. عادت أنفاسها للخروج من جديد ولكن بصورة مسموعة مع حديث عقلها، لتُتمتم باستغفار : جيب العواقب سليمة يا رب... لتبتلع المُتبقي من حروفها مع..
علي الجانب الأخر في الغُرفة قبل قليل، كانت "رحمة" تجمع مُتعلقاتها في الحقيبة الخاصة بها، للاستعداد للمرور على "توفيق" قبل الذِهاب للجامعة لمعرفة الأوراق اللازمة لاستكمال دراستها الجامعية، ألقت نظرة راضية على هيئتها، بداية من خصلات شعرها المُجتمعة في ضفيرة خلف ظهرها، مرور بقميصها المُجعد نزولًا لسروالها، نظرة أخرى راضية عن حالها، قبل أن تصل يداها وتفتح باب الغُرفة، وقبل أن تتحرك صوب غرفة والدتها، كان صوتً يُناديها...
ابتلعت "نعيمة" حروفها الداعية، مع خروج ابنتها من الغُرفة، ليرتفع صوتها بحزم : "رحمة"..
لم يُصيبها الذهول من وجود والدتها بالردهة بقدر ما أصابها الاستغراب عن وجودها في تلك الساعة، فالساعة لم تتجاوز السادسة والربع بعد.. تحركت نحوها وبقلق ظهر جليًا في نبرتها : أنتِ بخير..
طفت بسمة حانية على رسومها الخائفة، سُرعان ما قتلتها مع نبرتها الصارمة : تعالي يا "رحمة"..
تسللت الريبة لقلبها، وبمشاكسة لتخفي ريبتها : "رحمة" وتعالي، هو أنا هببت أيه...
-بطلي غلبه، على فين كده..
-على الشغل..
-شغل أيه والنهار بيشقشق؟..
-"نونا" حبيبتي أنتِ عارفة أنا عندي ميعاد حقنة النهاردة الباشا، وهو عاوز يتكلم معايا في حاجة معرفهاش..
-" رحمة".
- والله دي الحقيقة..
-ماشي يا "رحمة"..
-امشي بقا...
حركت رأسها بإيماء خفيف للموافقة، وقلبها يتهدج لرحمان بالستر...
رأت موافقة والدتها، وفهمت تخوفها، لتهرول نحو رأسها، وتقبلها بعُمق وتهمس : الراجل قاعد على كرسي يا "نونا".. ادعيلي... وهرولت للخروج من البيت.. غافلة عن بسمة تتسرب لوجنتي والدتها مع دعاء صادق لها...
أنهت "صابرين" طعام الإفطار، وبتساؤل : قلبك أطمن؟..
تنهيدة طويلة كانت بداية الجواب : قولي يا رب، معندكيش شغل النهاردة؟..
-مفيش في المجلة، لكن هنزل وسط البلد أجيب القماش الي مطلوب..
-ربنا يوفقك يا بنتي ويوسع رزقك..
-يارب يا ماما..
**
غُربة الوطن، تلك الجُملة القاتلة لروح دون وجه حق، لمجرد تعلُق القلب بمكان ما في أرض الله، ولكن ماذا بيدنا أن نفعل سوى الرثاء بكُل ذرة دمع.. لم يغمض جفنها منذُ أمس، عينها جاحظة تُراقب زوال الليل وبزوغ الشمس، دون أدنى حركة، منذُ وصولها أمس مع ابنها لتلك الشقة، وهي لم تُغادر ذاك الكُرسي وعيناها ثُبتت كحال جسدها، وعقلها ما زال يرفُض تصديق كلمات زوجها، لتشق بسمة ساخرة وجنتيها عند همس عقلها بحروف زوجها، وباستنكار.. زوج من أهي تزوجت بالفعل!.. اهي رأت ما يُسمي بود الحياة!.. أهي لم تمُت ألف مرة مع زوج لا يُبالي بمشاعرها لم يُكلف نفسهُ عناء البحث عن تكوينها وما تُخفي واكتفي بما عرِفهُ الجميع... زفرت بألم وكأن أنفاسها ما هي الا خناجر أصابها وبائل الصدى ومع هذا وجب عليها إزهاق الروح .. حُبِست أنفاسها مع طرقات خافته على باب غُرفتها، قبل أن تُجيب بإذن الدخول...
ولأن سُلطان النوم عندما يهجُر يهجر جميع القلوب، تلك القلوب التي اتصلت بطرف خفي يُدعي برحمات الحُب، اكتفي بتبديل ملابسهُ وعيناهُ تحكي ألف قصة من الإنهاك، طرق باب تلك الغُرفة التي قررت الاحتماء بها أمس منذ دخولهم الشقة، تحرك بجسد مُحطم وطرق الباب بخفوت، ليصل إليه إذن الدخول، فيفتح الباب وقد اغتصب رسمتهُ من براثن الحُزن : صباح الخير يا "صافي"..
جففت دموعها اليابسة، ورسمت بسمتها المُصطنعة، وبخواء : صباح النور يا "خالد".
قرر التزام الصمت نحو حزنها، وأضاف : أنا نازل الشغل والبواب هيبعت حد ينضف الشقة..
-طيب..
نظرة مؤلمة أنفطر لها قلبهُ، قبل أن يستدير قاصدًا نيل القليل من الهواء، غير ذاك المُمتلئ بالأحزان..
**
دقت الساعة الجدارية في بهو المنزل تمام الثامنة، لتمتزج مع صياح غاضب خرج من شفتيها يحملُ الرفض التام لذاك العرض : طبعًا مينفعش يا باشا..
حرك "توفيق" رأسهُ بنفاذ صبر من تلك الغاضبة، ليتكلم بنبرة عملية : "رحمة" بالعقل كده واحد على كرسي هيعملك ايه!..
-الحكاية يعمل ول ميعملش خلاص، حرام..
-حرام ليه؟.. طب ما أنتِ معايا هنا لوحدك..
انطلقت حروفها كالمدفع دون تفكير : لا يا باشا الباب مفتوح والخادمة موجودة، ومراتك بتبقى موجودة.
-وليكن، "رحمة" دا رجاء اعتبري دا رد الجميل، وصدقيني هو...
-هو ايه بس، مينفعش نضحك على ربنا ونقول هو، وجميلك على عيني والله بس طلب دا صعب عليا..
-خلاص اتجوزوا..
فغرت فمها من الصدمة، وقاربت عينها على الخروج من مقلتيها : لا طبعًا دا جنان رسمي..
-هدفعلك كل الي أنتِ عاوزه، بس أرجوكي دا ابني يا "رحمة"..
-خليه يرجع المستشفى وأنا هكون مقيمة معاه أم البيت صعب..
زفر بيأس مُكملًا : دماغوا ناشفة مش هيرضي..
-طيب أيه رأيك تقنعوا يجي يعيش عند جارنا، هو راجل كبير ولوحدوا، وأقدر أعملوا كل حاجة وفي نفس الوقت حد هيكون معايا..
-ازاي بس..
-بس بتاعتي بقا، هات العنوان وأنا هتصرف.. لتنظُر إليه بترقُب وقلبها يخفق بقوة، وعقلها يُكمل تقريعهُ على ذاك الجِنان، ولكن يعلو صوت القلب من جديد بتلك النغمة الشاذة مع..
انفرجت شفتي "توفيق" بالموافقة : ماشي يا "رحمة"..
كادت أن تُصفق من فرط سعادتها وعينها ومضت ببريق خاطف كمن نال لتو جائز اليناصيب، وامتدت يدها لفتح هاتفها وتدوين العنوان الذي يُمليه عليها.. لتمر دقيقة وتنهض قائلة : عن اذنك يا باشا عندي شغل وبكرة... لتتوقف عن الإكمال مع..
بنبرته الواثقة : مفيش شغل أنتِ في أجازه مفتوح والمدير موافق..
حركت رأسها بنعم، ورحلت مع صخب قلبها، وحروب عقلها، لتعلوا راية السؤال ماذا ستفعل في والدتها؟...
**
انتصف النهار، والضجر ملأ روحهُ، وعظام جسدهُ تأن من الإرهاق، ليتوقف عن مُراجعة الحاسوب مع طرقات باب مكتبه، فيُحرك رأسهُ مُصدرًا صوت فرقعة العِظام : ادخل..
جلب "صابر" كوب الشاي كما طلب، وطرق الباب برفق مُنتظرًا الجواب، ليدلف إلى الداخل فور سماعهُ الأذن، لترتسم بسمتهُ البشوشة : اتفضل يا بش مهندس.. وانحي ليضع الكوب على سطح المكتب..
همس يكاد فارق حنجرتيهِ، بعِبارات مُقططِبه عن الشكر..
رأف قلبهُ لحال ذاك الشاب، وبنبرتهُ المُطمئنة : قول يا رب يا بني وسلم أمرك لله.
بنفس النبرة السابقة صُحِبت بتنهيدة حارة من قلبه :يا رب يا راجل يا طيب.. وتنحنح في إحراج : عم "صابر"..
-أومر يا بني..
-تسلم يا عم "صابر" بس الأنسة "صابرين" مشوفتهاش النهاردة هي كويسه..
رأي جيدًا تعثُر حروفه، وحركة عيناهُ المُتخبطة داخل مقلتيهِ، فابتسم بخُبث : الأنسة "صابرين" مبتجيش الشغل..
خفق قلبهُ بذُعر، وبرز ذاك السؤال المُلح بمعرفة السبب: ليه سابت الشغل؟..
-يابني هي بتشتغل بالرسمة، وجودها مش دائم، لما "ثروت" بيه بيطلب رسم مُعين بيكلمها...
ظهر الامتعاض من حديث "ثروت" لها، وتجلى هذا في حركة قدماهُ المُتوترة : "ثروت " بيكلمها.
-ايوة يابني، عن اذنك.. ورحل سريعًا وهو يبتسم بخُبث لذاك المُشتعل بالداخل؛ فقد رأي في عيناهُ مفهوم آخر لها، بعيدًا كُل البُعد عن نظرات "ثروت" لها، ليُتمتم بالدعاء لتلك الصابرة..
نظر "خالد" لدخان الخارج من قلب الكوب، كحال اشتعاله، ول يفهم ما الذي حل به فور معرفتُه بحديث "ثروت" لها، ولكن كيف لم يشتعل وهو كان خير شاهد على نظرارتهُ المُقيتة لها، شعر أن ظل أكثر من هذا في ذاك المكان سيختنق لا محال، فالجُدران تطبق على أنفاسُه، ليهب واقفًا مُلتقطًا مُفتاح سيارتُه، هاربًا من اشتعاله..
**
توقفت تلتقط أنفاسها الهاربة من السير نصف ساعة للوصل لتلك البناية التي يقطنُها، كانت في حاجة ماسه للاختلاء بنفسها دون ضجيج، أن تُفكر جيدًا في عواقب ذاك القرار، وماذا عساها أن تفعل في سُكان حيها وعمها؟.. إن رفضت ربما ستخسر عملها، فهي تعلم جيدًا قُدرة "توفيق" على فصلها، ولكن صدع قلبها مُبررًا الأمر بما يختلج بهِ صدرها "تُحبينهُ يا بلهاء، دون قيود وعقلك هذا ما هو الا قشرة ترتدينها".. زفرت بسأم فأمس عينها لم تنل من النوم سوي ساعتين أو أكثر بعد ليلة حافلة تتذكر فيها موجهُ الغاضب، حتى في نومها كان مُرافقًا لها، دارت التساؤلات برأسها، وعينها تبحث عن حارس البناية، لتعرف الطابق المنشود، قبل أن تعقد عزمها على الصعود لهُ... مرت دقائق ولم تجد الحارس فذهبت للكُشك المُقابل؛ لتعرف أن كانت هي البناية المنشودة أم لا وتعرف الطابق الخاص به، وما هي الا دقيقتان وكانت تصعد لوجهتها وعينها تُراقب اللافتة لتقع على اسمه، فتطرُق الباب، ولكنهُ مفتوح، وبشيء من الريبة، صدع النداء على اسمه : "حازم" "حازم"، ويدها ما زالت متشبثة الباب ، وعندما كان الصمت هو الجواب، تحركت قدمها كمسلوب الإرادة، وعينها تتجول في ارجاء الشقة باحثة عن تأكيد شكوكها بوجود سارق، وقبل أن تُكمل بحثها صدع صوت جعلها تطلُق صرخة خائفة...
أنهى "حازم" لتو كوب الحليب الخاص به، فهو يلتزم بنظام غذائي مُعين ول يستطيع مُخالفتُه، ليصل لاذُنيه نداء انثوي باسمه، فينعقد حاجبيهِ في ذهول، ويتحرك للخروج من المطبخ قاصدًا الردهة، وسُرعان ما زاد عبوس ملامُحه مع رؤيتها، لتنفرج شفتاهُ بضيق : بتعملي ايه هنا؟..
اجفلت لوهلة من نبرتهُ الغاضبة، وارتدت قناع الجمود، وتحركت لتقف بجوار الباب، وبنبرتها القوية : شغلي يا كابتن..
باستنكار :شغل ايه؟.
-"توفيق الرماح"..
مسحة من الحُزن طفت على أمواج بحره، فحطمت نسيمها الخاطف، سُرعان ما استعاد استنكارُه : وبعدين..
-ول قبلين المفروض حضرتك تسمع كلامي الفترة الجايه لحد ما تخف إن شاء الله..
-كلامك أنتِ..
بلعت سُخريتهُ الظاهرة وبشموخ : أيوه، لما هتفضل على الكرسي لأجل غير مُسمي، فبهدوء تسمع الكلام ونعدي الفترة الي جايه على خير عشان نخلص وارتاح..
لم يُنكر إعجابهُ بها، ولما لا فقد رافقتهُ في نومة وقت مكوثُه في المشفى، وصوتها الغاضب لا زال يذكُرهُ، لترتسم بسمة مُسلية قاصدًا إثارة خوفها : ومش خايفه مني والشيطان شاطر..
-الشيطان... مع راجل متكسر مينفعش يا كابتن.. لتبتسم بصلابة دون أن تُعيرُه أدنى انتباه..
تهجمت تعابير وجهه، وخرجت حروفهُ شبه ثابته، فلم يتبقى سوى تلك : متنسيش نفسك أنتِ هنا خدامة..
ابتلعت اهانتهُ، وبنفس النبرة السابقة : عيب تبقى كابتن ومعندكش أدنى خلفية على مستويات التعليم في مصر والمؤهلات، لكن هعديها وأقول الكسر أثر على دماغك.. وسارعت بإخراج هاتفها وبتساؤل : فين الأدوية بتعتك..
-مفيش..
تجاهلت حروفه، وأكملت : مواعيدي من 8صباحًا إلى 8مساءً، كُل التمارين وجلسات العِلاج هتبقى في مواعيد وجودي، والأدوية المسائية هسيبهالك جنب السرير، لكن بكرة في ميعاد مع الدكتور عشان يحدد مدة الجبس وبعدين نشوف جلسات العِلاج..
بهدوء يُنافي اعجابهُ بها : ليه..
-ليه ايه؟..
-جيتي هنا..
-شغل يا كابتن، عن اذنك، وبلهجة ساخرة.. ياريت تشوف حد ينضف الشقة، أنا هنا للأدوية وبس... وتحركت لتتجول في أرجاء البيت، وتضيف :باب الشقة هيفضل مفتوح طول فترة وجودي.. وانعطفت داخل الردهة المُتفرعة لباقي الغُرف...
راقب رحيلها وبسمتهُ تتسع تدريجًا، وعقلهُ يُنكر تصديق حُلم الأمس، فقد رأي ما حدث وكأنهُ يُعرض أمامهُ من احدي الشاشات.. ليُحدث نفسهُ قائلًا : معقول أكون اتجننت ودي هلاوس، ول بجد.. مش معقول زي ما شفتها، أكيد في حاجة غلط...
**
على الرغم من قُرب غروب شمس النهار، الا إنها لم استطيع إنهاء شراء المُتبقي من القِماش، زفرت بتعب فقدمها عجزت عن السير، ويدها شبه تورمت من حمل الأكياس؛ فتلك الأقمشة المطلوبة لا تجدها في محل كامل، بل تبحث هُنا وهُناك، زفرت للمرة التي لا تعرف عددها، وقد أُنهكت بالفعل، لتذهب للجلوس مُنتظرة مرور سيارة أجرى، والمتبقي ستأتي به في يوم أخر، ظلت عينها تُراقب تواري القُرص الذهبي خلف حاملًا شُعاع خافت من الضباب ، وقبل أن تسقُط في ذكريات تؤلم الروح...
بمجرد انتهاء دوامهُ قرر "خالد" أن يجوب شوارع القاهرة دون هدى، فهو في حاجة مساه أن يختلي بنفسه، ظل يتحرك بسيارتهُ من الثانية ظهرًا، حتى مُقاربة السادسة مساءً، لتقع عيناهُ عليها جالسه، ولمحة من الحُزن تحتل رسومها، لينقبض قلبهُ، ويوقف السيارة، ويركض نحوها، وما هي الا دقيقة وكأن يقف أمامها، ولكنها لم تراهُ فغيوم عينها قد حجبت الرؤية، ليجلس صوته بعدما اعترف القلب ما يُخفي، وبنبرة رخيمة :رانيا "صابرين"..
دقيقة اثنان، وعادت الرؤية لعينها من جديد، لتجد أبعد ما يُمكن أن تراهُ أمامها، وبذهول : أنت..
جلس على تلك الأريكة المعدنية المُخصصة لانتظار الموصلات، وعيناهُ سقطت لقدمه : محتاج اتكلم معاكي..
وكأن الذهول ينقصُها، وقلبها بحاجة لألم أخر، فنفرجت شفتها بدون تصديق : أنا..
-ايوه، ممكن نتكلم، في أي كافيه أو على الكُرنيش..
العقل والمنطق يُجب عليها الرفض، ولكن قلبها الأحمق بخفقاتهُ المُتألمة يرفض، فحركت رأسها بإيماء خافت... مرت دقائق، وكانت تجلس في أحدي الكافيهات، وعينها تُراقب المارة تنتظر ذاك الحديث الذي سيُزيد همومها، فعيناهُ خاليه من تلك النظرة المرحة التي رأتها في المرات السابقة، وقبضة فولاذية تزداد من الضغط على جُدران قلبها، لتسأل بتردد :أنت كويس..
تنهيدة حارة انبثقت من نيران روحه، ليُضيف بإنهاك : تعبان.. كُل حاجة عكس ما أتمناها، وهنا تسللت بسمة ساخرة في ظاهرها، مؤلمة في باطنه.. عارفة أنا كان نفسي يشوفني، تقريبًا أنا وجودي كان غلط هو كان قبلي وبعدها كانت المتاهة الكبيرة هو خايف يواجه أو هربان، وهو كان متلخبط زي يمكن دا كان السبب الي يجمعنا لكن لا هو عرف يكون جنبي أو جنبو، هو عاش.... وبتهكم... يمكن أنا الي مت لما فكرت اخسر حياتي عشان أثبت وجودي..
البلاهة أقل شيء يُمكن أن يصف تعابير وجهها المُتخبطة، لا تعرف ماذا تقول؟.. ومن هو؟.. ولكن ما تستطيع فهم أن الألم عجز القلب عن تحملهُ فبات وقت البوح، والبوح كان لقلب يخفق بحركات شاذة عن الحركة الرتيبة دائما.. لتحاول جاهدة جمع بضع حروف وتُضيف : هتبقى كويس... ولتسقط في حديث دائما لذات ولكن اليوم سيكُن نُصح باهت للغير... كُل الي فات هيبقى ندبة كبيرة أوي هتقسم كل حاجة جواك بس مع كل فراغ بينهم هتلاقي حاجة جديدة بتتولد ممكن قسوة إهمال برود لكن الأكيد في طيف للحياة هيمر بينهم هيكون هو الطريق بتاعك من غير هم أو هو...
-يمكن... ليُجلي صوته من تلك النبرة المُنهزمة بأخرى ثابته قليلًا : شكرًا..
حُبِست أنفاسها لثواني معدودة قبل أن يصدع الناقوس الأعظم أنه قد رحل مع الراحلين، ويصدع القابع بين الأضلُع بإستحياء عما حل به، لتُضيف بحشرجة : طيب ممكن نمشي..
شفت بسمة غير مُناسبة للوضع البأس تعابير وجهه، ليُكمل : شكلي وقعت..
ببلاهة : ايه؟..
-ول حاجة يلا نروح..
**
يحل المساء بحجابهُ المُهيب فيُصيب بعض القلوب بهلع النهاية، ولكن هُناك قلوب احتلها الهلع منذُ ليلة أمس تلك الليلة التي ذهبت بعقولهم إلى أبشع القصص في قضايا الطفل، وادمت قلوبهم من شبح الفُراق...
تملمت "جميلة" في جلوسها وخوفًا ما يتسلل لقلبها، وتردف بذاك السؤال الواجب منذ البارحة :البت فيها حاجة، أنت لقيتها فين يا "حمدي"..
زفر للمرة التي لا يعرف عددها ويُجيب بنفس الجواب : ما قولتلك يا "جميلة" جنب الشجرة الكبيرة الي على أول الحارة..
بقلق أم :أنا قلبي مش مطمن..
خرج "جابر" عن صبرة : ما كفايا بقا وفضيها سيرة ما البت في حضنك اهي، واخوكي قالك انها نامت جنبها.. وهب واقفًا للخارج يُتمتم.. عيشة تقصر العُمر...
لم تُلقي بالًا لحديث زوجها، وشرعت في تساؤل جديد : عملت ايه..
وضع "حمدي" كوب الشاي الذي يحملُه بعدما فشل عدة مرات في رشفة القليل منه؛ بفعل حديث أخته، ليُجيب بنفاذ صبر : ايه تاني؟..
-ايه يا اخويا مالك الله..
-"جميلة" انزلي من على دماغي، إلي فيا مكفيني، وهب واقفًا قاصدًا باب البيت...
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا