رواية رضوخ للعشق بقلم قسمة الشبينى - الفصل الثانى عشر
اقرأ أيضا: روايات رومانسية عربية كاملة
تابع أيضا: قصص رومانسية
رواية رضوخ للعشق بقلم قسمة الشبينى - الفصل الثانى عشر
وجدت فاطمة نفسها وحيدة تنظر إلى الطاولة التى خلت من أصحاب المنزل وإلى الطعام الذى لم يمس لتأمر الخادمة برفعه فبعد بداية اليوم بهذا الخبر لا تشعر بالرغبة فى اى شىء.
قررت مساندة زوجها وترك هذا المنزل الذى طالما كان بارداً للقلوب لكنها كانت تتغاضى فقد عاشت عمرها كله بين جدرانه ويبدو أن الوقت قد حان للرحيل.
لما لا!!! وقد تبددت روحه مع وفاة زوجة عمها التى لم تظن يوما أن معاناتها مع عمها متحجر القلب وصلت لهذا الحد من الإهانة، لم يمر على موتها سوى ساعات وها هو يعلن عن زوجة أخرى ويبحث عنها أيضاً، ربما يريد أن يسكنها فراشها فهى لا تستبعد اى جمود قلب على مثل هذا الرجل، عليها أن تشكر الله ليل نهار أن زوجها لم يرث هذا الجمود وهذه القسوة.
اتجهت للأعلى فعليها البدء بجمع متعلقاتها وزوجها ولن تنسى ما جمعته بالأمس، لقد قتلت زوجة عمها قهرا وهى تحيا لسنوات ترعى زوجة أخرى لزوجها دون أن يعلم أى إنسان بما تعانيه، وما دام ارتضى بأخرى فليكتفى بها هى ستصحب كل ذكريات أمينة معها وأولها تلك الصورة التى تركتها بغرفته أمس ظنا أن زوجها فقط يمر بدوامة ألم فقدانه لأمه.
اتجهت إلى الغرفة ونزعت الصورة عن الجدار لتضمها بود ثم تغلق الغرفة وتغادر .
********
دخلت أمينة للمنزل وكان أبيها وصديقاتها حول مائدة الإفطار ويبدو أن الجميع ينتظر عودتها، جلست بجوار أبيها لتقول: انا اكلت رمان مش هقدر أفطر دلوقتى.
نظر لها أبيها ودون أن يتساءل أجابت: قابلت هلال وانا بتمشى .
بدأ تناول الطعام في صمت بينما تشاغلت بهاتفها عنهم فلا هى على استعداد للحديث ولا أحدهم يحب اختراق خصوصيتها.
غادر صديقات أمينة عدا مها وبعد توديعهن عادت أمينة إلى المنزل فقد أخبرها أبيها ليلة أمس أنهم سيتوجهون فى الصباح للمنزل الكبير مجددا حتى تنتهى أيام العزاء الثلاث.
لم تشعر بالرغبة فى التواجد بمنزل جدها فيبدو أن هذا المنزل فقد جزءًا من روحه لا احد ساكنيه لكنها مضطرة لتنحية رغبتها جانباً هذه الأيام فتغالب نفسها بين الذهاب والتراجع.
تجلس وصديقتها بينما أبيها ينهى بعض أعماله عبر الهاتف لتتقدم دهبية معلنة: الحج سليمان واستاذ مهيب
أشار لهما جمال ليجلسا قرب أمينة التى دهشت لتلك الملامح التى تكسو وجهيهما فتشير لمهيب الذى لم ينتبه فتقول مها هامسة: الظاهر حاجة كبيرة ابن عمك ده مش بيكشر كده ابدا
انتبهت لها أمينة لتتساءل: وانت واخدة بالك اذا كان بيكشر ولا لا؟
وكزتها مها لتصمت وتسأل عمها: فى إيه يا عمى؟
تنهد سليمان ولم يتحدث فهو بعد إعلان أبيه زواجه من جليلة فاض ألمه عبر قسماته معبراً عن معاناته منذ أفضت أمه بما عانته أمام عينيه دون أن ينتبه.. ربما لن يشعر جمال بهذا الكم من تأنيب الذات فقد كان غائباً لسنوات خلت .. لكنه كان بالقرب منها يشاهد عذابها مع صمت مطبق .
أهمل جمال متابعة أعماله فهو يرى أخيه بهيئة غير مطمئنة لذا اقترب مسرعاً: خبر إيه يا سليمان؟
رفع سليمان عينيه وقد كسى الحزن مقلتيه: انى ماليش عيش فى الدار دى يا جمال.. ده امى لسه دمها مابردش وهو قايم من النوم يدور على جليلة .
قطبت أمينة جبينها بتساؤل: مش دى اللى كانت بتقعد مع تيتة الله يرحمها .
عجز سليمان عن التحدث ليحل مهيب محله: ايوه يا أمينة وجدك كان متجوزها فى السر بس ستى الله يرحمها كانت عارفة وكانت رفعاها فوق الخدم علشان كده لا كانت بتشتغل زى الخدم ولا حد فينا يقدر ينادى لها بإسمها.
اتسعت عينا أمينة مع صراخ الألم بصدرها، تجمعت دموعها لتمسك مها ذراعها دعما بينما تابع مهيب: النهاردة الصبح الخالة جليلة سابت البيت وجدى دلوقتى بيدور عليها بس انا عارف هى فين ومش ناوية ترجع الدار تانى يا أبا ولا هترجع لجدى.
انتبه له الجميع وتساءل سليمان: وانت عرفت منين؟
إلتقط نفسا عميقا واجاب: اصلى انا اللى ساعدتها تهرب من الدار
انتفض بدن سليمان برجفة غضب ليسترضيه جمال: حلمك يا سليمان نفهم منه اللى حصل
حمحم مهيب ثم قال: انا اعرف إن جدى اتجوزها من يجى خمس سنين .. كنت لسه فى الجامعة ونازل الغيط بعد الفجر اروى قبل ما اروح الجامعة وشوفت جدى وهو خارج من أوضة خالة جليلة
عودة للوراء
هبط مهيب الدرج بخفوت قبل صلاة الفجر فهو لا يريد إزعاج أحد ولا يريد أن يشعر مروان بمغادرته فيحاول أن يمنعه مظهراً نفسه بصورة الأخ الأكبر ليحظى بالمزيد من اهتمام جده وتشجيعه وهو بالفعل المفضل لديه ولا يطمع مهيب فى الحصول على مكانته لكنه يتمنى أن يماثله فقط .
شعر بحركة فى الدور الأول ليسرع خطاه متفقدا ما يحدث.. تصلب بدنه وهو يرى جده يغادر غرفة جليلة الخادمة وهى تشيعه برداء سهل عليه التأكد من سبب تواجد جده بغرفتها فى هذا التوقيت.. سحب نفسه ليختفى خلف الستائر وقد ثار صدره غضبا لما يرى وعجز عقله عن توجيهه لتصرف مناسب.
ارتقى جده الدرج واختفى عن ناظريه ومرت دقائق وهو بمكانه عاجز عن إتخاذ خطوة واحدة.. جالت أمام عينيه صورة جدته وسمع صوتها يتردد وهى تنهره مطالبة الجميع بتلقيب جليلة بالخالة جليلة.. اندلعت حمم غضبه وهو يرى الخادمة التى رفعت مكانتها جدته تسرق جده منها بهذا الجحود ليجبر نفسه على التحرك قدما.. وقف بباب غرفتها يطرقه بحدة فسمع صوتها يستبقى الطارق لحظات وكانت أمامه بردائها الأسود الذى يراها به منذ نعومة أظافره وهى تجلس مطبقة الفم بجوار جدته .
دفع الباب واقتحم الغرفة لكنها لم تتعجب أو تبدى اى فزع بل أغلقت الباب بهدوء ووقفت أمامه ليقول: بقى دى اخرة المعروف اللى ستى بتعمله فيكى؟؟
نظرت أرضا ثم اتجهت للفراش بخطى منهكة: لو بخاطرى كنت رفضت ولا هجيت لكن ربنا يكفيك شر الحاكم الظالم .
لم يرأف بها مهيب ولم تردعه لهجة الإنكسار بصوتها وتابع: عاوزة تفهمينى أن جدى بيدخل عندك غصب عنك؟
رفعت رأسها تواجه غضبه وتدافع عن نفسها للمرة الأولى: جدك جوزى على سنة الله ورسوله.. مش هقولك اتجوزنى غصب عني، انا كنت هطير من الفرحة لما شيع لى يوم وقالى أنه بده يتجوزنى.. يومها ستك كانت فى دار ابوها وقبل ما ترجع المغربية كان عقد عليا فى المركز .. ما أنا زى الهبلة جريت وراه من غير عقل ولا تفكير .. عاش معايا كام شهر يجى لى بالليل من غير ما حد يدرى بيه وأنى كنت بردو هطير من الفرحة وراضية.. لحد ما ربنا رزقنى وحملت منه.. يومها ...
صمتت لحظات كأنها تستجمع شتات روحها أو تغالب قلبها لتتابع بينما صمت مهيب وقد نزلت عليه الكلمات كصيب من السماء أصاب عقله وقلبه يصرخ يستحث الكلمات منها لتتابع بعد لحظات: يومها كدبت على ستك وقولت لها هروح ازور ناس قرايبى حسب أوامره وروحت معاه للحكيم وهناك مش بس قاله ينزل العيل لا ده قاله مش عاوزها تحبل أبدا
ابتلعت غصة قوية تكاد تزهق أنفاسها وشعر بها مهيب ثم تابعت: من يومها مش بس كرهته.. انا كرهت روحى وكرهت الدنيا كلها.. ما انى كنت غبية واحد زى جدك هيعوز إيه من واحدة زيى غير مزاجه.. واحد معاه واحدة حسب ونسب واصل يبص لواحدة مقطوعة من شجرة زيى ليه؟؟
عادت عينيها تنظر لوجهه لكنه لم ير سوى الألم وهى تقول: جدك سرق عمرى كله بقولة على سنة الله ورسوله وهو عارف كويس اوى انى لا هقدر اقوله لا ولا هعرف أقوله اعتقنى لوجه الله .. بس ربنا مطلع وشايف.
نكست رأسها بنفس الطريقة التى يراها تجلس بها قرب جدته دائما منذ وعى الحياة لكنه عجز عن تحمل الحقيقة المجردة أمامه وهى تمد كفها أسفل الوسادة لتخرج ورقة وضعتها فى كفه ليفحصها ويتأكد من تاريخ الزواج الذى يتقارب كثيرا مع ميلاد أبيه .
وضع الورقة بالقرب منها وسحب قدميه خارجاً وبدلاً من التوجه للخارج صعد لغرفته مجدداً وقد انهكت روحه التى لم تزل ببراءة بداية العمر برؤية هذه الصورة من جده التى بدت له ابشع مما يمكنه أن يتحمل . فليكن مروان المفضل لدى جده او يكون الوحيد لم يعد يهتم.
تنهد مهيب وهو يعود من ذكرياته ليقول: حق ربنا صعبت عليا وحسيت إن الجانى عليها وعلى ستى واحد .. من يومها لا كلمتها ولا كلمتنى كل واحد بيبص للتانى ويسكت بس امبارح بعد الدفنة طلعت اوضتى اغير علشان انزل أقف فى الصوان ولاقيت الخالة جليلة بتخبط على بابى لأول مرة فى حياتى .
صمت مهيب يتذكر هيئة جليلة المزرية بالأمس والتى هرولت تختفى بغرفته فور فتحه بابها.. اغلق الباب ودار ينظر لها بتلك الهيئة التى اعجزته عن الحديث لتقول: والله موتها كسر قلبى انى مش فرحانة أنها ماتت أنى عارفة أن ظلمه قتلها.
مسحت دموعها وتابعت: انى محدش يعرف انى مراته غيرك يابنى وانى واقعة في عرضك تخلصنى وتخرجنى من الدار دى
رأى تشتت ذهنها وهى تشير فى إتجاهات متعاكسة بلا هدف: ولا ليا اهل ولا ليا مكان اروحه.. مش عارفة لو خرجت هروح فين وهعمل ايه بس خلاص انى فاض بيا.. هيعمل فيا ايه اكتر من اللى عمله فى بنت عمه اللى من لحمه ودمه.. مايقبض الروح إلا اللى خالقها وانا حكمته فى جدك وهو قادر يرد حقها وحقى.
كان تعاطفه معها طيلة الأعوام السابقة رغم صمته الدائم يصل إليها لذا بادرت بطلب مساعدته هو وهو لن يردها خائبة لذا قال بهدوء: حاضر يا خالة جليلة.. ستى عاشت عمرها تكرمك ومش هتتبهدلى بعدها.. تعالى لى مع تراقريق النهار على أول ارضنا وأنا من هنا لوقتها هدبر لك مطرح تدارى فيه لحد ما ربنا يفرجها وتشوفى هتعملى إيه .
تهلل وجهها رغم الدموع التى لم تتوقف واسرعت تغادر الغرفة: كتر خيرك يا ابنى
أخرجه إبيه من شروده متسائلا: ووديتها فين ؟
نظر نحو أمينة ولم يجب لتقول وكأنها تقرر ما حدث: عند هلال
أومأ بصمت لينهره عمه: انت عارف لو جدك عرف هيعمل ايه؟؟ هيقيد نار القديم من تانى ويطيح فى الكل وأولهم ابوك
زفر مهيب بضيق: اعمل ايه يا عمى؟ انت لو مكانى واستجارت بيك حرمة كنت هتعمل ايه هتخاف من جدى؟
نهرته نظرات جمال الذى احتد: بس مش توديها عند هلال.. الحكاية مش قصة هلال نفسه بس قصة دار البحيرى
قاطعته أمينة: وعلشان كده جدى عمره ما هيفكر أنها عندهم.. مهاب فكر صح . وممكن واحنا نازلين مصر ناخدها معانا
عاد جمال يحتد لكن هذه المرة أيده سليمان: تاخدى مين؟؟ الست اللى قهرت جدتك فوق الأربعين سنة !!
نظرت أمينة لعمها بهدوء: اللى قهر جدتى هو جدى نفسه لا جليلة ولا غيرها بالعكس ده قهر جليلة نفسها لما استخدمها آلة للمتعة وحرمها من كل حقوقها الطبيعية والإنسانية.
تلون وجه سليمان كاتما غضبه ليقول جمال: فى دى أمينة معاها حق يا سليمان وأحنا لو ساعدنا جليلة دلوقتى هنبقى بنكمل اللى امى الله يرحمها عملته لما قعدتها جمبها علشان تحسسها بس انها ست فى البيت مش مجرد خدامة .. امك يا سليمان كانت عارفة بجوازه عليها من اول ليلة مش جليلة اللى لازم تتحاسب ولأننا مش هنقدر نحاسب ابونا يبقى مساعدة جليلة أضعف الإيمان.
عاد سليمان لشروده وصورة أمه تراود عينيه عن الواقع ليلهث خلفها فى خياله ويرى ما كانت تفعله لأجل جليلة.. ربما لم ولن تعرف جليلة مطلقاً أن أمينة علمت بشأنها لكن رغم ذلك لم تتحمل الحياة يوماً واحداً فى منزل أبيه بدون حمايتها .. كانت أمه درع جليلة وهو لن ينزعها حمايتها لموت أمه.. جميعهم على حق؛ أبيه هو الجانى الأول والوحيد على الجميع.
تابع من هنا: جميع فصول رواية اماريتا بقلم عمرو عبدالحميد
تابع أيضاً: جميع فصول رواية انتقام اثم بقلم زينب مصطفى
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات مصرية كاملة
اقرأ أيضا: رواية شرسة ولكن بقلم لولو طارق
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا